الخميس ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم صباح الشرقي

ماذا نعرف

عن السوق العالمية لتجارة اللحوم البشرية ؟؟؟

ها هو العالم يحتفل بالسنة 200 لإلغاء تجارة الرق عبر الأطلسي إلا أن أسئلة وأصوات كثيرة أطلقت ومازالت مصحوبة بصرخات تحذير مدوية تنذر بالخطر المحدق ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين الذي بدأ يعد سنوات عمره المديد. إن التجارة بالبشر طفت بجنونها وعظمتها على السطح بشتى جوانبها المتعددة، ظاهرة أصبحت قضية مجتمعات بأكملها تهدد بلدان المعمور بسبب إساءتها المباشرة لحقوق الفرد ولارتباطها بالجريمة المنظمة وتهديدها للأمن القومي، إذا تعتبر وبكل بساطة مؤشرا رئيسيا في انتشار الجريمة والمخدرات والسلاح والأمراض المعدية القاتلة.

إن بروز الظواهر المختلفة التي تسبب العوائق الاجتماعية المتعددة وراءه الإهمال وضعف الوعي بخلفيات عدة مشاكل، وعدم أخذها بعين الاعتبار والتركيز على إنفاق الثروات وبلايين الدولارات على الحروب والنزاعات والتسلح، إلا انه كان الأجدر أن يصرف ولو جزء بسيط من هذه الأموال على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان وتوطيد الحلول والدراسات للأسباب الرئيسية التي تفضي لعدة ظواهر اجتماعية أكثر فتكا من الحروب.

إن ظاهرة المتاجرة بالبشر وما يتوارى خلفها وكل ما تخبئه من أسرار وحقائق كالفقر والجوع والأمية وانعدام الأمن وعدم الاطمئنان داخل الأوطان تجعل المواطنين بل الشباب منهم طعما سهلا بل لذيذا في أيدي المنظمات الإجرامية الدولية التي لا تتهاون في المتاجرة بهم فيشهدونالاستعباد والهوان والموت بألوانه الزاهية بلا هوادة ولا رحمة.

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي السادس حول المتاجرة بالبشر بتاريخ 12/6/2007 الذي غطى الفترة ما بين ابريل 2006 إلى مارس 2007 والذي يسرد أحداث مؤلمة ومخجلة في حياة الإنسانية جمعاء عن معاناةالبشر الأطفال، والنساء والشابات اليافعات في عمر الزهور جراء الرق المعاصر الحديث والذي لا يوجد أي بلد محصن ضده هذه الظاهرة التي تعرب ككل سنة عن 800 ألف طفل ورجل وامرأة عابرة للحدود الدولية الأمريكية وهذا لا يشمل الملايين الذي تجري المتاجرة بهم داخل بلدانهم الأصلية من اجل عمل قسري أو تقليدي، إذ 80% من تلك النسبةتشمل النساء والأطفال و50% قاصرات، هذا المسح طبقا لدراسة أمريكية انتهت سنة 2006 (1).

إذا كانت تلك الإحصاءاتتقر للعالم وبكل وضوح عن مدى قوة وخطورة الظاهرة بل إذا كان لها معنى... فالمعنى أن المتاجرة باللحوم البشرية في البلدان النامية والفقيرة يرتبط ارتباطا بالحالة الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمجتمعات وقد تكون مراهنة غالبا ما يدفع الأجيال الثمن باهظا يكلف الكثير منهم حياتهم.

ما هي التجارة بالبشر؟

كل تجنيد، أو نقل، أو إيواء، أو استقبال، أو تسهيل للأفراد عمدا أو بالقوة أو التزوير أو الإكراه أو الاختطاف أو سوء المعاملة أو الشطط في استعمال السلطة أو استغلال ضعف الفرد يعتبر تجارة بالبشر.

من المبكيات أن تجري هذه التجارة المهينة داخل بلدان الضحايا والتي تسهل وتساعد وتدعم هذه الظاهرة من خلال عناصر إجرامية وصعوبات اقتصادية وحكومات فاسدة واضطرا بات سياسية وكوارث ونزاعات مسلحة وحروب، فإذا كانت الدول خصوصا العربية تفتخر باقتناء صفقاتآخر ما صدر في عالم تكنولوجيا الأسلحة والمعدات الحربيةقد تكون حققت ربع الصورة على أكثر تقدير والصورة الحقيقية الإنسانية والاجتماعية تظل عالقة وهذا ما أكدته النتائج المهولة للمسح العالمي الذي أعدته وكالة (إلو) التابعة للأمم المتحدةالموكل لها علاج ومتابعة هذا الملف والتي تقدر حاليا أي خلال سنة 2007 أن هناك حوالي 12.3 مليون فرد يعملون بصورة قسريه ضمنهم أطفال ما بين 4 إلى 23 مليون شخص في العالم يتعرضون للاسترقاق الجنسي في أي وقت من الأوقات (2) أرقام مهولة ومخيفة أليس كذلك؟

أسباب هذه الظاهرة

أهم أسباب انتشار هذه الآفة المعقدة التي تعتدي على إنسانية الإنسان هي الأرباح المغرضة التي تجنى من قبل هذا النوع من التداول، إذ تمول المنظمات الإجرامية الدولية وتقوي الفساد الحكومي للدول وتقوض سياسة وسيادة القانون في حق المبدأ والممارسة.

سياسة الحكومات التي تتساهل مع هذا المشكل سواء على صعيد التجار المجرمين أو الضحايا عوض وضع خطوط عريضة واقتراحات جادة وقوانين صارمة لمحاربتها بل تتركها على هامش المنسيات كجل المشاكل الأخرى التي هي دائما على غير ذي بال حتى تفوح رائحتها النتنة.

الطلب المتزايد على العمالة الرخيصة والغير شرعية ولو كانت معرضة للأخطار

الطلب المتزايد على العمالة الأجنبية حتى ولو كانت شرعية غالبا تكون نوايا أرباب العمل غير سليمة فبمجر التحاق العمال بوظائفهم يسيئون تطبيق عقود العمل فيتجلى الاستعباد بوضوح.

عدم وجود قوانين ونصوص صارمة ضد هذا النوع من التجارة وأخرى من اجل حماية الضحايا عوض معاقبتهم و للأسف الشديد هناك العديد من القوانين ظلت على شكل مسودات في رفوف مكاتب المسئولينحتى طال ها غبار النسيان ولم ترى النور أبدا.

عدم وجود تواصل ومسئوليات مشتركةوتنسيقدائممع دول العبور والدول التي تشكل المقصد.

عدم وجود جهود عالية لمحاربة جذور البغاء الذي هو منبع هذه الآفة وبناءا على المبدأ القائل انه أفضل طريقة لمحاربة الوباء هو التركيز على الزبائن والضحايا على حد سواء.

عدم مصادرة وحجز الأموال وعائدات هذه التجارة وتوظيفها في مشاريع اقتصادية تضمن مناصب شغل داخل البلد.

عدم وجود آليات وأدوات التنظيم والتفتيش والتدريب والمتابعة لوضع حد لهذه لتجارة.

تحتل تجارة الرق المرتبة الثالثة في مصادر دخل الجريمة المنظمة بعد تجارتي السلاح والمخدرات وحسب تقرير الأمم المتحدة تولد وتدر هذهالتجارة أكثر من 9.5 مليار دولار سنويا كأرباح وبهذا تشكل احد المشاريع الأكثر ربحا والمتصلة كذلك بتبييض الأموال وتجارة المخدرات والسلاح وتزوير الوثائق وصلتها المباشرة مع الإرهاب، وكل بلد تزدهر فيه هذه الأنواعتكون حكومته وسيادة قانونه فاسدة وضعيفة.

أضرار تجارة الرق
يجبر ضحايا هذه التجارة للخدمة الغير طوعيه
يتعرضون للضغوط وللإساءة الجسدية والنفسية والكلامية
يتعرضون للاستغلال من خلال العمل الغير مدفوع الأجر
يجبرون على تناول المخدرات وعقاقير الهلوسة
يقاسون من أعمال العنف ضدهم التي تؤذي حياتهم
يتعرضون للأمراض الفتاكة كالإيدز
يتعرض الأطفال والفتيات للاغتصاب والاستغلال الجنسي التجاري

إن عالم التكنولوجيات والانترنيت أصبح يسهل الإباحة والسياحة الجنسية إذ أصبحا من أهم الصناعة العالمية والتي لها اثر سلبي على الأفراد وأسواقالعمل العالمية و اقتصاد الدول و تسبب خسارة فادحة في الموارد البشرية وانخفاض الأجور والثقافة وتكرس خلفها الفقر والأمية التي تحد من التنمية الوطنية والبشرية على حد سواء.

يشمل الاستغلال الجنسي والجسدي صورة نموذجية للإساءة ضمن صناعة الجنس التجاريةمن خلال إجبار الضحايا على ممارسة العمل في أماكن مشبوهة، كالدعارة والتجنيد والجريمة والصراعات المسلحة وعلى تعاطي الإدمان بشتى أنواعه والانحلال الأخلاقي فيحصدوا بالمقابل الأذى النفسي والجسدي والجنسي والأمراض الفتاكة والألمجراء بعدهم عن دويهم وأوطانهم وكل ما سبق ذكره يعرضهم للضياع علاوة على الأمراض كالإيدز التي تسببه الدعارة الجنسية وحقن المخدرات فيستعبدون ويستغلون ويباعون كالحمام في سوق عالمية ثم يعاد بيعهم لمرات متتالية فتشل قدراتهم الذهنية المغلولة أصلا وتصبح عملية إدماجهم وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا في المجتمع من مستحيل المستحيلات.

ككل سنة يستغل 2 مليون طفل في تجارة الجنس عبر العالم،سلوك مخزي وهجوم ظالم على كرامةالأطفال الأبرياء يترك ورائه جرحا مدمرا قد يطول وقد يكون هلاكا إذا أصاب بعضهم مرض فتاك، لقد حرمت جميع الشرائع والقوانين الأرضية منها الأمريكية وبرتوكول الأمم المتحدة هذه التجارة. ففي أمريكا أصدرت الحكومة قانونا لحماية ضحايا هذه الظاهرةيعرف بقانون (بروتكت) الذييجعل العقوبة تصل مابين 20و30 سنةللحد من تعاطي الجنس السياحي مع الأطفال لكن أين هو القانون الساري المفعول في دولنا العربية والإسلامية؟. لا يمكن لهذه التجارة أن تزدهر أو تنمو عبر العالم لولا اتساع رقعة الطلب على الجنس التجاري للأطفال الذي يغذي الجريمة في أزهى صورها ويغذي كذلك الفساد من خلال تسهيل وتوفير مثل هذهالتجارة للسياح بجميع أنواعهم بدءا من أطفالهم كم نسمع ونقرأ ونلمس يوميا من جرائم اغتصاب المحارم خصوصا داخل مجتمعات إسلامية؟ والذين يبحثون عنها عمدا دون كلل أو تردد.

نجد كذلك أطفال وفتيات جنود وعبيد الجنس في مناطق النزاع المسلح أبرياء محتجزون في ظروف شبه بأوضاع العبيد وتقدر منظمة اليونيسيف من خلال مسح لها انه أكثر من300 ألفشخص دون 18 سنة يجري استغلالهم حاليا في أكثر من 30 نزاع مسلح عبر العالم معضمهم بين 15 و 18 سنة إلا أن بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 7 أو 8 سنوات (4) ا. يشتغلون كمقاتلين، ويجبرون على العمل كخدام وحراس وطهاة ومراسلين وجواسيس أما الفتيات فمهمتهن سرير مضاجعة المحاربين مباشرة وولادة السفاحين.

إن ظاهرة تجنيد الأطفال أصبحت كذلك عالمية وجد حرجة أثبتت وجودها بشكل خاص وقوي في أسيا وإفريقيا لكن هذا لا يستثني الدول الأمريكية والشرق الأوسط الذي يستخدمان كذلك الأطفال في مناطق النزاع. فالطفل الذي يجبر على العمل ألقسري سواء في بلده أو خارجها يعتبر ضحية لهذه التجارة.

وفقا للمؤتمر العالمي المناهض للاستغلال الجنسي التجاري أكد أن نسبة 50 و90 طفل منالذين أنقدوا من بيوت الدعارة في جنوب شرق أسيا مصابون بفيروس الإيدز(5).

وحسب مسح للأمم المتحدة لسنة 2005 أن 42 مليون شخص عبر العالم حامل فيروس الإيدز وتلعب المتاجرة باللحوم البشرية دورا مباشرا في انتشار هذا الوباءالقاتل (6).

حتى الفتاة العربية لم تسلم من هذه العدوى فتلك التي تهاجر إلى بلد عربي آخر بعقد عمل أو بدونتجبر كذلك على تعاطي الدعارة والإدمان، إذ نجد الطلبات في قمة أوجها في الشرق الأوسط على الخدمة في المنازل لكن اغلبهن يقعن ضحايا الاستغلال والعبودية سواء من أرباب العمل أو عائلاتهم أو قوانين البلد المضيف إذ تحجز وثائق الهوية والسفر ودونها يشل الفرد ويصبح معرضللعقاب أو الاعتقال أو الترحيل عند أي حادث عارض.

تنقلب الحقائق فيعاقب المجني عليه ويزج به في السجن كمجرم أو مجرمة أو يبعد إلى بلده الأصلي،أما إذا رفض رب العمل عدم السماح له أو عدم إمضاء الإذن له بالخروج يظلرهن الاعتقال لسنوات إلى أن تسقط دعوى المتبني أو المشغل...اكراهات قانونية تقيد الضحية وتحمي الجاني الذي هو دائما الطرف اقوي.

الحاجة أصبحت ضرورية لأنقاد هؤلاء الضحايا وعلى وجه السرعة وذات الأولوية القصوى من خلال قائمةالحلول التالية:

  1. السهر على وضع استراتجيات فعالة ضد أباطرة هذه التجارة
  2. تغيير أوضاع البلدان اقتصاديا وسياسيا وتوعية المسئولين والجماهير بمخاطرها
  3. الالتزام بحقوق ومساواة المواطنين والبحثوإيجاد فرص العمل على نطاق أفضل وأوسع
  4. على المصالح الأمنية وضع خطوط فعالة من اجل التصدي لهذه الظاهرة
  5. إصدار عقوبات صارمة في حق التجار ومساعديهم ودا عميهم
  6. محاربة جميع إشكال الفساد الإداري الذي يسهل أمور هؤلاء اللوردات من اجل كسب أرباح مدرةبالمقابل
  7. مقاضاة كل المعنيين بهذه التجارة سواء كانوا تجارا أو أرباب عمل يقبلون العمالة القسرية والغير شرعية
  8. تحديد الضحايا وسحبهم من أماكن عملهم وإيجاد الحلول المرنة من اجل دمجهم مع أقاربهم ومجتمعاتهم
  9. انقاد الخادمات ضحايا الخدمة في البيوت المغلقة التي تتطلب العمل مرفقا بالجنس والاستعباد
  10. وضع استراتيجية محكمة للخدمة الغير طوعيه في البيوت التي يجب أن تكون موضع تنظيم ومتابعة من قبل السلطات المحلية لدول الانتقال.

يجب على الدول العربية القيام بمسح رسمي وتحديد ضحايا الظاهرة لمعرفتهمومتابعتهم إذ لا يمكن أن تحدد المواقف والمسئوليات المتفاعلة بدون معرفة هوية وأرقام من يشملهم المسح.

يجب توفير للضحايا الرعاية الطبية والمساعدة المجانية القانونية والاستشارات السيكولوجية والاجتماعية من اجل إدماجهم وإعادة الأمل في قلوبهم.

أدرج نفس التقرير السنوي الأمريكي أربع دول عربية على القائمة السوداء الخاصة بهذه التجارة هم البحرين، قطر، سلطنة عمان و الكويت، ابرز حلفائها في المنطقة لأن دولهم تعتبر أكثر محطات هذه التجارة ولا تحترم معايير مكافحتها، كما أدرج المغرب في المجموعة الأولى (فئة 1)التي تظم الدول الأكثر احتراما لمعايير مكافحة هذه التجارة إذ تمكنت السلطات المغربية من تفكيك ما يزيد عن 350 شبكة للاتجار بالأشخاص،تصنيفات الدول حسب التقرير تكون كما يلي (فئة 1) (فئة 2) (فئة2 تحت المراقبة) (فئة 3) تتضمن هذه الأخيرة الدول التي لا تحترم الحد الأدنى للمعايير (7).

في الأخير علينا جميعا ونحن نخوض أشرس معارك البقاء في تاريخنا المعاصر الحديث بعولمته وتقدمه وازدهاره أن نحترم ونعترف بالحقوق المعطلة لهؤلاء الضحايا وان نعتبر قضيتهم قضية الجميع وان لاتقتصر على التمييز والإهمال كي لا نقترف إثم تجميدقوتهم التنموية من خلال وضع القيود والعراقيل المتعددة في طريقهم وتظل الأسباب تعزز بعضها البعض، فالمهمة كبيرة والعبء ثقيل والطريق شاق وطويل.

بدون جدية ومواجهة واعية ومسئولية شاملة، فالظاهرة ستبقى على ما هي عليه إن لم تنتكس إلى لأعمق والأسوأ والأخطر وبهذا ستظل الإنسانية المنكسرة خلف هذا الشموخ العالمي الحديث المتطور مجرد ذكرى تاريخ أسود مرير ظالم أنهكها تعاقب المظاهر والمصائب والمشاكل والنكباتوقسوة الحياة ضمن عالم التكنولوجيات والتحديات والعولمة والتقدم.

قائمة المصادر

(1) (2) (3) (4) (5) يو إس إنفو (منشورات بتاريخ 12/6/2007)

(5) (6) (7) (مكتب برامج الإعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية)

عن السوق العالمية لتجارة اللحوم البشرية ؟؟؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى