السبت ١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم علي دهيني

ليس الدِّين عائقاً..؟!

من الخمول الثقافي الذي قد نكون عناصره أو وقوده او صنّاعه، هو أننا لم نستفد فعلاً من مناهلنا الثقافية وروافدنا الأدبية، أكانت عقائدية أم غيرها، ونجعلها في مبانٍ فكرية حضارية تخاطب الإنسان وتحاكي فهمه، دفعاً للتقدم وليس قهقرى الى الوراء، المشكلة تكمن في أننا لم نعرف أو لم ندعُ أنفسنا الى الخروج من دائرة القراءة في الكتاب الواحد، المنحى الواحد، الاتجاه الواحد، ولا أعني بالكتاب الواحد الإسم، إنما قصدت المضمون.

إذا كان الانفتاح على الآخر، التخلص من عقد النقص والتحلل من الجمود في العبارة، فهذا لا يعني ان نستغرق في البوهيمية وتسطير كل المفردات غير المتجانسة بذريعة الالتقاء مع الآخر في الإبداع.

فمنذ أيام قرأت ملخصات منقولة من حوار مع الشاعر العربي أدونيس نشرت كمقابلة في جريدة السفير 5/3/2008 تحدث فيها الشاعر عن رؤيته المفاهيمية، ولكن بلسان العربي المتغرّب بقدر ما يوحي فهماً ونتاجاً، بانه عربي متأصل، يسعى ألى توليد عقلية عربية ناهضة باضطراد نحو التقليد أكثر منها نحو الإبداع.

وليُسمح لنا أن نقول أن ليس كل فرنجي برنجي وشهادة رأي وبصر واحد، ليست بالضرورة هي عين الصواب، إنها مجرد رأي وتعبير عن رؤيا. قد يكون محقاً في بعض ما يقول )أدونيس( حين يشير الى أن المعارضة لا تقوم لمجرد حرب على النظام، يجب أن يكون لديها مشروع مدني هو محق تماماً في أن يرفض العبثية أو رؤية جانب واحد من الشمس، لأن الشمس كلية. ولكن ما لم نفهمه تماما لماذا نريد من الفردية أن تطغى في جانب ونرفض الجماعة اللازمة للبناء بجهد متراص متكامل.

فمثلاً، يقول بفصل الدين فصلاً كاملاً عن السياسة في جميع المستويات. لا معنى لأي مشروع للمعارضة دون هذا. بدون مشروع كهذا تقلّص المعارضة الصراع إلى السياسة فقط، لأنه يعتبر أن حصر المعارضة في الوجه السياسي إجهاض لمشروعها لأنه يعتبر خدمة للنظام. ثم لا يمكن لمعارضة أن تتحالف مع قوى دينية، علماً أنني لست ضد الدين بوصفه معتقداً فردياً، ولكن من حق الفرد أيضاً أن لا يؤمن، فحرية اللاّ إيمان مقدسة كحرية الإيمان؟؟ .. نرى أنه من الأصوب أن ندعو الى الحوار واللاّعنف، وممارسة الحياة الفكرية بروح مسؤولة بعيدة عن العنف وعدم التصادم مع الأنظمة كأنظمة، بالقوة وبغير الحوار والمنطق، لا أن ندعو الى التخلي عن العقائد أو نطالبها بالانكفاء عن تحمل مسؤولياتها في بناء المجتمع.

هنا ياخذنا أدونيس، مثل كثيرين من مثقفينا الذين لم يجدوا في أوطانهم العربية متكأ لهم )وهذا للأسف يحز في نفوسنا كثيراً( فلجأوا إلى بلاد أخرى نشداً للحرية، لكن هذا الخروج من الوطن بدأ يُظهر، أيضاً، خروجا من الثقافة، وبدل أن نسعى للتطوير، الذي هو أنشودة العقول المخلصة للثقافة الأم، وجدنا أنه أصبح داعية لثقافة المهجر.

إن احتضان المبدا في الضمير البشري، يجب أن يخلق حالة من الإندماج الروحي والفكري لتوليد عقل جَمعي يستنهض الصمت الفردي من توليد الفكرة وتحويلها الى أداة تكامل مع الآخر. وهذا ما تفعله الثقافات العقائدية لأنها رؤيوية في البعد الإجتماعي والمجتمعي، وليس نزعوية في الانفصام الفردي. إن الحالة الفردية هي الاستقلال في الجنون لتميز العقل في عدم قدرته على التواصل مع الآخر، أما العقائدية، فهي لغة العقل الجَمعي وليس الفردي. والأجدر ان يكون اللاّدين هو الحالة الفردية وليس العكس. وأي نظام يتمتع بكمال الرؤيا المنبثقة من مصلحة المجتمع ومكوناته الثقافية وتنتمي الى تراثه الصحيح الفكري والأدبي، هو نظام يتشكل ويقوم على مصلحة ومقتضى الجماعة التي شكلها المرجع العقائدي المنتمي وليس العبثي، لأن العبثية تقود الى الفوضى. وبالتالي كل أيديولوجية لا تقوم على مبادىء كلية هي أيديولوجية تنتهي الى العبثية.

وبدل أن نسعى إلى تحجيم الأمكنة على قياس رؤيتنا بكثير من النرجسية الى حد القدسية ونرى العدمية في كل رؤيا الآخرين، ونعمم التيئيس، ونقلل من قيمة الذات الثقافية في مقابل إعلاء شان ثقافة الآخر، إنما نكون نسعى الى تغيير ثقافي لا تطوير نستلهم قواعده من مقوماتنا الثقافية، وهو بالتالي يريد إبقاء الحال على ما هو عليه، فقط لأن النرجسية تحتم أن يكون القرار في رؤيتنا المقدسة.

محق أدونيس تماما عندما يتحدث عن الحرية وحاجتها لإطلاق الفكر كي يتمكن من التوليد والبناء، ويعطي مثلاً حيث يقيم مهاجراً في باريس، ) جسدياً على ما يبدو وفكرياً مع احترامنا له كشخصية عربية، برغم بعض مواقف الإنتماء العربي التي بدا أنه ساقها يوماً على سبيل تحقيق شخصيته وليس مناهل ثقافته حين رفض دعوة للجزائر السنة الماضية بحجة أنها ليست دولة ذات جذور عربية!! وهو اليوم يطالب اتحاد الكتاب العرب باعتذار علني له( فيقول هناك حيث السلطة جزء من حياة البشر لا فوقهم. جزء من حياتهم اليومية، ويناقشونها كما يناقشون الرغيف والكتابة والمقالة. السياسة جزء من الثقافة، بعكس ما لدينا حيث الثقافة جزء من السياسة، الأمر الذي يقتل السياسة والثقافة معاً، ليس هناك سوى التسلط والقهر والهيمنة في الحياة العربية. حيث السلطة غاية عليا، وكل شيء، بدون استثناء، في سبيلها.

وهنا يتوجب عليه فتح النقاش والحوار المباشر من الداخل وليس رمياً من وعبر الخارج.

ومن قبل، جرى نقاش يقارب هذا النقاش ولكن بصورة مختلفة حين زار محمود درويش حيفا لأجل أمسية شعرية بدت غير مشوبة من الناحية الإنسانية، لكن توقيتها وظرفها جعلاها موضع تساؤل، وبدت كأنها مكافأة على تصريح سياسي أدلى به.

من حق المفكر وصاحب الرؤيا أن يبدي ما يشاء ويطرح للنقاش ما يشاء، لكن ليس على قاعدة تقديم ما عندي على حساب ما عندك، وليس أن أدعو إلى اللاّدين من خلال انتزاع انتمائك العقائدي والديني.

في المجالات الثقافية لا بد أن هناك إهمالاً كبيراً في مرافقنا الثقافية ومعالمنا التراثية التي يجب ان تنال حظوتها من الإلتفات بعين الإهتمام والرعاية، وهذا نؤيد فيه أدونيس وغيره من الداعين الى مثل هذا التحفيزر، إذ لطالما شكل التراث في حياة الأمم منارات تسهم في التعبير عن حضارتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى