الثلاثاء ٢٣ آب (أغسطس) ٢٠١٦
جولة أدبية (13)
بقلم فاروق مواسي

لو كل كلب عوى

س- هل لك أن تذكر لنا معنى هذا البيت، ومن هو قائله، وما هو إعراب (مثقالاً) فيه:

لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا
لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

ج_
الشاعر يعبّر إيحاء عن كثرة أعدائه المتربصين به، وهو لا يرى أن من الضروري أن يردّ عليهم، فهو يشبّههم بالكلاب، ويصف هجماتهم بأنها العُواء، فلو أراد أن يردّ على كل عواء لما بقي من الحجارة (التي نطرد بها الكلاب) إلا القليل الأقلّ، وبهذا يرتفع سعر الصخر أو الحجر- حسب قانون العرْض والطلب.
في هذا يقارب شاعرًا آخر في المعنى إذ يقول:

لقد جلّ قدر الكلب إن كان كلما
عوى وأطال النبح ألقمته الحجر

ورد هذا البيت في شعر علي الغراب الصفاقسي (تونسي ت. 1767)- ، وقد ذُكر ذلك في الموسوعة الشعرية، وفي ديوان الشاعر.

لكن القائل يبقى مجهولاً إذا ما علمنا أن (الفارسكوري) قبله استشهد بالبيت، حيث يصف من صاغه أنه "حاذق في نظمه داري"، وإليك بيان ذلك:

يقول السخاوي (ت. 1497 م)- صاحب كتاب (الضوء اللامع) ج10 ص325:

الفارسكوري:

هو يوسف بن علي الفارسكوري الشافعي. أصله من فارسكور، فانتقل به أبوه إلى القاهرة، في سنة تسعين وسبعمائة تقريباً أو قبلها، وقرأ بها القرآن، ثم تحول إلى فارسكور، وكنت ممن كتب عنه بفارسكور، وكانت عُدمت عينه، فرأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه فلمسها بيده الشريفة فصحّت.
ومما كتبته عنه قوله:

كم من لئيم مشى بالزور ينقله
لا يتقي الله لا يخشى من العار
يود لو أنه للمرء يهلكه
ولم ينله سوى إثم وأوزار
فإن سمعت كلامًا فيك جاوزه
وخل قائله في غيه ساري
فما تبالي السما يومًا إذا نبحت
كل الكلاب وحق الواحد الباري
وقد وقعت ببيت نظمه درر
قد صاغه حاذق في نظمه داري
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

إذن فالبيت قديم جرى مجرى المثل، وهو ليس للصفاقسي الذي ذكر البيتين:

ما بقبق الكوز إلا من تألمه
يشكو من الماء ما يشكو من النار
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا
لأصبح الصخر مثقالٌ بدينار

وجولة نحْوية:

اختلاف في إعراب (مثقال)

أ- النصب- مثقالاً

قد يكون (الصخر) هنا مجازًا مرسلاً علاقته الكلية؛ بمعنى أن نستعمل الكل ونقصد الجزء (الذي هو الحجر الصغير جدًا)،
فعندها نفهم أن الحجر الصغير أصبح مثقالا، ونعرب اللفظة خبر أصبح منصوبًا، ويكون شبه الجملة نعتًا لمثقال.

ولا ضرورة لتعمّل البحث عن المعنى بالتساؤل عن الوزن وكيف يكون ذلك في الإعراب، ففي قوله تعالى:
ومن يعمل مثقال ذرة....، نعرب (مثقال) مفعولاً به، فهل نحن نقوم بعمل المثقال؟

*ويمكن تأويل مضاف محذوف= لأصبح ثمن الصخر مثقالاً (منه) بدينار، وعندها يظل الإعراب خبر أصبح.

* قد تكون (أصبح ) تامة، وعندها تكون (مثقالاً) حالاً، على غرار (باع أرضه مترًا بألف دولار)، والمقصود مترًا منها.

ب- الرفع- مثقالٌ:

أفضّل قراءة اللفظة بالرفع- - مثقالٌ (وقد لاحظنا أن رواية الصفاقسي بالرفع).
أما الذي يسأل عن إمكان الابتداء بالنكرة هنا فالجواب هو:

ورد في شواهد النحو، وفي باب الابتداء بالنكرة: "السمن مَنَوان بدرهم"، أي منوان منه، أي من السمن.
فـ (مثقال) هي مبتدأ، ويكون شبه الجملة خبرًا عن "مثقال".

ومن له اجتهاد مدروس فلا يضنّ!


مشاركة منتدى

  • د. صالح أزوكاي
    قول في توجيه نصب "مثقالا" في قول الشاعر:
    لو كل كلبٍ عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصُخر مثقالاً بدينار
    البيت ورد ضمن مقطعة شعرية في أقدم مصدر ـ حسب علمي ـ في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لمحمد شمس الدين السخاوي المتوفى 902 هـ في ترجمة يوسف بن علي الفارسكوري؛ وجاء فيه "مثقالا" منصوبا، ثم اطرد نصبه في غير ما كتاب، وتدوول على ألسنة علماء أجلاء، تلقيناه منهم منصوبا، هم القدوة في التضلع في العربية، بل عهدنا فيهم غيرة شديدة على صفاء اللسان العربي من أن يصيبه اللحن؛
    وموجب إثارة المسألة ما لمسناه من ميل بعض الباحثين ـ مرجحا ـ إلى تغليب الرفع: "مثقال" ـ ورأيهم مقدر ـ على أساس كون "مثقال" خبرا، و"الصخر" مبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب خبر أصبح الناسخة، حملا على قولهم: "السمن منوان بدرهم"، وهو رأي سديد ولا شك من حيث السلامة النحوية، لكن الظاهر ـ والله أعلم ـ أن الرفع هو بسبب تدخل الرواة المصححين حتى يستقيم الرفع مع القاعدة المستقرة في الذهن كما هو الشأن في كثير من النصوص التي تدخل الرواة في تصحيحها حتى لا تخالف القاعدة المطردة عندهم، فقد ذكر خلف الأحمر أنه "كانت الرواة قديما تصلح أشعار الأوائل" (العمدة ص192).
    لكن الإشكال الذي يواجه الباحث هو أن يكون البيت قد تواترت روايته بالنصب، سواء في أمهات المصادر، ثم على ألسنة جلة من فقهاء اللسان العربي، ووجه الإشكال هنا: كيف يقبل تداول الخطإ ويشيع إن صح أن الصحيح هو الرفع؟ فهل خانت الملكة أولئك العلماء على جلال علمهم، وهل انطلى عليهم ما بان وانجلى لغيرهم؟؟
    ورأيي في المسألة بعد تأمل وإجالة النظر، وبعد استشارة جلة من فقهاء اللسان العربي، وفي الصدارة زميلنا الكريم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بودرع حفظه الله،
    1) لا وجه لمن اتجه وجهة التقدير والتأويل في النصب "مثقالا"، إما بعدِّ فعل "أصبح" تاما، و"مثقالا" حالا، وهو تخريج مردود عليه، لأن "المثقال اسم جامد يدل على ذات لا على صفة"؛ فضلا عن أن "أصبح" في السياق على الصيرورة بمعنى "صار"؛
    وإما بعد "الصخر" مجازا مرسلا علاقته الكلية، فيكون التقدير أن "الصخر" وهو كل صار "مثقالا" وهو جزء،
    وإما بعد "الصخر" مضافا إليه، ومضافه محذوف وهو "ثمن"، والتقدير "أصبح ثمن الصخر مثقالاً (منه) بدينار". لكن هذا التخريج بأوجهه الثلاثة فيها من التمحل والتعسف ما فيه.
    2) والوجه الذي أميل إليه أن النصب يُوجَّه نحو التوهم، على أساس أن "مثقالاً" "منصوبة على توهم الخبر لقوة ورود المكان منصوباً" ؛ وطالما وُجهت أخطاء الشعراء نحو الصواب توهما، إما بالرجوع إلى الأصل أو الحمل على النظير والخلود إلى الطبع، وهو ما يسميه الدكتور تمام حسان بــ "الصوغ القياسي"( اللغة بين المعيارية والوصفية : 31) ؛ وهو المقابل للمصطلح الأجنبي : Analogic creation؛ وهو "المسؤول عن معظم ما يشيع من أخطاء، فالمتكلم حينما يقوم بهذه العملية الذهنية في قياس لفظة على أخرى…ليطابق لغة بيئته قد يخطئ في هذه العملية…فتنتج صورة جديدة مخالفة للصورة التي أراد محاكاتها، ويظنها صحيحة. فإذا كتبت لهذه الصورة الجديدة الحياة بتكرارها، فإنها عندئذ تصبح كلمة جديدة…في اللغة". وواضح أن عموم "الأخطاء التي يأخذها النحاة على العرب يرجع إلى الخطإ في الصوغ القياسي، وهو ما يسمى بالتوهم"( يراجع الضرورة الشعرية في النحو العربي : 108)؛
    3) والتوهم مخرج لكثير من الظواهر التي تبدو في ظاهرها مخالفة للقاعدة، لكنها موجهة إلى الصواب في التقدير، وقد تكون لها وظيفة جمالية شعريا، ومن الباب "الحمل على المعنى…كتأنيث المذكر، وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، فمن تذكير المؤنث قوله: (…ولا أرض أبقل إبقالها)، ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان…وعليه قول الحطيئة: (ثلاثة أنفس)، ذهب بالنفس إلى الإنسان فذكر"( الخصائص : 2/411-412)؛ وعليه قوله :
    أتهجر بيتا بالحجاز تلفَّعتْ *** به الخوف والأعداء من كل جانب
    "ذهب بالخوف إلى المخالفة"؛ وعليه ما نقله أبو عمرو، وقد استغرب من رجل يماني قوله: "جاءته كتابي"، فأجابه اليماني: "أليس بصحيفـة؟"( الأشباه والنظائر : 2/104).
    4) ومن نماذج تخريج توهم الشاعر مخرج الصواب حملا على النظير حمل الشاعر في التصوير البياني مخلب الكلب على مخلب السنور توهما في قول أبي نواس وهو من هو:
    كأنما الأظفور من قنابـه *** موسى صناع رد في نصابـه
    "لأنه ظـن أن مخلب الكلب كمخلب الأسد والسنور.. وعند حاجتهما تخرج المخالب.. والكلب مبسوط اليد أيضا"(الموشح ص422)، والمقنـب ـ كالقناب : مخلب الأسد.
    والله أعلم
    ولمزيد بيان وتوسع يراجع كتاب: مصطلحات التخطئة الشعرية، لعبد ربه بدءا من ص

  • ما معني السمن منوان ب الدرهم

  • بعد التحية،،،،

    هلا نشرتم القصيدة كاملة .

  • ولو أن كل كلب عوي القمته حجرا
    لأصبح الصخر مثقالا بدينار

  • المعتمد بن عباد ملك من ملوك الطوائف هو قائل البيت :
    لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا
    لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

  • هذا بيت الشعر خطاء عند العرب الكلب ينبح ولا يعوى

  • ويح نفسي يا استاذ الاساتذه الحامل الم السنين في لحظة التسكين بل بالرفع في كل حين..فيا الهي اعني.

  • لله درك يا محمود : قلت فاحسنت القول...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى