الاثنين ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٢١
بقلم نايف عبوش

فصاحة اللغة العربية في الحس العربي الفطري

أحاط العربي بأسرار لغته العربية بذوقه الفطري اللغوي السليم، إحاطة تامة، ولهذا أدرك دلالة كلماتها بدقة, فكانت المواءمة بين الألفاظ والمعاني في كلامه سليقة فطرية، فإذا صادف أن خرج الشاعر عندهم عن تلك الدلالة، واستخدم (كلمة في غير ما وضعت له)، فإنه يحاول إصلاح هذه الكلمة كما فعل (طرفة بن العبد) مع الشاعر (المسيب بن علس)، وذلك حينما وصف (الجمل) بـ (الصيعرية) التي هي في اللغة العربية الفصحى من (سمات الناقة فقط)، فحاول طرفة بن العبد أن يعيد ذلك الشاعر إلى الصواب، فقال: (استنوق الجمل)، بعد أن علم الخطأ( بفطرته اللغوية السليمة)، باعتبار ان تلك الصفة وضعت للناقة لا للجمل.

وحفلت كتب الأدب والشعر في اللغة العربية بالكثير من الأمثلة في هذا المجال، ومنها على سبيل المثال ما روي عن (النابغة) في نقده لشعر (حسان بن ثابت)، وذلك عندما أنشده:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دمَا
ولدنا بني العنقاء وابني محرق
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما

فقال له النابغة: أنت شاعر، ولكنك (قللت جفانك وأسيافك)، و(فخرت بمن ولدت) و (لم تفخر بمن ولدك)، فمثل هذا النقد للمبالغة يأتي تحت نقد المعنى؛ لأن المقام كان (مقام فخر)، وكانت (المبالغة مطلوبة)، ولكنه (فخر بأولاده) و (لم يفخر بأجداده) ..

فما احرانا اليوم أن نرتقي بامكاناتنا اللغوية، ونطور قدراتنا فيها بعد أن لحنت بمفرداتها ودلالاتها ألسنتنا، ورطنت بها ذائقتنا،فبتنا نعيش عجمة عربيزية مقفرفة، خالية من الجرس الذوقي والجمالي المرهف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى