الجمعة ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم سيد إبراهيم آرمن

قراءة نقدية لعدد من نتاجات العدساني

أستاذ مساعد بجامعة آزاد الإسلامية في کرج

ملخص البحث:

اتجه عبدالرزاق محمد صالح العدساني الأديب الکويتي المعاصر في مسيرته العلمية والأدبية والفنية إلی تأليف عدد کبير من النتاجات النقدية التي أثارت البعض منها ضجة کبيرة في المحافل الأدبية.

يهدف هذا المقال إلی تقديم عدد من هذه النتاجات منها: (تاج اللغة) الذي يختص بمقياس اللغة العربية من حيث عددها والتفاعيل الموازية لها بالوزن ومايصاحبها من علل الزيادة والنقص والزحاف وإثبات أساسيات المفردة و(ملحمة الأسير) ويعبر العدساني في هذه الملحمة عن أحاسيسه الصادقة تجاه موضوع الأسر الذي ظل هاجس الکويتيين بعد الغزو العراقي الغاشم و(زهيريات العدساني) ويتناول الشاعر في هذا الکتاب شعر الزهيري الذي يعد لونا من ألوان الشعر العامي و(حقائق تکاد تنسی) الذي يتناول قسما هاما من تاريخ الکويت.

المفردات الرئيسة: العدساني، الأدب، الشعر، العروض، التفعيلة، الأسر.

تمهيد

يعتبر الأستاذ عبدالرزاق العدساني مؤلفا موسوعيا له مؤلفات شاملة في مختلف مجالات الأدب والنقد والفن منها أبصرت النور ومنها لم تبصر بعد.يتناول مقالنا هذا تلک النتاجات التي طبعت بين أعوام 2001م حتی 2005م و هي أربعة کتب عالجناها وفق تاريخ طبعها.

إن الدراسة النقدية لمثل هذه النتاجات ذات أهمية بالغة حيث أن هناک عددا کبيرا من المؤلفين في دول الخليج لهم نشاطات أدبية بالغة غير أن أصواتهم اختفت في ضجة صاخبة تصدر عن البلدان العربية الکبری مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر ذلک الضجيج الذي أثاره مؤلفون مشهورون من تلک البلاد ولاريب أن المؤلفين الخليجيين إذا کانوا يقلون عن هؤلاء شهرة فإنهم لايقلون عنهم جودة إذا ما قارنا نتاجهم بنتاج هؤلاء المشهورين.

بناء علی هذا يهدف مقالنا إلی التعريف بعدد من نتاجات العدساني بدأنا بکتاب (تاج اللغة للمفردة العربية) 2001م ثم تبعناه بـ(ملحمة الأسير) 2001م و من ثم التفتنا إلی (زهيريات العدساني) 2003م و أخيرا قدمنا صورة موجزة عن (حقائق تکاد تنسی) 2005م حيث تمت معالجتنا لهذه الکتب بين تعريفها تارة ونقدها وتحليلها تارة أخری.

تاج اللغة (للمفردة العربية) : صدر هذا الکتاب عام 2001م ويقع في نحو مائتين وست وأربعين صفحة ويعرف المؤلف هذا الکتاب قائلا : «إن هذا الکتاب ينفرد في إطاره ومضمونه العام عن أي کتاب آخر، فهو ليس کتاب قصة أو رواية يتجلی بها فکر کاتبها وعبقرية أسلوبه في الکتابة أو کتاب بحث أدبي أو فني يحاول أن يترجم حقيقة في أسلوب أکثر تشوقا وأعمق في صوره ومداخله عما کان عليه نظائره من الکتب الإبداعية.» (عبدالرزاق محمد صالح العدساني، تاج اللغة للمفردة العربية، مطبعة الکويت، 2001م ، ص 17.)
ثم يتابع قوله موضحا حقيقة کتابه : «أنه صورة للمفردة العربية بمقياسها التفعيلي وعدد حروفها، فهو يميل للأمور الحسابية أکثر من ميله للأمور الأدبية وهو يختص بمقياس اللغة العربية من حيث عددها والتفاعيل الموازية لها بالوزن وما يصاحبها من علل الزيادة والنقص والزحاف وإثبات أساسيات المفردة ومشتقات تلک الأساسيات والمعالجة هنا تخص الکلمة والفعل والحرف، والحروف المقصودة هي : الحروف العاملة مع المفردة مثل حرف : الباء وحرف الواو والکاف والسين والفاء واللام وهذه الحروف تحمل وزن أصغر تفعيلة للمفردة العربية.» (المصدر السابق، ص17.)

وهکذا يؤکد المؤلف أنه راجع في کتابه "تاج اللغة" جميع المفردات العربية من الأسماء والأفعال والحروف ويسمي ما توصل إليه في هذا الکتاب بالجديد السابع بعد أن أحصی کلما طرأ علی اللغة العربية من جديد منذ نشأتها معبرا : «ولکي تکون هذه الصورة واضحة وجلية بکل أبعادها الأدبية يجب الرجوع ولو بشکل موجز إلی تاريخ اللغة العربية ومراحل تطورها وما جد لها من جديد عبر هذا التاريخ الطويل منذ أيام العرب البائدة والعاربة إلی عهد الخليل.» (المصدر نفسه، ص 18.)

ويری العدساني في هذا الکتاب أن اللغة العربية مرت في ست مراحل، ثلاث مراحل أتت بجديد للغة العربية وهي : مرحلة الحداء ومرحلة الرجز ومرحلة الشعر.أما الثلاث الأخر فهي مراحل معالجة واستکمال وتصحيح ما طرأ علی اللغة العربية بعد الفتوحات الإسلامية وهي : مرحلة علم النحو ومرحلة وضع النقط ومرحلة علم العروض.ثم إن ما يعالجه هذا الکتاب هو الجديد السابع من منطلق تحديد موازين اللفظة العربية وعدد حروفها.

وهذا الکتاب يحمل قبل کل شيء تاريخ اللغة العربية علی مر العصور حيث يقسم العرب إلی قسمين: «الأول العرب العربة البائدة وهذا القسم يشمل : قبيلة عاد الأولی وثمود وجديس وطسم وجرهم الأولی والعمالقة. والقسم الثاني : العرب المستعربة من أحفاد قحطان ونبي الله إسماعيل عليه السلام وجرهم الثانية والحميريين.» (المصدر نفسه، ص 18.)

ويؤکد العدساني في هذا الکتاب أن أحدا لايمکنه أن يحدد الفترة الزمنية التي مرت بها اللغة العربية حتی آلت إلی ما آلت إليه في الصورة التي نعرفها ويری أن هناک لهجات عربية عديدة غابت کما يوجد هناک أقوام کثيرون غابوا، هذا بالإضافة إلی ظهور لهجات عديدة وظهور أقوام کثيرين.وأخيرا يتوصل إلی هذه النتيجة : «فمضر کان من سلالة إسماعيل عليه السلام (جده العاشر) ولاشک أن ما بين مضر وإسماعيل عليه السلام سنين کثيرة تعد بالقرون، وهي مدة کفيلة بأن تخرج اللهجة المکية وتصقلها بشکل لو سمعها الأولون لأقروها بأنها لغة أخری غير التي کانوا عليها بمسمياتها وبمفرداتها وبطريق کلامها.» (المصدر نفسه، ص 27.)
ويری العدساني أن مضر أول من سن الحداء للإبل حيث أنه کان جميل الصوت والحداء هو الجديد الأول في اللغة العربية «وهو قول موزون مصاحب بلحن استهلالي لا إيقاع له ويطول ويقصر حسب رغبة مؤديه والحداء هو مجزوء الرجز.» (المصدر نفسه، ص 27.)

ولما يتحدث العدساني عن الجديد الثاني وهو فن الرجز يقول : «فمن ذلک الحداء انطلق الجديد الثاني الذي وجد العرب في ذلک الوقت فيه ما لم يجدوه في الحداء الأول البدائي من تعبير و وصف وهو فن الرجز الذي زادت تفاعيله علی ما کان بالحداء وکذلک في زيادة أبياته الشعرية فقد أخذ مکانا متسعا في فن القول آنذاک. فمثل انطلاقة الحداء جاءت انطلاقة الرجز ذلک القول الذي وجدوا فيه ما يعبر عما يجول بخاطرهم من قول فيه صورة أوضح وأشمل لوصف بعض الحالات في ذلک الوقت وهو يختلف بشکله ومضمونه عن الحداء کما أنه قول وسط مابين الحداء والشعر.» (المصدر السابق، ص 28.)

ثم يتابع کلامه بتقديم نماذج لبعض الأرجوزات إلی أن يصل إلی الجديد الثالث وهو الشعر ويوضح أن الحداء والرجز کانا أسلوبين مهدا الطريق لظهور الشعر حيث أنه لايمکن أن يأتي هذا الشعر من فراغ ولم يبرز فجأة علی لسان العرب.

ويری العدساني أن الشعر «عرف بصورته الحقيقية منذ مائة وخمسين سنة قبل البعثة المحمدية وعلی لسان المهلهل التغلبي الذي هلهل الشعر وکان الانطلاقة الأولی له علی اللسان العربي.» (المصدر نفسه، ص 37.) کما يؤکد «أن الشعر وصل بفنونه الأدبية إلی أعلی مستوی توجه الأدب بمعلقاته الشهيرة التي علقت بداخل الکعبة وخطت بماء الذهب ولاشک أن معاصري المعلقات السبع کانوا علی مستوی کبير من الثقافة الأدبية التي وصل من خلالها الشعر إلی ما وصل إليه.» (المصدر نفسه، ص 53.)

وبعد أن يقدم العدساني هذه الآراء حول الشعر ونشأته يتحدث عن الضعف الذي طرأ علی اللغة العربية بعد الفتوحات الإسلامية الأمر الذي أدی إلی ظهور الجديد الرابع وهو علم النحو قائلا: «کانت اللغة العربية تواکب أفرادها أينما کانوا ولکنها تضعف کلما بعدت عن مهبط الوحي ومهد اللغة، فکانت تتسرب إليها بعض الألفاظ الأعجمية کما کانت تعطي تلک اللغات بعض المفردات تبادلا لم يکن في صالح اللغة العربية فقد دب اللحن في الکلام واهتزت قواعد النحو التي کان العرب عليها قبل الفتوحات الإسلامية الأمر الذي دعی أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو تکليف أبي الأسود الدوئلي بوضع ضوابط للغة العربية تحميها من مغبات الزمن و وصاه أن يعتمد علی القرآن والشعر الجاهلي.» (المصدر نفسه، ص 55.)

ويعتبر العدساني ابتکار النقط الجديد الخامس الذي ظهر في اللغة العربية حيث أنها تحمل حروفا متشابهة يواجه القارئ صعوبة في قراءتها وقد يبدل هذا الحرف بذاک فيشتبه عليه المعنی ويری العدساني أن هذا الابتکار أدی إلی خلود الحجاج والعلامة نصر بن عاصم الليثي : «فوضع النقط عمل خلد الحجاج والعلامة نصرا حيث أراحوا الناس بتلک الصورة المبتکرة السهلة التي حددت معالم کل حرف من حروف اللغة العربية ولاشک أن مثل هذا الأمر لقي صعوبة في تنفيذه عند الناس ولکن الزمن کفيل به وجعله أمرا سهلا بعد إقراره ومعرفة الناس به کدليل للقراءة التي وضع حدا لما أصاب القراءة ما أصابها.» (المصدر نفسه، ص 61.)

وأخيرا يری العدساني أن علم العروض هو الجديد السادس الذي استطاع الأدباء أن يکتشفوا بميزانه أمورا کثيرة فهناک : «ادعاءات کثيرة بين مؤيد ومعارض حول مقولة بأن القرآن الکريم شعر ولا دليل لدی المؤيد بصحة ما يدعيه ولا دليل لدی المعارض بصحة ما يدعيه ولابد من حسم المسألة ولکن بأمر ملموس ومقنع فکان علم العروض هو الفيصل لکل تلک المهاترات التي کانت تعم الناس في ذلک الوقت، فبفضل التفاعيل التي ابتکرها الخليل بن أحمد وضع حدا فاصلا لکلا الطرفين وأثبت بالقول والبرهان أن القرآن ليس بشعر فمن يدعي ذلک فقد ظلم نفسه، هذا بما يتعلق في حد تلک المقولة الکاذبة أما بما يخص الشعر فإن الموازين التي ابتکرها الخليل بن أحمد وتسمية بحورها وضعت حدا وطريقا لکل من يريد أن يعرف إن کان قوله الشعري موزونا أم لا، وکشف الصورة الحقيقية التي يتجلی بها الشعر.» (المصدر السابق، ص 62.)

والجديد السابع الذي توصل إليه العدساني هو صورة المفردة العربية بمقياسها التفعيلي وعدد حروفها بعد أن راجع العدساني جميع المفردات العربية صغيرها وکبيرها، سواء کان اسما أو فعلا أو حرفا فکانت حصيلة عمله هي : «أربعة عشر تفعيلة لا تعمل مع الشعر وهناک خمسة وستون تفعيلة تعمل مع الشعر بشروط لا وجود لها في تفاعيل الشعر ماعدا العروض بالتفاعيل المرفلة وخمسة وثلاثون تفعيلة تعمل مع الشعر والعدد الإجمالي لموازين المفردة هو : مائة وأربعة عشر ميزانا.» (المصدر نفسه، ص 82.)

ملحمة الأسير: صدرت هذه الملحمة عام 2001م وأنشدت علی واحدة وسبعين فقرة تتکون بعضها من أربعة أبيات کما يتکون البعض الآخر من ثلاثة أبيات واعتمد الشاعر في کل فقرة علی قافيتين: الأولی للشطر الأول من أبيات الفقرة والثانية للشطر الثاني من أبياتها کما يأتي في آخر کل فقرة بالقافيتين اللتين التزم بهما في الفقرة الأولی.

تقع هذه الملحمة في نحو بضع وثمانين صفحة يتناول الشاعر موضوعا ظل هاجسا لدی أدباء الکويت بعد الغزو العراقي الغاشم وهو الأسر والمعاناة والفراق وأمل العودة والعدساني في ملحمته هذه يعبر عن أحاسيسه الصادقة تجاه هذا الموضوع ويشارک الکويتيين أحزانهم بهذه الملحمة ولا عجب حيث يعرف الجميع أن شاعرنا عرف بشعره الذي يعبر عن أفراح الوطن تارة ومعاناته تارة أخری بحيث لايجد المتلقي صعوبة في الوصول إلی کنه هذا الشعر لکونه معبرا عن أحاسيس المواطن وطموحاته.

يقول الشاعر في مقدمة هذه الملحمة: «لقد شارکت الکثيرين فيما کتبوا نتيجة کل ذلک وخاصة بما يتعلق بموضوع الأسری.إلا أنني أحسست رغم ما قدمته أنني مقصر في حق ذلک الموضوع ونتيجة ذلک الإحساس تبلورت فکرة کتابة ملحمة الأسير فوضعت بها کل ما وصل إليه تصوري حول حالة الأسير في معتقله إن کان أسيرا أو معاناته في متاهي الضياع إن کان طليقا أو إنه رهن الممات وکذلک حالة ذويه من أم وأب وأخت وأخ وبنت و ولد.» (عبدالرزاق محمد صالح العدساني، ملحمة الأسير، مطبعة الکويت، 2001م ، ص 16.)

وهکذا يضع الشاعر حالات الأسری نصب عينيه ويتذکرهم في خياله ويحن إلی رؤيتهم وکيف أنهم أجبروا علی ترک وطنهم الحبيب إلی البعد والفراق:

«آه من ذکری حبيب لم تزل
ترک الحب و أشواق الغزل
کل منها في مراعيه عزل
أشغل الفکر بأطياف تهل
في خيالي تحرق القلب احتراق
لشجون و بعاد و فراق
من تواری في ربوع الافتراق
جاريات کعتاق في سباق»
(المصدر نفسه، ص 17.)
 
کما يتساءل نفسه بنبرة حزينة ويأس عميق عن حال هؤلاء الأسری وعما يعانون منه في أسرهم وتکثر هذه التساؤلات في هذه الملحمة :
«لست أدري أي حال حاله
غائب أودت به أرحاله
غير واد مظلم أمحاله
رهن قيد الأسر أم رهن الممات
في مناه ليس فيه من سمات
طرد الطير و أجفاه الرماة»
(المصدر السابق،ص 19.)
 
ويتذکر الشاعر أنه ضاع أکثر من عشرة أعوام من عمره وهو کان يتمنی عودة هؤلاء الأسری الذين لا يعرف عن مصيرهم شيئا:
«أيها الساهر في تلک المحول
أيری منک جواب ما يحول
هذه عشر من العمر و حول
أقريب أنت منا أم بعيد
دونه قيد و بيد و صعيد
راح فيها بالتمني ألف عيد»
(المصدر نفسه، ص 20.)
والشاعر يذکرنا بأحوال الأمهات اللواتي فقدن أولادهن ويبدي أسفه الحقيقي ما ينم عن عمق المأساة واحساس الشاعر الرقيق:
 
«آه من أم تناجي کل يوم
حرمتها لوعة لذات نوم
حضنوا بالود أطيافا تحوم
ما تعانيه صباحا و مساء
مثلها جمع رجال و نساء
لأساری ما تناسوا من أساء»
(المصدر نفسه، ص 27.)

ويخاطب الکويت ويناديها مهد الرخاء ومنار الصدق لدی الآخرين ويطلب من الله تعالی أن يکون في عون شعبها:

«يا کويت الحب يا مهد الرخاء
عانک الله علی ذاک الإخاء
غير قهر من هواه بسخاء
يا منار الصدق في عين الأمم
من شقيق لم يوافيک الذمم
يوم حاطت فيک نار و حمم»
(المصدر نفسه، ص 31.)

کما يتوجه تارة أخری إلی الشعب الکويتي وأميرها ويتصفهما بشرف الأفعال ومکارم الأخلاق ويخبره ضميره أن هذا الشعب سوف يظفر بأمنياته:

«و لک العهد بما نقوی به
صدق من غنت علی أبوابه
و صدوق صاح في أعقابه
شرف الفعل لشعب و أمير
أمم منها نديم و سمير
لک مني بالمنی وحي الضمير»
(المصدر نفسه، ص 33.)

ويعود إلی الأسری تارة أخری ويؤاسيهم في أسرهم ويستحضر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن العسر يتبعه اليسر وأن الأسر فخر لمن يدافع عن وطنه:

«کل آه منک فيها مغفرة
أنت شمس و نجوم مسفرة
و خيول کلها مستنفرة
و عذاب في رقاب الظالمين
حرقت بالصدق حلم الحالمين
عرفت بالحب بين العالمين»
(المصدر نفسه، ص 35.)

ويتابع في استحضار التراث الديني ويدعو الأسری إلی التسلح والتداوي بالصبر وأن الأمور مرجعها إلی الله تعالی:

«فخذ الصبر سلاحا و دواء
و اترک الآه لمن يهوی العواء
کل أمر بيد الله سواء
فاصطبار النفس من عزم الأمور
ليس بالأثل مکان للتمور
کل أرض بيد الحق تمور»
(المصدر السابق، ص 37.)

ويتذکر أن عشرة أعوام مضت علی الکويتيين من الآباء والأمهات والإخوان والأخوات وهذه الأعوام جعلهم محزونين:

«قد مضت عشر بهم و جلد
همّ أم همّ أخت و ولد
و أخ طاف ينادي في البلد
مثقلات ليس فيها من أمل
و أب بالصمت يشکو ما حمل
هو إشراق و نجم ما أفل»
(المصدر نفسه، ص 42.)
 
والملاحظ في هذه الملحمة هو أن الشاعر في فقرات کثيرة من هذه الملحمة يتساءل نفسه عن أحوال الأسری ما ينم عن أحاسيس الشاعر الصادقة حيالهم وحيال الشعب الکويتي :
 
«لست أدري أ فقيد أم أسير
هو ظن کيف ما شاء نسير
و کفاه أنه أمر عسير
أم طليق في متاهات الضياع
فله يا دار ننصاع انصياع
حاله حال العرايا و الجياع»
(المصدر نفسه، ص 57.)

ومع کل هذا اليأس والقنوط اللذين نراهما يسيطران علی هذه الملحمة، فإن الشاعر لايزال يأمل بعودة هؤلاء الأسری :

«أمل نرجو به حسن اللقاء
حاط فينا مثله رکب الشقاء
فبقاء الطيف بعد للبقاء
آه منه غائب إن لم يعد
فکلانا في هواه قد بعد
و نذير من هواه ما سعد»
(المصدر نفسه، ص 70.)

کما يذکر الکويت أنها تعودت علی مثل هذه المآسي ويری أن هذه المآسي تخلد في التاريخ ولن تنساها الأذهان والخواطر:

«يا کويت الحب يا دار الأسير
أين أنت اليوم من ذاک المسير
و شهيد فيک يغشاه الثری
أتری الأيام تمحو ما جری»
(المصدر نفسه، ص 73.)

وأخيرا يدعو إلی الصبر واستذکار رحمة الله والاعتبار من هذه الآلام وهو يستحضر الموروث الديني في أبياته الأخيرة :

«فاحتسب ما أنت فيه و اصطبر
فخذ الحکمة منها و اعتبر
روض النفس اجتهادا و اختبر
و تذکر رحمة الله قريب
کل صبر ليس بالعز غريب
همة النفس و ما تهوی مريب»
(المصدر نفسه، ص 87.)

زهيريات العدساني : صدر هذا الکتاب عام 2003م ويقع في نحو مائتين وعشرين صفحة ويتناول شعر الزهيري الذي يعد أحد الفنون الشعرية بين الألوان المختلفة والأشکال المعروفة للشعر العامي ولا شک أن لهذا الشعر خصائص وميزات ينفرد بها.
ويتحدث العدساني في الصفحات الأولی من ديوانه هذا عن خصوصيات الشعر الزهيري قائلا: «إني أريد أن أدون وبصورة موجزة سطورا أبين فيها بعض الأمر التي اختص بها الشعر الزهيري دون بقية الشعر العامي وهذه الأمور هي:
1- إدخال أي مفردة عربية فصيحة عليه ومثل هذا لايعمل مع بقية الشعر العامي مثل قول الشاعر حمود ناصر البدر:
انظر إلی الغيم إذا هب الشمال انزاح
فکلمة "انظر" عربية في حين الکلمة التي يعرفها الشاعر حمود والدارجة في لهجته هي: "طالع".
2- إن شعر الزهيري يسمح لقائله أي کان بأن يدخل أي لفظة عراقية أو يکسر لفظة تقال في لهجته بشکل مثل کلمة "صدق" فيحولها إلی کلمة "صِدِق" رغم أنه لا يلفظها في کلامه العادي مثل قول الشاعر محمد حسين القراوي وهو يمدح الشيخ مبارک الصباح: يا لِتِريد الکوت وتطالب.
3- يجوز لقائل الزهيري أن يبدل الحرف الأول من آخر کلمة مثل قول أحدهم :

عنهم تنحيت و نيران الصدود وجود

عاشر أصيل کل ما طال الزمان يجود

فالأولی بدأت بحرف الواو "وجود" والثانية بدأت بحرف الياء "يجود".
4- الزهيري يخضع للبحر البسيط المتواتر والمتدارک، فأما المتواتر وهو الذي يأتي علی وزن "فاعل" بتسکين حرف اللام فيطلق عليه الذکر وأما المتدارک الذي يأتي علی وزن "فاعلن" فيطلق عليه اسم الأنثی.... ولا أدري کيف جاءت هذه التسمية وما تعنيه بالذکر والأنثی، ولکن هذه التسمية سمعتها من شعراء فطاحل منهم الشاعر المرحوم عبدالمحسن سيد أحمد الرفاعي وهو شاعر له وزنه الکبير بالشعر العامي وعلی دراية کاملة بالشعر الزهيري.» (عبدالرزاق محمد صالح العدساني، زهيريات العدساني، مطبعة الکويت، 2003م ، صص 9-11.)

ويتحدث الشاعر أنه عندما شرع بتدوين مجموعته هذه والتي جمعها عبر سنوات طويلة، بذل قصاری جهده لتنقية هذه المجموعة حيث قام بإخراج بعضها لأسباب ضعف فيها ولخصوصيات بعضها التي قد تسيء أکثر مما تفيد ثم يراجعها مراجعة کاملة ودقيقة مستعينا بالدکتور خليفة الوقيان والعميد هزاع الصلال اللذين قاما بتصحيح ما يجب تصحيحه.

ويتابع العدساني قوله :«إنه حرص حرصا شديدا علی أن تخلو مجموعته من أي لفظة غير کويتية وأن تخالف القاعدة المتبعة التي دأب عليها شعراء الشعر الزهيري لتکون صورة واضحة ومشرفة للهجة التي ينتمي إليها دون سواها ولتکون مجموعته کويتية القول بکل ما تحمله هذه الکلمة من معنی کما حرص أن لاتتکرر القوافي إلا في أضيق الحدود لتعطي الصورة الأمثل لمثل هذا الشعر.» (المصدر السابق، ص 7.)
وهذا الکتاب قسم إلی أربعة أبواب: يضم الباب الأول أربع عشرة قصيدة منها ثمان بين الشاعر عبدالرزاق العدساني وبين المرحوم د.يوسف فرحان الدوخي، وست بين العدساني وبين العميد عبدالمحسن عبدالعزيز الدويش وهي عبارة عن محاورة ويتناول الباب الثاني المجموعة الکاملة لقصائد الزهيري علی مختلف أشکالها کما يضم الباب الثالث مجموعة قصائد وهي مترادفة الکلمات وعددها أربع قصائد وأخيرا يأتي في الباب الرابع من هذه المجموعة قصيدة واحدة مع مقال يخص منطقة الوطية وتضم قصيدة للشاعر محمد حسين القراوي يمتدح فيها الشيخ مبارک الصباح.

حقائق تکاد تنسی: صدر هذا الکتاب عام 2005م ويقع في ست وتسعين صفحة ويتناول قسما هاما من کويت الماضي خاصة تحديد الأماکن والمواقع وذکر أسماءها و وجوه تسميتها فضلا عن بعض العادات والتقاليد القديمة التي لا نجدها في عصرنا الراهن کما أنه يتطرق إلی شرح بعض المفردات القديمة في مختلف المواضيع والتي لم تبق ملامحها في ذاکرة الجيل الجديد ويمکن القول أن هذا الکتاب يعد سجلا للتراث الکويتي القديم.

والمؤلف کما عهدناه يعشق وطنه ويهتم اهتماما بالغا بالتراث المحلي وهو في تأليف هذا الکتاب استعان بذاکرته التي طالما کانت تضبط جميع ما يتعلق بالموروث الثقافي الکويتي منذ صباه وهاهو يقول في مقدمة الکتاب: «أردت في هذا الکتاب أن أکون شاهد عيان علی مراحل حيوية عدة في تاريخ الکويت مسجلا الأماکن والأزمان لأضع إجابات عديدة عن تساؤلات واستفهامات قد تتوارد إلی أذهان الأجيال اللاحقة ولم أشأ في هذا الکتاب أن أستعين بأي مرجع، وإنما کانت الذاکرة بما اختزنته بفضل الله دليلي الأمثل إلی الماضي.» (عبدالرزاق محمد صالح العدساني، حقائق تکاد تنسی، مطابع دار الوطن،الکويت، 2005م، ص 7.)

ويتابع قوله أنه فيما يخص المواضيع التي تخص البحر فاستعان بذاکرته فيما کان يعرفه ويتذکره بيد أنه استعان بأهل الخبرة لدی تحديد المعالم والحدود والمسميات لتکون الحقائق ناصعة وعنوان الکتاب يدل دلالة واضحة علی غاية الأديب من تأليف هذا النتاج القيم.

واختص أکبر جزء من الکتاب بمنطقة الجهراء منذ البدايات ويتحدث عن مزارعها ومحاصيل تلک المزارع والعوائل التي کانت قاطنة في هذه المنطقة ومنتزهاتها کما أن الکتاب يتطرق إلی سبل العيش في تلک المنطقة ويقدم للقارئ مسميات من التراث الشعبي، تلک المسميات التي قد ضاع بعضها عن الذاکرات، فعلی سبيل المثال يعطي صورة عن حياة أهل الجهراء آنذاک: «معظم أهل الجهراء في ذلک الوقت يمتلکون الشيء الکثير من الأبقار والتي يستخرجون منها اللبن والزبد والدهن إلی جانب الحليب الذي لا يخلو منه بيت من البيوت سواء من يمتلک الأبقار ومن لايمتلک ولهذا الحليب قرب مخصصة تعرف باسم "الإسقة" يعمل من جلد صغار الماعز والخراف تعلق هذه القربة الصغيرة بثلاثة أعمدة يطلق علی الواحدة منها اسم "المردي" وهو ما يوضع في رواق الخيمة.» (المصدر السابق، ص 24.)

کما يتطرق الکتاب أحيانا إلی تفاصيل تلک الحياة ويعطي للقارئ صورا عن صعوباتها فعندما يتحدث عن موالح الجهراء التي کانوا يصنعون فيها الملح يقدم الصورتين التاليتين: «يقال أن تلک المنطقة في ذلک الوقت لا تخلو من الذئاب لذا يحرص رجال تلک الموالح أن يذهبوا جماعات تحسبا لأي طارئ فالذئب لا يهجم إلا علی من ينفرد بنفسه دون جماعة تحميه والملح يؤذي من يدوسه في قدمه لذا حرص ناقلو ذلک الملح بأن يضعوا في أرجلهم ما يحميهم منه ليستطيعوا حمل الملح دون أن يصيبهم أي أذی من جراء ذلک.» (المصدر نفسه، ص 25.)

وهکذا يتابع العدساني حديثه عن أماکن الکويت في أکبر جزء من هذا الکتاب ويقوم بإدراج بعض العادات الحسنة التي غابت عن المجتمع الذي يعيش فيه اليوم فعلی سبيل المثال يحمل قسم من هذا الکتاب عنوان "قوانين ليتها تعود" ويصفها بأنها أصبحت في عالم النسيان: «رغم بساطة تلک القوانين إلا أنها أصبحت في عالم النسيان وکأن لم تکن يوما من الأيام تحمي المستهلک وتحمي السمک وبصفة خاصة سمک الزبيدي الأکثر شهرة في الکويت حيث قانون صيده في الماضي اشترط شرطا واحدا هو ألا يخرج الصياد "الحداق" إلا بعد الکشف عن شبکة المعد لصيد سمک الزبيدي.فإن وجد مخالفا منع من الخروج والشرط هو أن تکون عيون الشبک واسعة تستطيع الزبيدية الصغيرة أن تفلت منه لذا فإن سوق السمک في الماضي لا يری الزبيدية الصغيرة کما نراها اليوم کما أن صيده يحدد له وقت معين أي بعد أن يضع بيضه وإن صائديه في ذلک الوقت علی معرفة تامة بأوقات وضع البيضة ومتی يصطادونه.» (المصدر نفسه، ص 60.)

وهکذا لم يترک المؤلف تلک القوانين التي وضعت لصالح البيئة کما أن هناک أمورا أخری يتطرق إليها المؤلف منها الماء في الکويت ونوعياته المختلفة وطرق جلبه إلی الناس.

النتيجة

تبين لنا أن العدساني أديب شامل تطرق إلی شتی فروع الأدب والنقد والفن وهذا يدل علی أن سوق الأدب والنقد بين أدباء دول الخليج کانت ولاتزال سوقا خصبة رغم أنها لم تنل حظها من الشهرة التي نالتها أسواق الأدب في کبريات البلدان العربية أمثال العراق وسوريا ولبنان ومصر.

وهذا يتطلب دراسة تتصف بالعمق للحرکة الأدبية و النقدية في هذه البلاد لکثرة الأدباء والمبدعين لتنال حظها من الاهتمام.

المصادر والمراجع

1- تاج اللغة للمفردة العربية، عبدالرزاق محمد صالح العدساني، مطبعة الکويت، 2001م.

2- حقائق تکاد تنسی، عبدالرزاق محمد صالح العدساني، مطابع دار الوطن، الکويت، 2005م.

3- زهيريات العدساني، عبدالرزاق محمد صالح العدساني، مطبعة الکويت، 2003م.

4- ملحمة الأسير، عبدالرزاق محمد صالح العدساني، مطبعة الکويت، 2001م.

أستاذ مساعد بجامعة آزاد الإسلامية في کرج

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى