الأحد ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٢٠

قراءة برقية لنص المبدعة بيانكا ماضيّة «منذ متى أنت هنا؟»

صلاح أبو لاوي

بداية أسجل أن ما سأقوله في هذا المقام يندرج ضمن النقد الانطباعي، فلا أدعي ولم أفعل يوماً أنني ناقد متخصص، وكل اعتمادي على ذائقتي الجمالية التي تصطاد الدهشة من بين حروف النصوص التي يتسنى لي قراءتها.

بيانكا ماضية، كاتبة، وصحافية سورية

النص الذي بين يديّ والمعنون «منذ متى أنت هنا» للمبدعة بيانكا ماضية استفزني لأكثر من سبب، فهو من الناحية الفنية نص ّمكتمل يحمل في ثناياه الكثير من الصور الفنية المميزة والتراكيب اللغوية المبتكرة، وهو من ناحية أخرى يتعلق بحلب التي أحب، والتي كتبت فيها أكثر من قصيدة خلال العشر سنوات الأخيرة التي تعرضت فيها حلب كجزء من الوطن السوري للاحتلال والتنكيل بأهلها الطيبين، ولأنني أعلم أن بيانكا غادرت حلب بعيد العدوان عليها إلى اللاذقية، ولم تستطع العودة إلا بعد تحريرها، مما كان حافزاً لتعاظم الحنين، الذي هو ركيزة من ركائز الإبداع.
بتصوير الارتباك تبدأ بيانكا نصها، ونلاحظ أنها من خلال أسطر ثلاثة فقط أرسلت لنا رسالة واضحة عن الدمار الذي ألمّ بحلب وبنفسية الشاعرة معاً من خلال كلمتي "ركام"و "انتشلها" وكأنها بصورة موحية تعرض علينا الدمار الذي حل بحلب:

كانت اللحظات مرتبكة
وصورتي تشهدُ آياتِ القصيدة
من بين ركامِ الصورِ انتشلَها

النص يستدعي سيف الدولة الحمداني وهو الشاهد على قوة حلب وجبروتها في التاريخ المنظور، وهذا أمر يحسب للنص، فأنت في لحظات الخوف تستحضر القوة وتستحضر الأب الغائب أو حضن الأم، وبيانكا استحضرت سيف الدولة لتسقط تاريخه وقوته على اللحظة الراهنة التي تتمثل ببطل سورية المقاوم القائد بشار الأسد، وجيشه الأسطوري الذي أعاد تحرير حلب بعد أن فقد الكثيرون الأمل من النصر، تماما كما أعاد تحرير بقية المناطق السورية التي غزاها الإرهاب المدعوم صهيونياً وعربياً وتركياً، في أكبر هجمة شيطانية على دولة واحدة في التاريخ الحديث.
أقول إن استحضار سيف الدولة والحوار الذي دار بين الشاعرة وبين جندي سوري، يدللان على استحضار القوة في لحظة ضعف وخوف، وهي التي تصف نفسها بأنها ملكة القلعة، وتعني بالتأكيد قلعة حلب الشهيرة:

قلتُ: أنا ملكةُ قلعتِها.
وهي الصابرةُ على اللهب..

الشاعر صلاح أبو لاوي

هذا الحوار الدال الرابط بين الماضي والحاضر كان حواراً أساسياً لاكتمال المعنى والرسالة المرادة من القصيدة/النص، لمنح الأمل وإرسال رسائل للمستقبل، فحلب لم تستكن أبداً عبر التاريخ لأي احتلال وكانت المقاومة الصابرة على اللهب حتى النصر الأكيد.
إن التنازع بين الماضي والحاضر في التاريخ تنازع إيجابي يمنح الحياة، ويعلن استمراريتها في المدينة القلعة، العصية على الغزاة، لتنهي الكاتبة نصها بالتأكيد أن الحاضر القوي يغنينا عن استذكار الماضي الذي نعتز به، ولكنه ليس بديلا عن حاضر أكثر إشراقاً وقوة وتضحية:

 لا تنازعني على عرشٍ ورثتُه عن أجدادي..
وقال: أنا من حارب الغزاةَ عبر تاريخي..
وجعل من أرواحِهم نعلاً لحوافرِ جوادي..
وضحكتُ مرة أخرى..ورحتُ أجول في قلعتي وأستطلعُ أمجادي..
ووقفتُ على هضبة الذكريات
أرنو إلى حلب النائمة بين الرمشِ والرمشِ..
إنها حلبي أنا.

لقد سبق وأن جمع الدكتور نضال الصالح روايات الحرب في جهد مشكور، تلك الروايات التي كتبها الروائيون السوريون أثناء العدوان، وهذا يشجعني لأن أدعو لجمع كل الكتابات الإبداعية التي كتبت خلال السنوات الثمانية المنصرمة، والتي تناولت جوانب مختلفة من معاناة السوريين والوطن؛ لتكون شاهدة على التاريخ، ومنصفة للأقلام الحرة التي لم تغادر مواقعها الوطنية على رقعة الوطن رغم ما تعرضت له من ظلم وعدوان وتهديد.
النص السابق هو أحد هذه النصوص الشاهقة التي كتبت لمنح الأمل لليائسين وتدعو إلى مزيد من الصبر والمقاومة في سبيل الوطن، فلا يمكن فصل الثقافة والمثقف عن محيطه، وهو فرض عين على كل واحد منا إلى جانب البندقية والرصاصة في الانتصار للجمال ومحاربة القبح بأشكاله الشيطانية التي مورست على الأوطان خلال هذا الخريف.

لقراءة القصيدة كاملة عبر هذا الرابط:

منذ متى أنت هنا؟!

صلاح أبو لاوي
شاعر فلسطيني

صلاح أبو لاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى