الأربعاء ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٢
بقلم سهيل عيساوي

قراءة في قصة يوم الانتخابات في سابانا

قصة يوم الِانتخابات في سابانا، تأليف الكاتبة الفرنسية ساندرين دوماس رو، رسومات برونو روبرت، اصدار مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، 2007، الترجمة عن الفرنسية وليد أبو بكر. تتحدث القصة عن معركة انتخابية حامية الوطيس، في غابة سابانا، لانتخاب ملك الغابة، أربعة من المرشحين اعتلوا الحلبة السياسية ليخوضوا المعركة الانتخابية، كان الأسد"جو"أحد أبرز المرشحين، لإعادة انتخابه ملكا للغابة، لم يكن قلقا، منذ زمن بعيد والأسود تعتلي عرش الغابة دون منازع، أما الفيل"بيل"كان صديقا للجميع وفي الأسابيع الأخيرة كثف من زيارته المكوكية للمجاملة، والزرافة كانت تعتقد انها الأنسب لهذا المنصب، هي تشاهد قدوم الأعداء من بعيد لتحذر القوم، والتمساح الذي يحلم بالعظمة والفخامة، أصبح نباتيا بمساعدة خبير في الحمية الغذائية، وقد نشرت العصافير الخبر في الغابة وانتشر كانتشار النار في الهشيم،"التمساح جو لا يأكل أكثر من ليمونة"، وعند شجرة الباوباب الضحمة، عقدت مناظرة بين المرشحين الأربعة، زأر الأسد جو وقال: لن أكون اقل من والدي، الزرافة جيبيت صرحت"سأكون ضالتكم لتركضوا معي حتى نتجنب الخطر"، وصرح الفيل بيل"سوف نعيش مجموعات متوافقة ومنسجمة"، أما التمساح صرح"سوف أضع أنيابي في خدمتكم ضد من يهاجمكم"وعندها ارتفعت صيحات الجماهير"أنياب التمساح وعد للجميع"، شعر بقية المرشحين بالغيرة والامتعاض من التمساح وصرحوا انه متملق ومراوغ ولن يسمحوا له بالوصول إلى كرسي ملك الغابة، في النهاية جاء اليوم الموعود،اليوم العظيم، قام النمل بجرد وفرز الأصوات، والتمساح جيم جاء على رأس القائمة، تضايق الأسد"جو"فهذا الأمر لم يحدث يوما في سجلات سابانا، خسر ارث الآباء والأجداد ونال صفعة قوية لم يحسب لها أي حساب مسبق، خرج من الحلبة السياسية صفر اليدين، أما التمساح جيم، فكان مسرورا بما حصد من نجاح وفوز، ابتسم وهو يبرز أسنانه البيضاء، وخطب خطابا مقتضبا بالجموع، ليبث السكينة في قلوبهم، في اليوم الأول وزع الحقائب الوزارية على أفراد عائلته من التماسيح، وأصدر أمرا ملكيا بتشديد الحراسة على الحدود، على يد الشباب من التماسيح،وقد أعجب حتى الذين لم يتشجعوا لِانتخابه بجديته فهو ينفذ الوعود بحذافيرها ويوفر الأمان، واستراح الملك في مستنقعه لا يحرك ساكنا، وعندما جفت مياه الجداول في الغابة، حاولت الحيوانات اجتياز الحدود للبحث عن المياه لتنقذ أرواحها، لكن الجنود التماسيح حرس الحدود، قاموا بصدهم بغلاظة، ولم يرق قلبهم لتوسلاتهم، في تلك الليلة حاولت بعض الحيوانات التسلل خلسة لتمنع عنها الموت المحقق، وكان من بينها الغزال، لكنه أصبح لقمة سائغة في أفواه التماسيح، عندها انتشر الخبر سريعا، الملك نباتي لكن اخوته وأقاربه ليسوا كذلك، لا بد من تنظيم ثورة تطيح بالملك وزمرته وعائلته المالكة، لا بد من طرد الملك القاسي، ومن يوم إلى يوم، أصبحت قوة الحيوانات خائرة، والأمور تزيد تعقيدا، اجتمعت الحيوانات، واقترح الفيل بيل،إقامة احتفال للملك وللعائلة المالكة، ويقدم لهم أحد أنواع الفطر ويطهى جيدا، والتماسيح تحبه كثيرا، عندها يمكن تسميم التماسيح والتخلص منها، قام الفيل بدعوة التمساح، الذي قبل دعوة الفيل على أساس أن الاحتفال تقديم الشكر والعرفان له على حفظ الأمان، انقضت التماسيح على الوجبة تلتهمها، شعرت بالتخمة، وانها تطير من شدة الفرح، غادرت التماسيح المائدة، نحو الشاطئ الصخري، وطارت في الهواء وشعرت بلحظات العذاب، ودوت أصوات الحيوانات"أحسنا التصرف، وعلينا أن نختار جيدا هذه المرة، وتمت استعادة الحياة من جديد في غابة سابانا.

رسالة الكاتبة:

القصة جاءت على لسان الحيوان، تتحدث عن الانتخابات، واحتدام الصراع على السلطة، لأن السلطة مجد كبير ومكسب عظيم، وليس بالضرورة من يصل إليها يهدف إلى تقديم خدمات حيوية للجمهور الواسع وحتى الذين منحوه الثقة في صناديق الاقتراع، الأسد الذي استند على مجد الآباء والأجداد، استهان بالناخب، وقوة التمساح وإمكانية فوزه، ولم يستوعب الصفعة التي تلقاها، أما التمساح المراوغ،فقد مهد لانتصاره بتحوله إلى نباتي وتغيير جلده، استعان بخبير بالحمية الذي يرمز الى مستشار انتخابي الذي ينجح في تجميل صورة المرشح من خلال تلميعه وتمويه الناخب، حتى يظن المرشح نفسه أنه فعلا شخص اخر، التمساح سرعان ما عاد الى أصله وجلده الحقيقي بعد الفوز بالانتخابات، عاد إلى الخمول، واللامبالاة، لم يحرك ساكنا، حتى في أحلك الظروف والحيوانات تقف على مشارف الموت، كذلك عادت التماسيح تلتهم اللحوم وتهدد سكان الغابة الامنة، لم يسمحوا للحيوانات ان تنجو بأرواحها، منعوهم من البحث عن الماء عن الحياة، بحجج واهية، فقط الرغبة في السيطرة والاكراه، أما الأسد توارى عن الأنظار بعد سحقه في الانتخابات، لم يبادر ولم يقدم العون أو المشورة للحيوانات في أحلك الظروف، أما الفيل فكان موقفه يتسم بالحكمة والشجاعة، بادر الى التخلص من التمساح وأسرته المهيمنة بقسوة على مصير الغابة، تضرب بمصالحهم بعرض الحائط، وصل التمساح بخدعة وتملق الى سدة الحكم، أيضا تم التخلص منه بخدعة، في القصة تقدم الكاتبة تحذيرا للقارئ من الاختيار الغير سليم للقائد، لأن الناخب هو من يدفع الثمن، فقد استحوذ التمساح وجماعته على موارد الغابة والمناصب الهامة وحتى الحراسة وقام بإقصاء الجميع، لأنهم استهتروا بأصواتهم والتي هي قوة كبيرة، يدفعون الثمن غاليا بأرواحهم ومصالحهم ومستقبل الغابة وأهلها. أيضا القصة تعرض الصراع والفرق بين النظامين الديمقراطي والدكتاتوري، ايجابيات وحسنات كل منهما، وكيف يمكن ان يصل الدكتاتور إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع مستغلا سذاجة الناخبين وانطلاء الحيل الانتخابية، وشحذهم بالأيديولوجيا والأوهام، والتاريخ المعاصر يحفل بالنماذج الحية.

القائد والقيادة في قصة انتخابات في سابانا:

على القائد وضع مصلحة الشعب في سلم أولياته، والعدل دستوره، لا يستحوذ على مقدرات الوطن والناس، ولا يقوم بإقصاء الاخرين وِاِن اختلفوا معه سياسيا أو فكريا أو انتخابيا، وأن يكون في الصف الأول عند وقوع أي خطر، يبادر، حتى لو لم يكن في السلطة،الموقع لا يسلب القائد قوته وفكره ومكانته وقدرته على التأثير، ان حاد القائد عن الطريق الصواب، تعود القيادة ِإلى الشعب، الذي يملك كل القوة هو صاحب الأرض والوطن والقرار هو مصدر الدستور وله الكلمة العليا، بإمكانه إزاحة الطاغية اِما عن طريق الثورة العارمة التي يتحد بها الشعب على كلمة واحدة، واما عبر صناديق الاقتراع وفقا للظروف، في النهاية الظلم لا يدوم ولا بد للعدالة ان تسود ولا بد للشمس أن تشرق لتبدد الظلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى