الخميس ٣ شباط (فبراير) ٢٠١١
الحب آفاقاً
بقلم محمد نادر زعيتر

فوق ما فوق

الحب أبجدية إنسانية تتلى بكل الشفاه، وتتبدّى طقوسه الفريدة في كل جنان، وعلى كل لسان، وتبوح به العينان.

الحب أقوى من الفكر والسياسة وكل تحد، هو "فوق ما فوق"، طيفه في سناء أثيرمتعال.

الحب مشهد رائع يتشكل من كل الألوان االقزحية، ويستقي أناقته من ألق الطبيعة المعطاء وعبقه من العواطف الطيبة تحدوها إلهامات الخير لكل االعالم.

الحب يُلمح في تقارب إشارتي استفهام متعاكستبن، فإذا هما القلب رمزاً.

فما هو هذا ال"فوق ما فوق" اللغز العتيد؟

ما أحوج الفكر الاجتماعي إلى الدراية بالحب الحقيقي وليس السلعي البخس الذي شاع وذاع في هذه الأيام، وانحصر فيما هو ال (ج ن س ) – وتحته خط أحمر - وقد غدا الفن الهابط والجمال المبتذل والتهافت المحموم نحو خلع ونزع ، وتسابق في الإغراء والإعراء، وانفتحت شبابيك النوم على واجهات الاستباحة فلم يعد في القاموس المعاصر مفردة تعنى الشرف الإنساني، ذاك الذي حرص عليه الإنسان الأول، أبونا آدم، إذ حاول وزوجه التستر بورق التوت ليخفيا سوءاتهما عن الخالق، وتابعه في حرصه الأحفاد من بعده حتى لكأنه قدس الأقداس! حتى تقادم عهده راهناً، وهان على ورثة الشرف العربي أيما هوان!

تحت هذا العنوان كان لي أن أسيح في ملاحة في آفاق الحب العفيف، مبحراً في مدى هذه القيمة التي لولاها ما طابت ولا عزّت ولااستمرت حياة لعل مجذافي يبلغني قصدي.

أرى الحب في حمى الله ذاته، وأرى في رأفته واستجابته لنجوى المؤمن المحب.

أتوسّم الحب في الإنسان الكريم القويم وهويصّاعد بمهجته نحو السماء على ما وهب من ألق فكري وقّـاد وصحة طيبة وتسخير الآلاء له:

ــ هو في ذلك.....: الأب الكادح العطوف والأم كذلك.
ــ هو في ذلك.....: الزوج الحاني الملتزم و الزوجة كذلك.
ــ هو في ذلك.....: الابن النجيب البار والبنت كذلك.
ألمحه في براءة الطفولة وحيوية الشباب وحكمة الشيوخ.

أرى قيمة الحب في رجل الرجولة، وفي المرأة أنوثتها.

أكرمْ بالحب في توادد الأسرة والتوحد الوطني والتعايش الإنساني.

يتبدى الحب في الحق والصدق والعدل والسكينة والإيلاف المتبادل حيث لا عصبية ولا طغيان بل احترام - وأشدّد على احترام - الآخر للآخر في رأيه ومنهجه وعقيدته طالما لا يتزمت ولا يؤذي ولا يسفّه أحد أحداً، وطالما يسعى الرفقاء في هذا الكون حقاً للمنفعة العامة في الحياة الشاملة التي أفاء بها الخالق العالمي على من خلق.

ذلك هو الحب الذي اختص به أهل الأرض نحو السماء عبر أصداح المآذن وأصداء الأجراس مخلصين في توجهاتهم الآيلة جميعاً إلى ما يصبون إليه.

جميل هو ذلك الحب في زميلي المواطن النافع ذي الإخلاص لوطنه وقومه، الذي يردف قوله بالعمل كيلا يشمله المقت الأكبر عند الله.

ألتمس الحب في الإنسان العالمي المتسامح عبر الآراء الجديرة بالحوار.يضمر اختلافه مع الغير ويعزِّزان ما يتفقان عليه.

أحب الفكر النيّر المنفتح على دنيا وخلق الله وسنن الحياة.

أقـدِّرالنظم الأثيل والنثر الجميل، والسرد النبيل.

ما أجلَّ من يكرز بالتسامح في كهنوته، ومن يعظ بالخير في محرابه.

أرى الحب في مرأى يسر الناظر ولحن يشنّف الآذان وأريج يعطّر القلوب.

أحب العطاء الحلال كما أحب طيب المنال إذ هما وجهان لعملة واحدة.

ألمح الحب في العالم المضطرب حين يجنح للسلام والمحبة أولو أمره، لأن "الله محبة" في معبد الأحد، كما هو الودود لدى قدسية الجمعة.

أستشعره في ابتهالات الأحياء وتواصلهم السامي نحو رموز العالم الآخر.

أرى الحب الذي تهفو إليه أرواح الراحلين نحو الأحباب الأحياء.

ما أروع الحب في كل عناق حبيبين أضناهما الجوى.

أعظم به في ضمة صدر حنون لوليد اتخذه ملاذاً وسلاما.

أي ذاك الهوى في مشوار حبيبين آمن تحت أفياء الزيزفون.

إنه في همس المتغازلين ولحاظ العاشقين وآهات الحيارى.

أنظرالحب في زرقة سقف العالم وفي أبراجه المتفائلة.

أبحث عن الحب في دجى الليل البهيم حيث تعتمل شؤون وشجون.

هوالحب في رابعة النهار حيث عناء واعتناء وعطاء.

هو الحب في فيض اللجين القمري في ليلٍ وقد طاب السمر.

هو الحب في مراسيل تبر الغزالة إذ يكون الدفء والظلال.

أهفو إلى الحب في خضرة الأفنان وتلاوين الأزهار وروعة الأديم السندسي.

أهفو إليه في حمرة شقائق النعمان وبياض الياسمين والفل وبنفسج البنفسج وصفرة الحبق وخضرة المروج.
أرى الحب في شدو كل ذي جناحين هائم في مطالع السماء.

ذاك هو الحب في كل حياة تدب في الأنحاء فتكون بعض الوجود.

وهو الحب في كل سابح اتخذ من عباب الماء وأغواره سكناً.

أرقب الحب في موج اليمِّ يتهادى نحو جباه شاطئه، يلثم وجناته.

أحب وجوه الخريف، وأحب سقيا السماء في الشتاء، وطلعة البهاء في الربيع، وأحب الصيف حتى في قيظه، وأحب النسيم في اعتلاله، و الثلج في نقائه، والسراب الخلاب والندى الرقراق.

أنا أنشد من نشد الحب الحقيقي وكان جديراً بأمانته، وأحب الصداقة البريئة، وأشد على يد من يمد لأخيه الإنسان يد الوداد والإحسان، أو ليس جزاء الإحسان إلا الإحسان!

أزكّي المودة الزكية نسغاً للمجتمع بل للإنسانية كلها، وإذ هناء للجميع.

أرى الحب فيما يجود به يراعي هنا ولولا الحب ما كان البوح هنا!

آمل في عموم الوئام بعد حلول السلام إذ هما المآل، ولا يصح إلا الصحيح.

أحبك ياربي، وأحب من وما تحب.

..فأين أنت يا "الحب آفاقاً"!

..أين أنت يا "فوق ما فوق"!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى