السبت ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم عز الدين المناصرة

قصّة اكتشاف مخطوطة فدوى طوقان الشعرية الضائعة

تأجيل نشر (المخطوطات)، هو سلاح ذو حَدّين، أحدهما: إيجابي، والآخر سلبي: (الإيجابي)، هو (تجميع النصوص المكتملة النهائية للشاعر) في ما يُسمّى (الأعمال الكاملة)، فتخرج للقرّاء، الصورة المكتملة للشاعر دون نقص، عندئذٍ، تصلح للدراسة والقراءة، والحكم على الشاعر: قوّته، وضعفه. أما (الوجه السلبي) فهو معروف، أي نقص عدد الأبيات، وعدد القصائد، ومع هذا ينشر (المحقق) أو جامع الأبيات والقصائد الشعرية ما أمكن جمعه، ويدّعي أن هذا هو كل ما أنجزه الشاعر، فيحكم على الشاعر بالضعف. أما تأجيل النشر، حتى يتم تجميع الأعمال الكاملة كلها، لتتضح الصورة كلها. هنا قد يُظلم الشاعر بسبب هذا التأجيل. وهناك طريقة لا سلبية ولا إيجابية، هي (جمع ونشر ما هو ممكن مع متابعة البحث حتى الاكتمال).
 مثال: عام (1974)، تأكدتُ أن (الأعمال الكاملة الشعرية والنقدية) للشاعر الفلسطيني الشهيد (عام 1948) – (عبدالرحيم محمود)، ناقصة. هنا بدأ تفكيري في بيروت أن أبدأ بالبحث عن النواقص. أذكر أنني نشرت (رسالة) في الصحف العربية أطلب فيها ممن يعثر على أي نص شعري أو نقدي لعبدالرحيم محمود!! أن يرسله لي. لكن النتيجة كانت مُخيّبة للآمال، عندئذٍ انزويت. لكن أملي تجدد بعثوري على (طرف خيط)، وهو (رسالة (أديب مهيار – نابلس)، بتاريخ (18/6/1954) إلى عمر فرّوخ (بيروت) – ثمّ رسالة عمر فرّوخ بتاريخ (11/11/1984) إلى عزالدين المناصرة – الجزائر). وهكذا عُدت إلى البحث الجدّي غير المتقطع. وسابقاً صدرت الطبعة الأردنية، احتوت على (428) بيتاً، عام (1958). وهكذا أصدرتُ أول طبعة للأعمال الكاملة (شعراً ونقداً)، عام (1988)، واحتوت على (1964 بيتاً، وست مقالات نقدية). وأشاد كثيرون بهذه الطبعة. هكذا أنصفتُ (عبدالرحيم محمود)، وتقدّم ترتيبه ليصبح (الشاعر الثاني)، في الشعر الفلسطيني المعاصر، أي بعد إبراهيم طوقان، وقبل الشاعر عبدالكريم الكرمي (أبو سلمى)، الذي كان ترتيبه (الثاني)، فأصبح ترتيبه الجديد هو (الثالث). هكذا لعب (النشر) دوراً سلبياً في البداية، ولعب (دوراً إيجابياً) في النهاية.

 أما في سرد قصة اكتشاف (مخطوطة فدوى طوقان الشعرية)، فالمسألة مختلفة تقريباً:
أولاً: للحق، لم أبذل أي جهد في مسألة الحصول على هذه (المخطوطة)، ففي (شهر ديسمبر 2017) – اتصل بي (صديق قديم) يحب الشعر، فذهبت إليه في مكتبه، فإذا به يناولني (دفتراً قديماً) هو عبارة عن مجموعة قصائد لفدوى طوقان، تعود تحديداً إلى (الثلاثينات، والأربعينات) من القرن العشرين. قال لي: هذا الدفتر، أعطاني إياه – (ورثة المرحوم مروان راضي الطاهر)، فرأيت أن أعطيك المخطوطة، لأنك (خيرُ من يُحرّك الموروث الفلسطيني الضائع)، قلت له: (وصلتْ... شكراً)، ومضيت.

ثانياً: رأى (البعض) أن (مروان راضي الطاهر)، حفظ قصائد (عبدالرحيم محمود)، و(فدوى طوقان)، وهو بهذا الحفظ الطويل زمنياً (منع رسم الصورة المكتملة من قبل النقاد!!).
 أما أنا، شخصياً، فأرى عكس ذلك، لأن (الأستاذ مروان) ساهم أولاً بحفظ هذه النصوص، من الضياع، ونحن لا نعرف ظروفه الشخصية الصعبة. صحيح أنه لو نشرها عام 1958، لتغيّر الحكم النقدي على شعر عبدالرحيم محمود إيجاباً. لكنْ (بتقديري) أن الأمر مختلف بالنسبة لفدوى طوقان، فقد احتفظ بمخطوطة ربما لم تكن فدوى ترغب في نشرها، لأنها تمثل بداياتها الشعرية، فعلاً، أو أن الرجل، اعتبر نفسه (ليس مسؤولاً عن نشرها)، فهو مثقف يعشق الشعر، لكن وظيفته في العمل في (البنوك)، ربما ألهتهُ لاحقاً، فبقيت المخطوطة نائمة في أدراجه، ونسيها، أي أنه اعتبرها مخطوطة شخصية أو أنه خاف آنذاك من الرقابة.

ثالثاً: وجدت في (المخطوطة) قصيدة بعنوان (على قبره)، (1944)، فحذفتها، لأنني وجدتها منشورة في طبعة (الأعمال الشعرية الكاملة)، الطبعة الأولى، الصادرة (عام 1993)، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وهناك قصائد وُضعتْ (عناوينها فقط)، وتُركت مساحة بيضاء لكتابتها وهي: 1. من وحي الزيتون، 2. تحية المبعدين، 3. نفس، 4. إيه يا شرق: باستثناء بيت واحد هو: (إيه يا شرق أيُّ فجر جديد / لاح في دهمة الليالي السود).
رابعاً: في هذه المخطوطة، ربما كانت قصيدة (رثاء الملك فيصل، 1933) هي أقدم قصائدها، تليها قصيدة (إلى عبدالمحسن الكاظمي، 1935). وكان (يوسف بكّار)، جامع حوارات فدوى طوقان، قد أشار إلى أن أول قصيدة منشورة لفدوى، نُشرت في (جريدة مرآة الشرق، القدس، عام 1931).

خامساً: بعد (الأعمال الشعرية الكاملة، 1993)، ومجموعة (اللحن الأخير، 2000) – لم يُنشر لفدوى (بعد وفاتها) عام 2003، سوى (مجموعة من القصائد)، نشرها (المتوكل طه) في (جريدة رأي اليوم الإلكترونية، لندن، 19/3/2017). وكانت المفاجأة لي، هي أنها قصائد ذات طبيعة هجائية:

يا دعيَّ الشعر / ما أنت بشاعرْ / ... سُنَّةُ الشاعر حسٌّ مرهف، ذوقٌ رفيع / ... دفقُ فيضٍ من مشاعرْ / أنت ما أنت، أتدري / أنت وحشٌ أزرقُ الأنيابِ كاسرْ / من سماء الشعر مطرود، فهاجرْ / لمكانٍ مُقفرٍما طار يوماً فيه طائرْ / غير بومٍ ناعقٍ بين المقابرْ).

لم يكن حُباً، ولكنْ / كان كشفاً واكتشافْ / كيف أحببتك يا أقنوم شرّْ / غلطة في عمريَ لا تُغتفرْ / غلطةٌ سطّرها فوق جبيني / قَدَرٌ في حُجُبِ الغيب استترْ / أترى تحسبني هِمْتُ وأحببتك يوماً / ألف هيهات، وهيهات، وكلاّ / لم يكن حُباً ولكنْ... كان كشفاً واكتشافْ).
شوَّهني البغض، وصيَّرني نبتةَ حنظلْ.

سادساً: هنا يفترض أن يعود الباحث والقارئ لكي يفهم (هجائيات فدوى طوقان) إلى:
مذكرات عجاج نويهض: حيث توجد قصة إبراهيم طوقان مع (إذاعة فلسطين) في الثلاثينات، الناطقة بلسان (الاحتلال البريطاني).

مقالة معين بسيسو عن إبراهيم طوقان في مجلة (الأسبوع العربي)، بيروت، ربما عام 1974.
الصحف اللبنانية: حيث نُشرتْ (مقالات الشجار المتبادل)، بين (سميح القاسم، وفدوى طوقان) من جهة، و(محمود درويش، ومعين بسيسو) من جهة مقابلة (1974)، فهي قصة تستحق جمع أوراقها الكاملة في كتاب، موعظة للأجيال.

في قصة الشجار المتبادل، وقف (12) مثقفاً فلسطينياً وقفة عادلة، فأصدروا بياناً تمّ توزيعه من قبل (الإعلام الفلسطيني الموحّد) برئاسة ماجد أبو شرار (المثقف الفتحاوي اليساري) ومساندة عزالدين المناصرة. وتوقف الشجار بعد هذا البيان مباشرة. أما أنا، فقد كنت من أنصار (المصالحة)، والدليل هو أنني كنت أحد الموقّعين على البيان. ويبدو أن المعركة الأساسية، كانت نواتها (درويش والقاسم). أما معين بسيسو، وفدوى طوقان، فقد أستُدرجا للدخول في المعركة.

سابعاً: تعتبر فدوى طوقان، رائدة من رواد الشعر العربي الحديث، منذ (1953) تقريباً، عام ولادة (الشعر الحر التفعيلي). وهي بدقة – حصة (فلسطين والأردن) في هذه الريادة العربية.

(1) تتويج مئوية فدوى طوقان (1917 – 2017):

(عمَّة الشعراء الفلسطينيين)

 كان عام 2003، عاماً أسود، بالنسبة للثقافة الفلسطينية: رحيل إحسان عباس (شيخ النقاد العرب)، ادوارد سعيد (الناقد الثقافي العالمي)، أحمد صدقي الدجاني (المؤرخ والمناضل)، ثم... ثم فدوى طوقان = (عمة الشعراء الفلسطينيين)، أو حصة فلسطين والأردن في ريادة الشعر العربي الحديث، شاعرة النكبة، وشاعرة المقاومة، خنساء فلسطين، وشقيقة شاعر فلسطين الأكبر (إبراهيم طوقان)-.

 نشرتْ فدوى طوقان أولى قصائدها العمودية عام 1931، كما قال بعض النقاد. وكنت نشرت مقالا بعنوان (فدوى.. الشاعرة الفلسطينية الناشئة) عام 1983، بمجلة (الهدف) الفلسطينية، بشأن البدايات، ثم سألت فدوى لاحقاً عن صحة ما أوردته في المقال، فوافقتني تماماً. إذن: هناك إجماع بأن عام 1931، هو عام ولادتها الشعرية، إلا إذا تبين عكس ذلك!!.

التقيت فدوى لأول مرة عام 1966 بالقاهرة، حيث كنت أعيش. كنت آنذاك شاعراً شاباً يحفظ قصائد فدوى منذ الطفولة في جبال الخليل. وكانت فدوى شاعرة مشهورة قد أصدرت أولى مجموعاتها عام 1952. أصر صديقي الشاعر صلاح عبدالصبور على أن يقيم (أمسية مشتركة لفدوى ولي)، تولى تقديمها بنفسه، في (الجمعية الأدبية المصرية) التي كنت عضواً فيها. أتذكر، كيف حظيت فدوى بالترحيب والتقدير من شعراء ونقاد مصر. هذا العام أي عام 1966، شهد أول تعرف لنا إلى (شعراء المقاومة) في الشمال الفلسطيني، فلأول مرة تعرفنا إلى الفرع الثاني من الشعر الفلسطيني الحديث، حيث كان الفرع الأول الذي تنتمي إليه فدوى وتقوده بنفسها هو (جماعة الأفق الجديد) الأدبية في القدس (1961 – 1966). كنا ننتمي لجماعة الأفق الجديد الأدبية، ولم نقرأ حرفاً واحداً، ولم نسمع بأي اسم من أسماء زملائنا في (فلسطين – 48)، إلا منذ عام 1966، لسبب بسيط هو: كنا ممنوعين من التعرف. أقول ذلك، لأثبت أن (الأساليب الشعرية قد تتشابه إذا كانت القضية واحدة). ويتم هذا التشابه في المشترك العام.

 تختلف قصيدة فدوى طوقان، عن زميلتها في ريادة الشعر الحديث، العراقية نازك الملائكة، بانسيابيتها وابتعادها عن المعوقات المعرفية المنظومة، فهي تعبر عن عواطفها بحرارة، ضمن المعجم الشعري الرومانتيكي في مرحلتها الأولى: (وحدي مع الأيام (1952) – وجدتها – أمام الباب المغلق)، حيث تدور قصائدها حول مركزية (الذات الأنثوية) حتى عام 1967، ومن أطرف ما قرأت في مجلة الآداب عام 1953، رسالة من المفكر الإسلامي سيد قطب، يعلن فيها أنه أحب الشعر الحديث، لأنه أحب شعر فدوى طوقان ونازك الملائكة. أما منذ 1967، فتدخل فدوى عالم شعر المقاومة، ابتداء من ديوانها: (الليل والفرسان، 1969)، تتحول نحو الهم الجماعي، ولا تتخلى عن الشعر الأنثوي الرومانتيكي. وهي أيضاً لم تنفصل عن هم النكبة في دواوينها الأولى. ولها قصائد مشهورة عن عذاب اللاجئ. لم تدخل فدوى منذ مجموعتها الأولى 1952 وحتى (اللحن الأخير) عام 2000، حقل: شعارات الحداثة ورطانتها، بل ظلت تعبر عن تجاربها الشعرية، ضمن الشكل الشعري البسيط الحديث الذي أنجزته (حركة الشعر الحر) في الخمسينات. كما أن المعجم الشعري، ظل رومانتيكياً، مع بعض الإضافات الواقعية بعد عام 1967. أما المنظور إلى العالم، فقد ظل منسجماً مع مشاعر امرأة فلسطينية، كانت مقهورة اجتماعياً، حتى وهي تتحرر من هذا القهر لاحقاً. فالمفتاح لقراءة فدوى شعرياً هو: (الرومانتيكية – الانسيابية – البساطة – المرأة التراجيدية الحارقة – المقاومة – الريادة). أما مفتاح قراءة الشخصية، فهي: (الدماثة - الطيبة – الحزن - البراغماتية الوسطية والاعتدال - الوطنية دون إديولوجيا).

(2) قضايا وإشكالات:

 في قضايا الخلاف حول فدوى طوقان (النص والشخص)، أثيرت عدة قضايا: قصة الحب التي قيل إنها وقعت فيها مع الناقد المصري أنور المعداوي، حيث لم تعترف فدوى طوقان بوضوح، ولم تنكر بقطع، لكن جرأتي في فتح الموضوع معها عام 1966، خصوصاً أنني تعرفت إلى أنور المعداوي في مقهى بالجيزة، جعلتها تومئ بحزن إلى وفاة المعداوي عام 1965، وكان كلامها يوحي بأكثر من حزنها على رحيل (الناقد)، وأقل من حزنها على (حبيب)!.

 الجدل حول قصيدتها: (فلسطينية أردنية في انكلترا) وصل إلى (حوار الهوية والمنفى والقصيدة). أما الجدل حول قصيدتها: (إتيان في الشبكة الفولاذية)، فقد أوصل الحوار إلى السؤال: إلى أي مدى يمكن للشاعر الفلسطيني أن يحاور (العدو)، وما هي آليات الحوار، إذا انطلق من (عدم شرعية دولة إسرائيل)، أم حين ينطلق من (الحل الممكن) بعيداً عن (الحل العادل). الجدل حول لقاء فدوى طوقان، شاعرة المقاومة مع (موشيه دايان، وزير الحرب الإسرائيلي). ثم التساؤل حول كيفية (الجمع بين المقاومة والتأسرل!) – انظر: (حوار مع فدوى – القدس العربي، لندن، 24/6/2003).

هذه القضايا نوقشت في حينها، وأدلت فدوى بدلوها، ويمكن قراءتها في إطار الظروف التاريخية، دون إسقاطات من الحاضر. إذا كانت الصدفة قد شاءت أن أكون شريكها في أمسية القاهرة عام 1966، فقد شاء المخططون، أن أكون شريكاً لفدوى طوقان (عام 1997، في أمسية شعرية، في (مسرح موليير) في باريس): كنا نقيم في فندق (لوتسيا) معاً. نأكل الوجبات اليومية معاً، نكسدر في شوارع ليل باريس وحدائقها ومقاهيها، على مدى أسبوعين كاملين. في هذه الرحلة توطدت صلتي بعمتي فدوى، كما كنت أخاطبها، وباحت بكثير من الأجوبة التي كنت أرغب في سماعها عن أسرار القضايا المختلف عليها في حياتها وشعرها. وكانت إجاباتها بسيطة غير معقدة، مثل قصائدها. ولا أنسى تواضعها حين كانت تتحدث للصحف الفرنسية ومراسلي الصحف والإذاعات في باريس، عن شعري وشعر أبناء جيلي، بمحبة الشاعرة الكبيرة الواثقة من نفسها، كانت تسمينا وتصفنا (بمؤسسي الحداثة الشعرية في فلسطين: (محمود درويش – سميح القاسم – عزالدين المناصرة – جبرا إبراهيم جبرا))، كما قالت لإحدى الصحف الفرنسية. كانت أمسيتي الشعرية المشتركة مع فدوى في باريس، حاشدة بالفرنسيين والعرب، ووصفت بأنها من أفضل أمسيات الربيع الثقافي الفلسطيني، وعادت فدوى إلى فلسطين مبتهجة وفرحة. في أمسية (مسرح موليير) المشتركة بيني وبينها، طلبت مني قبل الصعود على المسرح، أن أنشد أشعاري قبلها، لكنني رفضت تكريماً لها، وأقنعتها بصعوبة.

صيف 2002، كان لقائي الأخير بفدوى في عمان، حيث أهدتني نسخة من ديوانها (اللحن الأخير). وكانت قد اعتذرت للصحافيين عن عدم إجراء حوارات، بسبب التعب والمرض. لكنني استطعت أن أجعلها توافق، عندما تقدمت مني (صحافية لبنانية) صديقة، تطلب حواراً لمجلتها مع فدوى. وافقت فدوى عندما همست في أذنها: (لبنان المقاومة.. لا تستطيعين أن ترفضي يا فدوى!!)، فأومأت بالموافقة.

 مؤخراً، أصبح النقاد والشعراء العرب والصحافيون يسألوننا: عندما يتشارك (إدوارد سعيد مع موسيقي إسرائيلي)، ويتحاور مع مثقفين إسرائيليين، وعندما يتحاور (محمود درويش) مع مثقفين إسرائيليين، لماذا تصمتون، ولماذا لا تقولون بأن: (هذا تطبيع فعلاً). لقد فتح (إدوارد سعيد، ومحمود درويش، وسميح القاسم) وغيرهم – الطريق أمام المُطبّعين العرب، ليقول الروائي اللبناني (إلياس خوري مثلاً) أنه (مع التطبيع الإعلامي) مع إسرائيل – وفتحوا الطريق أمام بعض الشعراء والروائيين العرب، بل والأجانب لزيارة (دولة إسرائيل الاستعمارية)، عبر بوابة رام الله، (علناً وسراً). وقد استمعتُ للدكتور (محمد شتيَّه)، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مقابلة تلفزيونية – يعلن رفضه للمقولة السخيفة، (نحن نزور السجين، ولا نزور السجّان!!)، فهي مقولة لتبرير التطبيع مع العدو. فالتطبيع، هو (جعل ما هو غير طبيعي – طبيعياً). وهو مُدان أياً كان فاعله (كبر أم صغر).

 أعتقد إذا أردت (تبرير قبول فدوى الحوار مع موشيه دايان، وزير الحرب الإسرائيلي الحرب الإسرائيلي في منزلها بنابلس) – أقول: ربما ضغط عليها بعض (وجهاء نابلس) لفعل ذلك لأسباب سياسية، لكنني أعود، وأقول: كان يجب أن تنسحب قبل مجيء هذا القاتل، فهي (شاعرة)، يفترض أن تتعامل مع الاستراتيجيا، وليس التكتيك. وهذا ينطبق على كافة المثقفين الفلسطينيين. أما، أهلنا في (فلسطين – 48)، فهم في القلب والعقل وبؤبؤ العيون، دائماً. لقد وقعت فدوى منذ عام 1967 في شباك (التباس مصطلح المقاومة)!!، عام 1966، تحت ضغط الأضواء الإعلامية!! – (عزالدين المناصرة: جريدة الرأي الأردنية، 12/12/2004).

 رحلت فدوى، وهي ترى مدينتها الجميلة نابلس، مدينة التقاليد العريقة، جبل النار، مدينة إبراهيم وفدوى، يدمرها المحتلون الإسرائيليون، وهي تقاوم كعادتها الأزلية في مقاومة الغزاة. رحلت فدوى، بعد أن تركت بصمتها الأنثوية الشعرية في مجرى حركة الشعر الحديث، رائدة من روادها. ولدت فدوى في نابلس عام 1917، وتوفيت في (نابلس بتاريخ 12/12/2003).

(3) اللقاء الأول، 1966: (الجمعية الأدبية المصرية):

عندما كنت تلميذاً في (مدرسة ابن رشد – الخليل)، عام (1961)، تعرفت أول مرّة على شعر فدوى طوقان، الذي جاء به لي ودلّني عليه شقيقي الأكبر (أبو معن)، الذي كان آنذاك، موظفاً في (بريد مدينة نابلس). أما (شعر إبراهيم طوقان – شاعر فلسطين الأول)، فقد تعرفت إليه قبل ذلك، عن طريق (والدتي)، التي كانت تحفظ غيباً بعض قصائد إبراهيم طوقان عن طريق شقيقها (إبراهيم موسى حمد المناصرة)، أول مدرّس في (مدرسة بلدة بني نعيم الخليلية)، الذي كان زميلاً للقاص الفلسطيني (أحمد العناني)، لكن خالي هذا توفي شاباً بمرض عُضال عام (1947). كانت (والدتي) تحفظ مثلاً (قصيدة: يا ظلام السجن خيِّمْ) على أنها لطوقان، وظلّت تصرّ على ذلك حتى وفاتها عام 1997 في مسقط رأسها بفلسطين، رغم أن الحقيقة تقول بأن هذه القصيدة للصحافي السوري (نجيب الريّس).

 عام (1966)،كنت شاعراً شاباً، وكنت مراسلاً لمجلة (الأفق الجديد المقدسية) منذ أكتوبر 1964. آنذاك (1965) بدأت بنشر قصائدي في (مجلة الآداب البيروتية). وكنت طالباً في السنة الجامعية الثانية. وكنت عضواً في الجمعية الأدبية المصرية، وعضواً في الاتحاد العام لطلبة فلسطين (فرع القاهرة). كانت فدوى طوقان قد قرأت بعض قصائدي كما قالت لي عام 1966 عندما التقيتها في القاهرة لأول مرّة.

 (عزالدين إسماعيل، وصلاح عبدالصبور)، هما من منحني – عضوية الجمعية الأدبية المصرية في – (نوفمبر 1964). زارت (فدوى) الجمعية، وعرّفها صلاح، عليّ، ومع إضافة صفة (شاعر فلسطيني)، رأيت التماعة فرح في عينيها. كانت فدوى تقترب من سنّ الخمسين. أما أنا، فقد كنت في سن (العشرين). اقترح الدكتور عزالدين إسماعيل، وصلاح عبدالصبور معاً، وبحماس ومحبّة إقامة (أمسية شعرية مشتركة لفدوى، ولي). وبالفعل انعقدت الأمسية في اليوم التالي، وكان الحضور حشداً كبيراً من المثقفين والأدباء المصريين، الذين استقبلوا فدوى وشعرها بحماس ومحبة.

 هذا هو الإطار العام، لهذا اللقاء التاريخي (بالنسبة لي) مع فدوى. السبب هو فرحتي بمشاركتها الأمسية، وهي الشاعرة الكبيرة الشهيرة، التي كنت أحلم بلقائها، عندما كنت طالباً في مدارس (الخليل)، بفلسطين.

 وبعد اللقاء في الجمعية التي كانت في (عابدين)، سألتها سؤالاً شخصياً واحداً، له علاقة بموضوع (الحب)، وظلت تفاصيل إجابته معلّقة حتى عام (1997).

(4) (فدوى طوقان، ومعين بسيسو):

كانت تعشق إبراهيم هذا هو السبب!!

في أول السبعينات تعرفت على (الدكتور فوّاز طوقان)، الأستاذ آنذاك في الجامعة الأردنية، وأصبحنا أصدقاء. وكان فوّاز أحد محبي شعري. كان فواز يكرر أمامي عندما أسأله عن أخبار فدوى، الجملة (تقصد عمّتي فدوى)، واستعرت جملته لاحقاً في مقال كتبته عن فدوى طوقان (عام 1983 في مجلة الهدف الفلسطينية)، حيث أطلقت عليها لقب: (عمّة الشعراء الفلسطينيين)، و(ليست عمّتك وحدك)، كما قلت لفوّاز. فواز هو ابن (أحمد طوقان)، شقيق فدوى الذي كان رئيساً للوزراء في إحدى الحكومات (الأردنية)، وحتى فواز، أصبح وزيراً في إحدى الحكومات الأردنية.

 و(عائلة طوقان)، عائلة نابلسية عريقة،وكان لها (مجدها السياسي) في الزمن العثماني، والأردني، فهي عائلة إقطاعية، تتنافس مع عائلات إقطاعية أخرى في فلسطين الشمالية، والوسطى التي تسمى حالياً (الضفة الغربية)، مع أن اسمها الحقيقي هو (فلسطين الوسطى). كانت فدوى تتردد كثيراً على القاهرة، وقالت لي ذات مرّة بأن، عائلة طوقان، فلسطينية من (أصول مصرية).

 تعرفت إلى (معين بسيسو) عام (1966) أيضاً بالمراسلة عندما كان ما يزال يعيش في (قطاع غزة)، حيث أجريت معه حواراً نشرته في (مجلة الأفق الجديد المقدسية)، التي كنت مراسلها الصحافي. وتوطدت صداقتي معه عندما كنا نعيش معاً في (بيروت) في المرحلة اللبنانية للثورة الفلسطينية، وعشنا نحن الثلاثة (معين، ودرويش، وأنا) في حصار بيروت 1982. ومعين من مواليد غزة عام (1926)، نشر أولى قصائده في (مجلة الحرية اليافية، 1946). وتخرج في قسم الصحافة بالجامعة الأميركية عام (1952). وصدر له (14 ديواناً شعرياً)، وله ست مسرحيات مُبهرة عُرضتْ على مسارح القاهرة. قاد المظاهرات في قطاع غزة، وسجن في المعتقلات المصرية (ست سنوات)، بسبب (يساريته)، فقد كان من قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني في (قطاع غزة). وكنت قد كتبت مقالتين عن ديوانيه: (الأشجار تموت واقفة)، و(فلسطين في القلب)، نشرتُها في (مجلة الآداب البيروتية، 1965).

 أما في (بيروت)، فقد شاعت في الأوساط الثقافية، (نكتة معين): كان قد قرأ حواراً معي في (مجلة الحوادث) عام 1975، أجراه (طلال رحمة، وسليم بركات)، فدخل معين على هيئة تحرير (فلسطين الثورة)، فقال: (حوار المناصرة مع الحوادث جميل ومهم، وهو كما أرى (أهم شاعر من شعراء الثورة) – وصمت قليلاً، وأضاف (بعدي!!)، فأطلقوا عليها اسم (نكتة بعدي). كنت في حصار بيروت (سكرتيراً لتحرير مجلة شؤون فلسطينية)، وهو عملي الأساسي، و(مديراً لتحرير جريدة المعركة) بالانتخاب، وكنت أدير اجتماعات هيئة التحرير بنفسي، وكان معين يشارك بحماس شاب في هذه الاجتماعات، ولم يتغيب عن أي اجتماع. وللتاريخ، فإن اسم (المعركة) هو من اقتراح معين.

 صدرت الطبعة الأولى من كتاب معين بسيسو عن حصار بيروت: (88 يوماً خلف المتاريس) (عام 1985). وصدرت طبعته الثانية عن دار الفارابي عام (2010)، مع (مقدمة لسميح القاسم) – تقول: (... وللأمانة التاريخية، فقد كابدتْ علاقتي بمعين بسيسو، مرحلة قصيرة من الجفاء والخصام في (العام 1970 بقدر ما أذكر). آنذاك، جاءتني (الشاعرة الرائعة فدوى طوقان)، بقصاصات من الصحافة اللبنانية، (تحمل هجوماً (عليها)، وعليَّ من معين بسيسو، ومحمود درويش). بكت (فدوى)، المعروفة برقّتها، ودماثة أخلاقها، فهدَّأتُ من روعها – وكتبتُ (رداً عنيفاً)، نشرته آنذاك جريدة الفجر المقدسية اليسارية، وأعادت نشره الصحافة اللبنانية، وانقسم المثقفون الفلسطينيون واللبنانيون والعرب إلى حزبين. وعلم القائد الأخ (ياسر عرفات) بـ(المعركة الميلشياوية)، فاستشاط غضباً. وكلّف الأخ (شفيق الحوت) – بشهادة (الأخ فلان!!). بوضع حدّ فوري لهذا (الاشتباك) غير المبرر – فنشر معين، ومحمود، اعتذاراً تصالحيا في وسائل الإعلام الفلسطينية. وعادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، وبما يليق بالأشقاء في الخندق الواحد – سميح القاسم- ص (11).

 وقد جاء في كتاب معين بسيسو (88 يوماً خلف المتاريس – ص 134)، قول (معين) بأنه، خلال حصار بيروت ما يلي: (اجتمع بعض الكتاب والشعراء والصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في مكتب (مجلة الكرمل) – التي يصدرها اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ويترأس تحريرها محمود درويش. وكان قرار إصدار جريدة (المعركة)، وكان شعارها (المجد للمقاومة). وهكذا كان المشرف الفني هو عبدالمنعم القصاص. وكان – رئيس التحرير، هو زياد عبدالفناح مدير وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) لجريدة المعركة. – وورد أيضاً في (ص 132) من كتاب (88 يوماً...) قول معين بسيسو: (أي القصائد، يمكن أن يكتبها شاعر – يتصور المعركة – في مستوى القصائد التي كتبها شعراء عاشوا معركة حصار بيروت – من طراز (فايز أحمد فايز – الباكستاني) – ومن طراز (محمود درويش، وسعدي يوسف، وعزالدين المناصرة، وشوقي بزيع، وسمير عبدالباقي) – (ص 132).

(5) (مقدمة سميح القاسم): كتاب 88 يوماً خلف المتاريس:

 وتعليقاً على ما سبق، (أقوم بعملية تصحيح للتاريخ والحقيقة) على النحو التالي:
وردت في مقدمة سميح القاسم أخطاء أوقعه فيها (الشاهد الذي ما شفش حاجة)، ولم يكن له أية علاقة بمعركة (معين درويش في مقابل سميح القاسم)، والدليل القاطع على صحة كلامي هو أن (اسم هذا الكاتب لم يرد إطلاقاً في قائمة المثقفين الموقعين على (بيان المصالحة)).

وقعت المقدمة في خطأ أول، هو أن (المعركة السيئة التي وقعت بين سميح وفدوى من جهة، ومحمود درويش، ومعين بسيسو، من جهة أخرى، التي حدثت عام (1970)، كما يقول سميح، والصحيح أنها حدثت عام (1974).

هناك خطأ آخر هو أن ياسر عرفات،كلّف (شفيق الحوت) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بوضع حدّ لهذه الاشتباكات. والصحيح أن (عرفات) كلّف (ماجد أبو شرار)، مسؤول الإعلام الفلسطيني الموحّد. أما شفيق الحوت، فقد كان منحازاً لمحمود درويش، لكنه في النهاية، وقّع على (بيان المصالحة).

أراد القاسم أن يضم (فدوى طوقان) إلى جانبه، فاستجابت (فدوى) قليلاً لسميح. والسبب هو عداؤها لمعين بسيسو بالتحديد، بسبب (حادثة سابقة)، لهذه الحادثة.

اتصل بي (ماجد أبو شرار)، وكنت آنذاك أعمل (محرراً ثقافياً لمجلة فلسطين الثورة) في بيروت، وطلب الحضور إلى مكتبه سريعاً، فذهبت إليه.كنت سابقاً قد ناقشته في الأمر هاتفياً، واتفقنا على فكرة المصالحة. وفي لقائي معه، طلب مني (التمهيد للمصالحة). ومن يرجع إلى أحد أعداد (فلسطين الثورة، 1974)، يجد قصائد لدرويش والقاسم وبسيسو وفدوى طوقان، قد نشرت معاً دون ذكر أسباب نشرها!!. كما طلب مني ماجد أن أوقّع على (بيان المصالحة)، الذي وقّعه (12 مثقفاً فلسطينياً)، فوقّعت عليه أمام ماجد. وكلفني ماجد أن اتصل بمحررين لبنانيين في الصحف اللبنانية، وأطلب منهم (تهدئة الوضع بعدم نشر أي خبر حوله لو أمكن ذلك)، فاستجابوا بحماس، لأن الهدف من ذلك كان نبيلاً، كما قالوا.

(6) معين بسيسو: (جريدة المعركة): أخطاء:

الفقرة في (صفحة 134): الصحيح أن ما ورد في هذه الفقة:

ما ورد في طبعة 2014- قد يكون مختلفاً عن طبعة 1985 الأساسية، وهنا أترك تحقيق الأمر لباحث أمين، لأن الطبعة الأولى، ليست بحوزتي أثناء كتابة هذه المقدمة.

الاجتماع التأسيسي، لجريدة (المعركة)، لم يكن في مقر مكتب (مجلة الكرمل – محمود درويش)، حيث اتفق على إصدارها. والصحيح هو ما يلي: (اجتمع بتاريخ (18/6/1982) – (54) مثقفاً فلسطينياً ولبنانياً وعربياً في مقر (المجلس الثوري لحركة فتح)، بدعوة من (محمد أبو ميزر – أبو حاتم)، عضو المجلس الثوري، ومسؤول العلاقات الخارجية لحركة فتح، وكان مقر (المجلس الثوري) قريباً من الدائرة السياسية. فانتخب الحضور (الدكتور عزالدين المناصرة) – مديراً لتحرير (جريدة المعركة) المقترحة، وانتخب (زياد عبدالفتاح)، مديراً إدارياً، ومسؤولاً مالياً. أي أمور الطباعة والمال، ولم يكن زياد عبدالفتاح – رئيساً للتحرير مطلقاً. وكان محمود درويش هو من رشحني لذلك. أما لماذا رشحني، فهذا يحتاج إلى شرح خلفيات في علاقاتي مع درويش. وعندما تساءل الحضور عمّن يكون (رئيساً للتحرير): (بسيسو، أم درويش!!). هنا لم يحدث أي اتفاق على ذلك في الندوة التأسيسية، لأن درويش، طرح مقترحاً هو أن تكون (المعركة) ملحقاً بـ(مجلة الكرمل)، وطرح بسيسو أن تكون (المعركة) – ملحقاً بـ(مجلة اللوتس) التي يرأس تحريرها. لكن حضور هذه الندوة (54 كاتباً)، رفضوا الاقتراحين بأدب. فظلت (المعركة) طيلة صدورها (بدون رئيس تحرير!!). وكان رئيسا تحريرها من الناحية العملية (وليس الرسمية) هما: (عزالدين المناصرة – وزياد عبدالفتاح)، هذه هي الحقيقة. لأن الحضور (54 مثقفاً) اشترط (العودة إلى الاجتماع من جديد)، إذا حدث خلاف. وليس من حق (المناصرة) أو (زياد) – التصرف بموقع رئاسة التحرير.

 صدر من (المعركة) – (ستون عدداً)، بقيتُ فيها مديراً للتحرير (50 – عدداً). أما الأعداد العشرة الأخيرة، فلم أشأ أن أشارك فيها، لأنها صدرت (بعد قرار الخروج من بيروت). كذلك لم تعد لي أية علاقة بصدور (مجلد المعركة) في طبعة تونس، مع أنني كنت آنذاك مقيماً في تونس، ومقدمة هذه الطبعة (مليئة بالتزوير).

– صيف حصار بيروت، كان عملي الأساسي، هو (سكرتير تحرير (مجلة شؤون فلسطينية)، وقد قبلتُ بهذا العمل مكرهاً، حيث كان رئيس تحريرها (الصحافي بلال الحسن). والسبب هو سوء علاقتي بالراحل ياسر عرفات، في تلك الفترة، فاكتفيت بتوقيع مدير مركز الأبحاث (صبري جريس)، الذي طلب موافقة عرفات فأقنعه (بلال) بأنه يتعهد لاحقاً بذلك. وهنا ولدت نكتة صبري: (تخلّصتُ من شاعر، فجاءوا بشاعر آخر!!)، وكان يقصد محمود درويش، الذي كان يعمل سابقاً في المجلة. طرح عدد من الحضور أمكنة غير مناسبة لاجتماعات هيئة التحرير، فاقترحتُ (شقة مجلة شؤون فلسطينية ومطبوعات المركز) في شارع (كاراكاس – الروشة)، فوافقوا جميعاً، وهذا ما كان فعلياً، ولم نجتمع أية مرّة في مقر مجلة محمود درويش.

 باختصار: بعد أن رسمت الإطار العام لخلافات بعض المثقفين الفلسطينيين (خصوصاً معين بسيسو وفدوى طوقان)، أقول، ولا أكشف عن أسرار بأن خلافهما يعود إلى (عام 1974 – ربما)، حيث كان معين بسيسو، يكتب مقالاً أسبوعياً في (مجلة الأسبوع العربي) اللبنانية. وكتب فيها مقالاً، هاجم فيه (شاعر فلسطين الأول = إبراهيم طوقان)، بصفته (مديراً للبرنامج الثقافي العربي) في (إذاعة الاحتلال البريطاني). المسماة (إذاعة فلسطين). ومقال بسيسو هذا ليس بحوزتي لأضعه كاملاً أمام القارئ، ليحكم عليه إيجاباً، أو سلباًّ!!. ويمكن مقارنته إذا حصل عليه (الباحث) مع خلفية القصة،كما رواها اللبناني (عجاج نويهض في مذكراته). فما كتبه (معين بسيسو، وقبله عجاج نويهض)، يشرحان أسباب غضب فدوى طوقان في (قصيدتها: دَعيّ الشعر)، التي لم تنشرها أثناء حياتها، بل طلبت نشرها بعد رحيلها. وهذه القصيدة، هي مجرد (فشة خُلق)، لأن الأوصاف الهجائية لشاعر ما، (لا تنطبق حتماً على (بسيسو))، كما حاول بعضهم أن يوحي، لأن (معين وفدوى.. كلاهما شاعران كبيران حقاً).

(7) (تأملات التمركز في الحُبّ): الذات والوطن!!

 ارتبطت (موضوعة الحب) بالنزعة (الرومانتيكية) قبل عام (1967)، أما (مسألة التحديث)، فهي تعميق معنى الحب، وشكل الحب، سواء في داخل قصائد (الأنثى المتشرنقة حول ذاتها)، قبل 1967 – أو الشاعرة التي أصبحت لغتها أقرب إلى (الواقعية) بعد 1967، في قصائدها الوطنية. وليس معنى ذلك أن فدوى تخلت عن (الوطن، والذات) قبل أو بعد كارثة 1967. نحن نقيس (نزار قباني) في موضوعة الحب مع من سبقوه منذ الجاهلية حتى اليوم، فنجد حداثته تستحق التأمل، لأن إضافته في موضوعة الحب لا مثيل لها. ولكن يمكن موازنة (فدوى طوقان) مع مثيلتها (نازك الملائكة).

 في (مقهى ريش، القاهرة، 1965)، التقيتُ الشاعر السوداني (محمد الفيتوري) ذات ظهيرة، كنت أسمّيه (عاشق إفريقيا)، لأن دواوينه معظمها عن حبه لإفريقيا، وكنا أصدقاء، خصوصاً أنه (خرّيج) الكلية الجامعية نفسها، التي تخرجت فيها، وتفاجأتُ عندما دعاني لبيته أن زوجته أمُّ ابنتيه (يافاويّة فلسطينية). كان (الفيتوري) صديقاً لذلك الناقد المعروف المصري (أنور المعدّاوي)، الذي يجلس في (مقهى في ميدان الجيزة). قال الفيتوري فجأة: (هل تحب أن أعرفك عليه). تفاجأت، ولكنني وافقت. قال الفيتوري: هل تذهب معي الآن. قلت: بالطبع. ذهبنا معاً إلى (الجيزة) نبحث عنه. عندما عرّفه الفيتوري بي، (إنه شاعر فلسطيني شاب)، وما إن سمع كلمة (فلسطيني)، فاجأني بأن سألني: هل تعرف(فدوى طوقان). أجبته: أقرأُ لها، لكنّني لا أعرفها شخصياً. لاحقاً، وفي العام نفسه (1965) مات (أنور المعدّاوي)، ولم أستطع أن أجري حواراً معه وعدني بإنجازه لصالح (مجلة الأفق الجديد). والأمر نفسه حدث معي، عندما توفي (محمد مندور) الناقد في العام نفسه، الذي أبدى إعجابه بـ(الأفق الجديد)، حيث قرأ ثلاثة أعداد منها، ووعدني أن نجري الحوار بعد خروجه من المشفى، ولكن... فقد كان (مندور) يسكن في (روضة المنيل)، عرّفتني به (ملك عبدالعزيز)، الشاعرة المصرية الرومانتيكية – الرمزية أيضاً، وهي زوجة مندور. وفي منـزلهما، سألاني عن (فدوى طوقان)، وعبّرا عن إعجابهما بها.

 تجرأت (عام 1966) أن أسأل فدوى سؤالاً شخصياً، حول ما يُشاع حول قصة حب كان بينها وبين أنور المعداوي. وشْوَشتْني: (بعدين يا عز، بعدين). وظل الجوابُ معلقاً (31 سنة) بين القاهرة، وباريس. وفي (عام 1997)، قلت لها: أنا من أطلق عليك لقب (عمَّة الشعراء الفلسطينيين)، قالت: أعرف.كان ذلك في (باريس)، وكنا نجلس في حديقة قريبة من فندق (لوتسيا)، قلت لها: حسناً، من حق الشعراء على عمَّتهم، أن تبوح لهم بأسرار الحب بعد هذا العمر الطويل. قلت لها أيضاً: هو سؤال وحيد، سألتك إياه في (القاهرة). قالت: هل تعرف أنني أتذكره، فامتحنت ذاكرتها، فقالت: (تقصد: أنور المعداوي). قالت (فدوى): (هو أقلُّ من قصة حب، وربّما إعجاب بناقد شهير، أحببتُ ملاحظاته حول شعري). قلت: فقط؟!. قالت: أُسكتْ، أنت تثير أشجاني، فسكت، وغيّرت الحوار. فأضافت فجأة: لكي أكون مُنصفة: (هو نوع من (الاستلطاف)، أو قل: (هو (20%) من الحب الذي لم يكتمل)!!.

(8) اللقاء الثاني المشترك: (باريس)؛ 1997:

 كنت شريكها في أمسية (مسرح موليير الباريسي) عام 1997، كما خطط (المخططون)، على عكس (عفوية) أمسية الجمعية الأدبية المصرية في القاهرة، (1966). وقد كانت أمسية مليئة بالبهجة ومحبة الجمهور. وفي باريس، بتاريخ (15/5/1997)، قررنا (محمود درويش، وأنا) أن نكتب بياناً رسمياً، بعنوان: (الشعر شغف الإنسانية – الشعر جسد العالم)، وطلبنا من فدوى أن تطّلع عليه، فإن أعجبها، يمكن أن تزيّن البيان بتوقيعها. أتذكر أنها قرأت نصفه، وركزت على السطر الأخير: (نطالب بضرورة تسمية يوم عالمي للشعر)، وأرسلنا البيان إلى فيدريكو مايور، الذي كان مديراً لليونسكو الدولية. وسمّوه لاحقاً (المبادرة الفلسطينية)، التي ساندتها (30 منظمة ثقافية في العالم)، من ضمنها (اللجنة الوطنية المغربية، التي أرسلت خطاب مساندة بتاريخ (29/11/1998)).

 التقيت بـ(فدوى)، عدة مرات في العاصمة الأردنية (عمّان) خصوصاً عام (2000)، لكنها بدلاًمن الحوار في الهاتف معها عن (الشعر)، صارت تسألني عن (أطباء العظام)!!. وكانت تقيم في دار أخت لها، ربّما كان اسمها حنان.

 تجرأت مرّة على سؤالي لها أن تُعيرني (ديوان إبراهيم السرّي)، لكنها ابتسمت، وقالت: هذا من أسرار العائلة. رغم أنني شرحتُ لها أن صورة إبراهيم – شاعر الوطنية، لن تهبط إذا تداول الناس تلك القصائد السرية!!. لكنها لم تقتنع.

 شكري الخاص: لصديقي بالمراسلة (الجزائر – السعودية) في الثمانينات، المرحوم الأستاذ (مروان راضي الظاهر)، الذي منحني ثقته عندما عملت على (تحقيق) – الأعمال الكاملة للشاعر الشهيد (عبدالرحيم محمود)، فزوّدني بكثير من النصوص، التي جعلتْ ذلك العمل مكتملاً تقريباً، وصدرت طبعته الأولى عام (1988)، كما صدرت طبعته الثالثة، عام 2009 – دار جرير، عمّان).

 كما أشكر (ورثة المرحوم الطاهر)، الذين حفظوا (مخطوطة فدوى طوقان)، هذه.
 وأشكر الذين ساندوني في (الصفّ، والتدقيق الطباعي): صحيح أنهم قبضوا مني الثمن المادي، لكن مساندتهم لي لا تقدّر بثمن.

 أما (أنا)، فقد دفعتُ من جيبي الخاص، ومن قوت أولادي، ما أستطيع من أجل ظهور هذه الأعمال إلى الضوء، وأقسمتُ أن لا آخذ قرشاً واحداً من ريعها. ولكن الذي أخذته، هو تلك (الكلمات الطيبة)، التي لا تقدّر بثمن من النقاد والقرّاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى