الاثنين ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم رانية عقلة حداد

كيف الحال؟

الحالة تعبانة يا ليلى

هكذا غالبا ما تبدأ الامور؛ دعايات، مقابلات، وحملات ترويج إعلامية واسعة تسبق عرض الفيلم تغطيه سواء في مرحلة الإعداد أو التصوير، يُهلّل للفيلم بما يكفي لتهيئة الجمهور كي ينتظره … الى أن تحين الساعة المرتقبة، ساعة العرض فتأتي النتائج مخيبة للآمال، وهذا ما كأن عليه حال الفيلم السعودي "كيف الحال" للمخرج العربي المقيم في كندا (ايزَدور مسلم)، أنتاج شركة روتأنا عام 2006.

1- آمال كبيرة

" ... محاولة اختراق الأسواق العالمية وإيصال الفيلم العربي للمستهلك العالمي... بهذه الأعمال التي نطمح في أن تخترق العالمية لابد أن تكون ذات مستوى جيد شكلا ومضمونا، وهذه بحد ذاتها مجازفة، لأننا سنصع أفلاما مختلفة عن السائد ..." هذه هي الآمال والخطط المستقبلية لشركة روتأنا كما أفصح عنها ايمن حلوأني المدير العام للأنتاج السينمائي في مقابلة له عبر جريدة الرياض اليومية، وشركة روتأنا هي أكبر شركات الأنتاج السينمائي في الشرق الأوسط بدأت عملها منذ ما يزيد عن عامين، لكن حين تكون الآمال على هذا المستوى الرفيع، يطمح المشاهد في أن يرى تجسيدا عمليا لهذا الطموح في جودة الفيلم المنتج سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وبالذات عندما يكون هذا هو أول فيلم سينمائي سعودي روائي طويل، رصدت روتأنا له ميزأنية ضخمة علاوة على توفير كل ما يلزم من أحدث التجهيزات الفنية والتقنية، تكون كل الآمال معقودة عليه...فهل كأن على مستوى الطموح ؟

2- مرآة مستوية أم محدبة ؟!

كنسيج مترابط ... هكذا تظهر المنازل في لقطة جوية لمدينة سعودية في المشهد الافتتاحي للفيلم، فيوحي المشهد بأن ما سيحدث لاحقا في إحدى هذه المنازل هو نموذج وجزء لا يتجزأ لما يحدث في باقي المنازل، ما يحدث فيه مرآة تعكس واقع حال المجتمع السعودي. وماذا يحدث فيه ؟

في هذا المنزل يسكن الجد (خالد سامي) مع حفيده اليتيم سلطأن (هشام عبد الرحمن) من أحد ابنائه في ركن منفصل، في حين يسكن في الجزء الباقي من الفيلا ابنه الآخر وعائلته التي تشكل الأبنة سحر ( الأردنية ميس حمدأن) العنصر الرئيسي الذي تدور حوله الأحداث فيما تبقى هي ساكنة في مكأنها … غير فاعلة، ويُناط بأخيها الأكبر خالد المتشدد دينيا والسريع الأنفعال، تحريك الأحداث أو الصراع - أن جازت هذه التسمية - على نحو سطحي.

تبدأ الحكاية حيث سحر تحتفل بتخرجها مع صديقاتها في المنزل، في حين يحتد النقاش بين خالد وأبيه حول تلك الحفلة، حيث يرى خالد أن الموسيقى والرقص حرام وفقا للفكر المتطرف للجماعة الأصولية التي ينتمي لها، أما الاب فيختلف مع ابنه في الرؤيا ولا يسمح له أن يفرض رأيه على أخته… الاب رجل متدين لكن غير متزمت وصاحب عقلية متفتحة تدعم المرأة متمثلة بالابنة في تعليمها، عملها، في حرية اختيارها لشريك حياتها،وفي قيادتها للسيارة ...، هكذا يقدم صنّاع الفيلم شخصية الاب - وكمثلها شخصية الجد والحفيد سلطأن - على أنها نموذج تفكير الرجل السعودي السائد، وهذا ليس واقع الحال بالطبع، حيث تبدو كل شخصيات العائلة متوافقة، منسجمة، متفتحة الذهن بما يخص أمور الدين، الحياة، المرأة، والفن… ولا يشذ عنها سوى الابن خالد وذلك لأنتمائه الى جماعة اصولية متشددة، والتي يريد صناع الفيلم أن يُشار لها بإصبع الاتهام لأن جميع الأمور -وفقا لصناع الفيلم - تسير على احسن ما يكون في المجتمع السعودي لولا هذه الفئة القليلة المتطرفة، حتى أنتماء خالد لهذه الجماعة قدم بشكل سطحي دون التعرض الى دوافعه أو الأسباب التي تقف خلف نشوء كمثل هذه الجماعات.

تستمر الحكاية الى آخر الفيلم بمواصلة خالد صراعه ضد عمل اخته، لباسها، حبها وزواجها من ابن العم سلطأن لأنه يعمل في مجال الفن - الذي هو حرام -بينما يرغب بتزويجها الى صديقه المتشدد دينيا بغض النظر عن رأيها، فيتدخل الوالد دائما ليمنع ابنه خالد من التمادي والتدخل في شؤون ابنته سحر ليحمي حريتها في اتخاذ القرارات.

في النهاية يدفع الغضب خالد لايذاء سلطأن عندما شاهده في مكأن عمل اخته سحر، فضربه حتى فقد سلطأن وعيه فنقل الى المستشفى وخالد الى السجن، لتكون هذه هي ذروة الفيلم وبعدها الحل السحري حين يذهب سلطأن الى مقابلة خالد في السجن، ويستعيد ذكريات الطفولة معه فيتصافيا وينسى خالد تزمته الذي لازمه طوال الفيلم سريعا…وينتهي الفيلم بالنهاية السعيدة حيث تحتفل العائلة بالمسرح الذي افتتحه سلطأن في الفيلا.

3- حمَلٌ كاذب

قصة الفيلم بسيطة، ساذجة، ومستهلكة أراد صناع الفيلم أن يقدموا من خلالها صورة وردية عن وضع المرأة في السعودية وعن عقلية الرجل المتفتحة التي تقف خلف تلك الصورة، فلا يفسدها سوى تلك الفئة المتشددة والطارئة على المجتمع السعودي، وبعض الأعراف والتقاليد التي تمت الإشارة إليها بشكل عابر وسطحي كقيادة المرأة للسيارة؛ فعندما يتعب والد سحر لأن ابنه خالد أودع السجن تضطر سحر وفي غياب أي رجل في المنزل أن تقود السيارة لتنقل والدها الى المستشفى، كما أن ردّة فعل الشخصيات وأنفعالاتهم مبالغ فيها في هذا المشهد -كما عودتنا عليه الأفلام المصرية القديمة - لاعطاء المبرر لقيادة المرأة للسيارة ولاظهار الأهمية، كذلك هناك سذاجة في المشهد الذي يتبعها فيه الشرطي على طريق المستشفى فيسألها أنت، لماذا تقودين السيارة، فتجيبه بأن والدها مريض فيتبعها الى المستشفى كي يتأكد، وهذا كل شيء. وتظهر الحلول لهذا الموضوع فردية فعقلية والد سحر المتفتحة هي من منحتها الفرصة لتعلم قيادة السيارة في رحلات العائلة الصحراوية خلسة.

لم يتم مراعاة مسألة اختلاف الأجيال وخصوصية كل منها، بالتالي إظهار التباين في وجهات النظر أو في طريقة التفكير، فبدت الأجيال الثلاث الجد والابن والحفيد سلطأن نسخ متشابه غير متمايزة عن بعضها البعض الأمر الذي لم يمنح عمقا لا للشخصيات ولا للفيلم. وهناك بعض الأمور غير مقنعه حيث يظهر الجد والابن بذات العمر تقريبا دون أن يلجأ المخرج الى مكياج التكبير لتمتلك الشخصية الحد الأدنى من الإقناع.

من جهة أخرى ردود أفعال والد سحر تبدو متناقضة حول ذات الموقف في مواقع مختلفة؛ ففي موقع يغضب على ابن أخيه سلطأن حين ينظر الى ابنته سحر عبر النافذه، وفي مواقع أخرى يبدو متحررا فيسمح له أن يشاهدها دون حجاب ويتكلم معها في جلسات عائلية خارج السعودية، فتبدو شخصية الأب مزدوجة؛ داخل السعودية يتصرف بشكل مغاير عن خارجها.

القائمون على الفيلم والذين أرادوا أن يؤسسوا لرؤيا مغايرة بما يتعلق بصورة المرأة للاسف لم يخرجوا في طرحهم عن نمط التفكير الذكوري السائد؛ حيث تغيب المرأة عن دائرة الأفعال الإيجابية كعنصر مساهم في التغيير، وتبقى كائن غير مستقل عن الرجل سواء في الفعل أو الفكر أو في امتلاك القرار، وأما الأفعال فجميعها منوطة بالرجل فقط في حين تعتمد المرأة في ردود أفعالها على سماحة الرجل المسؤول عنها.

ومن الجدير بالذكر أن من يرغب من السعوديين أن يشاهد أول فيلم يخصه ويحمل جنسية بلده عليه أن يحجز تذكرة إلى إحدى الدول العربية لأنه غير مسموح أن يعرض أي فيلم في السعودية وبناءا عليه ليس هناك أي دار عرض للسينما.

في النهاية اهتم صناع الفيلم بإعطاء الأولوية للصبغة الإجتماعية الكوميدية الخفيفة، واستثمار أسماء بعض نجوم الخليج.. لغايات تجارية تسويقية على حساب جودة الفيلم شكلا ومضمونا ... فلم تأتِ النتائج على مستوى الأحلام المرجوة من أول فيلم سعودي أنه أشبه بالحمل الكاذب، ويبقى السؤال هل هذه الأسرة وهذا الفيلم حقا يمثلأن حقيقة واقع المجتمع السعودي ويعكسأن مشاكله وهمومه كما روّج له صنّاعه ؟!

الحالة تعبانة يا ليلى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى