الخميس ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١
بقلم عدنان العماد

ما زلت أذكر.. يا أبي

وأبي..
ذهبي الذي فرطت أيام العهود المظلمة
فيه
فمات على عجل!
لم ينتظر
حتى أمرضه
فأغسله وألبسه
أمشط شعره الفضي
أطعمه وأسقيه الأمل
لم ينتظر
حتى أطمأنه
بأني في الجوار
أبث فيه الدفء
أثبت أنني ولدٌ
وأن السائس الأكبر
عاق!
لكأنما شآء البلاغة في العتاب
فمات سراً
دونما شكوى
أو استنجاد
أو أدنى حساب
لكأنما أدرك أن الصبح محجوبٌ
وأن الليل ممتدٌ
وأن الموت - يا الله -
من بعض الغياب!
مات أبي
قصرت حين تركته يمضي بلا قبلٍ تجلله
ولم أسرج له فرس الرحيل
ما حيلتي؟
وأنا المحاصر بالجهالة والبطالة والألم
والبؤس والطغيان والفوضى
وطلاب العدم!
ما حيلتي؟
وأنا المحاصر بالجنون
وبالغزاة
وبالمجاعة والضحايا والحروب وبالشناة
وبألف ألف من بني وطني يخون!
ما زلت أذكر ..
يوم أن كسَرت الصمت يا أبتِ وحطمت الصنم
وصرخت في الأفق الكئيب:
الهم باقٍ والدموع
فتحلق الطير الحزين على مشارف قلبك الدامي يصيخ
هل كان يدرك حينما واساك
أنك -دون وعي- كنت تحفر للضريح؟
لو كنت ترسم ظل غيمة.. من سحائبك الثقال
على زجاج الكون
كنت استويت على بساط الحرف في جرة ألم
وسموت فوق العالمين
ما بال هذا الأفق يسفع بالندم؟
من قال أني سوف أنسى يا أبي؟
أني ادخرتك حين عم الجهل سراً في السحاب
فتوجهت سبلي وأقداري
ورويت لي روحي وأوصالي
بعز الجدب ...هل أنسى؟
فأورفني بعزلتي الكتاب
ما زلت أذكر حين توأمني الربيع
فكدت تيهاً في دروب العشق
دونك أن أضيع
ما زلت أذكر
في ذلك البلد المزركش بالأنوثة والنظافة والصقيع
فخرجت أجري دونما وعي على وسع المدى
وكنت ظلك لا أبارحك وخادمك المطيع
فوضعت حدا للشجون
سافرت شرقاً ثم غرباً ثم شرقاً
ثم أدركك التعب
فدنوت ملتمسا حنين الأرض من وطن العرب
فماذا كان؟
لاشيء غير القهر يا إنسان
أبتاه إني أشرئب غدا إلى لقياك
يا نبع الشجون
فحياتنا في كوكب أرخى مواثيق النجوم الحائرة
وشد أوثاق الدجون
فتساقطت شهب وأفلاكٌ
فقل لي من يكون؟
من قال أني سوف أنسى
كيف أنك غير مره
نضّيت عني ملابسي ووهبتها عابر سبيل
وخلعت خفي أخي الجديدين وألبست الفقير
ووهبت قلبك دائما كل يتيم وضعيف وعليل
ماذا أدون فيك يا أبت وماذا قد يجول
من قال أني لست أجرؤ في خلالك-دون خلق الله- جهرا أن أقول
أن مجد العالمين بشطحة منك ..سراب!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى