الاثنين ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم يحيى القيسي

كاتب يكشف بعض اسرار الأدباء الأردنيين عبر ثلاثين عاما من عمله سكرتيرا لرابطتهم ..!

كتاب جديد أصدره الكاتب والباحث الأردني محمد المشايخ عن دار نارة للنشر والتوزيع في عمان بعنوان " كشف الحجاب عن أسرار رابطة الكتاب " وفيه يكشف عن بعض تفاصيل عمله وطرائف الأدباء ،وأحوالهم خلال الفترة التي عمل فيها سكرتيرا لرابطة الكتاب الأردنيين والتي تمتد نحو ثلاثين عاما ( 1978- 2006) ، وقد قدم للكتاب الناقد والأكاديمي المعروف د. خالد الكركي حيث كان رئيسا للرابطة قبل إغلاقها رسميا من الحكومة عام 1987 ثم إعادتها من جديد خلال عام 1989 في اليوم التالي لتسلم د. الكركي وزارة الثقافة ، ويشتمل الكتاب إضافة إلى ذكريات المشايخ مع الكتاب وهمومهم على ملحقين الأول لأسماء أعضاء الهيئات الإدارية التي تعاقبت على الرابطة منذ تأسيسها إلى اليوم، والثاني كشف بأسماء جميع أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين وعناوينهم ، ولا سيما أن عددهم قد وصل إلى 581 عضوا حتى شهرفبراير الماضي .
يقول د. الكركي في مقدمته " في الكتاب تفصيل وإحصاء دقيق ، ولكن هذا كله خفيف على القارىء لأن الروح العذبة لمحمد المشايخ لا تفارق سطوره ، وإذا كانت وظيفتة " سكريتر الكتاب " فقد كان أيضا صديق الفقراء منهم ، وحافظ أسرارهم ، وجريئا على كشف خفايا عملهم النقابي ، وإن ظل حذرا وهو يقارب الجانب السياسي للاحزاب والتنظيمات التي ظلت على مدى عقود ثلاثة تشكل حركة الحياة السياسية والثقافية داخل الرابطة وخارجها، وما قصة إغلاق الرابطة وعودتها إلا بعض هذا الحراك السياسي الذي وقع فيه الصدام مرّ بين أهل السلطة وأهل الثقافة ، وليس غريبا أن يقع هذا ، لأن الخنادق متضادة ، والحرية لا تلتقي مع الاستبداد في خندق واحد ، وفي بلد واحد بل قد يقع اللقاء في السجون فقط بين دعاة الحرية وسوط الاستبداد " ويتابع الكركي قوله مخاطبا المشايخ :
" فقد قرأت كتابك هذا " والوزن مختلف " والزمان غريب ،وقد طلعت علينا من وراءالصمت بأصواتنا ،وقلت لنا إننا كنا جميعا " تحت المراقبة " ، ولكن منك أنت ، فهل تنشر المخبوء الذي ظل في ثنايا الذاكرة والروح لا ترحم أحدا منا ؟ إن فعلت

فلن ينوح علينا أحد ،وقد ترى دمنا مسفوحا على عتبات مقر الرابطة في الجبل اللويبدة ،أو على صفحات " أوراق " مجلة الرابطة ، أو في كفي سيدة " ذكي رائحة الرياض كلامها " وهي تندب الأعزاء الراحلين أو في عيون الحاقدين على الرابطة وبعضهم كالموت " ألا يرثي لباك " وظل في الذاكرة سنوات سبقت بدايات عملك في الرابطة تحتاج إلى كتابة مثل هذه ، وسنوات جديدة على عتبة قرن مضى وآخر حضر تحتاج إلى نظرة مختلفة فهل يسعى كتابنا إلى سد الفحوات في الذاكرة الوطنية العامة " .

الكتاب الذي جاء على شكل حكايات وذكريات وطرائف من وحي ما لاقاه أو شاهده أو سمع عنه المشايخ طيلة فترةعمله ( انتقل مؤخرا مديرا لمكتب البابطين في عمان ) يبتدأ بعنوان فرعي " الطريق إلى الرابطة " وكيف أصبح سكرتيرا لها حينما أعلمه الأديب خليل السواحري أمين الشؤون الخارجية في رابطة الكتاب الأردنيين في مطلع كانون الأول 1978 آنذاك أن الشاعر أمجد ناصر الذي كان يعمل سكرتيرا تنفيذيا للرابطة خلفا للأستاذين ميشيل النمري وحسين حسنين قد غادرالمملكة والتحق بالمقاومة الفلسطينية في بيروت ،وأن الرابطة بحاجة إلى سكرتير تنفيذي مسائي ,ويشير المشايخ بأنه كان قد تخرج حديثا من قسم اللغة العربية في الجامعة الأردنية وأن العمل كان يناسبه إضافة إلى عمله الصباحي في دائرة شؤون الأرض المحتلة ،ويصف المشايخ يومه الأول فيها حيث عثرعلى مقرها بصعوبة نتيجةحيائه الشديد " كنت أعزب وخجولا جدا " وكان الأديب سالم النحاس نائب رئيس الرابطة قد طلب منه أن يتوجه إلى عمله ويقف على باب الرابطة ويسأل عن هويات الأعضاء لأنها الفرصة الأمثل ليتعرف عليهم " كان آذن الرابطة أبو عطا قد فتح المقر وحسب التعليمات وقفت عند بابه، وما هي إلا لحظات حتى رأيت شابا أبيض الشعر ، طويله يحمل حقيبة جلدية بنية مملوءة بالكتب يتجه نحوي ،وما أن وصل حتى قلت له " هوتيك لو سمحت "فاندهش واستفز ،وقال لي : مين حضرتك ؟ فقلت له :الموظف الجديد في الرابطة " ، فقال : ومن أمرك بطلب هويتي ؟ فقلت له : بل بطلب هويات جميع الأعضاء إنه نائب رئيس الرابطة الأستاذ سالم النحاس " ( بل رئيس الرابطة الفعلي في ذلك اليوم لأن رئيسها الأستاذ محمد أديب العامري كان قد غادر المملكة في مهمة تتعلق بالرابطة في تشيكوسلوفاكيا " فرفض إبراز هويته وقال لي " قل للنحاس أن الشاعر محمد القيسي يرفض طلبك " وقدرت من طلبه أن خلافات نقابية واسعة كانت واقعة بينهما ، وما أن دخل القيسي حتى جاءت صبية جميلة قصيرة الشعر ترتدي الأخضر الفاتح وبخجل شديد وواضح طلبت هوية عضويتها فقالت لي

بأدب جم "أنا محامية اسمي أسمى دعيبس ولست عضوا في الرابطة بل ضيفة عليها .." و الآن بعد هذه السنوات الطويلة من تلك الحادثة التي يرويها المشايخ رحل العامري والقيسي إلى رحمة الله ، وطالت غربة أمجد ناصر ، وأصبحت المحامية أسمى وزيرة للثقافة ، فيما يقبع الأديب والنقابي النشيط سالم النحاس في بيته مريضا
،إضافة إلى أن المشايخ نفسه ترك العمل في الرابطة .

كتاب طفارى وباعة أسكيمو

يقول المشايخ في كتابه شارحا الأوضاع الصعبة لأعضاء الرابطة " انعكس الوضع السيء للكتاب على انتاجهم فتراجعوا عن نشر الكتب على حسابهم الخاص وتوقفوا عن إصدار المجلات الثقافية ،وما أكثر ما يكتبون تحت سطوة الأمر الواقع ..., وكثيرون تأخروا في الزواج وإن ساروا في متطلباته فإنهم كثيرا ما فاوضوا الزوجة وأهلها لتخفيض النفقات ،وقد بلغ بأحدهم أن كتب على غلاف كتابه عبارة " الكاتب خاطب حديثا " وضمن التوجه نفسه كتب آخر على غلاف كتابه أنه روى أرض فلسطين بدمه الطهور ،رغم أنه لم يجرح طيلة حياته لا في ساحات النزال ولا في غيرها ، وأعرف كثيرا من الكتاب سبق لهم أن علموا باعة للأسكيمو والبوظة والترمس والبليلة في طفولتهم وشغلوا وظائف أكثر مشقة في كبرهم، بل إن أحدهم عمل حمالا وهو الآن من أبرز الكتاب .." ويتابع المشايخ وصف حال الكتاب الأردنيين بقوله " لقد حارت الألباب في كيفية توظيف الكتاب فعدا عن العاطلين عن العمل ثمة عدد من الكتاب الذين يعملون في وظائف لا يقع تخصصهم في مجالها ،كانت الأنظار تتجه في الثماينيات نحو المسرحي والسيناريست جبريل الشيخ الذي كان يعمل حجارا ،ونحو كاتب دراسات فكرية يعمل ذباحا للدجاج ، ونحو آخرين عملوا في الباله ( الملابس المستعملة ) وبيع الخضار والفواكه باستثناء الشاعر (ر.أ. ز) الذي يعمل كوّاء ، والروائي ( ع.ع) الذي يعمل في سوبرماركت .." ويروي المشايخ في فصل آخر أن الشاعر محمد القيسي كان لديه محل بيع أحذية سماه " أحذية رامبو " ، ويروي المشايخ أيضا عن جمعية إسكان الكتاب والحلم الذي تبخر بعد حلها إذ اختلف الأعضاء فيما بينهم عدا عن أن الأرض لم تكن صالح للبناء وقربها مواقع كريهة الرائحة ، ومما يرويه المشايخ في كتابه عن طرائف الكتاب التي شهدها بنفسه " كاتب شاب طلب مني أن أرشحه لجائزة عرار الأدبية فقلت له تواضع أينك من هذه الجائزة ؟ فقال لي : أنا أصلا مجهز نفسي لأرشحها لجائزة نوبل ...،قلت له : آسف ظننتك غلبانا مثلي " ,وطلب أحد الفنانين إقامة ندوة في مقر

الرابطة لمناقشة أحد أعماله الدرامية ووعد بتقديم الكنافة للحضور ،ولما سألته بعد أن فرغ من ندوته عن سبب عدم إحضاره الكنافة قال :هذا جمهور لا يستحق الهريسة فكيف أحضر له الكنافة .." ويخصص المشايخ بعض طرائفه لعلاقات الكتاب النسائية ،وكيف يتهافتون لمجرد سماع صوت أنثوي أحيانا ، وبعضهم يبالغ بالإيحاء والتغرير بالفتيات المستجدات في الثقافة أو العاشقات للأدب لغرض في نفسه " ثمة أدباء غلابى كادحون ومستضعفون ترى في ملامحهم إن أبصرتهم بعض ما تعرضه شاشات التلفزة من أفراد منكوبين لا يجدون الغذاء ولا الماء ولا الدواء ، حين تجلس مع أحدهم تجده يمتشق عنان الخيال ليحدثك عن المليونيرات الجميلات الفاتنات المتعلقات به واللواتي يضعن كل ثرواتهن تحت قدميه فيما لو وافق على الزواج من إحداهن ولكنه لله دره ،يرفض بشدة الزواج القائم على التبادل بين العلاقات العاطفية والصفقات الاقتصادية..!" .ويتابع طرائف الكتاب مع زوجاتهم بالقول " حين رأى أحد الشعراء امرأة قادمة من بعيد ،وهي ترتدي زيا جميلا توقف ينتظروصولها بغية مغازلتها ،ولما وصلت اكتشف أنها زوجته فقالت له: ولله لو كنت عرفتني لما انتظرتني في الشارع كل هذا الوقت ..!
ومن الأقوال المشهورة للأديب محمد سعيد مضية : إذا رأيت سيارة تسير على مهل وبطء وبها رجل وامرأة فاعلم أنهما مخطوبان ,وإن رأيت السيارة مسرعة فاعلم أنهما متزوجان ،وأن الزوج يضغط دواسة البنزين كي يتخلص من هذه النقلة ..!".

أدب المخلوطة ولعب الشطرنج


في فصل جديد من الكتاب يحدثنا المشايخ قائلا " حين أحالت الهيئة الإدارية مجموعة من المخطوطات للمطبعة لم توصها بأي الكتب تبدأ ، فحمل أحد المؤلفين ،وكان يملك محمصا للتسالي المشكلة كيلو " مخلوطة " وسلمه لعامل في المطبعة فكان كتابه في مقدمة الكتب الصادرة ,ولما علم بذلك الكاتب عدنان علي خالد قال : هذا الكتاب ينتمي إلى أدب المخلوطة ..".ويروي المشايخ في فصل آخر أن الراحل عدنان علي خالد كان حلاقا واشتهر محله في مدينة الزرقاء القريبة من العاصمة بتردد الأدباء عليه سواء للنقاشات الأدبية أو لقص شعورهم ومنهم : أمجد ناصر ، فخري قعوار ، يوسف ضمرة ، عبدالله رضوان ، مأمون حسن ، أحمد المصلح ،الياس جريس ، جميل أبو صبيح ، حمودة زلوم ، عاهد شاكر ، معن البياري وغيرهم .ونظرا لضمان عدم تسرب اعضاء الرابطة إلى المقاهي للعب الورق والشطرنج وحجر النرد فقد تم تزويدها بهذه الألعاب و كانت تتعالى صيحات المنتصرين على الندوات الأدبية التي تقام حتى تم التخلص منها منذ سنوات قريبة .

والمشايخ في كتابه هذا يبدو كما أشار د. الكركي متهيبا بعض الشيء من كتابة كل ما يعرف سواء عن أحوال الكتاب أو طرائفهم أو مصائبهم أيضا وأمزجتهم المزعجة وتقلبات طقسهم ، وربما يأتي كتاب آخر يكشف فيه الرجل عن الصراعات السياسية التي حكمت عمل الرابطة لفترة طويلة ولا سيما فيما يتعلق بالانتخابات وكيفية الدخول في لعبتها التي ترفع من تشاء وتخسر من تشاء ،إضافة إلى العضوية التي تسرطنت وأصبحت بفضلها الرابطة عجوزا في الثلاثين من عمرها .

قصة الرابطة وإغلاقها

يخصص المشايخ صفحات عديدة للحديث عن الرابطة منذ تأسيسها وما واجهته من مصاعب من قبل الدولة ،ولا سيما في عهد حكومة زيد الرفاعي في العام 1987 حينما تم إغلاقها ومصادرة ممتلكاتها وأنشاء اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين بديلا عنها ،وذلك بحجة انها موئل للمعارضة السياسية وللحزبيين أكثر مما هي للأدباء وللعمل الثقافي ،ولكن هذا الإغلاق الذي دام نحو سنتين جوبه من قبل المثقفين ، والنقابات المهنية ،وتضامن ضده اتحاد الكتاب العرب وبعض الاتحادات العالمية ، وفي النهاية تم فتح الرابطة من جديد ،ولكن اتحاد الكتاب ما يزال قائما إلى اليوم ،ويظل مدار نقاشات ساخنة بين المثقفين الأردنيين ما بين مؤيد له أو من يدعو لحله ،ولكن المسألة الأساسية أن الرابطة هي الإطار الشرعي للأدباء الأردنيين والمعترف بها من قبل اتحاد الكتاب العرب ، ومما يجدر ذكره هنا مما ورد في كتاب المشايخ أن
الرابطة مؤسسة ثقافية شعبية تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة ولها نظامها الداخلي الخاص وسجلت كجمعية عادية حسب نظام الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية عام 1974 في عمان ولها ثلاثة فروع في إربد والكرك والزرقاء وتجري انتخابات الهيئة الإدارية مرة كل سنتين ،وقد بلغ عدد الكتب التي أصدرها أعضاء الرابطة ما يزيد عن ستة ألاف عنوان ، فيما بلغ عدد الكتب التي أصدرتها الرابطة 167 كتابا إضافة إلى 23 عددا من مجلة أوراق الأدبية ،ويرأس الرابطة منذ دورتين الأكاديمية د. أحمد ماضي ،وتناضل الهيئات الإدارية المتلاحقة من أجل حصول بعض اب الأردنيين على تأمين صحي وعمل وأن يكون لها مقر دائم إضافة إلى منح أعضائها امتيازات خاصة كتلك التي يحصل عليها الكتاب السوريون مثلا ,إضافة إلى إقرار نظام للتفرغ الإبداعي وغيرها من المطالب التي تقابل عادة بالوعود من قبل الدولة أو بالحلول الجزئية أو الآنية ، ولكن المشكلة الأساسية التي لم يركز عليها المشايخ كثيرا في أنه تسرب للرابطة العديد من الأسماء التي لا تملك رصيدا أدبيا ولا كتبا ، وتم قبولها لأٍسباب سياسية أو علاقاتية من أجل الانتخابات ، وهذ الورقة الضاغطة كثيرا ما تكون المفصل الضعيف في مسيرتها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى