السبت ٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٠
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

ما أكثرَ النَّاسَ الذين يخسرونَ أنفسَهُم ليربحوا الدُّنيا ..

قلتُ لها:

لا أعرفُ لماذا يترددُّ في داخلي صوتُ المُتنبي:

"إنَّ النَّفيسَ غريبٌ حيثما كانا"؟
أخرجُ من بينِ الكلماتِ
كأنَّني زمنٌ مُعتمٌ
أتمدَّدُ في شرايينِكم
وأُقيمُ في أفكارِكم ..
أُحلِّلُ سفكَ الدِّماء
أتطاولُ على أموالِكم
وآرائِكم
أزرعُ الشَّوكَ في الدُّروبِ
والحقول
أبتلعُ الماءَ الذي يرويكم ..
أصرخُ فيكم
أن تتركوا لي كلَّ الطُّرق
التي تؤدِّي إلى روما
أو مكَّةَ
أو القدس ..
سأُقطِّعُ كلَّ الحِبالِ
التي تربطُ بينَ الماضي والحاضر
سأبني لكم مملكةً من الوهمِ
وأهبَكُم جُزُراً للفساد ..
أنا الزَّمنُ الذي يأخذُكم
إلى الوراء
أنا الجُرحُ العميقُ
في أحشاءِ هذا الزَّمنِ
وأنا الرَّبيعُ الذي لا يأتي ..
سأخيطُ للتَّاريخِ كفناً
وأحفرُ لهُ قبراً
كأنَّهُ من قصورِ الجانِّ ..
لا تصغوا لنداءِ الحُبِّ
لا تستمعوا لصوتِ الحُريَّةِ
فهذا الزَّمنُ لا جمرَ فيهِ
ولا نارَ للحضارة ..
لا تسألوا عن المواسمِ
فلا ربيعَ هناك
ولا قِطافَ
ولا حصاد ..
كلُّ المُدنِ عمياء
كلُّ اللُّغاتِ جوفاء
كلُّ الأقمارِ تساقطت من لُغتي
كما يتساقطُ الثَّمَر
بصفعةٍ من حجر ..
قلبي مقبرةٌ كبرى
وفي رأسي رياحٌ
وعواصفُ بلا مطر ..
كلُّ الأعمدةِ تتهاوى
كأنَّها من قشِّ أعشاشِ العصافير ..
كلُّ الهياكلِ تذوبُ في الماء
كأنَّها من تُراب الوَهم
أو من طين ..
لا تَثقوا بالأقلامِ
فهي سيوفُ العسكرِ
والحُكَّام ..
لا تَثقوا بما يقولهُ الشُّعراء
فقد جعلوا الملوكَ أنبياء ..
هذهِ الشَّمسُ
التي تأوي إلى الغُروب
نزفَ ضوؤها قبلَ بزوغِ الفجرِ
بقليل ..
أنا ابنُ هذا الزَّمنِ المُعتمُ
ما كانَ آدمُ أبي
ولا كانت أمِّي حوّاء ..
مائِي ظمأٌ
ومَطَري سُموم
ظنِّي عواصفٌ
وشكِّي ابتلاء ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى