الأحد ٢١ آذار (مارس) ٢٠٢١
بقلم محمد زكريا توفيق

قصة الولايات المتحدة (٠٢)

مغامرون أوروبيون قاموا بعبور المحيط الأطلسي بحثا عن معادن ثمينة. لقد كانت شهوة تملك الذهب، هي التي قادت هرنان كورتيس لهزيمة الأزتيك في 1520s. الأزتيك كانوا من الهنود الأمريكيين الأثرياء الذين قاموا ببناء المدن. هم الآن يكونون شعب المكسيك.

في 1530s، نفس شهوة تملك الذهب هي التي جعلت فرانسيسكو بيزارو يهاجم امبراطورية الأنكا في بيرو واسعة الثراء أيضا. وبذلك يستمر نهر الكنوز المنهوبة من أمريكا الوسطى والجنوبية في عبور الأطلسي لكي يصب في خزائن الدولة الإسبانية.

في السنوات التي تلت ذلك، غزاة إسبان آخرون، ذهبوا في بحثهم عن الذهب إلى أمريكا الشمالية. بين عامي 1539 و1543، قام هيرناندو دي سوتو وفرانسيسكو كورونادو، وهما يعملان بشكل منفصل، باستكشاف الكثير من جنوب، مما يعرف الآن بالولايات المتحدة.

هبط دي سوتو في ولاية فلوريدا قادما من كوبا. قاد رحلته غرباً، واكتشف

نهر المسيسيبي، ثم سار أبعد من ذلك إلى أن وصل إلى تكساس ثم أوكلاهوما. أما كورونادو، فقد اتجه شمالا قادما من المكسيك، باحثا عن "مدن الذهب السبعة"، التي يتحدث عنها الهنود الحمر في أساطيرهم.

لم يجدها كورونادو أبدا. لكنه ورفاقه الأوروبيين، هم أول من شاهد جراند كانيون لنهر كولورادو. بعد ذلك، سافر شرقا إلى كانساس قبل العودة إلى المكسيك.

استكشافات رجال مثل دي سوتو وكورونادو قد أعطت إسبانيا مبررا لملكية مساحات شاسعة من أراضي أمريكا الشمالية. كما أنها أدت إلى تأسيس بعض المستعمرات الأوروبية الدائمة هناك. في عام 1565، قام المستوطنون الإسبان بتأسيس مستعمرة سانت أوغسطين على الساحل الشرقي لفلوريدا. وفي عام 1609، أسس مستوطنون آخرون سانتا_في في نيو مكسيكو.

تنامي الثروة الإسبانية بسبب مستعمراتها في العالم الجديد أثارت غيرة وحسد الكثير من الأمم. لذلك أصبحت هذه الأمم حريصة على المشاركة في تلك الثروات. لذلك نجد في عام 1497، هنري السابع ملك إنجلترا يستأجر بحارا إيطاليا يدعى جون كابوت لاستكشاف أراض جديدة والبحث عن طريق آخر إلى آسيا يكون أقصر الطرق.

أبحر كابوت شمال الطريق البحري الذي اتخذه كولومبوس من قبل. في نهاية المطاف وصل إلى الساحل الصخري من نيوفاوندلاند. في البداية، اعتقد كابوت أنه قد وصل إلى الصين. بعد ذلك بعام، قام ثانية بعبور الأطلسي والإبحار بمحاذات ساحل أمريكا الشمالية إلى أن وصل إلى خليج تشيسابيك.

لم يجد كابوت الذهب ولا طريقا جديدا إلى الشرق. لكن كانت رحلاته قيمة بالنسبة للإنجليز. في وقت لاحق، استخدمت الحكومات الإنجليزية بيانات هذه الرحلة لدعم مطالبها بامتلاك معظم الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية.

كذلك قام الفرنسيون بإرسال مستكشفين إلى أمريكا الشمالية. في عام 1524، أرسل فرانسيس الأول ملك فرنسا، البحار الإيطالي جيوفاني فيرازانو لنفس السبب الذي أرسل من أجله كل من كولومبوس وكابوت. أي للبحث عن أراض غنية بالذهب والبحث عن طريق جديد إلى آسيا.

أبحر فيرازانو على طول الساحل الأمريكي، لم يجد أيضا أرض الذهب أو طريقا جديدا. لكنه رسا بسفينته في ميناء نيويورك. اليوم يحمل اسمه كوبري معلق رائع، يربط حي بروكلين بحي استاتن أيلاند في مدينة نيويورك.

بعد عشر سنوات، آخر مستكشف فرنسي، كان صيادا من نورماندي اسمه جاك كارتييه، اكتشف نهر سانت لورانس. عاد إلى فرنسا و

وذكر أن الغابات المطلة على شاطئي النهر، مليئة بالحيوانات ذات الفراء، ومياه النهر، مليئة بالأسماك.

في العام التالي، أبحر كارتييه أعلى النهر إلى أن وصل إلى مونتريال. لقد فشل في اكتشاف طريقا آخر إلى الصين وهو ما كان يبحث عنه. لكنه أعطى فرنسا سببا جعلها تعلن امتلاكها لكندا.

ادعاء ملكيتك لأرض في العالم الجديد شيء، وجعلها ملكا لك شيء آخر مختلف تماما. الأوروبيون لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك إلا عن طريق إنشاء مستوطنات لمواطنيهم.

بحلول القرن السابع عشر، كان الكثير من الأوروبيين مستعدين للإقامة في المستعمرات الأمريكية. البعض يحلم بالثروة، وآخرون هربا من الاضطهاد الديني أو السياسي أو من ملاحقة البوليس لأي سبب. بعد عام 1600 بمئات السنين، أقام الأوروبيون الكثير من المستعمرات بأمريكا الشمالية لنفس الأسباب.

فيرجينيا

طوال الليل هبت عاصفة عاتية على ثلاث سفن صغيرة كانت تبحر في مياه الأطلسي. ظل البحارة يناضلون وهم خائفين يعالجون الحبال المبلولة والأشرعة القديمة البالية حتى الصباح. مع طلوع الفجر وبزوغ الشمس، هدأت الرياح وتوقف المطر وانقشعت السحب.

الرجال المنهكون بدأوا يتساقطون من التعب والإجهاد، والبعض غلبهم النعاس فخلدوا للنوم. إلى أن استيقظوا هم ورفاقهم البحارة يصرخون بأعلى أصواتهم غير مصدقين بالنجاة: "أرض، أرض، أرض".

هرع البحارة إلى جانبي السفينة وهم يشيرون بأصابعهم نحو الأفق البعيد قائلين، "هناك، هناك". أخيرا، وصلوا إلى الأرض التي كانوا يبحثون عنها. فيرجينيا. إنه في يوم 26 أبريل سنة 1607.

بعد بضعة أسابيع، في 20 مايو، ربط البحارة سفينتهم بالحبال إلى جذوع أشجار كانت على ضفاف نهر واسع وعميق.. أطلقوا على النهر اسم جيمس، تكريما لـجيمس الأول ملك انجلترا، البلد الذي أبحروا منه منذ خمسة أشهر طويلة.

ما يزيد قليلاً عن مائة رجل، نزلوا إلى الشاطئ. على ضفاف النهر والمستنقعات، بدأوا في قطع الأشجار وبناء ملاجئ تأويهم. مع حلول نهاية العام الثاني، كان معدل الوفاة بينهم اثنان من كل ثلاثة. لكن هذا لم يمنع الأكواخ الصغيرة تلك التي بنوها، من أن تكون أول المستعمرات الإنجليزية في أمريكا. أطلقوا عليها جيمس تاون، وتعني بلدة جيمس.

كانت السنوات الأولى في مستوطنة جيمس تاون صعبة للغاية. بسبب أخطاء المستوطنين أنفسهم إلى حد ما. موقع المستوطنة لم يكن مناسبا، فالأرض منخفضة والمستنقعات المحيطة بالمكان مليئة بالبعوض، مما ساعد على انتشار الملاريا. بالرغم من بعدهم عن الوطن الأم، إلا أنهم لم ينجحوا في زراعة ما يحتاجونه من غذاء. هذا لأنهم كانوا يحلمون ومنشغلين جدا بالبحث عن الذهب.

كانت فرجينيا شركة مساهمة، المستثمرون هم من قاموا بتكاليف الرحلة، في مقابل جزءا من الأرباح. المستوطنون أصبحوا الآن موظفين في الشركة. مديرو الشركة كانوا يأملون أن يجد المستوطنون اللؤلؤ والفضة وبعض الأشياء الثمينة في فيرجينيا، مما يحقق لهم أرباحا سريعة. أو يجدوا الذهب كما فعل المستكشفون الإسبان في المكسيك من قبل.

المستوطنون كانوا يطيعون أوامر الشركة الخاصة بالبحث عن الذهب. لأن هذا هو الطريق للثراء السريع الذي جاءوا من أجله. أطاعوا أوامر الشركة. من خلال ذلك كانوا يأملون في أن يصبحوا أغنياء هم أنفسهم.

هناك "لا كلام، ولا أمل، ولا عمل. بل حفر وغسل وشحن الذهب." وهي جملة سجلها كابتن جون سميث، أحد قادة المستوطنين.

ثم بدأ المستعمرون يموتون فرادا في بادئ الأمر، ثم بالعشرات بعد ذلك. بعضهم قتل بسبب هجمات الهنود الحمر، والبعض بسبب الأمراض أو المجاعات. مع قدوم شهر إبريل عام 1608، من أصل 197 مستوطنا إنجليزيا، لم يبق على قيد الحياة سوى 53.

"لقد دمرت الأمراض القاسية رجالنا"، كتب أحد المستوطنين الناجين من الموت، "أورام، نزيف، حمى، وحروب". لكن الغالبية، قد ماتت من الجوع. لم يترك أبدا إنجليزي واحد في أي بلد أجنبي لكي يقاسي مثل هذا البؤس كما كنا في مستعمرة فرجينيا.

وصلت جيمس تاون إلى الحضيض في شتاء عام 1609و 1610. من جملة ال 500 مستوطن كانوا يعيشون فيها في أكتوبر 1609، لم يبق إلا 60 على قيد الحياة في 1610. لقد كان هذا زمن المجاعة.

وصلت الأنباء إنجلترا، وعلمت أن الأمور قد بلغ بها السوء إلى درجة أن المستوطنين كانوا ينبشون القبور بحثا عن جثث قتلى الهنود الحمر أثناء الحرب وأكلها.

ومع ذلك، استمر وصول المستوطنين الجدد. شركة فرجينيا قامت بلم أطفال الشوارع من لندن، وأرسلتهم إلى المستعمرة. ثم قامت بإطلاق سراح المساجين من سجون لندن وشحنتهم أيضا إلى المستعمرة. كثيرون منهم لم يكن يرغبون في الهجرة القسرية والذهاب لفرجينيا. السفير الإسباني في لندن، أخبر بأن ثلاثة مجرمين مساجين كانوا بين خيارين، إما الشنق أو الذهاب إلى فرجينيا، اثنان منهما وافقا على الهجرة، أما الثالث فقد فضل الشنق.

بعض مهاجري فرجينيا أبحروا عن طيب خاطر، ومع ذلك، كانت الهجرة بالنسبة لكثير منهم، في السنوات الأولى من القرن السابع عشر، هي سنوات جوع وشقاء. الدخل كان منخفضا وأسعار الطعام والملابس تتزايد يوما بعد يوم. كثيرون منهم عاطلون عن العمل. وإذا فشلت الزراعة، حدثت المجاعة. بعضهم كان يعتقد أن الهجرة إلى فيرجينيا لا تزال تستحق المجازفة، وهي أفضل من خيار البقاء في بلادهم الأصلية.

فيرجينيا كانت تمتاز بشيء لم يكن متوافرا في الوطن الأم، إنجلترا، وهو وفرة الأراضي. هذه الوفرة كانت عندهم أهم من أخبار الأمراض والجوع وأكل لحوم البشر هناك. في إنجلترا، وكذلك باقي دول أوروبا، الأرض كانت مملوكة للإقطاعيين الأثرياء. لكن في فيرجينيا، الرجل الفقير، يمكنه أن يحلم بامتلاك مزرعة خاصة به يستطيع عن طريقها إطعام عائلته.

القبطان والأميرة

كان الكابتن جون سميث هو الأكثر قدرة وكفاءة في كل مستوطنو جيمس تاون الأصليين. رجل عسكري ومستكشف نشيط عمره 27 سنة. كان لديه بالفعل حياة كاملة من العمل عندما هبط هناك عام 1607. هو أول من أقام المستعمرات للمهاجرين وحثهم على العمل. إن لم يكن قد فعل ذلك، لانهارت المستعمرات الوليدة في فيرجينيا.

عندما نفذت إمدادات الطعام، انطلق سميث إلى الغابات لشراء الذرة من الهنود الأمريكيين. أحد هذه المرات، تم أسره. حسب رواية سميث نفسه، كانت الهنود الحمر على وشك سلخ فروة رأسه وإخراج مخه من جمجمته. لكن الأميرة بوكاهونتاس ابنة شيخ القبيلة، عمرها في ذلك الوقت كان 12 سنة، تدخلت وحمت الأسير بجسدها في آخر لحظة.

بذلك تكون بوكاهونتاس قد لعبت دورا هاما في تاريخ فرجينيا وبقاء سكانها أحياء بإمدادهم بالطعام اللازم لهم. "لها الفضل بعد الله في حماية المستعمرة من الموت المحقق والمجاعة." كتب سميث فيما بعد.

في عام 1609 أصيب سميث بجروح بالغة في انفجار بارود فأرسل إلى إنجلترا. بعد خمس سنوات، في عام 1614، تزوجت بوكاهونتاس من صاحب مزرعة تبغ يدعى جون رولف. في عام 1616، سافرت معه إلى إنجلترا وتم تكريمها في بلاط الملك جيمس الأول. بوكاهونتاس توفت بالجدري بعد ذلك بعام واحد وهي منتظرة سفينة لكي تعود بها إلى فيرجينيا مع مولودها حديث الولادة. ابنها عندما كبر، عاد إلى فيرجينيا، ويدعي الكثير من سكان فيرجينيا اليوم أنهم من سلالة بوكاهونتاس أو ابنها.

عرائس للبيع

في البداية، استقر عدد قليل جدا من النساء في ولاية فرجينيا، لذلك قامت شركة فيرجينيا عام 1619، بشحن 90 شابة كزوجات مستقبلية لزوم المستوطنين الرجال. لكي تحصل على زوجة، يجب أن ترسل للشركة أوراق تبغ تزن 120 رطلا من أجود الأنواع. لابد أن العرض كان مغريا لأن النساء جميعهن قد تزوجن في غضون وقت قصير.

بعد عام 1611 بعدة سنوات، كانت مستعمرة فرجينيا تدار بضباط من الجيش. لذلك هي أشبه بسجن محكوم على نزلائه بالأشغال الشاقة المؤبدة. أحكام وقواعد صارمة للتأكد من أن العمل قد تم. لكن الصرامة والانضباط لم يكنا السبب في إنقاذ فرجينيا. إنه نبات ينمو كالعشب البري. هو التبغ.

من قاموا بزيارة أمريكا سابقا، مثل السير والتر رالي، كان قد عاد إلى إنجلترا ومعه بعض أوراق التبغ الجافة. منذ ذلك الوقت، أخذت شهرة تدخين التبغ والنشوق في الانتشار. في فرجينيا، مستوطن شاب يدعى جون رولف، اكتشف طريقة لتجفيف أوراق التبغ بحيث يصبح لينا. في عام 1613، شحن رولف أول كمية كبيرة إلى إنجلترا. تجار لندن، كانوا يدفعون مبالغ طائلة في أنواع التبغ الجيدة.

بعد ذلك، وبسبب زراعة التبغ، أصبح الكل مشغولا. يقومون بإخلاء الأرض على ضفاف النهر من الأشجار والعشب والحشائش، ويقومون حتى بحرث شوارع جيمس تاون لزيادة المزروع من التبغ. أصبح التبغ مثل القطن المصري أيام الملك فاروق، أو مثل بترول العرب حاليا. وأصبح الحلم حقيقة والفقير له فرصته في الإثراء، أو على الأقل الحلم بالثراء.

الأغنياء، كانوا يذهبون إلى فرجينيا، يبتاعون مساحات شاسعة من الأرض. يحضرون مهاجرين من إنجلترا لقطع الأشجار والحشائش، ثم زراعة التبغ. ومع ازدياد الرقعة المزروعة، زاد بناء المساكن على ضفتي نهر جيمس.

معظم العمال في هذه المزارع المبكرة كانوا خدما مأجورة من إنجلترا. وعدوا بالعمل لصاحب المزرعة لعدد من السنين متفقا عليها. غالبا ما تكون 7 سنوات، نظير الطعام والكساء. في نهاية المدة، تكون لهم الحرية في العمل لخدمة أنفسهم. المحظوظ منهم، هو من يستطيع الحصول على قطعة أرض صغيرة يبدأ عليها مزرعته، إن كان لا يزال على قيد الحياة.

لا تزال الحياة في فرجينيا صعبة. كتب أحد العمال رسالة إلى ذويه في إنجلترا جاء فيها: "اللي كنت آكله في إنجلترا في يوم واحد، أكثر من اللي بأكله هنا في أسبوع." وهكذا كان الحال بالنسبة للكثيرين من مستوطني فرجينيا.

لم يكن الجوع هو المشكلة الوحيدة في فرجينيا، بل الأمراض أيضا مثل الملاريا والحروب مع الهنود الحمر التي استمرت وقتلت منهم المئات. بين عامي 1619، و1621، حوالي 3560 مهاجر تركوا إنجلترا وجاءوا للاستيطان في فرجينيا. خلال هذه المدة القصيرة نسبيا، 3000 منهم لقوا حتفهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى