السبت ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد نادر زعيتر

عين جالوت قمة الانتصارات العربية

شامٌ ومصرُ إن هما تلاقيا

كان العُجابُ في مهاد الأنبيا

الوضع العام

في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي في القرن السادس الهجري.
كان الوضع في بلاد الشام شديد التعقيد والتشابك، سريع التحولات، فالمدن العربية الكبرى: بغداد ودمشق وحلب وحماة، سقطت كلها بيد المغول ونهبت واستبيحت، وكثير من القادة حينذاك أعلن ولاءه لهولاكو أو انضم إلى جيشهم ومنهم من لجأ إلى مصر حيث دولة المماليك. أما في ساحل بلاد الشام فكان ثمة إمارات الصليبيين باستثناء غزة التي احتلها المغول.

وفي بغداد مقر الخلافة العباسية كان على رأس الحكم أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بالله (640-656هـ) وهو الخليفة العباسي الرابع و الثلاثون و آخرهم فى بغداد ، أمه كات جاريه اسمها قوت القلوب. وصفه المؤرخون بالضعف و قلة العقل. و قال عنه المؤرخ ابن أيبك الدواداري إنه " كان فيه هوج، وطيش، وظلم، مع بله، وضعف، وانقياد إلى أصحاب السخف. يلعب بطيور الحمام، ويركب الحمير المصرية الفراء ". رفض بصفته الخليفة المركزي الاعتراف بالسلطانة شجرة الدر فى مصر و بعث للمصريين يقول لهم : " إذا كات الرجال عدمت عندكم قولوا فنبعث لكم رجالاً ". اتصل بالمغول و بعت لهم هدايا وأموالاً لكي يحتفظ بملكه. لكن الأمور سارت بمنحى آخر. كما سيلي.
وأما في مصر فقد كان يتولى السلطان "المظفر قطز" السلطنة فيها، بعد اضطراب كبير، نتيجة اغتيال المملوك الحاكم "عز الدين أيبك"، ومقتل شجرة الدر.

من هم المغول والتتار؟

المغول والتتار قبائل من الترك البدو كانوا يسكنون الجزء الشرقي من بلاد التركستان وما يليها شرقاً من بلاد الصين في العصور الوسطى، ويذكر مؤرخو الترك ونسابوهم أن ألنجة خان أحد ملوك الترك ولد له في الأزمنة القديمة ولدان توأمان هما مغول خان وتتار خان وقد تفرعت منهما قبائل المغول والتتار، وقد سيطر المغول على من سواهم بعد نزاعات بينهم حتى عهد جنكيز خان.
ولد جنكيز خان سنة 549 هـ ولما بلغ الثالثة عشرة من عمره توفي أبوه وانفض أكثر قبائل المغول من حوله لصغر سنه، فلما بلغ مبلغ الرجال ظهرت مواهبه السياسية والعسكرية فجمع قبائل المغول حوله وسنّ لهم قانونا يسيرون على هديه ويحكمون بمقتضاه ووحد صفوفهم واستعان بهم على توسيع ملكه.

أسباب غزو المغول للبلاد المجاورة:

أما السبب المباشر لاجتياح المغول الوثنيين لبلاد الشرق المتوسطي بدءاً من مملكة خوارزم شاه فهو طمع والي أحد ثغورها على نهر سيحون في أموال جماعة من التجار المغول كانوا قد جاءوا إلى هذا الثغر سنة 615هـ ومعهم أموال طائلة.

ولما بلغ ذلك جينكيزخان تصاعد غضبا وأرسل رسولا إلى خوارزم شاه يطلب إليه تسليم هذا الوالي ليقتص منه فارتكب خوارزم شاه غلطة بأن قتل رسول خان المغول. (خان بمثابة الملك).

واصلت جيوش المغول سيرها نحو الشرق، ولما تمض سوى فترة قصيرة حتى بسط المغول سيطرتهم على بلاد فارس وتوفي جينكيزخان سنة 624 هـ بعد أن اتسعت امبراطوريته ،ولما أحس بدنو أجله قسم إمبراطوريته بين أبنائه الأربعة والذي يعنينا منهم حفيده "هولاكو خان" الذي طمع في توسيع رقعة ملكه على حساب الدولة العباسية وأخذ يتلمس الأسباب لتحقيق غرضه فأرسل إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله يدعوه لمساعدته على حرب الحشاشين ، ولكن الخليفة لم يلب الطلب فاتخذها هولاكوخان ذريعة لمهاجمة بغداد وأرسل إليه عدة إنذارات سنة 655هـ كان آخرها رسالة هولاكو : " عندما أقود جيشي الغاضب إلى بغداد, ساقبض عليك سواء اختبأت في الجنة أو في الأرض. سأحرق مدينتك وأرضك و شخصك. إذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة, أسمع نصيحتي, وأن أبيت ذلك فسترى مشيئة الله فيك"
يئس هولاكو من إقناع الخليفة العباسي بالتسليم؛ فشرع في الزحف نحو بغداد وضرب حولها حصاراً شديداً، واشتبك الجيش العباسي الذي جهزه الخليفة العباسي بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقوات المغولية فكانت الهزيمة من نصيبه، وقتل عدد كبير من جنوده لقلة خبرتهم بالحروب وعدم انضباطهم، وفر قائد الجيش مع من نجا بنفسه إلى بغداد

أحس الخليفة المستعصم بالله بالخطر، وأن الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في التوصل إلى حل سلمي مع هولاكو، لكن جهوده باءت بالفشل؛ فاضطر إلى الخروج من بغداد وتسليم نفسه وعاصمة الخلافة إلى هولاكو دون قيد أو شرط، وذلك في يوم الأحد الموافق (4 من صفر 656 هـ= 10 فبراير 1258م) ومعه أهله وولده بعد أن وعده هولاكو بالأمان.

كان برفقه الخليفة حين خرج 3 آلاف شخص من أعيان بغداد وعلمائها وكبار رجالها، فلما وصلوا إلى معسكر المغول أمر هولاكو بوضعهم في مكان خاص، وأخذ يلاطف الخليفة العباسي، وطلب منه أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم، فأرسل الخليفة المستعصم بالله رسولا من قبله ينادي في الناس بأن يلقوا سلاحهم ويخرجوا من الأسوار، وما إن فعلوا ذلك حتى انقض عليهم المغول وقتلوهم جميعا..

وقد أجمل ابن طباطبا ما نزل بأهل بغداد في قوله: "فجرى من القتل الذريع والنهب العظيم والتمثيل البليغ ما يعظم سماعه جملة فما الظن بتفصيله".

وكان ما كان ما لست أذكره

فظن ظنا ولا تسأل عن الخبر

وأصبحت بغداد التي كانت مضرب الأمثال في سعة العمران وتقدم الحضارة قفراً موحشة وتراكمت جثث القتلى في شوارعها فغيرت رائحتها وحدث بسبب هذا التغير وباء شديد راح ضحيته خلق كثير، وفرّ بنفسه من أمكنه الفرار من أهل المدينة إلى بلاد الشام، أما الخليفة ومعظم أفراد أسرته فقد خرجوا إلى هولاكو ولكنه أمر بقتلهم بعد أيام ولم يترك سوى الابن الأصغر الذي يقال إنه تزوج بعد ذلك من امرأة مغولية وأنجب منها ولدين .

ومهما يكن من أمر فقد كانت هذه هي نهاية الدولة العباسية بعد أن حكمت خمسة قرون وربع قرن تقريبا وازدهرت في عصرها الحضارة الإسلامية ازدهارا ظل حتى اليوم مضرب الأمثال في الشرق والغرب.

غارات المغول التالية:

أرسل هولاكو بعد استيلائه على بغداد كتائب من جيشه استولت على بقية مدن العراق ثم اتجه على رأس جيشه لفتح بلاد الشام وكانت مقسمة إلى إمارات يحكمها أمراء من الأيوبيين وحاصر مدينة حلب وفتحها سنة 657هـ وأباحها لجنده سبعة أيام يقتلون وينهبون أما القلعة فإنها قاومت أربعين يوما وأسر المغول كثيرا من مهرة الصناع ونقلوهم إلى عاصمة ملكهم لينتفعوا بفنهم ويستفيدوا من خبرتهم .
ولما سمع أهل دمشق بما حلّ بإخوانهم من أهل حلب وما حولها أرسلوا وفداً من الأعيان إلى هولاكو يعلنون الخضوع والولاء وتسليم المدينة فأمنهم على حياتهم.

وكان الملك الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب قد أرسل إلى مصر الصاحب كمال الدين المعروف بابن العديم يستنجد بها لصد تيار المغول ولما استقر الحكم فيها لسيف الدين قطز ردّ على رسالة الملك الناصر بأنه سيصل إلى الشام على جناح السرعة لنجدته وعاد ابن العديم يحمل رد السلطان المظفر قطز .

وإّذ ذاك ورد إلى قطز وفد من "هولاكو" يحمل إليه إنذاراً بالخضوع والإذعان لسلطته.

إنذار هولاكو

جاءت رسالة هولاكو مع أربعة من الرسل التتر..وقرأ قطز فإذا فيها ما يلي: 



بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه..
الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك"..
صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..
أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه..
فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر..
فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم..
قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ..
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى..
فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..
فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب..
فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ 
وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟
 فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص
فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق..
وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال! 
فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع! 
لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..
فأبشروا بالمذلة والهوان
) فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(..
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة..
وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل..
 فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب..
قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها..
فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً..
وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..
فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم

كان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م".
فلما سمع السلطان قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، وكانوا أربعين رجلاً، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا- أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين - كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة".
أخذ السلطان يجمع الرجال والأموال والسلاح ويستعد لصد المغول وأدرك أن مهمته على جانب كبير من الخطورة فالشعب الذي سيواجه به المغول قد استولت عليه الرهبة واستبد به الخوف من هول ما سمعه عن فظائع المغول ووحشيتهم وسفكهم للدماء وتخريبهم للديار فضعف روحه المعنوي عن الجرأة على الوقوف في مهب هذا الإعصار المهلك.

ولم يوهن من عزم السلطان قطز أو يضعف من تصميمه على الخروج لمنازلة المغول ما سمعه من أقوال المرجفين ولم يأبه بما احتج به الداعون إلى الانتظار داخل الحدود المصرية حتى يدخل إليها المغول ونادى بالنفير العام للجهاد في سبيل الله ودرب المتطوعين على فنون القتال في وقت قصير جدا ولم يكد ينتهي من مهمته حتى اقترب المغول بقيادة كيوبوغانيان من حدود مصر .

موقعة عين جالوت الفاصلة:

اتجه السلطان قطز على رأس جيش كثير العدد إلى بلاد الشام في أوائل رمضان سنة 658هـ وكانت الخطة التي رسمها هي أن يقابل المغول في أرض الشام وألا ينتظر قدومهم إلى مصر وكان يهدف من وراء ذلك إلى أمرين:

الأول: انتهاز فرصة البدء بالقتال التي كان المغول يحرصون على انتهازها أولا ليضعفوا الروح المعنوي في نفوس أعدائهم.

الثاني: لقاء المغول خارج أرض مصر حتى لا تكون ميدانا للحروب وعرضة للتدمير والتخريب.

وقد أرسل السلطان أمام قواته طليعة من الفرسان بقيادة ركن الدين بيبرس وعند بلدة الصالحية انضمت الكتائب الشامية التي كانت قد جاءت إلى مصر فارة من وجه المغول إلى الجيوش المصرية.

وصلت طلائع الجيوش المصرية إلى غزة وأرغمت المغول على التخلي عنها ودخلها الأمير بيبرس على رأس فرسانه، ولم يكن المغول يتوقعون أن يصل المصريون إليهم بهذه السرعة فلما رأوا الجحافل الإسلامية قد ملأت السهول والأودية اضطروا إلى إخلاء جنوب الشام وأشار بعض ضباطهم على قائدهم كيتوبوغا نويان بطلب النجدة من السلطان هولاكو ولكنه اغتر بقوته وخدع بانتصاراته السابقة ولم يعمل بمشورتهم.
سارت الجيوش الإسلامية من غزة متجهة إلى الشمال ومحاذية ساحل البحر الأبيض ومرت بيافا وقيسارية إلى جبل الكرمل جنوب حيفا وعند قرية ((عين جالوت)) الواقعة بين بيسان ونابلس دارت المعركة الفاصلة بين الجيش الإسلامي وجيش المغول في 25 من رمضان سنة 658هـ.
بدأت المعركة بهجوم عنيف من المغول فتراجعت ميْسَرَة الجيش العربي وإذا بنداء يدوّي في ساحة المعركة، فاتجهت الأنظار إلى مصدر الصوت فإذا المنادي هو السلطان نفسه فالتهب حماس الجيش وعادت الميسرة إلى مكانها الأول وحمل الجيش العربي حملة صادقة على جيش المغول حتى هزمهم هزيمة ساحقة ومزقهم شرّ ممزق وخرّ قائدهم كيتوبوغا صريعا في الميدان واعتصمت طائفة منهم بالتل المجاور لمكان الموقعة فأحدقت بهم العساكر العربية وصابروهم على القتال حتى قتلوا معظمهم وفرّ الباقون لا يلوون على شيء وقتل الأهالي الموتورون من المغول من وقع في أيديهم من هؤلاء الفارين .

وبعد انتهاء الموقعة اتجه السلطان قطز إلى دمشق فقوبل بحفاوة بالغة من أهلها لأنه صدّ هذه الموجة العاتية التي اجتاحت بلادهم وأنزلت بهم صنوف البلايا وقد أمر السلطان بشنق الذين تعاونوا مع المغول وعيّن حاكما على دمشق من قبله .
أما القائد العسكري المملوكي بيبرس فإنه تعقب المنهزمين من المغول حتى كاد أن يلحق بهم على مقربة من مدينة حلب ولكنهم أطلقوا من كان في أيديهم من الأسرى وتركوا أولادهم وأسرعوا خفافا حتى لا يلحق بهم فتخطف الناس أولادهم ودانت حلب بالطاعة لسلطان مصر.

علاقة المغول بالمماليك بعد موقعة عين جالوت:

كانت علاقة المغول بالمماليك وهم رموز السلطات في المنطقة العربية بعد موقعة عين جالوت متوترة، وكان أشد خطر هددت به مصر من جانب المغول في عهد سلطانهم تيمور لنك الذي نظم جموع المغول واتجه على رأسها نحو الغرب وأعاد سيطرة المغول على بغداد 795هـ.
وفي 803هـ انقض القائد المغولي على بلاد الشام واستباح مدينة حلب ثلاثة أيام وقتل من سكانها نحو عشرين ألفا وخرّب مساجدها ثم اجتاح مدن حماه وحمص وبعلبك وعاث فيها فسادا.
وصلت أخبار هذه الهجمة المغولية الفظيعة إلى القاهرة فخرج السلطان الناصر فرج بن برقوق منها على رأس جيشه متجها نحو الشام ووصل إلى دمشق في السنة نفسها واشتبك الجيش القادم مع جيش المغول في معارك جزئية ثبت فيها الجيش العربي أمام هجمات المغول الشديدة وبرهن على مقدرته الحربية.
ثم بدأت مفاوضات الصلح بين الطرفين غير أن السلطان فرج اضطر إلى مغادرة الشام لإحباط مؤامرة في مصر دبرت لخلعه فرأى علماء دمشق وفقهاؤها ومعهم ابن خلدون المؤرخ العربي المشهور رأوا أنه لامناص من التماس الأمان والصلح مع تيمور لنك فتظاهر بإجابة ملتمسهم ولكنه غدر بهم وأسلم المدينة للنيران .
وبعد أن عاد الناصر فرج إلى القاهرة أرسل رسالة شديدة اللهجة إلى القائد المغولي تيمور لنك يخبره فيها أنه عائد إلى الشام ليطرده منها وأنه لم يترك الميدان خوفاً منه ولا ضعفاً عن منازلته ولكن أموراً داخلية اضطرته إلى الرجوع إلى عاصمة ملكه وأنه سوف يعود إلى ميدان القتال بمجرد انتهاء مهمته في القاهرة. مذكراً إياه بمعركة "عين جالوت"....
وقد أشعلت هذه الرسالة نار الحقد في نفس تيمور لنك فصمم على الانتقام.

ولكنه غادر الشام قبل أن ينفذ ما صمم عليه، ولا يستبعد المستشرق الألماني ((بروكلمان)) أن يكون تيمورلنك قد تذكر بطولة جيش مصر في مقاومة جيش هولاكو وسحقه فأراد أن لا يعرض جيشه لما تعرض له جيش المغول على عهد هولاكو .

ولم يقدر لتيمورلنك أن يعود إلى بلاد الشام مرة أخرى، ولم تمهله المنية حتى يحقق هذه الأمنية حيث توفي سنة 807هـ وبعد موته ضعف جانب المغول ولم يعد يخشى على البلاد منهم وتشتتوا وفيما بعد ذابوا في المجتمع العربي.

نتيجة الموقعة:

لو قدر للمغول أن ينتصروا في موقعة (عين جالوت) لانسابوا في مصر كالسيل الجارف ولامتدت موجتهم إلى السودان وبلاد المغرب وعبرت إلى الأندلس واجتاحت أوربا وقضت على الحضارتين الإسلامية والمسيحية على السواء، ولترسخ الاحتلال الصليبي الذي كان في بلاد الشام حينها هنا وهناك.

ولهذا تعد "عين جالوت" بنتائجها أكثر مما هي بوقائعها، معركة حاسمة غيرت مجرى التاريخ، وكانت بداية نهاية الاحتلال المغولي والهيمنة الصليبية في المنطقة العربية، حيث استعاد العرب إمكانياتهم وتحررهم.

ولعل الغزوات المغولية التالية حتى الآن وبعد الآن مهما تباينت عناوينها ستؤول إلى نفس المآل، حينما تحين الصحوة الجالوتية من جديد.....
إذا كانت معركة حطين الجارية على الأرض المباركة المؤرخة في يوم السبت الموافق 24 من ربيع الآخر 583هـ ــ 4 من تموز 1187م تعد من أيام التاريخ العربي، فإن معركة عين جالوت الجارية في نفس الميدان المؤرخة يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ ــ 3 إيلول في 1260م (أي بينهما حوالي ثلاثة أرباع القرن) هي من أعظم تلك الأيام، "وتلك الأيام نداولها بين الناس"

ومثلما يحكم الإغلاق بانعقاد بداية الضفيرة ونهايتها أنتهي كما افتتحت:

شامٌ ؤومصرُ إن هما تلاقيا

كان العِجابُ في مهاد الأنبيا

كم نصـــرةٍ فزنا بها لكنما

جالوت فيها الحسـم قد تناهيا

المصادر

أبو الفدا: المختصر في أخبار البشر.
ابن الأثير: الكامل.
الخضري: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية.
رشيد الدين المهداني: تاريخ المغول (الترجمة العربية)
ابن طباطبا: الفخر الرازي في الآداب السلطانية.
أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر..
رشيد الدين: تاريخ المغول.
ابن إياس : بدائع الزهور وروائع الدهور.
أبو المحاسن: النجوم الزاهرة.
ابن عرب شاه: عجائب المقدور في أخبار تيمور.
تاريخ الشعوب الإسلامية (الترجمة العربية).
من الشابكة: دكتور راغب السرجانى من كتابه (التتار من البداية إلى عين جالوت).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى