الخميس ٨ تموز (يوليو) ٢٠٢١

فعل الكتابة كتحرر من القيود

البوبكري نورالدين

إن فعل الكتابة أشبه بعملية التحرر التي يقوم بها ذلك المدان المسجون والمغلول بالأصفاد."تجرأ على استعمال عقلك يا هذا"هي شذرة للفيلسوف الكوني إيمانويل كانط، والتي يتكرر صداها كل لحظة من يومي الروتيني الطويل، فكل من أحس بالتوقف عن عملية التفكير أو ممارسة أي تأمل أو ملاحظة داخلية وخارجية في تفاعل مع العالم، أنصحه بترديد هذه القولة العميقة.

لماذا تكتب ياهذا؟ أما أنا فاكتب لأحلم ولكي استريح من هذا العمل الشاق الذي يحاول ان يأخذ مني مرحلة حيوية من هذا الجزء الضيق من العمر، أنه سن التوق والخروج من كل قصور في الثقافة المتراكمة الناتجة عن كل تطبيع من خلال المرور بمؤسسات اجتماعية متنوعة منها ثقافات ورثناها عن المدرسة التي بعضها لا يصلح حتى لتربية النحل، ثقافة لن تساعد الخريجين عن الظفر بشغل ولو بسيط في سوق الجملة، ثقافة لم تساعد الفتاة عن تربية الأبناء في مؤسسة الزواج، أتذكر شذرة للسوسيولوجي المغربي محمد جسوس"إنهم -أي الفاعلين في التربية والتعليم-يريدون إنتاج جيل من الضباع"

لقد صارت التفاهة مثل تاج الذهب المرصع بالجوهر الذي يحمله طفل، لا يدري أنه يسير بضمادة فوق عينيه ومتجه نحو الخلاء وهو لا يدري عما يدور حوله، إن صناع التفاهة لا يدرون ما يفعلون وحتى من يستهلكها لا يدري أنها تفاهة، إن من يسمي ذلك بالتافه أي المفتوح والسلعة الجاهزة للاستهلاك هو ذلك الباحث الذي يرى بعيون منهجية ومنطق وعقلانية في المشاهدة والتتبع والاستهلاك العقلاني والتفاعلي والأفق النقدي والتفكير الموضوعي لا العفوي التداولي العامي.

الكتابة حق من حقوق الانسان، وهي نمط قديم منذ دخولها لمرحلة التاريخ، مذ خلقنا اللغة وتداولناها بيننا ….

الكاتب حالم، متمني، كوني، اذن فهو إنسان بمعنى النزعة الإنسانية التي جعلته يحس ويعي وجوده ككائن وكاتب ومبدع.

الكتابة في مواجهة الفرجة التي خلقها مجتمع اليوم، هذا المجتمع الفوضوي الذي لا تحكمه قواعد ولا مساطر قانون او اخلاقيات الرخوة هذا النوع الجديد من الكائنات الحية التي كانت تفكر. والتي ارتبطت بشكل مباشر وهيستري مع كل ما هو سائل -بمنطق السوسيولوجي زيجمونت باومان -وافتراضي سبراني مَرئي ومتحرك ومصمم بشكل راقي، يسوق المنتوج لمستهلك هارب من ويلات بعض الكلمات والحروف المتقطعة تعلمها مدرسة لا تدخلها رياح النقد والإبداع الثقافي ….

إثارة الجدل هي احدى المهام المنوطة بالفيلسوف والمفكر والمهتم عموما بشؤون الثقافة يقول الجابري"لا أعرف سوى الكلام، والكلام في الكلام،"إن إثارة الجدل وممارسة النقد الموضوعي من أجل تحريك ما متخشب و ترطيب ما هو خشن، وإزالة الغبار على ما هو مصفوف فوق الرفوف هو من مهام الباحث والمهتم عموما بشؤون الفكر والمعرفة.

الكتابة تقول ما بداخل العقل الباطن، لكن ماذا لو كنا نكتب نصوص لهدف ترجمتها وإيصالها لقارئ لا يدرك لغة النص الأصلي ؟ ففي علاقة الكتابة بالترجمة التي تشكل الولادة الثانية للنص والمخاض الثاني لمفاهيمه، يكون المترجم في حالتنا هذه، هو من يُحيي النص الميت، ويجعله مفعم بالحياة، هو الذي ينفض الغبار عليه، هو الذي يجعله نصاً مفهوما للقارئ البسيط، هو الذي يعالجه ويهيكل مفاهيمه... فحركة الترجمة التي تبنتها بيت الحكمة هي من أسهمت وبقوة في ولادة عصر أنوار وولادة فكر نقدي وعقلاني إلى يومنا هذا.

البوبكري نورالدين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى