الجمعة ٢٨ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم بسمة نجار

في حوار مع التشكيلية سهام منصور:

المدارس الفنية ضرورة نحو الحداثة والتقدم

لوحات ناطقة ،نظمتها الفنانة بحركات بهلوانية ،كأبيات شعرية وعناوين وحكايات،كوّنت منها خيول وعناصر ومساجد وبيوت قديمة ،بريشة لاتخلومن الجرأة بتكوينات وتلوينات تشكيلية ،وألوان تعبيرية استطاعت أن تصوغ باسلوب (تعبيري واقعي )متميز وراق ،حيث حاولت أن تخرج المكنونات التي بداخلها، لترصف منها العديد من اللوحات التشكيلية التي تميزت بأوضاع مختلفة لجسد الحصان لبض.

على ضفاف نهر العاصي ،المتربع وسط المدينة السورية حماة ،استطعنا أن نأخذ استراحة مع الأستاذة سهام ببعض من الأسئلة: - أ.سهام.لدى زيارتنا إلى محترفك الفنّي، لاحظنا العديد من اللوحات والتي هي رصيدك الفنّي عبر سنين مضت،فهل لك أن تحدثينا عن بداياتك الفنّية، وعن سرّهذا الإبداع بمراحله كافّة؟

 قْْــدر الشمعة أن تعطينا ضوءا،وقــدرالزهرة أن تعطينا عطرا،وقدر اللوحة أن تعزز الجمال لمن ينظر إليها ...وقدري أن أتسلّق السلّم الحريري لأعانق الآخرين بهذا الفن الراقي .فمنذ طفولتي جذبت أنظار الأهل والإخوة لموهبتي المبكرة ،فماكان منهم إلا أن هيئوا لي الظروف الماديّة والمعنوية ،لأنشط بحرّية ولأبسط أفكاري على (الورق والخشب والقماش)،وبقياسات كبيرة، وبألوان باهظة الثمن آنذاك،كنت وقتها يتيمة الأب ،و كان إخوتي الكباريوجهونني لأرسم الآلام فرحا، وأجسّد الماضي والحاضر ،منطلقة نحو الأفق الواسع، متمسّكة بقواعد الرسم الأكاديمي ،خاصة وأني نلت الدرجة الأولى في مسابقة القبول لكلية الفنون الجميلة، وبقيت متميزة بين إخوتي وجميع أقراني في هذا المجال حتى سنوات التخرّج ،بالعمل الدؤوب واالمحاولات الجادّة ،كان التميّز الثاني هو قبولي أول منتسبة لدبلوم التربية العامّة،وكذلك لدبلوم الدراسات العليا في قسم التصوير ،أما التميّز الأكبر والذي أعتزّبه، أنني فخورة في تدريسي للمادّة ذاتها في معهد أعداد المعلّمين، ومعهد إعداد المدرّسين –كما أنني شاركت في تأليف كتب أصدرتها وزارة التربية ،منها(كتاب التربية الفنية-وكتاب دليل المعلّم لتدريس مادة الرسم –وكتاب الثقافة الفنيّة)كما فزت بالجائزة الأولى في مهرجان القطن، ولعدة أعوام، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي،اعتمدت في أوّل حياتي باسلوبي الفنّي على الواقعيّة، ثم التعبيريّة المشوبة بروح الانطباعيّة ،متأثرة بجمال البيئة بمدينتي،وريفها وأحيائها القديمة ،وكنت أعيد صياغة العمل من جديد بالحبر الصيني ،وبأداة بسيطة جدا مثل أعواد الكبريت ،مؤكدة على الرؤية الحياتية التي تشكل الأساس المتين لتكوين العمل الفني، مصيغة إحساسي المفعم بالصدق، وهكذا تتالت المراحل التي عملت بها ،فمنها: مرحلة التكوين، مرحلة الخصب، مرحلة البحث والصياغة الشكلية، مرحلة التحديث،وحاليا مرحلة الارتجال، والتي تميزت باستحضار صور من الذاكرة ضمن حوار ذاتي يتسم بالانفعال، حيث تتداخل الأشكال المستحضرة مع هارموني لوني مدروس، وأحيانا تخضع لمزاج شخصي انفعالي برموز تعبيرية، ولمسات جريئة ،بوجود فسحات بصرية ،وصخب موسيقي للوصول إلى تجربة إبداعية جديدة.

اسم العمل همس السّحر


 أ.سهام .الكثير من الناس يسمعون عنك، وعن أعمالك ومشاركاتك ،والكثير من النساء معجبات بفنك وإبداعك طبعا ،إلى جانب الجنس الآخر،فهل لك أن تحدثينا قليلا عن المرأة ومدى تأثرك بوجودها ،وخاصة في اهذالجانب العتم من المجتمع؟
 تبيّن مما تقدّم بأنني طموحة معتمدة على مبدأ المفهوم الواسع للتعبيرية ،وعندي موقف ثابت ،ولم أستنفذ بعد جميع أهدافه ..لأنّ العلاقة بيني كفنانة عربية سورية معاصرة من جهة ،وبين بيئتي ومجتمعي من جهة ثانية،علاقة جدلية أزلية متطورة، ولايمكن أن أعيش بمعزل عن هموم ومشاكل وطني وأمتي،ومن أولى واجباتي أن أعمل على تحقيق إنسانيتي من خلال إنتاجي الفني الذي يتغنى بالتعبير عن أشكال مختلفة لأوجه انتمائي لوطني وبيئتي ومجتمعي بكل صدق وإخلاص وأصالة، ،وماالمرأة إلا جزءا كبيرا،أوبالأحرى هي نصف هذا الانتماء ،فمن المؤكّد أنها ستحوز على الكثير من التعبيرات العاطفية ،كبورتريه(لوحة الحسناء)بوجه حصان،ولوحة (بيني وبينك)،ولوحة (غزل)...وآخرعمل رسمته عام 2009(همس السّحر).وكل ذلك بالعلاقة الجدلية بين الفرس والحصان ،كل حسب تعبيره ...طبعا أنا لست متخلّية عن رسم المرأة بدون إسقاط، وعندي عشرات اللوحات للمرأة الشّعبية في حوارات متنوعة ،وباسلوب رمزي وواقعي ،رمزي بلوحاتي الصّوفيّة عن ا(الحج والحجيج)المتعددة التي تجاوزت السبعين لوحة ،والواقعية في الأحياء الشعبية.

 هناك أعلام تشكيلية عربية كثيرة وبالأخص في سوريّة ...فلماذا لاتذكر شواهد منهم عندما نسأل عن أحدهم أو إحداهن، ونكتفي بذكر أسماء فنانين من أوربا ،فهل لديك رداعلى ذلك ؟ومتى يستحق الفنان العربي أن يذكر اسمه بين هؤلاء؟

 العمل هو الحياة ،إذ يقول (ديكارت ):أنا أفكــــــــــر إذا أنا موجود،والفنان طالما يعمل فهو موجود ،ومبدأه العمل –(الإنتاج-الإبداع،)ويقول (جويو):إنه كي ينتج وكي تبدع العبقرية لديه لابدّأن يستحثها الخيال والعاطفة ،وأن يخصّبها الحب،والفنان حياته كلّها حب وإنتاج ،يعيش فكرته وينتظر لحظة إخراجهابخياله الذي يأتي كزخّة مطر فجائية فلا يستطيع المرء السيطرة عليها، أو كبح السحابة المدرارة ،إنها لحظة الانبثاق من الحياة ،والفنان الحق هو الذي يعمل بعيدا عن الشهرة ،ولاينتظر من يشهره ويعلو به ،ففنانو العالم جاءت شهرتهم نتيجة حدث فني ،أو جاءت بعد نهاية الحياة،ونحن لاننسى فناني سورية الرواد ،والفنانين الذين عندهم خصوصية هم كثر في سورية،وفي العالم العربي هذا على صعيد الفنان الرجل أو الفنانات،وعلى سبيل الايضاح لاالحصر ،عندناالفنان المرحومأدهم اسماعيل-والفنان محمود جلال-نذير نبعةوالفنان (نصير شورى)ذوالطبيعة الخليوية التي أعطته إشراقة لونية جانحة، نحو الشفافية والشاعرية ،مولودة من العامل التجريدي بلعبة هندسية لإيقاعات بصرية لونية خاصة به.ومن الفنانات (لجينة الأصيل)ذات الإحساس الطفولي في تشكيلاتها التعبيرية الانفعالية ،والتي تستشف من لوحاتها توازنات مدهشة لجهة القدرة على التحكم بليونة رائعة،ومن كبار رواد الحداثة السورية الأستاذ المرحوم (محمود حماد)الذي جسد الحرف والكلمة ضمن تكوينات وتأليفات هندسية عقلانية ،برؤى عاطفية خاصة.والفنان (غسان جديد)تشكيلاته ذات إيقاعات عفوية ،المنفلتة نحو التبسيط الشكلي بإيقاعات الخط الأبيض أو الأحمر على خلفية معتمة، قادمة من تأملات للمشاهد البحرية والمعمارية بتلقائية وحساسية مرهفة ،مستوحاة من العمارة الساحلية القديمة .وهناك أسماء كثر لامجال لذكرها الآن ،لها خصوصيتها ،فهي تفتقر الناقد المنتج المثقف الذي يظهرها .

 هل هناك حدث سياسي أو اجتماعي أوعاطفي مرّبحياتك جعل من ريشتك تطلق ألوانا بقوة الرصاص مثلا؟وهل يمكنك ذكر ذلك الحدث واسم اللوحة الخاصة به؟

 يقال بأن الفنان يلون بدمه معبرا بصورة صادقة عن حياته الانسانية في المجتمع، فيعكس أفكاره وتقاليده ومعتقداته ومشاعره المتفجرة من الحياة،وفي عالمنا اليوم في كل لحظة حدث مفجع يؤثر بعواطفي ،فأعبّر عنه بشحنات حسية انفعالية عاطفية وغيرها،ولو أنني رسمت الفرح لحلّت ألوان الحزن ،بأداء تعبيري عنيف مفتوح على مخاض الآلام والتوترات، وأعكس الكثير من المشاعر ،كالإحساس بكوارث الحروب المتجزرة في حياتنا وخاصة( فلسطين والعراق)،معتمدة على الرسم والتصوير المنضبط المتوازن والمحكم الأداء

 يقال بأن (الفن هو سمة الحياة ) بتصورك لوأنّ العشوائية تملكت هذه الحياة ؟وغابت الشمس في النهار؟ومرّت الكواكب من أمامنا جهرا،وهذا لايمكن أبدا لأنها بالطبع ستكون نهاية الحياة ،والفن بالطبع يجب أن يأخذ سمة الحياة ،وإلا فقد قيمته وجديته ،ولابد أن يكون هناك قدر من التنظيم ،أم لك رأي آخر حول هذا الموضوع؟

 حقا الفن سمة الحياة ،وعندما تتملك العشوائية تلك الحياة ،وتغيب الشمس ويطغى الليل على هذه الحياة ،ويمتد السّواد بعيدا عن القمر ،والكواكب تغدووتروح في ظلمة الليل ،عندها مافائدة الفن ؟ومن الذي سيفكر بتلك الحياة أو يتحسسها ؟بل يلجأإلى الواحد الأحد ويفكر بلقائه ،وينطلق باحثا عن طريقه مناسبة ليرى الله وحده تاركا الفرح المنطبع في ألوان الروابي والحقول والتلال، ويتجاوز الإنسان وقتها كل المعطيات الحياتية ،وتطغى فوضى النهاية بلا تنظيم.


 نحن ننظر إلى الابداع من جوانبه المشتركة بين الرجل والمرأة على أنه نزوع إلى تغيير ماهو قائم ،وتطلّع إلى إزاحة مايعرقل استقطاب الرؤيا والمتخيّل الاجتماعي، لكننا الآن ننظر إلى إبداعات المرأة العربية على أنها تعبير ضروري ومطلوب، لكي تستقيم جدلية التحويل والتعديل والتجديد أي إلى إزاحة الاستقطاب الذكوري الأحادي لمفهوم الابداع، وتجلياته ،فالمرأة العربية قدلاتصل إلى العالمية في مجال التشكيل ..برأيك ماهو الحل لإزاحة هذا التعتيم عنها؟

 الحقيقة أن الفن للرجل كما هو للمرأة وللطفل أيضا ولأصحاب الاحتياجات الخاصة ،وهو ليس مقصورا على الرجل فقط ،فالمرأة لديها التزامات عائلية وظروف حياتية تمنعها على الأغلب من الاستمرار لعملية الإبداع،أوقد تعرقل حياتها بعض الخصوصيات في تربية أبنائها عن الإنتاج الفني ،ولكي تستقيم جدلية التحويل والتعديل والتجديد ،لابدوأن يبقى الباب مفتوحا لكلا الطرفين، ليظهر الفن الذكوري والأنثوي على حد سواء،وليس هناك أي انفصال بينهما،وكثيرات هن الفنانات في العالم ولو كنّ قليلات أمام عدد الفنانين فنذكر منهن: الفنانة العالمية الإيطالية(سوفونيسبا ايفويزولا)بين 1554-1625وهي ابنة لأحد النبلاء ،مصوّرة وموسيقية ولها خمسة أخوات فنانات ،مدحها (مايكل أنجلو)وزارها الفنان (فان ديك)وهي عجوز ،احتراما لها فصورت العائلة المالكة والطبقات الأرستقراطية ،وتعتبر أول فنانة حصلت على شهرة عالمية .وأيضا هناك (بيرت موريزو) فنانة انطباعية تلميذة (مانّيه)امتازت بالشفافية والألوان الجذابة .وهناك أيضا (ماري كاسّات)الفناة الفرنسية التي درست في أمريكا انتهجت الانطباعية برقّة فائقة ،ومهارة لونية نالت إعجاب (ديغا)،عملت بالحفر والطباعة ،وأصيبت في السبعينات بفقدان البصر ،و(ماريان الكندية)عاشت فنها بروح مصرية وقلب لبناني ووجدان عالمي،و(مالين باسيل)و(منى السعودي)و(كاتيا طرابلسي)و(شادية العالم)وشلبية ابراهيم)وأسماء كثيرة جداعملن باستمرار دون أن تنتظرن الشهرة في مجال الفن التشكيلي.

 الفن لابد وأن يكون صادرا من النفس ،فهو فكر وثقافة ووجدان ،وليس فنا محفوظا ومعلبا أومعزولا ؟......ماهو رأيك بالنسبة لهذا الموضوع؟

 الفن مازال وسيبقى من أهم وسائل التعبير عن مختلف النشاطات الحياتية ،هذه هي القاعدة الأساسية في الفن التشكيلي التي لازمت الإنسان منذ نشأته الأولى، ورافقته عبر مختلف العصور والحضارات وسيبقى كذلك ...له الدور الفعّال في تطوير المجتمع وتثقيف أبنائه ،فكريا وجماليا وخلقيا وروحيا ،من أجل رفع مستوى الإدراك العقلي، والحس الجمالي، والخلقي عند أفراد المجتمع ،وكل عمل معلب أو معزول أومحفوظ أومزيّف أو هو إحياء للفن العبثي الأوربي أو الأمريكي، سينتهي بسرعة لأنه بعيد اعن الآصالة ،وإن معظم المنجرفين وراء التيارات الغربية والوافدة، لايدركون مخاطر تبنيهم لمثل هذه الطرق، المشوبةو والبعيدة عن التقاليد الفنية الأصيلة والمتمثلة في حب الوطن والأرض والإنسان .إذيقول (الكسندرليوت):إن الخيال قوة يحتفي فيها الإنسان دون غيره.وفي وطننا أناس كثر لهم الفكروالثقافة والوجدان، لذلك ليس هناك فنا محفوظا ومعلبا أومعزولا عن المجتمع والناس والأمة، إلا عند القلة من الفنانين المنعزلين بأنفسهم وفنهم، ،يعملون لأنفسهم متمتعين بمشاهدة أعمالهم بعيدا عن الناس ،وهم قلّة قليلة جدا، أمثال الفنان السوري (ناظم الجعفري)الذي رسم مئات الآلاف من الأحياء الشعبية الدمشقية وحفظها في محترفه إلى جاء من أظهرها إلى عامة الناس في نهاية حياته.

 في بعض لوحاتك غموض لأشياء كثيرة،وبعض تكويناتك اللونية يصعب ترجمتها على البعض، فهل هي أسرار موجودة ولاتريدين الإفصاح عنها كما في بعض لوحاتك في (مرحلة التحديث)؟أم هي مجرد علاقات وتشكيلات على مساحة اللوحة؟

 في مرحلة التحديث كنت مواظبة على الإفصاح الشكلي واللوني دون الدخول في عالم التعبير والمضمون ،لذلك جاءت لوحاتي المنفّذأغلبها بألوان الأكرليكبتعبيرات شكلية بحته،وبتوينات معتمدة بها على التضاد اللوني والشكلي وإيجاد هارموني خاص بي مجسدة المختصر والمفيد ،دون أسرار، بل عبر تقنيات وإيقاعات بصرية لاأكثر ،ومع الأسف أغلب جمهورنا يتفاعل مع الواقع البحت ومنحرف عن جمالية الحياة ولايتجاوب إلا مع مظهر ضيّق ،من مظاهر الحياة هذه،إذ يعتبر جودة العمل وقيمته بمدى قربه من الواقع ،وتجسيده لهذا الواقع بعين الكاميرا، وهذا كله يقع على عاتقنا نحن الفنانين بسبب عدم ترقية الذوق والوجدان بكثرة العرض وتنوعه أولا ثم بالمحاضرات التي تثقف المجتمع ثانية وأخيرا بتوعية الطلبة وتوجيههم نحو الفن والفنانين وتعليمهم النقد البنّاء وإطلاعهم على الاتجاهات الفنية باستمرار .

 إذا أردنا أن نؤكّد على السؤال السابق فهل تلك العبارات إن وجدت في لوحاتك هي أبيات شعرية أم هي لفيلسوف أم حالة تعوّدت التعبير عنها ؟ هناك عددمن اللوحات جسدت بها أبيات شعرية لشعراء كنت على مقربة منهم وأعجبت ببعض أبياتهم الشعرية فجاءت اللوحة صورة معبّرة عن معنى لتلك الأبيات مثل لوحة (مقدّمة اللمى –ولوحة الحسناء)وغيرها.. -هل هناك أسماء عربية أوغربية تحبّي أن تذكريها وكنت قد تأثرت بها وهل هناك أسماء تجعلينهم مثلا لك ولأعمالك وإن وجدت علّك تتحدثين عنهم قليلا؟

 هناك فنانين كثر أعتزّبهم على الصعيد العالمي أو العربي أو المحلّي ...لكني عندما أعمل لاأتأثر بأحد منهم ،إذ لكل منهم خصوصيته وطريقته في الأداء ،وهي ميزة كل فنان .وعندما أبدأبعمل لايحضرني أي منهم بل يحضرني الحدث أو المشهد ،دون إغراءات الآخرين ،والفنان الحق هو المبدع وليس المقلّد.ومن الفنانين الذين أحب أعمال (مايكل أنجلو)بعظمته كنحات وطرق تجسيده اللوني و(مازاتشو)بشاعريته،ورامبرنت)بعقلانيته في توزيع ألوانه بين المظلم والمضيئ و(فان كوخ)بعاطفته الجيّاشة القوية المندفعة من حس مرهف ،و(سلفادوردالي)بذكائه،وحنكته،ومن فناني مصر الروّادمحمود مختار)والمصور(محمودسعيد)بواقعيته الشعبية،ومن لبنان الشقيق (وجيه نحلة )ومن سورية (محمود حماد)و(فاتح المدرس)ونسيت أن أذكر (موديلياني)الفنان الإيطالي العبقري الصعلوك باسلوبه الذي تفرّد به وأصبح علما من أعلام الفن الحديث .وهناك أسماء كثيرة جدا ،لكل منهم خصوصيته،وأنا بعيدة عنهم كل البعد في طروحاتي ،وأحب كل فن وكل عمل له خصوصيه غير متأثر بأساليب الآخرين.

 للنقد أسس وقواعد وهناك الكثير من الفنانين يتقمّصون شخصية الناقد ،وعندما يبدأبنقد لوحة ما،يبدأبتشهير الفنان وتشويه لوحاته باعتباره ينقد،ماذا تقولين لمثل هؤلاء؟

 الناقد هو فيلسوف مضافا إلى فنان ،هو العين المثقفة الفنانة النزيهه التي تستطيع أن تتعرّف على أسس العمل الفني عامة ،ويقدم للفنان المعونة والثقافة كي يطّلع على ماليس بين يديه،معتمدا على ثقافته الفنّية أولا ،ومظهراالحياد والموضوعية ثانيا ،فلا يتكلّم باتجاهه الخاص وآرائه فقط،بل عليه تحديد قوة الأثر الذي بين يديه معتمدا على المبادئ النظرية لعلم الجمال ومهتما بإظهارالقوة والضعف دون تجريح،وجعل النقدبنائي إنشائي وليس تخريبي ،مؤديا رسالة عظيمة بنقده وآرائه ممهدا السبل لتذوق العمل الفني وإعطائه قيمة إجتماعيه .لذلك أقول لكل ناقد فني لاتنظر إلى موضوع العمل الفني مفصولا عن الكيفية التي أخرج به،اوأن لاتربط العمل الفني بارتباطك الشخصي للعارض بل أن يقيسه بموضوعية ،وأن لايفرض الناقد معاييرخارجة عن النطاق الفني على الفن ذاته.وأن لايقيس الناقد العمل الفني بالمقياس المادي السريع بل عليه أن ينظر إلى القيم التشكيلية التي يتضمنها العمل الفني ذاته سواء من ناحية بنيتها أوعناصرها التشكيلية.

 يقول بيكاسو :إن العين عضو أساسي في جسمه وهو يستطيع أن يغزو جسم المرأة بتلك العين وقد جسّد ذلك في بعض لوحاته ...فهل أنت توافقينه على هذا الرأي ؟وهل تجرئين بالإجابة على السؤال بشكل معكوس؟ الحقيقة أن بيكاسو حلل وجه المرأةإلى أشكال هندسية أو حطم المرأة وأعاد صياغتها من جديد أي أنه لم يتحسس جمال الأنوثة في جسم المرأة وهذا مافعله في رسمه لزوجاته السبع وهذا ينطبق على فناني إيطالياأمثال (بوتيشللي) في لوحتيه (الربيع وميلادفينوس) وينطبق على (روبنز)الفلمنكي الذي رسم الرفاهية والأبهة الأوربية ،ورسم نساء مفعمات بالعافية يرفلن في نعيم القصور ,وجوههن نضرة مشبعة بدماء العافية ...رسم الوجوه والأفخاذ والأثداء والبطون والأرداف الخ...و(رينوار )الانطباعي الذي دخل إلى جسد المرأة ورسم نسائه العاريات المكتنزات المليئات بعصارة الجنس وبألوانه الوردية الشفافة مستخدما ضوء الشمس ونورها وماتتركه من ظلال على الأجسام الأنثوية العارية ،مدركا أن للألوان قدرة سحرية في صنع الجمال ،وتجسيد العواطف والانفعالات والتعبير عنها لاسيما الدافئة الحارّة،أما عن الشق الثاني من السؤال والإجابة عنه بشكل عكسي فأنا أنظر إلى الحياة بتفاعلاتها مع من يحيط بها ولاأنظر بشكل عكسي ،أجسّد الرجل في لوحاتي من خلال الكون ،(بشكل رمزي للحصان) دون أن أنظر له بعين ثاقبه لأن هذا لايعنيني على الإطلاق.

 سؤال يوجّه إلى كل فنان وسوف أوجهه لك أ .سهام :باعتبارك شرقية ولك إرث حضاري والكثير يتجه نحو المرأة كونها الملهم الوحيد للشعراء والكتاب والفنانين ،ونحن لم نجد ذلك الاهتمام في لوحاتك ،فهل هو نوع من أنواع التجنّب أم التجاهل ؟أم هي بنظرك عنصر كباقي العناصر ؟أم أنّك مثّلتها بشكل مرمّز؟

 المرأة في لوحاتي هي حالة أجسّدها دوما بشكل الفرس،مثلها مثل الرجل ،ودائما هناك حوار بينهما ،كما في لوحة (بيني وبينك)ولوحة (أخوة)و(همس السّحر) لكنني جسّدتها بشكل مرمّز كما ذكرت،مستخدمة بذلك رأس الفرس، ثم هناك لوحات صوفيّة تجاوزت الخمس وستون عملا (للحج والحجيج)لكلاالجنسين ،بألوان مفعمة بالعواطف والأحاسيس،وبأشكال متعلّقة بشخصيتي الفنية،عدا عن بعض الأشكال التي رسمتها باسلوب واقعي في بداية حياتي،وقبل الترميز للحصان بدل الإنسان.

 يقال أن (سيزن )أبا الفن الحديث،وذلك لأن اسلوبه كان بمثابة المرحلة الانتقالية لتغيير كبير في تاريخ الفن الحديث ،فمارأيك بذلك؟ حقا إن (سيزن وفان كوخ وغوغان وسوارة وبيكاسو )هي أسماء أحدثت انقلابا عظيما في تاريخ الفن ،وهم الذين فتحوا المجال للتحولات العملاقة في الفن التشكيلي ،بأفكارهم وتطبيقاتهم ،وظهرت تحولات وإضافات لم تطل بنيتها إلاّ على يد (بيكاسووبراك)دون أن تشكّل نشازأوتغيّر من مهام الفن ووظيفته على صعيد الشكل والمضمون،وفي غالب الأحيان أغنت الفن الحديث وطوّرته،لكن الخروقات الهائلة التي شهدها العصر الحديث فيما بعد ،أي في القرن الحادي والعشرين على صعيد اللغة البصرية ،طالت بنيتها وشكلها ووسائلها ومدارسها وخاماتها وصولا إلى أهداف وغايات تدفعنا اليوم للبحث وإعادة النظر في جملة مقومات ووظائف وأدوات جمالية ومعرفية وتوثيقية في هذا الفن التشكيلي الخارج عن المألوف ،والمتّسم بنوع من الصرعة الغريبة غبر المقنّعة ،والبعيدة عن الديمومة . –يطلق البعض على أساليب الفن الحديث على أنها الجنون أواللاوعي ،أوالحريّة غير المنظّمة ،أو بعد الفنان عن الواقعية،وانطوائية الفنان التشكيلي وبعده عن مجتمعه واهتمامه بالأفكار الجنونية ،وعدم وضوح أفكاره ،أوتعاليه على فكر العامّة ،والبعض الآخر يرى فيه سياسة صهينة الفن ،فكيف تعبّرين أو تجيبين على تلك الآراء؟وهل عملت يوما باسلوب معصرن بعيد عن مثل هذه الاتجاهات؟ صحيح لقد غيّر عدد من الفنانين التشكيليين وسائل تعبيرهم التقليدية إلى وسائل جديدة ،بعيدة كل البعد عن المهمّة التي وجد من أجلها الفن،(خلق الإحساس، وإطلاق الخيال نحو عوالم ساحرة منعشة تزيل حصارات الروح وتعبها وتجدد الشهيّة إلى حب الحياة،)وظهرت مسمّيات عديدة منها:(فن الحداثة ومابعدها،وفن الطليعة ومابعدها ،والفن المفاهيمي،وفن الناييف أو الفن الساذج والفن المركّب –فن البوب آرت ،والأنغوغرافيك –الصورالتوليفية) ويعتبر الفنان(روشامب)الأب الروحي لمثل هذه التوجيهات الفنية إذ حوّل الأدوات المنزلية ومرافق الحياة اليومية المختلفة (بمافيها المبولة )إلى أعمال فنّية ،وكان يهدف هو وأمثاله إلى الانتقام من الحياة، والتقدّم وتعظيم البشاعة والتلوّث،وإذلال الفن والحط من مثاليته ،سواءفي مجال الأدب أو الفن التشكيلي،وكان الفنان (آرمان)يقدم أعمالا من مخلّفات التواليت،وفرشاة الأسنان والقمامة،ليثير الدّهشة في متحف الفن الحديث بباريس،أما (دونواييه)فقد عرض أربع وعشرون لوحة فارغة ،إذ كان يقول (أنا أعرض نيّتي في تكوين هذا السطح فقط،لأنّاللوحة تأتي من لاشيئ،وإذا أتت من شيئ ما،فهي لن تكون لوحة) فالحقيقة هذا ليس فنا ،بل هو تمرّد حسب رأيي،ولأن الفن حالة انسانية تنتج عن عاطفة وانفعال وصدق ،بحيث تجذب المتلقي بتوازنها وانسجامها وإيقاعاتها،وموضوعهاومضمونها. هو فن الحياة والديمومة ،وليس فن السرعة والعبث ،وكل هذه الصرعات ماهي إلا لعبة تلهي البشر،والمثقفين عن رفع مستوى ثقافاتهم،والعبث بها ،لتعمل الصّهيونية وأمريكا بأفكارها الاستعمارية ،مستغلّة عقول وأفكار وعاطفة التا فهين لتوليفها ضدّ أوطانهم.

 من المعروف أن نشأة المدارس الفنّية والاتجاهات في الغرب ،والبعد عن تصوير الواقع بأزهاره وأشجاره وجداوله وصخوره....ونحن نعلم بأن الواقع هو الأساس الذي يدفع الفنان للإبداع ويحرّض أحاسيسه الكامنة ...برأيك هل كثرة الحركات الفنّية والمدارس في كل عصر (جعل لكل عصر فنّه)كما يقال أم هي ضرورة مرتبطة ومتتالية نحو التقدّم؟

 بعد الثورة الفرنسية عام (1789)ظهرت الكلاسيكية المحدّثة على يد (جان لويس دافيد)في فرنسا الذي أخضع الفن والفنانين بقواعده ومنطقه الصّرم،فازداد سأم الفنانين وتململوا وتاقوا إلى التحرر فجاءت (الرومانسية )كردّة فعل خاصّة ساعدتها ظروف سقوط نابليون وإبعاد (دافيد)إلى بروكسل فجاءت الرومانسية بألوانها الزاهية وأشكالهاالمحوّرة ،والتحريف على حساب الحركة الفنية ،وجاءت (الواقعية)بعد أن حمل أصحابها أمثال (كورو-كوربييه-مييه)ألوانهم ولوحاتهم إلى الطبيعة الحيّة بعد أن هجروا مراسمهم وبدأالناس يتفاعلون مع المكتشفات العلمية ،والابتكارات الصناعية ودخلت الفنون (عالم الحداثة)الواسع بمفاجآته الجريئة أحيانا والعابثة أحيانا أخرى وكل ذلك نتيجة عوامل عدّة ساعدتهم على تبديل اتجاهاتهم ،منها اختراع الكاميرا،والحروب والاحتكاك بالحضارات القديمة ،كالفرعونية ،وحضارة بلاد الرّفدين ،والتبادل التجاري عبر البحر الأبيض المتوسط،أي أن لكل عصر فنه، حسب الظروف المحيطة التي تفتح المجال للتغيير والتحديث.

 أ.سهام ماحكمتك في هذه الحياة؟

 حكمتي الهامّة والتي أتّخذها مبدأ لحياتي اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وأنا أقول لك من علّمني حرفا كنت له عبدا ،كل الشكر لك أستاذة سهام على تلك الإجابات الغنيّة والوافرة ،وكل الاحترام والإجلال لشخصك الكريم ، ولريشتك المبدعة والخلّاقة.

المدارس الفنية ضرورة نحو الحداثة والتقدم

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى