الثلاثاء ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم توفيق الشيخ حسين

غربة الوطن والبحث عن الذات

تبدأ الحكاية عن رحلة الألم من البوح الثقيل المتلون بلون ما تبقى من النار بكل لهيبها الحارق، غامضا ً، طالعا ً من سواد عتمة لا رؤية فيها الا لبريق الدموع والعذاب.. هربت كي تنسى موت أوتارها ولتعانق الحياة من جديد، لا تستطيع أن تحصل على حريتها بدون عذاب سنوات كانت قاهرة..

تتكلم عن بوحها الكاشف لأسرار الروح والجسد، تتكلم عن الهروب من موت محتم ومذعورة من كل شيئ يصادفها وخائفة من المجهول الذي يلف حياتها..

بلقيس حميد حسن الشاعرة العراقية المغتربة تبوح بما عانت ضمن روايتها (هروب الموناليزا / بوح القيثارة) وأهدتها الى صديقتها الشهيدة " موناليزا أمين " التي أستعرت أسمها الأول حبا والى المعذبين بالحب حتى آخر الزمن..

الرواية تستثمر السيرة الذاتية مع تمسكها بخلق حبكة ممتعة وجريئة في وصف صراعها الخاص بالبحث عن هويتها كامرأة، وصراعها ضد الرجل وضد قيم المجتمع التقليدي..

كتابتها للرواية هي تحرير جسد من سجن ثقافة الذكورية، وهي أكثر توثيقا للفضاء الزماني والمكاني، والأكثر ضمانا لعمق هذا الفضاء واستمراره على مر الزمان..

أمرأتان تتقاسم الرواية، موناليزا المرأة التي بكل ما فيها من حب وخوف، تفشل محاولة الهروب الأولى والثانية على صوت ضابط الحدود " موناليزا سامي الخطيب " أنت ممنوعة من السفر وتركها زوجها مغادرا الى بلاد نائية ومجهولة.
وامرأة الثانية سومر الشابة العاشقة، امرأة القلق الدائم، وحيدة وغريبة، يعصر الأرق شبابها ويهدها سنة بعد أخرى، واضعة طفلها في حجرها، كانت تعد نفسها بنسيان حبيبها، تلعن الجسد ورائحته المثيرة..

النص السردي في الرواية يقوم على أقتناص الاحداث الواقعية وبلورتها لكينونة لغوية تحيلها من الواقعي الى الجمالي في أطار بنية سردية..

في النهاية تترك الوطن خلفها بكل ما فيه وتتجه الى أوروبا لتجد كل شيئ فيه منظما وكل شيئ مرتبا ً، والأنسان وجدته حرا ً، أمنا ً وسعيدا ً على أختلاف شعوبنا المقهورة والفقيرة، النائمة على حرير الوهم، شعوبنا التي ترقد على بحار من البترول والذهب والخيرات وتجوع..

في أوروبا غرباء، دخلاء، من العالم المدعو بالعالم الثالث، العالم الذي نتباهى بحضارته القديمة وهو محض ماض ٍ كل ما تبقى لنا، عالم الظلم والصراعات..

لديها حلم تسعى لتحقيقه وتعلم أن ثمة عقبات قد تواجهها في رسم طريق حياتها، لكن هناك أمل يخفق داخل قلبها وروحا باعثا في نفسها التفاؤل الذي يجعلها تمضي في الطريق بلا ملل ولا كلل..

عزف من قيثارة الأحزان الى حيث طقوس حرارة الغربة، أوتار قيثارة أجتمعت في محيط العزف على نهر لا يروي الا بمقدار الألم الجارح، العزف الحقيقي لا يكون الا على أكف الورق، وما أكثر الأوراق في ضيافة الأوتار، ما بين الرحيل المر وما بين الشتات المؤلم، على ضفاف أنفاسها يورق نزف عميق لا تراه الا عينيها هي، معزوفة تبكي وتمسح دموعها معا ً، دامت أوتارها نقية من كل حزن وألم ودموع..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى