الخميس ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١
بقلم حسني التهامي

قصيدة التانكا

نقد

قصيدة التانكا

يكتبُ بعضٌ من المبدعينَ في عالمِنا العربيِ قصيدةَ التانكا دونَ درايةٍ بخصائِصِها وجمالياتِها، ولا يكادونَ يعرفونَ عن هذا الفنِ سوى إنهُ نصٌ مُكونٌ من خمسةِ أبيات. لذا حاولتُ البحثَ في مصادرَ عِدةٍ كي أقفَ على ما كُتِب عنْ هذا الفن، وآملُ - من خلالِ هذه الورقةِ - أن أُقدمَ شيئاً ذا نفعٍ وقيمة. لا شك فقد سَلطتْ بعض المنتدياتِ الأدبية المختصةِ في الهايكو الضوءَ على خصائصِه وجمالياتِه من خلال مقالاتٍ وسجالاتٍ ونقاشات نقدية، نتج عنها نصوصٌ اتسمت بالجمال والتفردِ. ولا زالت قصيدة الهايكو العربية ونظائرها من السنريو والتانكا والهايبون إلى مزيد من الأقلام المُبدعةِ التي تهدفُ إلى تأْصيلِ قصيدة الهايكو وتقديمها إلى الذائقةِ العربية.
تعريف التانكا:
نصُ التانكا أحدُ أشكالِ الواكا waka ، وهي أغنيةٌ يابانيةٌ قصيرةٌ، تُعد من أقدمِ الأَنواعِ الشِعْريةِ اليابانيةِ. نشأتْ التانكا في القرْن السابع، وسُرعانَ ما أصبحتْ الشكلَ المُفضلَ في البلاط الإمبراطوري الياباني، حيث تنافسَ النُبلاءُ في كتابتِها، ثمَ انتقلتْ إلى عامةِ الناس وكُتبتْ كنوعٍ من التغزل. كان قِصرُ التانكا ومدى ملاءَمَتِها للتعبير العاطفي عاملينِ مِثاليَينِ لرَواجِها وحب الناس لها.
شكل التانكا:
تتكونُ قصيدةُ التانكا على الأغلبِ من واحدٍ وثلاثين مقطعًا صوتيًا ،( 5/7/5/7/7)، مكتوبةً تقليديًا في سطر واحد غير متقطع. يُمكن أن يتجاوزَ النص في عدد مقاطعِهِ المتعارفِ عليها على سبيل المثال ،( 5-7-5-8-7) ؛ وهذا يسمى ji- amari أو ربما يقل ( 5-7-5-7-6 ) ؛ وهذا ما يسمى ji-tarazu. .هناك نصوصٌ تحتوي على مقاطعَ أقلَ،
( 5-7-5-9-5 و8-4-5-7-7) لكن الشكلَ السائد هو الذي يحتوي على 31 مقطعاً صوتياً.
تُشبه التانكا السوناتا، من حيثُ كونِهما نَصَّيْنِ غِنائيينِ يَخْضعانِ للضوابطِ الموسيقيةِ، كما يهتمان بالمعالجةِ الموضوعِية من خلالِ الصورةِ الشعريةِ التي تعمق النص وتثري المعاني. أيضا كالسوناتة، تَسْتخدمُ التانكا ما يُعرف بالصورةِ المحوريةِ التي تعني بالانْتقالَ من عرضِ المشهد أو الحدث إلى الالتفاتِ لذاتِ الشاعرِ. في السوناتا يكونُ هناكَ مزيجٌ من التناغمِ الصوتي بين الأربعةَ عشرَ بيتاً. تلك الأبيات مؤلفة "من تشْكيلٍ ثُماني وسُداسي، ولهذا التقسيمِ بُعدٌ نَغَميٌ مميّزٌ فضلا عن كونِه يُكسِبُ القصيدةَ تناسقا و تجانساً بين الأصوات التي تتردّدُ في ثنايا البيْتِ الشِعري الواحد."(*) في الثمانيةِ مقاطع الأولى دفقاتٌ شُعوريةٌ عاليةٌ تتسمُ بالتوترِ، بينما تخفتُ حِدةُ هذا التَوترِ وتقلُ الشُحنةُ الشُعوريةُ في المقاطعِ الستةِ الأخيرةِ، في التانكا يقعُ هذا المنعطفُ في السطرِ الثالثِ، الذي يرْبطُ بين الثلاثة أبيات الأولى (kami-no-ku)و البيتين الأخيرين ( shimo-no-ku)
في بعضِ الأحيانِ يتمُ فصلُ "الأبياتِ الثلاثةِ الأولى التي غالبا ما تأخذ شكل الهايكو عن البيْتينِ الأخيرين. يُشيرُ الدورانُ من الأعلى إلى الأسفل إلى حُدوث تحولٍ أو توسُعٍ في فكرةِ النصِ، وهذا أيضاً ما يُقاربُ التانكا مع السوناتة. يُعدُ هذا الفصلُ استراحة تأملية وتَحَولاً في السَرْدِ والحالةِ المزاجيةِ.

التانكا والهايكو:
تشْتَملُ التانكا على قواعدَ أقلَ من الهايكو، في الجدول التالي أدرج أوجه التمايز بينهما في الشكل والموضوع:
التانكا الهايكو
تشتمل التانكا على بيت واحد مؤلف من إحدى وثلاثين مقطعا صوتيا على خمسة أسطر على الأغلب يتكون من بيت واحد مكون من سبعة عشر مقطعا موزعة على ثلاث شطرات
يكونُ النصُ أكثرَ انفتاحًا؛ هُناك َفسحةٌ للتعبير عن ذاتية الشاعر تتوَفرُ خاصيتا الكيغو ( الموسمية) والتنحي ( الموضوعية )
يُسمحُ للشاعرِ استخدامُ المَجازِ الصَرِيحِ يبتعد الهايكو عن اللغة المجازية، لأنها تذهب بالبساطة التي هو جوهر الهايكو
تنشأُ المشاعرُ التي تتنامى في نصِ التانكا من الذاتِ الشاعرةِ و من العلاقاتِ الإنسانيةِ بكل تشابكاتِها وتعقيداتِها مع الآخرِ، أو مع الأشياءِ التي تُحيطُ بهذهِ الذَاتِ وتتفاعلُ معه يتجنبُ الهايكو التعبيرَ عن المشاعرِ والأحاسيسِ المُباشرةِ، أو يُخفيها عبرَ صُورٍ حِسيةٍ ملموسةٍ من الطبيعة (الهايكو الكلاسيكي) أو من تفاصيل الحياة اليومية والواقع (الهايكو الحداثي) ويبتعدُ عن الخيالِ الشعريِ الذي يحتوي على الاستعارةِ والتشبيه

موضوعات التانكا:
كانتْ التانكا قديماً تتناولُ عددًا محدودًا من الموضوعاتِ، كالحُبِ والتِرْحَالِ والمَوتِ، بينما تعالجُ التانكا المُعاصرة مجموعةً واسعةً من الموضوعاتِ كالقضايا الذاتيةِ والاجتماعيةِ، إلى جانبِ النماذج القديمة.
)أ) الأنا الذاتية:
في التانكا المعاصرة غالباً ما تكونُ "الأنا"ً هي الموضوع الخفي؛ تتخللُ حياةُ الشاعرِ الخاصةُ ُثنايا النص. يعودُ تاريخُ "الأنا" إلى مدرسةِ أراراجي، حتى فترة التسعينياتِ من القرن التاسعِ عشر، وهي الفترةُ التي بُذلت فيها جهودٌ كبيرةٌ لـ"تحديث" الشعر الياباني. في الخمسيناتِ، خلالَ ذُروةِ حركةِ ما يُسمى طليعةُ التانكا،كانت "الأنا" دارجةً،حيثُ تغنى بعضُ الشعراءِ "بالذاتِ" في آفاقٍ شعريةٍ جديدة. في ذاتِ الوقتِ ابتعدَ شعراءٌ آخرونَ عن تناول الذات أو الحياة الخاصة، وكان شعرهم انعكاسا للقضايا الاجتماعية السائدة. على الرَغْمِ من ذلك،ظلتِ "الأنا" بلا شك الموضوعَ الأهمَ في التانكا:
كل ّواحدٍ منا
حافظةُ أسًى
رأسي يتدلى، وعقلي
هائمٌ في قطار اللّيل
(هيروهيكو أوكانو 1924)
(ب) أحداث الواقع:
في النص التالي يُصورُ الشاعرُ حدثاً من الواقعِ الحياتيِ الذي يُصادفهُ ويُثير في داخلِه مشاعرَ الحزن والأسى:
حادثٌ مدوٍ
يتبَعُه صمتٌ مطْبقٌ
قبلَ عويلِ صافراتِ الإنذار
يُرجِّعون أغنيتَهم المُفْجعةَ
فيما يَشْرئِبُ الموت.
ليس مُسْتغْرباً أن تجدَ الموتَ موضوعاً أساسياً في كثير من النُصوصِ، فقضيةُ الموت تقليديةٌ حتى في الأشكالِ الشعريةِ الأُخرى، لكنها شائعةٌ في التانكا، لارتباطِها الوثيقِ بالمشاعرِ والمواقفِ الإنسانيةِ والاجتماعية في الأساس. في النصِ أعلاهُ يُخيمُ الموتُ بأوجاعِه، وينْشرُ الذُهولَ والصمتَ المُطبَق على الوُجوه.
)ب) الطبيعةُ والموسميةُ:
أسْودُ كالليلِ، فوجي-
الجبالُ ترتفع عند البزوغ
حالما تظهرُ الشمسُ
يعودُ السلام بعد العاصفةِ
الجميعُ متأهبون لليوم الجديد
في هذا النص لـ"نيل لاورينس" تظهرُ المَوْسميةُ الخافتةُ غيرُ المباشرةِ في عبارة "بعد العاصفة" التي ترمزُ لفصلِ الشتاء. يتأهب الناس وينشطونَ عند جبلِ فوجي، وهو أعلى قمةٍ في اليابانِ بعد بزوغِ الشمسِ وهدوءِ العواصفِ في الليل. نلحظ هنا أن مشهديةُ النصِ وتوفر الكيغو، الكلمةُ الفصليةُ جعلا النصَ أقربَ إلى الهايكو، لكن تفاصيلَ المشهدِ بشكلِه المُمتدِ في خمسةِ أبياتٍ إلى جانبِ تحولِ الشاعرِ من رسمِ صورةِ الطبيعيةِ في الثلاثة أسطر الأولى إلى التفاصيل الإنسانية جعل منه نص تانكا خالصاً.
نوردُ نصاً آخر يتخذُ من الطبيعةِ موضوعاً حياً يُصورُ من خلالهِ تغيرَ الفصول :
ورقةُ الخريفِ
تركت الغُصنَ
في تنهدٍ هامسٍ
وهبطتْ مُذعِنةً،
لتلقى حتفها.
)ج) الحُبُ والعاطفة:
كما هو الحالُ في أشكالِ الشعرِ العربيِ التي تَكْتظُ بمشاعرِ الحُزْنِ والعاطفةِ، نجدُ نصَ التانكا اليابانيَ يُعالجُ مِثْلَ هذه الأحاسيسِ والمَشاعرِ المُرتبطةِ بالذاتِ الإنسانية، لذا نجدُ الكثيرَ من النماذجِ الشعرية اليابانيةِ التي تُعبرُ عنْ لوْعةَ الشَوْقِ ومرارةِ الهجرِ. هُناكَ أيضاً العديدُ من النصوصِ التي صورتْ لحظاتٍ خاصةً من الإِلْهامِ أو الشعورِ المُفعم بالنشوةِ أو الغُموض. واستُخدمتِ التانكا قديماً كنْوعٍ من الصلواتِ أو "الحديثِ مع الآلهة". إذا افترضْنَا أنَ الشعرَ فيما مضى جاءَ على شكلِ أغانٍ أو صلواتٍ إلى الآلهةِ، كذلك كان حال التانكا، لكنها تَحولتِ بعد ذلك إلى مخاطبةِ الحُكامِ كدليلٍ على الوفاءِ والإخلاصِ لَهُم، ثم أخيرا تناقلهَا العُشاق.
هناك نصانِ يُصورانِ موضوعَ الحُبِ وما يتبَعهُ من مشاعر:
وددتُ لو كنتُ لصيقاً بك كما تلتصقُ التنورةُ المبتلةُ بجسدِ الفتاةِ التي تجمعُ المِلح فأنا لا أكفُ عن التفكيرِ فيك. آكاهيتو
...
لن أُسَرِّحَ شَعْري هذا الصباح فقد أتخذُ من يدِ حبيبتي وسادةً له طوالَ الليل.(**) هيتومارو
تفضلُ "جين روشهولد" التانكا التي تُعبرُ عن أعمقِ المشاعرِ حين تقول " بغضِ النظرِ عن ماهيتِها. لأنَهُ من خلالِ قصائدكَ،يُمكنُ للناسِ رؤيةُ رُوحِكَ. تسمحُ التانكا لأعماقِ شخصِكَ الداخلي بالتَألُق"
لحظةُ التانكا:
إذا كانَ المشهدُ آنيا في الهايكو عبرَ التقاطةٍ عابرةٍ، على الأغلبِ في زمنِ المضارعِ، فإن التانكا تتحررُ من هذه الخاصيةِ، حيثُ يمكنُها تناولَ لحظةٍ ماضيةٍ أو مستقبليةٍ، وهذا ما يحدثُ نادراً في الهايكو، أحياناً نجدُ بعضَ نصوصِ الهايكو مُشْتملةً على زمنِ الماضي أو المستقبلِ، لكن بنظرةِ تأمليةٍ نجدُ أن السياقَ العامَ للقصيدةِ يكونُ في الزمنِ المُضارعِ. في التانكا يُمكنُ للشاعر أن يتناولَ الثلاثةَ أزمنةٍ، ربما يستطيعُ الجمعَ بينَهم في نصٍ واحدٍ، طالما أن هناكَ نقلاتٍ شعوريةً بين الثلاثةِ أسطرِ الأولى وبينَ السطرينِ الأخيرين. يمكن للشاعرِ كتابةُ كلٍ من الهايكو والتانكا حَوْلَ الذكرياتِ (عندما تفكر في ذلك ، فكلُ حدثٍ يتمُ وصفُه في الهايكو هو ذاكرةٌ لمشهدٍ ما، نظرًا لأن لحظةَ حدوثِه في الماضي)، لكن عادةً ما يستعرضُ الهايكو حَدثًا تَمَ بالفِعْلِ،كما لو أنهُ يَحْدُثُ الآن. في واحدةٍ من أهمِ المقالاتِ المتعلقةِ بالهايكو لـشينشو أستاذِ الأدبِ اليابانيِ بجامعة كولومبيا، هارو شيران بعنوان: ما بعد لحظة الهايكو (باشو ، بوسون وأساطير الهايكو الحديث) يقولُ:
طريقة كتابة التانكا:
لكتابةِ التانكا طريقةٌ أعجبتني كثيراً وهي التي انتهجَها اليابانيون. من خلالها يُمكنُ للشاعرِ كتابةُ الثلاثةَ أسطرٍ الأولى على نمطِ قصيدةِ الهايكو التي تَتناولُ مشهداً من الطبيعةِ، ثم يُختتمُ النصُ بسطرينِ إضافيينِ يتناولان تجربةً إنسانيةً بشكلٍ مجازيٍ أو رمزي . لا يُعدُ الهايكو الافتتاحي أو استخدامُ خطٍ محوريٍ أمرًا ضروريًا في التانكا بشكل عام. على الرغمِ من أن هذا الشكلَ غيرُ إلزاميٍ، إلا أنه يحمل جمالا وفنية عالية.
سحابةٌ ثلجيةٌ قصيرةٌ
عندما تضربُ الفأسُ شجرةَ البلوط
ضربةً مُذهلةً
بعدَ تشخيصِه
لا يمكنني سماعَ صوتِ الطبيب
تتوفرُ في الأسطرِ الثلاثةِ الأولى خصائص الهايكو الكلاسيكي الذي يَصفُ الطبيعةَ، لا نكاد نرى ملْمَحاً إنسانياً إلا في السطرينِ الأخيرين. تعتبر العبارة المحورية "ضربة مذهلة" رابطاً بينَ النصَّيْنِ، حيث لها وقعٌ على كلٍ من شجرةِ البلوطِ وعلى الشاعرِ المريضِ ، حين سمعَ تشخيصَ الطبيبِ لحالتهِ، لم يعدْ يسمعُ صوتَهُ.
من مختاراتِ الإمبراطورية اليابانية The Kokinshu ،التي نُشرت عام 905 بعد الميلاد ،كتبَ هذا النصَ شاعرٌ غيرُ مَعْروفٍ، مما يدل على أنه يحمل العبق النسائي:
لو أن هناك بذرة
سوف ينبت الصنوبر
حتى بين الصخور

لو أني عشقتُ ولا أزالُ
ألا نلتقي يوما ما؟
هذا المثال يبينُ الطريقةَ التي انْتهجَها اليابانيون في تناولِهم للطبيعةِ في التانكا. ابتدأتْ الشاعرةُ كلا المَشْهدينِ بنفسِ الكلمةِ "لو" لتُحدثَ نوعاً من التناغمِ الموسيقي. استخدمتْ عبارةَ "بينَ الصخور" التي تَصِفُ طبيعةَ الأرضِ التي تَسْقطُ عليها البذورُ وتنمو عليها، في ذاتِ الوقتِ تُوحي كلمةُ "الحجارة" بمدى وعورةِ طريقِ العُشاق والآلامِ التي يلاقونَها، كي ينالوا لذةَ الوِصالِ ونعيمَ اللقاء. يُطْلَقُ على مثلِ هذهِ العبارةِ "المحور "، لأنها تُمثِلُ نقطةَ تحولٍ في النصِ من مَوْضوعٍ لآخرَ.
اعتمدَ هذا النمطَ الياباني التقليديَ الكثيرُ من الشعراء في العالم، أحدُهم جيرارد جون كونفورتي،من مدينة نيويورك، مضى على هذا النسق في ديوانهِ "الآن بعد أن ينتهي الليل" (1996)ِ:
هذه الليلةُ الشتويةُ الباردةُ
يتشبثُ الثلجُ بأغصانِ الشجرةِ
في ضوءِ القمرِ الشاحبِ
قبلاتُ شفاهِك الناعمةِ
تشعلُ قلبي المُوجَع
تنتقلُ قصيدةُ كونفورتي من أغصانِ الأشجارِ المُغطاةِ بالثلوجِ إلى التعبيرِ عن المشاعرِ المُباشرةِ عبرَ تصويرِ القُبلات.
وغالباً ما يُحاك هذا التغييرُ والانتقالُ بدقةٍ وفنيةٍ عاليةٍ على حسبِ قدرةِ الشاعرِ وبراعتهِ. في بعضِ الأحيانِ يكونُ المِحْورُ، إذا تحققَ ، مخفيًا بحنكةٍ وذكاء، كما في نص السيدة ايسي، في القرن العاشر :
كما لو جسدي
هذهِ الحقولُ التي أحرقَها الشتاءُ
رغمَ احتراقي
يمكنُني أن أصبوَّ
إلى ربيعٍ قادم
هنا يحترقُ كلُ من جسدِ الشاعرةِ وحقولِ الشتاء، لكنَ ليست تلك مشكلتها الحقيقية. إنها تشعرُ بالأسفِ لفقدانِ الأملِ في الربيعِ / الحبِ / الثمارِ والحياةِ، وهو أمرٌ كئيبٌ للغايةِ عندما ترى الحريقَ يَطالُ الحقولَ التي أحبتها. هُنا نستشفُ "المحورُ" في انتقالِ الحريقِ من الحقولِ إلى الجَسَدِ.
على الرغمِ من أن كثيراً من المبدعينَ، عند كتابةِ التانكا، يَنْسونَ هذه التقنيةَ أو يتجاهلُونَها، إلا أنها تُعد جانبًا مهمًا للغاية، لأنها الطريقةُ التي تملأُ النصَ ثراء وتنوعا، إذْ يتوسعُ الشاعرُ من خلالِ تِقْنيةِ "المحور" في المعاني والصورِ والرَبْطِ بينها. في النصِ أعلاهُ كان الربْطُ والتماهي بين حالةِ الحُقولِ وجَسَدِ المَرْأةِ مُذْهلاً ومتناسقاً، لا يُمكنُ للقارئِ عند قراءتِه أن يُهملَ أو يَتجاهَلَ تلكَ المشاعرَ المُنبثقةَ منْ هذهِ العلاقةِ.
نماذج من شعر التانكا:
(1)
تاكوبوكو إيشيكاوا
ولد تاكوبوكو إيشيكاوا عام 882، في محافظة أيوات في اليابان. تركَ الحياةَ الدراسيةَ في السادسةَ عشرَ من عمره، وبدأ كتابةَ الشعرِ، وُصفَ بأنه سيدُ التانكا. نشرَ مَجْموعتَه الشعرية الأولى في التاسعةَ عشر. انتقلَ إلى طوكيو في عام 1908 ليُصبحَ جزءًا من المشهدِ الأدبيِ الصَاخبِ. تُوفي تاكوبو إيشيكاوا في رَيعانِ شبابِه في الثلاثينَ من عمرِه، مريضاً بالسُل.
ماءُ الدلو
انسكبَ ،
قطرةً قطرةً
يتقاطرُ الندى مثلَ اللؤلؤِ
من زهورِ الخريف
(2)
تادا شيماكو
وُلدتْ تادا شيماكو عام 1930في فوكوكا باليابان. قضتْ مُعْظمَ طفولتِها في طوكيو، في خِضمِ الحربِ العالميةِ الثانية. تخرجتْ من جامعةِ طوكيو النسائيةِ المسيحية، حيثُ درستِ الأدبَ الفرنسي، ثم انتقلتْ إلى جامعةِ كيو لتُواصلَ دراسةَ الأدب. نالَ شعرُها استحسانَ كثيرٍ من النقادِ، بما في ذلك الهايكو والتانكا:
الماءُ الساخنُ
في غلايةٍ مهْجورةٍ
يبردُ ببطء
لا يزالُ يحملُ استياء
الماءِ البارد.
***
هناك نص آخر للشاعرة كيلي روبار:
قَبلَني حبيبي ،
ارتعشتْ رُوحي بنشوةٍ
عندما تقابلتْ شفتانا بلُطْفٍ كما الفراشاتُ
وهي تهبطُ
على أزهارِ الربيع.
...
كان العديدُ ممن برزَ في كتابةِ شعر التانكا نساءً، من بينِهنَّ السيدة أكازون إيمون ويوسانو أكيكو والسيدة موراساكي شيكيبو، هن من كتبن "حكاية جينجي"، وهي عبارة عن نثْرٍ ياباني يضمُ أكثرَ من 400 تانكا. لم ينتقلْ كُتابُ اللغة الإنجليزية إلى شكل التانكا بالطريقة ذاتِها -والتي أشرنا إليها- ، لكن هناك العديد من الاستثناءات البارزة، بما في ذلك إيمي لويل وكينيث ريكسروث وسام ساميل وسيد كورمان وكارولين كيسر.
المراجع العربية:
(*) قصيدة السّوناتا بين الأنا البودليريّة والذّات الدرويشيّة ـ عبد العزيز صالحي
(**)اقتراب «التانكا» اليابانية من جوهر الشعر وصفائه / عبدالوهاب أبو زيد
................................................................................
المراجع الأجنبية:

(1)https://poets.org/glossary/tanka
(2) Michael Dylan Welch , Tanka and the Five W’s,by, Yellow Moon 15 Winter 2004.
(3)https://tankainenglish.com/essays-articles/
Amelia Fielden (Australia), Denis M. Garrison (USA), and Robert D. Wilson (The Philippines), DEFINITION OF THE IDEAL FORM OF TRADITIONAL TANKA WRITTEN IN ENGLISH By
(4)TANKA ARTICLE PUBLISHED IN FEELINGS - A JOURNAL OF POETIC THOUGHT AND VERSE
JANE REICHHOLD

نقد

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى