الأحد ٨ أيار (مايو) ٢٠٢٢
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

لا تحضر لى زهوراً

لا تحضر لى زهوراً للكاتبة: بيجى دوفى

(إلى زوجتى فى عيد زواجنا الثالث والعشرين أهدى هذه الترجمة)

صدقته عندما أخبرنى أنه سعيد فى زواجه. كنا فى السرير معاً و قد تشابكت أذرعنا و سيقاننا، على حين هدأت العاطفة التى ساقتنا إلى هنا الآن. أميل إلى الصمت الحميم حتى لا أسمع سوى دقات قلبينا وراء جدار الصدر وهى تسبح فى الدفء الراقد بيننا.

هؤلاء الرجال يفضلون دائماً أن يتحدثوا وهم منقلبون على ظهورهم. و فى ذات الوقت يتحرقون لعبور هذه المساحة بالحديث، سحب جسده قليلا و حدق فى السقف:

 لم أفعل هذا من قبل أبدا.

قال لى ذلك وصدقته أيضاً.

كان ذا وجه مربع بأنف طويل رقيق بشكل لافت و شفاه ناعمة. قابلته منذ فترة قريبة فى مزاد لبيع المقتنيات الأثرية. كنت أقوم بالشراء لزبون، أما فهو فكان يتفحص الأثريات لنفسه. وجدنا أنفسنا جنباً إلى جنب نتأمل فازة فرنسية من البورسلين، كانت مستقرة على المنضدة أمامنا.

 جميلة!

قال ذلك وهو ينظر نحوى ويبتسم. صافحت عينيه الزرقاوين المتقدتين بصفاء مذهل وابتسمت أيضا. مشينا معاً، نفحص الزجاجيات و الفخاريات المعروضة، كنت أعلم أنه يمشى فقط من أجل أن يغازلنى. حددنا بعض الأشياء التى يمكن أن نأخذها. عرض على أن نشرب نبيذاً. رأيت وميض خاتم الزواج فى إصبعه الأيسر. بدت عيناه أكثر زرقة و لمعاناً، أما ضحكته فكانت دافئة وذات تأثير عميق، فقلت لم أر شيئاً يشدتى فى المزاد، ثم عرضت عليه أن نأخذ سيارة أجرة و نعود إلى المنزل.

 هل يروق لك أن أتصل بك فيما بعد ؟

سألنى ذلك، ثم أضاف:

 ربما أعود مرة أخرى.

كان يرتدى ملابسه و فى ذات الوقت يحاول أن يجعل صوته طبيعياً، كما لو كان يحدد موعداً مع طبيب أسنان أو سمسار فى البورصة.

بعد عدة أيام اتصل بى و قال:

 لم أستطع أن أتوقف عن التفكير فيك.

وصل خلال ساعة غذائه وهو يرتدى بدلة سوداء مقلمة و قميصا أبيض منشيا. عمره ثمان وثلاثون سنة وقد مضى على زواجه اثنتا عشرة سنة. لديه ولدان فى سنى الثامنة و السادسة، أخبرنى بكل هذه التفاصيل لاحقاً وذراعاه ملتفتان حولى وعيناه على السقف، لم أكن أهتم بأى شىء وراء غرفة النوم.

يسكن على بعد عشرة بنايات فقط من منزلى، فى بناية عادية وذات بواب مثل بنايتى تماماً.وهذا الأمر يقلقه.أخبرنى بهذا ذات ليلة. بينما زوجته فى اجتماع مدرسى و أطفاله مع المربية. لم يكن يشعر بالذنب، و لكن يريد أن يزيد.أحب مرور شفتيه على من أعلى إلى أسفل قبل أن يسمح لنفسه بالخروج. أجلس وراء النافذة وأنظر عبر طابقين إلى الشارع تحتى. أشاهده عبر الظلمة القريبة وهو يوقف سيارة أجرة، ولكنه بدلا من ذلك يمشى قاطعاً الشارع و يدخل محل الزهور، ثم يخرج و معه باقة زهور حمراء ملفوفة فى ورق سيلوفان أخضر، هؤلاء الرجال دائماً ما يشترون الأزهار للبيت.

يرانى كلما أراد.على حين لا يفسر لى أسباب غيابه. أسرع إلى التنزه فى أوقات الصباح لكى أقوم بأعمال التنسيق نهارا وأقضى احتياجاتى فى الليل. لكننى دائماً ما أكون هنا عندما يريدنى لأنه الشىء الوحيد الذى يسأل عنه. إنه عاشق قنوع، متشوق للسعادة و من السهل إرضائه و أنا لا أريد أكثر من هذا.

قال لى ذات ليلة:

 عندى مفاجأة لك ؟

استندت على إحدى مرفقى و منعته من رؤية للسقف. رقصت عيناه مثل تلميذ شقى. رفع سترته من فوق الأرض و أدخل يده داخل الجيب ثم أخرج دليل نزل ريفى وقدمه إلى. تقبلت ذلك الدليل فى تردد. فأوضح لى:

 أخذت دوريس الأطفال لزيارة والديها فى عطلة نهاية الأسبوع.

كانت هذه هى المرة الأولى خلال سته أشهر التى أسمع فيها اسم زوجته.

أخذنى فى السيارة المرسيدس الكريمى. وأومأ إلى البواب بالتحية. حمل حقيبتى و أسرع بى إلى السيارة. احمر وجهه، إما من البرد فى الخارج أو من الطاقة الكامنة فيه، لا أستطيع أن أقول ذلك. كان يقود السيارة كما لو كان صبيا مراهقا يقوم بأول موعد غرامى. أخذت الرحلة ثلاثة ساعات حتى وصلنا إلى هناك. أطول مدة قضيناها فى صحبة بعضها البعض. ارتفعت حرارة السيارة حيث كنا فى منتصف النهار، خلعت معطفى ورميته فوق المقعد. امتدت يده اليمنى و ربت على فخذى بإلحاح كما لو كنا لن نفعل ذلك فى الفندق.

مكان مريح بمدفئة ضخمة فى الداخل و مائدة طعام عامة، نغادر حجرتنا فقط من أجل تناول وجبات الطعام: لمالكى الفندق شعر أبيض و وجهان لطيفان حيث تزوجا منذ خمسة وثلاثين عاما، وقد افتخرا بذلك ذات ليلة على العشاء. تبادلا نظرات متفق عليها عندما عدنا إلى غرفتنا و بعد العشاء. قالا لزوجين آخرين كانا على السفرة معنا لابد أننا متزوجان حديثاً.

قال:

 لقد كانت هذه أفضل إجازة فى حياتى. ليس هناك من أحد مثلك.

نظر إلى كما لو كان لم ينظر إلى أبداً من قبل. كان ثمة شىء كالسحب الداكنة فى عينيه.

 أتشعرين بالبرد؟

سألنى ثم سحبنى إليه بارتجاف، كانت عيناه هادئتين ومشبعتين ببخار رجل غرق فى الحب

 لم تفعل درويس هذا معى أبداً.

اشتكى من عدة أسابيع و هو ينام عارياً فى سريرى، بينما أدعك أنا قدميه وأطقطق أصابعه فى لطف. ثم أضاف:

 مشغولة دائماً بأنشطة مدرستها الداخلية، ولجنة البناء فهى المسئولة عن هذه اللجنة أيضاً.

نقلت يدى ببطء من قدميه إلى سمانتى ساقيه ثم إلى فخذيه، فتأوه فى رفق، ثم قال فيما بعد أن درويس تتحدث عن إنجاب طفل آخر.

 قالت أننا نزداد تباعدا وتعتقد أن الطفل سيجعلنا أقرب

اعترف لى من أسبوع وهو يلف نفسه حولى:

 لا أستطيع أن أنام معها على أى نحو.

شعرت بأننى صغيرة و ضائعة بين ذراعيه الواسعتين، همس:

أحبك.

ثمة جزء منى رغب أن يصدقه، قبلت شفتيه لكى أسكتهما، فأساء الفهم.

مارسنا الجنس مرة ثانية كنوع من الاستماتة بالحب، ودون أن ينبس بكلمة، ارتدى ملابسه، كانت سترته مجعدة، و انتشرت فى شعره خطوط بيضاء، قال:

 أنا ذاهب لأقول لها.

اقترحت عليه:

 لماذا لا تشترى لها زهوراً. سوف يجعلك ذلك تشعر بالتحسن.
بعد بضعة أيام رن جرس التليفون. قوبلت بالصمت عندما أجبت. فكررت:

مرحباً!

كنت على وشك أن أغلق الخط:

 كنت فقط أريد سماع صوتك.

كانت كلماتها متلعثمة، ومرتجفة قليلا، صوت امرأة سكرانة أو كانت تبكي لعدة أيام.

 هل تعلمين أن له زوجة وطفلتان ؟

جاءت الكلمات هذه المرة أسرع و كانت على وشك أن تفقد السيطرة على نفسها إلا أنها أضافت:

 أنا لا أستجديك كما تعلمين ؟ أمنحك حرية الاختيار. إما أنت و إما أنا؟

صفعت السماعة كما لو كانت قد قدمت إنذارها الأخير. ظل صدى صوتها فى أذنى لفترة طويلة بعد أن أغلقت الخط. قبضت على السماعة بقوة قبل أن أضعها فى مكانها.

من نافذة غرفة نومى، يمر منعكساً فى الزجاج المتموج تيار لا ينتهى من سيارات الأجرة و الحافلات بين محل الزهور و مكانى حيث أقف فى الدور الثانى أعلى الشارع. يخرج رجل أنيق فى بدلة سوداء ورابطة عنق وباقة زهور ضخمة فى يده، أغلق عينى و أتخيل للحظة لو أمكن أن يهدينى وردة واحدة. وعندما فتحتهما، كان قد ذهب.

المؤلفة: بيجى دوفى، كاتبة أمريكية; تعيش في ولاية فرجينيا، خارج واشنطن العاصمة. نشرت أول قصة قصيرة لها في ربيع عام 2000، تكاد تقتصر فى إبداعها على كتابة القصة القصيرة، نشرت قصصها فى العديد من الدوريات الاكترونية والمطبوعة. وهذه القصة التى نترجمها اليوم منشورة فى مجلة Able Muse، ربيع عام 2000.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى