الجمعة ٣١ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم خليل محمود الصمادي

قراءة في كتاب الخروج

كتاب مصور يحكي تغريبة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .

كتاب جديد في إخراجه ومادته شبيه بالأفلام الوثائقية السياسية ، يقدم تعريفا موجزا وسهلا ومأساويا عن غربة اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان من خلال مئات الصور المعبرة في رحلة كانت صعبة للغاية من قبل عصابات العدو الصهيوني ولكن الأصعب منها معاناة اللاجئين عند ذوي القربى .

يتألف الكتاب من 144 صفحة وبدأ في صفحته الأولى بالتعريف بالمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان ( شاهد) ومما جاء فيها أن المؤسسة تعمل على احترام حقوق الإنسان الفلسطيني وفق المعايير الدولية وبعد التعريف جاءت أهداف المؤسسة ثم الوسائل العلمية لتحقيق هذه الأهداف ، ثم جاء التعريف الثاني بمركز العدالة السويد وعلمنا من التعريف أن المركز تأسس عام 2004 م ليسلط الضوء على الظلم والمعاناة التي يتجشمها الشعب الفلسطيني الذي عانى وما زال يعاني ويلات الاحتلال والتشريد وكذا ذكر التعريف أهداف المركز ودعوته للمخلصين من أبناء الأمة لدعمه.

ثم جاءت الصفحات الـتالية بكلمات الذين همهم الشأن الفلسطيني ولا سيما الهجرة إلى لبنان وهذه الكلمات لـ:

رئيس المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) للأستاذ محمود الحنفي ، ثم كلمة الأستاذ موسى الرفاعي مدير مركز العدالة بالسويد، ثم كلمة د.أنيس الصايغ المدير السابق لمركز الأبحاث الفلسطيني ورئيس تحرير الموسوعة الفلسطينية ، واختتمت الكلمات بكلمة الأستاذ ماجد الزير المدير العام لمركز العودة في لندن استغرقت الكلمات 21 صفحة من مقدمة الكتاب، وبعد هذه الكلمات بدأ الكتاب بفصوله الأربعة التي تصور بشكل موثق تغريبة الشعب الفلسطيني على لبنان تحت أربعة فصول:

الفصل الأول : تحت النار... نحو التيه:

وشمل 26 صفحة امتلأت الصور والخرائط التي أبرزت المدن والقرى الفلسطينية كحيفا ويافا وطبريا والناصرة وبين الصور ظهر كتاب بلفور المشؤوم الذي يدعو إلى تأسيس وطن قومي لليهود وبعدها تتابع الصور مبينة وحشية الاحتلال البريطاني وتنكيلهم بالعرب من أجل تمكين اليهود من البلاد والعباد، وتتابع الصور وكأنها تحكي لنا تاريخ فلسطين بالصور لتظهر لنا المجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية إذ هاجمت هذه العصابات 430 قرية من أصل 531 من القرى التي احتلتها ، وأمام هذه الهجمة الشرسة لم يكن أمام الفلسطينيين إلا المغادرة، بعد أن تركوا دون سلاح ودون عون، وتتابع صور المأساة الفوتوغرافية والحقيقية وترسم لنا لوحات معبرة عن التغريبة الفلسطينية مأساة القرن العشرين ، عشرات من النساء والأطفال والشيوخ يحملون ما خف وغلا بل ما خف فقط لأن لا شيء يعدل غلاوة الوطن ؛ وأما ما غلا في نظرهم فيحملونه على رؤوسهن أو رؤسهم وهي عبارة عن سلال أو بقج أو أطفال لم يستطيعوا المشي لأنهم لم يبلغوا الفطام بعد، أو صور لعجائز كما صورتها صورة الفنان المبدع المرحوم إسماعيل شموط في أكثر لوحاته المشهورة وفي ختام الفصل تظهر بعض صور الخيام التي اكتظت باللاجئين أو العنابر لمن كان حظه أوفر.

ينتهي الفصل الأول ليبدأ الفصل الثاني بل المعاناة الثانية التي حملت عنوان :"الحياة بعد النكبة... نكبة" فمن هذا العنوان يستطيع القارئ أن يعرف ما في هذا الفصل ، فليست حياة اللاجئين الفلسطينيين إلى البلاد العربية واحدة، فكل بلد يمتاز بخصوصية انعكست على حياة الفلسطينيين في البلد المضيف .

يبدأ الفصل بصورة لمجازر صبرا وشاتيلا تغني عن ألف مقال أو قصيدة وحتى عن قصيدة محمود درويش التي وشحت بها، أما الصورة الثانية فتختزل النكبة أي النكبة الثانية بما يلي " بُعيد وصولهم أدرك الجميع أن مدة اللجوء قد تطول، وتبدلت الروح الأخوية الإنسانية التي استقبلوا بها، بجفاء وتضييق أملاهما منظار التوازنات الطائفية الذي نظر إليهم المضيفون من خلاله، فمنعوا من التنقل والعمل وحوصروا داخل مخيماتهم. وتتابع الصور في هذا الفصل مستعرضة تاريخ الفلسطينيين في لبنان ونكباتهم فمن حصار تل الزعتر إلى مجازر جسر الباشا ومحيه عن الوجود إلى الرشيدية والبص والبرج الشمالي في الجنوب إلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومجازره ضد الفلسطينيين في أكثر المخيمات ، إلى مجازر صبرا وشاتيلا إلى مجازر حركة أمل بين عامي 1985 ـ 1987 م وفقدان 2500 فلسطيني بعد أن اضطروا لأكل القطط والكلاب وشرب المياه الآسنة ، ولم ينس الكتاب حرب المخيمات الفلسطينية في طرابلس عام 1988 ، ولو تأخر صدور الكتاب قليلا لكان حفل بمأساة مخيم نهر البارد التي لم تكن الأخيرة إلا وقت صدور الكتاب !!

وينتهي الفصل الثاني بما يلي " لقد كان خروج منظمة التحرير من لبنان النكبة الثانية التي حلت بالمجتمع الفلسطيني خلال 34 عاما، فلا قيادة ولا صندوق طالب ولا دعم للعلاج أو للهلال الأحمر ولا مؤسسات ثورة ......"

أما الفصل الثالث فكان تحت عنوان " غربة عن الوطن... والحياة" وهو سجل هام وموثق بالصورة والكلام عن المخيمات الفلسطينية في لبنان والبالغة 12 مخيما من الرشيدية في الجنوب إلى نهر البارد في شمال طرابلس وقد أعطى الكتاب لمحة معرفية عن كل مخيم من مخيمات لبنان وأضاف إليها التجمعات الفلسطينية الأخرى وعددهم 45 تجمعا غير منتظمة مثل تجمع شاتيلا وتجمع العودة قرب عين الحلوة ، وتجمع البركسات ، تظهر الصور وتعليقاتها المأساة الحقيقية للاجئين الفلسطينيين في لبنان ، فبيوت شبه مهدمة مسقوفة بالصفيح ، وشوارعها الضيقة وغير اللائقة للسكن الآدمي!! ويستعرض القوانين اللبنانية التي تمنع الفلسطيني من إصلاح بيته أو إدخال مواد البناء ، أو إيصال مياه الأسنة للصرف الصحي القريب منه ، مرورا بقطع الماء والكهرباء في كثير من الأحايين ومستعرضا أكوام القمامة التي أصبحت تضاهي الجبال .

ويستعرض الكتاب في هذا الفصل بعض مراكز الخدمات التي تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين كخدمات الأونروا والهلال الأحمر ومركز المساعدات الشعبية النرويجية وفي هذا الاستعراض الصحي يلقي الضوء على حجم المعاناة التي يلقاها الفلسطينيون في لبنان جراء الأمراض ولا سيما المزمنة منها إذ يلقى الكثيرون حتفهم قبل تعدي الطابور الطويل للجمعيات الخيرية والإنسانية إن وجدت، وبعد ذلك يلقي الكتاب الضوء مرة أخرى على الواقع التعليمي للفلسطينيين في لبنان ويفاجئنا أن نسبة التسرب من مدارس الأونروا بلغت 19% في المرحلة الابتدائية و31% في المرحلة المتوسطة ، ويتساءل واضعو الكتاب عن السبب " فما الذي سيبقي الطالب على مقعد دراسته ؟ فيجيبوا: صورة أحمد الفران أم صورة خالد البقال الذي أضاع 5 سنوات من عمره لدراسة الهندسة !! ولم ينس الكتاب التعرض لمشكلة العمالة في لبنان ويربط التسرب من المدارس والتجهيل بها فيتساءل طفل فلسطيني: ما الذي يبقيني في المدرسة فإذا نجحت فلا جامعة وإن قبلت بالجامعة فلا فرصة للعمل إلا في المهن المسموح بها ، فهناك 65 مهنة ممنوعة تبدأ من الإدارة العامة وتنتهي بسائق سيارة الأجرة !!لذا تجد مئات من الشبان الفلسطينيين مفترشين الرصيف منتظرين تأشيرة دخول لإحدى الدول الإسكندنافية أو الأوروبية أو كندا ، وينتهي هذا الفصل بالأمل فيول : بالرغم من هذا كله نجح اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في الحفاظ على عاداتهم وخصوصيتهم الفلسطينية الثقافية والسياسية ونجحوا في إبقاء فلسطين حية في نفوس الجيل الجديد الذي لا يقل مسكا بحق العودة عن أجداده.

أما الفصل الأخير فكان تحت عنوان " عائدون" وهو أقصر الفصول 12 صفحة مليئة بالصور المعبرة عن عودة أصحابها إلى مدنهم وقراهم وأكثر الصور ممن يحملون مفاتيح بيوتهم أو شهادات ملكية الأرض ويستعرض بعض صور مجلس الأمن الذي يقر حق العودة وفي الوقت نفسه يمنع المقاومة، وصورة أخرى لبوش وشارون تعود لعام 2001 وتعليق طريق يسارها " أصبح من يطالب بالعودة متطرفا ومن يتمسك به متخلفا ومن يحلم به مجنونا ...." وفي ص 143 ينتهي الكتاب بما يلي " في لبنان هم باقون، باقون فوق الموت إن قتلوا ، فوق الذل إن جاعوا، باقون فوق التيه إن تشردوا، وباقون فوق الحدود إن حُوصروا، باقون حتى يخطوا آخر سطر من تغريبتهم إلى أن يأتي اليوم الذي يقتلعون فيه أوتاد خيامهم ويتجهون صوب الأرض ، صوب فلسطين ....."

وهكذا ينتهي هذا الكتاب المصور الذي جاء في وقت مناسب وباللغتين العربية والإنكليزية ليلقي الضوء على معاناة الآلاف من الفلسطينيين في لبنان الذين ذاقوا مرارات عديدة منذ عام 1948 وإلى عامنا هذا 2007 م وما أدراك ما سيلاقونه بعد هذا العام " اللهم ارحم " وقد امتاز الكتاب عن غيره من الكتب التي تناولت القضية الفلسطينية بسهولة تناوله فالقارئ ينتهي منه خلال ساعتين على الأكثر لأنه مليء بالصور المعبرة فكل صورة من الكتاب تحكي إما مأساة أو معاناة أو أملا في العودة للديار تخلصا من الذل والهوان الذي يلقاه اللاجئون الفلسطينيون هناك.

كتاب مصور يحكي تغريبة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى