الجمعة ١٢ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم سلمان محمد سلمان

مجتمع ما بعد الرأسمالية

أهداف الدراسة:

وضع تصور للتطور الاجتماعي الاقتصادي والإنساني يفسر نشوء المجتمعات ومسيرة البشرية من حروب أو غيرها. ويدرس المجتمعات الحديثة وكيفية وصولها لما هي عليه وتفسير الظواهر الاجتماعية الإنسانية مثل سقوط الإقطاع وظهور الرأسمالية ودور الشيوعية وأهمية الدين. وكيفية استشراف المستقبل ووضع فهم إنساني لمجتمع بشري موحد لما بعد الرأسمالية والشيوعية وتعدد الأديان والصراعات العرقية.

المحاولة صعبة ولا يمكن الادعاء بقدرة وضع نظرية متكاملة تفسر الظواهر المعقدة. البحث هنا محاولة لتجميع الظواهر والأفكار الناجحة والصحيحة من التراث الإنساني للوصول إلى نظرية منسجمة ومتكاملة تسمح بتفسير الظواهر بنموذج يشبه التركيب الفيزيائي للكون وبالية وجود عناصر التفاعل والقوى. ومحاكاة ذلك على مستوى الوعي الفردي كوحدة التفاعل الأساسية التي تقابل الجسيم الأولي لنموذج التركيب النووي والتدرج للتركيب الجسيمي للذرة والكيماوي للجزيء والفيزيائي لمكونات الأرض والكواكب والنظام الكوني التي تخضع في الأساس للقوى الأساسية التي تتفاعل على مستوى الجسيمات الأولية وتأخذ مظاهر أخرى على مستوى القوى المتحكمة في الكون بإجماله (1).

محاكاة النموذج منطقية وليست حرفية. والهدف الاعتماد على نفس الأساس المنطقي مع الاعتراف بالفرق بين المخلوقات الواعية والجماد الكوني مع أننا عادة نميز أكثر من اللازم بينهما.(2)

سنرى محاولة لرسم صورة نموذجية لكن بأمل أن تكون معبرة عن القوى الأساسية بشكل صحيح. وإذا كانت الفرضية الأصلية ناجحة نأمل أن ينجح التعميم. وربما يحصل خطأ في بعض الاستنتاجات مما يتطلب إعادة تقييم وتوسع تفصيلي حتى الوصول لتعميم ينطبق على مجمل الحالات.

أولا: نموذج نشوء وتطور المجتمعات

فرضيات نموذج نشوء وتطور المجتمعات:

1- الفرد يمثل وحدة التفاعل الرئيسة.

2- القوى الرئيسة للتفاعل هي: بقاء الذات وبقاء النوع
والتكامل الوجودي.

3- الإدراك العقلي يمثل الإطار العام للتعبير عن القوى
والتفاعلات.

4- العوامل الخارجية تتمثل في درجة العزلة والعامل الاقتصادي الاستراتيجي.

قوة بقاء الذات

وهي قوة غريزية يتفاعل بها الفرد من اجل البقاء وتشمل الأمن الغذائي والصحي والمادي ويندرج من نتائجها العمل والوظيفة والعنف. وهي موجبة لصالح الفرد وينتج عن تأثيرها قوى تحرك المجتمع. وتتميز بالجذب والنفور معتمدة على توافق أو تناقض المحيط مع مصلحة بقاء الفرد. وتتخذ مظاهر صراع أو تحالفات على مستوى المجتمع أهمها مظاهر صراع البقاء والصراع أو التحالفات الاقتصادية والتمايز الطبقي والصراع أو الأحلاف الطبقية. وهي قوة قصيرة المدى وقابلة للإشباع لكنها قوية جدا وفعالة وهي الأقوى على المدى القصير (في البعد الاقتصادي وغريزة البقاء). وهي قوة تتجه إلى تكوين التحالفات والاستقطاب في المجتمع. ويعتمد تأثيرها على مدى الإشباع للبقاء وكيفية الفهم العقلي لها في المجتمع.

واهم نتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض للغزو الخارجي ومستواه الاقتصادي مكتف أنها تبدأ في فرز طبقي وانقسام المجتمع إلى من يملك ومن لا يملك.

قوة بقاء النوع:

وهي قوة غريزية يتفاعل بها الفرد من اجل بقاء نوعه. والنوع هنا الأكثر تمثيلا لاستمرار الذات الجينية والعقلية. واهم تعبير مادي لها الرغبة في التناسل والإنجاب ومحبة السلالة والانتماء لها والأنس للشبيه والنفور من المختلف. وتتميز بالجذب والتنافر معتمدة على توافق أو تناقض محيط الفرد مع متطلباته البيولوجية الجينية وكيفية الإدراك العقلي لأهميتها. وبدون إدراك عقلي تميل لتفضيل القريب بالمطلق ومعاداة الغريب.

وتتخذ مظاهر الأسرة والعائلة الممتدة والعشيرة والقبيلة والقومية والسلالات البشرية. وينشا عن تكتلاتها الاجتماعية نشوء الكيانات القبلية أو العرقية. وهي قوة طويلة المدى غير قابلة للإشباع المطلق مع أنها قوية في المدى القريب وتتلاشى مع الابتعاد في المدى ( في البعد العرقي وبقاء النوع). وينتج عنها في المدى القصير التمايز العرقي وصراعات القوميات والعنصرية.

وهي قوة تجمع المتكامل وتنفي المختلف ويمكنها أن تتدرج في الاستقطاب ولكن نتيجتها النهائية متعادلة على مستوى المجتمع البشري بحيث لا ترى قيمة موجهة لها على مستوى البشرية جمعاء مع أنها فعالة في المستويات الجزئية للمجتمع الإنساني.

واهم نتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض لغزو خارجي ومستواه الاقتصادي مكتف أنها ايجابية للمجتمع ولكن بنظرة عنصرية تجاه الأخر.

قوة التكامل الوجودي:

وهي قوة وجدانية تشمل مجمل الفرد ولا تخضع لحاجاته الآنية ولكنها تعرفه بالنسبة للأخر إنسانا أو كائنا حيا أو جمادا ضمن عالم المادة أو عالم الغيب ويعرف بها قيمته كجزء من الوجود. وهي قوة جاذبة ايجابية بذاتها تدفع الفرد للتكامل مع الآخرين وتعرف اجتماعية الإنسان ورغبته بالتكامل مع الجنس البشري والكون. وهي مصدر دوافع الخير والأخلاق والفكر التنويري والاستكشاف العلمي والاستغراق في العبادة ومساعدة الأخر. وتتم ترجمتها بمقدار إدراك الفرد أو المجموع لدورها وكيفية تاطيرها الفكري من خلال الايدولوجية أو الدين. ويمكن أن تصبح أداة سلبية إذا تم تحريف الفهم العقلي لها من خلال تاطير دور القوى قصيرة الأمد كصراع البقاء أو العنصرية لتصبح ايدولوجيا منحرفة تؤدي دورا مناقضا لدافعها الأصلي.

وهي في الأصل قوة جذب ولا تظهر قيمتها الإجمالية إلا بتراكم الإدراك الاجتماعي. وتبدو ضعيفة جدا على مستوى الأفراد أو المدى القصير المتعلق بصراع البقاء أو الصراع القومي لكنها الوحيدة التي تبقي ذات معنى عند دراسة المجتمع البشري بمجمله. وهي العنصر الأساس في تحديد اتجاه التقدم البشري والأخلاقي وما يحدد معنى الحضارة الإنسانية.

ونتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض للغزو ومستواه الاقتصادي جيد أنها تحرك روح الاكتشاف العلمي والتقدم الأخلاقي لذلك المجتمع. وتمثل عامل التوازن مقابل القوى العنصرية أو الصراع الطبقي وتعبر عن الجانب الأخلاقي في التعامل.

والقوى الثلاثة أعلاه غريزية وجدانية بدوافع ذاتية, وتمثل المحركات الطبيعية للنفس البشرية.

قوة العقل المدرك:

والعقل المدرك هو أداة استشراقية تشرف على إدارة القوى الغريزية والوجدانية وتحاول التحكم بها وموازنتها بما يحقق أفضل الإشباع لكل منها. وتتكون المفاهيم العقلية من خلال التجربة الذاتية لتفاعل القوى الأساسية ومن خلال التعلم من الأخر كان ذلك تراثا حضاريا أو تجارب إنسانية معاصرة.

وتتكون لدى الفرد في النهاية منظومة ملخصة لكافة المفاهيم المتعلقة بعد معاينتها الذاتية عقليا بدرجات متفاوتة جدا بين الأفراد بحيث يتم قبول العرف عادة ( ملخص المفاهيم السائدة في حضارة الفرد) مع تطوير يميز التجربة الشخصية. وبمقدار تعدد خبرة الشخص المعني وتعرضه لتيارات فهم حضاري مختلفة وبتأثير تجاربه الشخصية وتفاوت المعاناة تنشا للفرد شبكة المفاهيم النهائية التي يعيش على أساسها وربما يطورها ويتوسع في ذلك إلى درجة المساهمة الريادية في تطوير الفهم البشري الإنساني العام وما نطلق عليه عادة الاستكشاف الفكري أو الحضاري.

وقوة العقل المدرك تمثل مركبة مستقبلة ومنتجة وتؤدي إلى تعريف الحقيقة وربما تشويهها. وعليه لا يمكن اعتبار الإنتاج العقلي ايجابيا أو سلبيا بالمطلق مع أن كيفية فهم مراكز القوى الاجتماعية ذات دور كبير في تاطير التفاعل اللاحق للقوى الفاعلة في المجتمع. ويشمل ذلك إدارة الدول والحروب والعلاقات الاقتصادية الدولية.

ويمكن اعتبار الفكر الإنساني محصلة لتفاعل القوى المؤثرة على مستوى الفرد والمجتمع وكيفية فهم هذا الفكر للظواهر وتشغيله لها.

وكلما كانت المفاهيم حقيقية معبرة عن واقع الحال كلما كان التعبير أكثر تطويرا للفكر الإنساني ويدفع باتجاه التقدم البشري. ويؤدي في العادة إلى نقلات نوعية في مستوى معيشة البشر أو المجتمعات الفرعية.

وكلما كان الفهم ناقصا أو مشوها أدى ذلك إلى نمو مواقف تؤدي إلى نشوء صراعات أو حروب تدفع البشرية ثمنها خسائر في المستوى الإنساني.

ومع أن نتائج تلك الحروب توصل البشرية في العادة لاكتشاف الخلل في النظريات التي أدت للصراع. إلا ان ذلك لا يظهر على المدى الزمني القصير بسبب تشويه المنتصر عادة لكل ايجابيات فكر المهزوم وتضخم مفاهيم المنتصر المنحرفة بنفس قيمة مفاهيمه السليمة. وكلما كانت نسبة الجيد من مفاهيم المنتصر اكبر يكون مكسب البشرية اكبر والعكس صحيح.

وليس هناك علاقة صلبة تضمن انتصار المفاهيم الأكثر صحة بسبب تراكم مفاهيم المجتمع السابقة ونفوذ المصالح الطبقية أو العنصرية وتمركز فعاليات القوة بيد مجموعات صغيرة لا تملك المفاهيم الصحيحة ومع أن التجربة الإنسانية العامة توحي بان مفاهيم البشرية الصحيحة تنتصر عادة أسهل من المفاهيم الأخرى وتتحلى بفترات انتشار طويلة البقاء إلا أن الإفساد لتلك المفاهيم دائم الحصول بسبب تلاعب المصالح الخاصة وسهولة الخداع العقلي للمفاهيم وتشابهها.

نماذج لتفاعل القوى:

حيث أن القوى تعمل معا ولها دوافعها المستقلة والمتداخلة فمن الممكن توقع تطور المجتمع بناءا على مواصفات التشكيل.

1- مجتمع غير طبقي وحيد القومية ومعزول عن الغزو الخارجي( مكتف اقتصاديا وغير مكتف)

2- مجتمع غير طبقي وحيد القومية غير معزول عن الغزو الخارجي( مكتف اقتصاديا وغير مكتف)

3- مجتمع طبقي وحيد القومية معزول خارجيا (مكتف وغير مكتف)

4- مجتمع طبقي وحيد القومية غير معزول خارجيا (مكتف وغير مكتف)

5- مجتمع غير طبقي متعدد القوميات معزول (مكتف وغير مكتف)

6- مجتمع غير طبقي متعدد القوميات غير معزول (مكتف وغير مكتف)

7- مجتمع طبقي متعدد القوميات معزول (مكتف وغير مكتف)

8- مجتمع طبقي متعدد القوميات غير معزول (مكتف وغير مكتف)
وبإجمالي 16 مجتمعا متمايزا حسب الأربع عوامل (الطبقية 2 * القومية 2 * العزلة 2 * الاكتفاء الاقتصادي 2 = 16 مجتمعا

ويمكن مضاعفة عدد المجتمعات إلى 32 إذا تم اعتبار عامل وجود فكر أو ثقافة أو ايدولوجيا متقدمة مقابل بدائية( النمو الحضاري) وبهذا يمكن تعريف أي مجتمع في أية لحظة من تاريخ تطوره بناء على اقرب تمثيل له من احد هذه المجتمعات ال 32.

والمعادلة العامة:

نوع المجتمع = اقتران( الطبقية*القومية* النمو الحضاري* المحيط*الاقتصاد الاستراتيجي)
وتعطي عدد المجتمعات = 2**5 =32 مجتمعا

وإذا أخذنا بالاعتبار دور كل عامل في التأثير على التطور يمكننا توقع مسار تطور ذلك المجتمع للفترات القادمة. ويعتمد الحدس على درجة تحقق أي عامل مع ملاحظة أن القوى الأساسية ( البقاء والنوع والتكامل) تعمل بشكل ذاتي- ولكن إذا أضفنا الفكر الموروث أو المستورد وعوامل الغزو فان التنبؤ يصبح أكثر تعقيدا لأنها عوامل خارجية أكثر منها ذاتية ونفس الأمر ينطبق على الاقتصاد والاكتفاء لأنه يخضع لظروف خارجية وبيئية مع أن ذلك طبعا يتم بشكل جزئي ويتأثر بطريقة نمو المجتمع.

ومع أن هذه النماذج عديدة والعوامل المتغيرة كثيرة وتبدو غير قابلة للحصر إلا أن المجتمعات الفعلية عادة تظهر فيها بعض العوامل صارخة أكثر من غيرها مما يسهل التقريب بشكل كبير. وأمر آخر أن معظم المجتمعات طبقية ومتعددة القوميات مما يحصر العدد الفعلي.

كيفية تأثير العوامل على مسار التطور للنماذج:

1- الطبقية: عامل استقطاب وعدم استقرار ومستمر التأثير.

2- القومية: عامل توحيد داخلي لكنها تغري بغزو الأخر أو الصراع الداخلي لمجتمع متعدد القوميات.

3- النمو الحضاري: كلما كان أعلى بالمفهوم الإنساني الشامل (وليس بالمقاييس القائمة على التقدم المادي فقط) كلما استطاع المجتمع تخفيض العوامل السلبية للقوى المختلفة والعكس صحيح.

ويشمل ذلك الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو تراكم تفاعل العقل وقوة التكامل الوجودي.

4- المحيط (العزلة وعدمها): تحصر التنوير الفكري وتعظم دور القوى الطبقية والعنصرية ولكنها تحيد الغزو الأجنبي مؤقتا. وعدم العزلة يعظم التنوير الفكري وتسمح بتمدد الطبقية على المستوى الأوسع من الدولة ولكنها تشجع الغزو الخارجي( التوسع أو الاحتلال).

5- الاقتصادي الاستراتيجي: الاكتفاء يساعد على الاستقرار والنمو ولكن الطبقية تستمر في التهديم والغنى يغري الطبقة المتنفذة بالغزو للأخر وما ينتج عن ذلك من حروب وربما استدراج الفقراء للعمل في المجتمع الغني مما يؤدي إلى تغير تركيبته. وعدم الاكتفاء يؤجج الصراع الطبقي ويدفع للغزو الخارجي وربما يودي إلى الدمار لمجتمع متخلف نسبيا.

وقد أدخلنا عامل القوة العسكرية كجزء من الاكتفاء ( تم اعتماد تسمية الاكتفاء وعدمه بالعامل الاقتصادي الاستراتيجي)

من الواضح أن المعادلات صعبه ولكنها ليست مستحيلة الحل. ومن السهل نسبيا وضع آليات للحل والتطور تتوقع المستقبل بشكل مناسب.

ويشمل حل المعادلات تقديرا لقيمة مؤشرات معينة مرتبطة بكل نوع من المجتمعات تميزه وتعطي توجه تطوره واهم المؤشرات:
الاستقرار الداخلي – النمو – العدل الداخلي- المساهمة الإنسانية- التوسعية --- الخ وبالطبع يمكن التصرف بتأثير العوامل الخمسة الأساسية في عملية حساب المؤشرات بما يتناسب مع الوزن الحقيقي لها على مدي مراحل زمنية طويلة.

معظم المفكرين اخذوا بأجزاء مهمة من المعادلات والعوامل المدرجة أعلاه ولكن بتفاوت في تقدير قوة التأثير لتلك العوامل أو عدم تمييز القوى الأساسية عن قوى التأثير الطارئة ( القوى الأساسية ذاتية والعوامل الاقتصادية والغزو الفكري والعسكري لها مركبات خارجية) وهنا تتفاوت النظريات في قدرتها على التنبؤ والنجاح في بناء الايدولوجيا المناسبة للمجتمعات.

ثانيا: مفاهيم ونظريات من التاريخ

القديمة ( مصر والنهرين والهند والصين)
تميزت بمفاهيم محلية وتجلت قوة الطبقية والقومية والشمولية بمفاهيم عقلية أمنت بتعدد الآلهة وألوهية الملوك والاستغلال الطبقي المقبول بأساس ديني وقد تفاقمت عوامل الطبقية وألوهية الحكام لتصنع مجتمعات غير متنورة ممزقة طبقيا وسهلة الهزيمة من القوى الخارجية مما أدى إلى اندثار تلك الحضارات.

وقد تمثلت عوامل الفشل الداخلي في تعاظم الدور الهادم للطبقية عندما تم احترامها كجزء من قدسية الحكام. وبسبب مسخ الفكر لخدمة ذلك المفهوم واختصار التكامل بالكون للعبودية للحاكم. فقد نشأت مجتمعات غير قابلة للتطور الايجابي المستمر وارتبط انهيارها بموت الحكام بدرجات متفاوتة. مع ملاحظة أن حضارات الصين ومصر تميزت باستقرار اكبر لفترات طويلة نسبيا بسبب العزلة من الغزو والاكتفاء الاقتصادي الذي سمح للطبقية بالاستمرار دون سحق مستوى الطبقات المعدومة.

الإغريقية

اختلفت الإغريقية عن الحضارات السابقة بان الطبقية فيها لم تجعل الحاكم إلها بشكل عام بل اعتبرته ممثلا للآلهة يتم اختياره من النخبة. ولكن الطبقية ظلت مسيطرة والتحسين الوحيد مقارنة بالمجتمعات السابقة كان من خلال آلية الحكم التعددي. وقد تميزت أيضا بعدم العزلة مما جعلها تخوض حروبا مستمرة أدت إلى أفولها خلال فترات قصيرة.

الرومانية

تبنت الرومانية نفس مفاهيم الإغريق بخصوص الحكم والعلاقة بالآلهة مع تقليل نفوذ الآلهة لصالح الطبقة الحاكمة ومع ترسيخ الطبقية المادية. وقد أنتجت مجتمعا طبقيا توسعيا وغنيا مما جعلها تخوض حروبا مستمرة. وكانت مؤهلة للسقوط مثل من قبلها ولكن عوامل التباطؤ كانت الاكتفاء والنمو الحضاري ممثلا بتعددية ودورية الحكم ضمن النخبة.

الديانات التوحيدية

وهي أديان اعتبرت أن الكون يحكمه اله واحد فقط وهو مصدر الشرعية المطلق لاختيار الحكام وتفاوت تبني شرعية الحكام من كونهم عبيدا لله مؤدين لفروضه لخدمة الرعية إلى ظل الله في الأرض.

ولم تستطع المجتمعات المؤسسة على هذا الفهم الديني استيعاب الفكر التعددي وتداول الحكم السلمي. وتعاملت مع المجتمع ككيان حي يحكمه مركز. ولم يتم تاطير دور الجمهور في الحكم. وسمحت بتعدد القوميات والطبقية وكانت توسعية بشكل عام ومرت بفترات اكتفاء وعدمه.

واهم مكتسبات الأديان التوحيدية لصالح التنوير والنمو الحضاري كان ربط الدنيا بالآخرة مما وسع دائرة التكامل واشبع دور القوة الشمولية الموحدة بأقصى نفوذها. وقد رسخ ذلك مفاهيم الأخلاق المطلقة والتقدم البشري. وقد اعترفت الأديان بنفوذ القوى الأخرى ( النوع والذات وتعبيراتها المجتمعية من الطبقية والعنصرية والقومية) ولكنها عملت على كبحها.

ومع أن الفكر الديني وازن بين العوامل بشكل جيد على مستوى الفكرة والأخلاق إلا أن ضعف تعريف الحكم أدى إلى تحوير كبير في المفاهيم وسمح للقوى السلبية بالتغلغل بدرجات متفاوتة وتخريب الفهم الأصلي نحو خدمة الطبقية أو العنصرية. واضعف الدور الإنساني الشامل والمتوقع من الدين أساسا. وقد دفعت الدول القائمة ثمن تلك التجاوزات والتحويرات هزائم على المستوى المادي والفكري معا.

فكر النهضة الأوروبية

في نهاية القرون الوسطي وبدء الثورة الصناعية ظهرت مفاهيم جديدة رفضت هيمنة الدين والكنيسة وتحفظت على الشكل المنحرف للدين في خدمة نشوء طبقة كهنوتية اقتصادية متخلفة. وقد نتج عن النهضة إحياء للفكر اليوناني بخصوص الحكم وانهيار الإقطاع بسبب الثورة الصناعية.

وقد استمرت الطبقية بشكل جديد وترسخ العامل القومي بشكل عظيم ونشأت الدولة القومية العنصرية والاستعمارية. وطبعا تم ذلك بسبب اعتماد الفكر الجديد على القوة الاقتصادية الطبقية وعلى القومية كأسس للحضارة ونمو المجتمع.

ومع أنها لم تنكر القوة الثالثة ( الشمولية) نظريا إلا أنها أضعفت نفوذها بشكل كبير. وقد مثلت المجتمعات حيوية قومية وطبقية لا تكترث كثيرا للأخلاق وشمولية الفهم الإنساني ونتج الاستعمار كحتمية لذلك التفكير.

الفكر الماركسي

حاولت الماركسية تفسير النمو والتطور من خلال القوة الأولى فقط ( الطبقية) واعتبرت العوامل الاقتصادية الأساس لنشوء الأخلاق والقومية. وبذلك نفت اعتبار عاملين أساسيين من عوامل التأثير. وقامت الماركسية على مركبة واحدة بدلا من ثلاث.

وفشلت الماركسية في تفسير الأخلاق مع أنها قامت أساسا على فكرة أخلاقية وهي رفض الطبقية والاستغلال. ولم تستطع وضع تفسير مقنع بناء على التحليل الاقتصادي فقط - لماذا من الأفضل أن يثور الفقراء في مجتمع يقوم على التمايز الطبقي- مع أن منظري الماركسية حاولوا كثيرا تفسير ذلك.

وقد تم رفض الاعتراف بتأثير القومية المستقل أيضا بدافع أخلاقي دون فهم لماذا يتم الرفض أصلا إذا اعتبرنا القومية منتوجا وليس قوة أصيلة تحرك التفاعل البشري. وبسبب فشل الماركسية في تاطير القوتين القومية والشمولية على مستوى الفرد فقد أسست لمجتمع أخلاقه جماعية مشتقة من الاقتصاد.

وبسبب ذلك الخطأ انهارت الدولة العظمى في عز قوتها العسكرية لدور القوميات وانهيار مفهوم الأخلاق الذاتي مما صنع مجتمعا ماديا لا يحقق اكتفاء الفرد نفسيا ولا يراعي عوامل نشوء التحالفات في المجتمع.

ويحفظ للماركسية تركيزها الكبير على بشاعة الطبقية وتفاهة العنصرية ويسجل عليها عدم القدرة على تفسير الأخلاق وحب الخير كعوامل ذاتية للأفراد.

الرأسمالية

الرأسمالية تمثل الوجه الأخر للماركسية- فهي تقوم على مبدأ أن الاقتصاد هو الأساس لكل شيء وان الطبقية ناتج عن ذلك وان القومية تعبير سخيف لتجمع طبقي مؤقت وان الأخلاق لا تخرج عن كونها مشتقات من صراع الطبقات ومحاولة التعايش. مع الاعتبار ان الرأسمالية في أساسها النظري تعترف مبدأيا بالقوة الخارجية للأخلاق. والرأسمالية لا تعني الاقتصاد الحر كما يحلو للكثير القول بل هي محاولة راس المال السيطرة والربح من خلال تنافس مؤقت ينتهي عادة باحتكارات وتحكم كبير من مركز غير ثابت.

وتختلف الرأسمالية طبعا في أنها تقف مع الأغنياء ضد الفقراء من الناحية النظرية والعملية مع أنها تدعي الإنسانية أكثر من الماركسية بسبب استيعابها للدين واستخدامه أداة ممتازة لشمول الفقراء ضمن معادلة الحكم.

السبب في صمود واستمرار المجتمعات الرأسمالية أكثر من الماركسية تاريخي أكثر منه فكري حيث مستوى المفهومين متساو. ولكن الرأسمالية تقوم على دعم الطبقة الغنية وتغذي نفوذها. وقد نمت في مجتمعات غنية ومتقدمة ماديا واستعمرت جزءا كبيرا من العالم.

وقد خفف ظهور الماركسية والشيوعية من سرعة انهيار النظام الرأسمالي لان ذلك نبه الطبقات الغنية للأخطار فعدلت من مسارها الجشع وخففت من مستوى الاستغلال وتعاونت لكسب الجمهور الفقير ضد الفقر الاشمل والمتوقع للنظام الماركسي بسبب الحصار وخلل البنية التنظيمية له.

أما السبب الأخر لبطء انهيار الرأسمالية فهو استغلال الدين. وقد نجحت الرأسمالية في تجنيد الكثير من رجالات الدين لتاطير دورها المهيمن. وهي ليست جديدة في ذلك فمنذ الفراعنة تم استخدام الدين للتدجين.

أما الخلل الكامن في الرأسمالية فهو في الأساس النظري الذي يقوم على فكرة الاقتصاد كقوة وحيدة وإهمال العامل القومي في المراحل المتقدمة لها ( العولمة) وفي تلاشي اعتبار الأخلاق قوة ذاتية بقيمة مطلقة.

وعوامل هدم الرأسمالية تتم أساسا كصراع طبقي يأخذ شكل صراعات عرقية داخل المجتمعات الرأسمالية. ومع أن الغرب تعامل في عصر العولمة بفكرة فقدان قيمة القومية من الناحية النظرية إلا أن التأثير العظيم للقومية يمثل العامل الأساس في التوجه العنصري للغرب تجاه العالم.

والرأسمالية حاليا تمارس موقفها الطبيعي بوحشية وقسوة على الفقراء أينما كانوا وسوف تستمر طالما كان ذلك ممكنا. وعندما يثور الفقراء فهي اقدر على قمعهم لأنهم فقراء أصلا. وعندما يحاول الفقراء تغيير النظام بالطرق الديموقراطية فالطبقة الغنية اقدر على اللعب والمناورة. ولكن لذلك حدودا.

عندما يصل الاستغلال والوعي بذلك درجة محددة يصبح التلاعب صعبا مما يسمح أخيرا بنشوء حركات تقتبس من الماركسية رغبتها في خدمة الفقراء وتعمل على تحريرهم. ولكن دون فهم أعمق لعوامل التأثير لن تستطيع تلك القوى النصر. وفي الحقيقة لن يتلاشى الصراع الطبقي أبدا.

الفكر الحديث

الفكر الحديث لما بعد الرأسمالية يمثل محاولات إنسانية تحاول التعلم من فشل الماركسية وإساءة استخدام الدين وطمع الطبقة الغنية وأهمية التعدد القومي للبشرية والاعتراف بديمومة الصراع الطبقي.

وهي محاولات لاقتراح حلول تخفف من غلواء الاستغلال دون اللجوء للحرب الطبقية. ولإيجاد علاقات تفاهم بين الشعوب دون العنصرية. ومحاولة لتنوير الفكر الإنساني وتعميق الأخلاق دون تجيير الدين لأغراض طبقية. فهل ستنجح تلك المحاولات.

ثالثا: أمثلة على تفاعل القوى في نشوء وتطور المجتمعات

المجتمع العربي في الجزيرة:

تكون مجتمع الجزيرة العربية من قبائل معزولة عن التدخل الخارجي إلى درجة كبيرة. وحيث أن العنصر العربي كان السائد بشكل كبير فقد مثل مجتمع الجزيرة نموذجا لمجتمع وحيد القومية لا يتعرض للغزو الخارجي ولكنه غير مكتف اقتصاديا مما ضخم دور قوة البقاء بحيث أصبح الصراع على البقاء محركها الأول ونتج عن ذلك الغزو الدائم.

وحيث أن المجتمع عربي العنصر أساسا فقد انكفأ معامل التقسيم المؤسس أصلا بسبب الصراع الاقتصادي إلى تقسيم قبلي للعنصر العربي الواحد- يمتص دوافع قوة بقاء النوع ويؤطرها عقليا لخدمة صراع البقاء. وهي حالة تعيسة لأنها دائرة مغلقة لا يمكن الخروج منها بسبب العزلة وضعف احتمال التغيير الخارجي. وقد استمر المجتمع يقتل نفسه إلى حين ظهور النبي ( ص).

عند ظهور الإسلام تم تاطير المجتمع فكريا على أساس القوة الثالثة( الشمولية) مع مراعاة دور قوة بقاء الذات والنوع من خلال وضع أسس ومعايير أخلاقية ضابطة. وقد تم تعميم دور القوة الثالثة لحدة الأقصى من خلال التكامل مع الجنس البشري كله ومن خلال علاقة ثابتة مع الخالق تؤثر على مستوى الفرد والتنظيم الاجتماعي والسياسي.

وقد نجح تاطير القوى المتوازن إلى نشوء مجتمع سريع النمو مملوء بالحيوية قادر على التوسع بسبب خلفية القدرة القتالية من جهة وقوة العصبية القبلية وبتوجيه شمولي لتوحيد المجتمع البشري. ومثل هذا التجميع للقوى نادر مما أدى إلى النجاح السريع في التوسع.

وعندما توسعت الدولة في نهاية حقبة الخلفاء الراشدين وتعاظمت مصادر الثروة بدا تأثير قوة البقاء في فرز المجتمع الطبقي( القوة الأولى) ولكن من خلال الفكر الديني أساسا. وقد أدى ذلك إلى نشوء اجتهادات عظيمة التباين تدعي تمثيل الدين لتاطير دورها الطبقي.

وعندما توسع الحكم ليشمل شعوبا كثيرة بدا العنصر العربي يأخذ دورا عنصريا تسلطيا وذلك خلال فترة الحكم الأموي. حيث تضافر التقسيم الطبقي مع القومي ليصنع مجتمعا تحركه التسلطية والعنصرية مما اظهر طبقة الموالي.

ولكن بسبب عظمة التأثير الفكري الجامع للدين كان من الصعب تبرير الانقسام والتمايز. فظهرت الفرق والاجتهادات المختلفة محاولة تبرير التجاوزات. وتضخم ذلك الدور في العصر العباسي عندما تحررت القوميات الأخرى وبدأت تمارس الحكم مثل العنصر العربي بل أكثر. وقد انقسم المجتمع العباسي طبقيا بشكل حاد ونمت تجارة العبيد بشكل غير مسبوق رغم الرابط الديني الذي يوحد البشر ويجعل أكرمهم عند الله اتقاهم.

وقد مثل المجتمع العباسي في نهاية مرحلته الأولى (بعد حكم المعتصم) مجتمعا متعدد القوميات مقسم طبقيا يحمل رسالة إنسانية عظيمة تم تحوير مفاهيمها التطبيقية بشكل يسمح بالتجاوزات.

والمجتمع الطبقي متعدد القوميات يمثل مجتمعا غير مستقر. وعندما يضاف لذلك التعرض للغزو الخارجي الدائم بسبب عظم مساحة الدولة فمن المتوقع انقسام المجتمع على الخطوط القومية. وقد حصل ذلك بدرجات كبيرة. ولولا عظمة وقوة الفكر الديني ونفوذه الكبير على مستوى الأفراد لانشطر المجتمع العباسي دون عودة مثل الحضارات السابقة.

نشوء الفكر والأديان:

الفكر هو مجموعة المفاهيم والنظريات والتصورات التي يضعها الفرد أو المجموع لتفسير الواقع ولا قيمة عملية للفكر خارج الوقائع. وبنفس الدرجة لا يمكن الاستفادة من تدرج الوقائع للمستقبل دون تصور فكري. وبمقدار دقة التمثيل الفكري تنجح النظريات في توصيف الواقع وتبني عليه تنبؤات تناسب المستقبل.

ويمكن (مع الاحترام لمجموعة القيم الإنسانية) تقسيم الأفكار إلى نوعين رئيسيين: الأول غيبي مبني على تدخل من خارج الفكر الإنساني لتفسير وتأسيس المفاهيم وتحديد أنماط السلوك بناء على ذلك. وهذا ما نطلق عليه الأديان مجازا مع أن الأديان تتفاوت أيضا حسب أسسها. والثاني مادي تجريبي يعتمد القياس أساسا لتعريف الحقيقة وهو ما نطلق عليه المنهج العلمي.

وبشكل عام تتميز الأديان بشمولية الأفكار ومطلقيتها وضرورة التصديق الوجداني لها دون التجربة أو التحليل العقلي مع أن بعض الأديان تميل إلى قبول الاختبار العلمي وتتحدى إثبات العكس. وبمقدار تناغم الأفكار الشمولية للدين مع الواقع والتحليل العقلي والتجربة العملية يزداد الإيمان بها. وبمقدار تناقضها يبتعد الناس عنها.

علينا الاعتراف أن الأديان كمعتقدات أصيلة تختلف عادة عن التراث الديني (الذي يشمل اجتهادات البشر وتداخل مصالحهم وقصور رؤياهم) وذلك يصنع حالات تناقض بين المعتقد الأصلي وتفسير الواقع يؤدي في بعض الأحيان إلى طمس الأصل ويتحمل المجتمع نتائج الأخطاء كوارث حقيقية.

وبشكل عام تميزت الأديان بثلاثة أنواع: الأول سماوي الأساس متجدد المفاهيم انتهاء برسالة النبي محمد(ص) وهو ما نطلق عليه الأديان التوحيدية. والنوع الثاني مفاهيم تعددية للدين الممثل للقومية أو الطبقة أو المجتمع وتتميز بتعدد الآلهة وانطباق المفهوم الإنساني عليها مثل الأديان المصرية والبابلية والسورية والإغريقية والرومانية. هناك نوع ثالث من الأديان عقلي وجداني دون تحديد واضح لمفهوم الخالق مثل الأديان الشرقية والأميركية الأصلية.

وتشترك مجمل الأديان بمحاولة وضع المفاهيم الشاملة المطلقة وتطلب الإيمان الوجداني دون ضرورة الإثبات العملي أو العقلي وتقوم على فكرة إيمان المجموع. وتعبر أساسا عن نفوذ القوة الوجدانية الشمولية في محاولة وضع الأساس الأخلاقي للمجتمعات مع تفاوت كبير في معالجة القوتين الأخريين ( الذاتية والنوع).

الحروب

الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد والمجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا والحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية ولكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية والأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع.

والحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم والمصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها. ويمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية والاستعمارية أو الصراعات القومية والقبلية أو الفكرية الايدولوجية.

وبشكل عام تصبح الحرب أمرا واقعا إذا توفرت الإمكانيات لها من سلاح وإرادة قتال. ويمكن للحرب أن تكون عادلة في حالة هدم أو مقاومة مفاهيم خاطئة فعلا أو لرد عدوان على حقوق خالصة للمجموعات المعرضة للاعتداء. وأوضح الأمثلة حروب الاستقلال أو رد الاستعمار. وهناك حروب اقل وضوحا في عدلها مثل الحروب الدينية حيث يعتقد كل طرف انه المحق في موقفه.

والحروب سوف تستمر طالما لم تستطع البشرية إيجاد التوصيف الصحيح للقوى الفاعلة. وطالما لم تتمكن من وضع السياسات التي تميز الصحيح من الخطأ. ولم تتمكن من إشباع القوتين الأوليين(الطبقي والقومي) بأساليب تحقق المنفعة للجميع. وطالما بقي الفهم قاصرا عن تنظيم المجتمع لضمان تحييد سلبيات تلك القوى.

التقدم البشري أو الحضاري

يعرف التقدم البشري بمقدار نمو المفاهيم وترجمة ذلك بإشباع الحاجات والقوى الأساسية بأقل الحروب ويتم أيضا بمقدار اكتشاف الوسائل المادية التي تسهل الوصول للإشباع لأكبر عدد ممكن من الناس وبمقدار توفر مفاهيم شاملة توحد المقياس للجنس البشري وللبيئة وتضع أسسا للتغيير لا تتطلب الحرب محركا أو موجها.

ومثل هذا الفهم للتقدم البشري يجعل الكثير من المجتمعات المتقدمة ماديا غير متقدمة بالمفهوم الشامل والعكس صحيح أحيانا. ومع أن التقدم في الفهم المتوسط للناس يرتبط في العادة بتقدم الوسائط المادية لأنها تستطيع فرض التغيير وتحقيق إرادة أصحاب القوة. لكن هذا الفهم قاصر ويؤدي عادة للتأخر البشري العام حيث هناك كثير من المجتمعات تميزت بتقدم وسائل القتال واستطاعت هزيمة حضارات متقدمة أخلاقيا وفكريا والنتيجة لانتصارها كانت نكسات للبشرية.

ومع أن الحرب تعتبر عادة قوة سلبية إلا أن لها مردودات ايجابية أحيانا حين خوض الحروب العادلة أو هزيمة قوى التدمير. مع أن تعريف الحروب العادلة وقوى التدمير صعب المنال في اغلب الأحيان.

ولعل أهم النتائج الايجابية للحروب تتمثل في إعادة تعريف المفاهيم التي تكون أحيانا متحجرة مع أن هناك إمكانية مبدأية للوصول لإعادة التعريف دون ضرورة خوض الحروب.

رابعا: تطور المجتمعات بناء على تفاعل القوى على مستوى التركيب الاجتماعي

لماذا سقط الإقطاع

أهم أسباب سقوط الإقطاع تتمثل في نمو المجتمعات البشرية ماديا بحيث أصبح من المستحيل ضبط العبيد بما يفيد الأسياد. وتم ذلك من خلال تطور وسائل الاتصال وتقدم الوعي الإنساني ونمو وسائل إنتاج تتناقض مع البنية الإقطاعية. وبشكل عام يمكن اعتماد النموذج الماركسي لتفسير سقوط الإقطاع بشكل جيد مع فروق تتعلق بالعامل القومي وتطور المفهوم الديني والأخلاقي كعوامل مساندة لتحرر العبيد.

الأديان وكيفية تحويرها:

طبعا هنا نقصد أديانا أثبتت نجاحا في تطوير وتقدم المجتمعات التي آمنت بها. وهنا تتفاوت المفاهيم الإنسانية. فكل مؤمن يعتقد أن دينه ايجابي وان الالتزام بأصول الدين يحتم التقدم. ومع ذلك نجد التابعين لتلك الأديان يقتلون بعضهم بعضا دون هوادة ويقتلون مخالفيهم ضمن الدين الواحد دون أساس منطقي أكثر من مخالفة النص أو التراث. وهذا يعتبر مؤشرا على حصول فساد في الفهم الديني.

الأديان تبدأ عادة بمفاهيم جميلة وتنتهي في أحيان كثيرة بالتعصب- ولتبسيط فكرة التحوير نريد الأخذ بتجربة الأديان التوحيدية: فهذه الأديان تشترك في أساس واحد وتؤمن باله احد وتتشابه في المفاهيم لما بعد الموت والأخلاق وتبدو قريبة أكثر مما نعتقد- إذا أزحنا جانبا الفروق التطبيقية أو المفاهيم الطارئة على تلك الأديان. ولعل دراسة مقارنة توضح القصد.

والمقارنة هنا بين نظرة الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام نحو قيمة الدولة. ولهذا أهمية لان هذه الديانات تحرك أكثر من نصف البشرية الآن وتتحكم بأكثر من 80% من مصادر القوة والتحكم المادي والفكري للإنسانية.

ومع أن اليهودية قليلة الأتباع إلا أنها بحكم أقدميتها أثرت على الفهم المسيحي كثيرا بحيث أصبح من الصعب فصل الديانتين- وقد اعتبر الإسلام نفسه امتدادا تصحيحيا للمسيحية واليهودية وانه إعادة التعريف مما يتطلب المقارنة بين الأديان الثلاثة.

نشأت اليهودية كدين لبني إسرائيل بعد نشوء مجتمعهم ودولتهم. وقد تأسست على مفاهيم التوحيد المشابهة للدين الإسلامي- لكن خصوصية المجتمع الإسرائيلي القبلي حصرت الفهم الشمولي للتوحيد في بني إسرائيل. بحيث كان الدين لخدمة بني إسرائيل وهذا يمثل المحرك والمميز الأساس لليهودية – الدين في خدمة المجتمع.

وقد تم تعديل الفهم الديني عند اليهود على مدار السنين بما يناسب مصلحة المجتمع. وبهذا تم اختصار الدين كفكرة لخدمة تميز مجموعة عرقية تعتقد التفوق الذهني والمهمة الإلهية. وعلى ذلك ارتبط مفهوم الدولة في الدين اليهودي بمؤسسة لخدمة المجتمع والحفاظ على تميزه. وعندما سقطت الدولة أصبح الجيتو وسيلة للحماية واستطاع اليهود الحفاظ على تواجدهم.

المسيحية نشأت من رحم اليهودية التي جاء المسيح لإعادة تعريفها وتصحيحها. هكذا يفهم المسيحيون دور المسيح أساسا. وقد أنكر اليهود على المسيح حركته التصحيحية وتمت محاولة قتله ونجحوا في ذلك حسب الفهم المسيحي. وتشرد المسيحيون بعد ذلك وبقوا يعانون مئات السنين حتى احتضنتهم الدولة البيزنطية.

وقد كان من الصعب استيعاب لماذا يقتل النبي ويتشرد المؤمنون على مدى 3 قرون. ولم يكن هناك بد من وضع تفسير معقد الإقناع: تمثل في " اعتبار المسيح ابن الله" وانه جاء لإنقاذ البشرية من أخطائها وان مقتله الظاهري كان لتحمل ذنوب البشر وانه رحمة من الله للإنسانية اتخذت مظهرا دراميا ليعود البشر إلى صوابهم. وأصبحت التضحية والبطولة الفردية خارج الكيان المجتمعي مميزا للمسيحية.

وقد تغيرت معاناة المسيحيين البؤساء بعد احتضان الدولة العظمى لهم وتوسعت الديانة بحماية الدولة. ولكن لم يكن للدولة قيمة ذاتية في الفهم المسيحي وبقيت كيانا خارج الدين على المستوى الفكري لذلك كان ممكنا تفهم فكرة فصل الدين عن الدولة وما لله لله وما لقيصر لقيصر.

ولم يكن هناك قيمة للعنصر في الدين المسيحي. وفوق هذا فان الإمبراطورية الرومانية ذات القوميات المتعددة هي التي حمت المسيحية مما جعل المفهوم القومي في المسيحية معدوم المعنى وبقيت فكرة القومية والعنصرية خارج الدين.

أما الإسلام فقد جاء متأخرا في زمن وجود دولتين متناحرتين ونشا في مجتمع مغلق يعاني من جاهلية مأساوية. وقد نجح الإسلام في بناء دولة وحدت العرب في جزيرتهم الغارقة في الجاهلية وتمددت الدولة وانتصرت سريعا. وظهر بوضوح دور الإسلام في نشوء ونجاح الدولة. وهذا جعل مفهوم الدولة جزءا لا يتجزأ من الدين بحيث لا يمكن استيعاب الفصل بين الدين والدولة.

وقد تأسس الفهم المنتصر دون متطلبات تغيير أساسي في العقيدة بخصوص الخالق والغيب وبقيت المفاهيم الأصلية سليمة إلى درجة كبيرة. وقد حافظ القران المدون على صحة أسس العقيدة من التغيير.

وعندما تضخمت الدولة بدرجة كبيرة كان من الصعب إيجاد الإجابات الجاهزة المحسومة على المسائل الدنيوية مما تتطلب الاجتهاد المستمر. وحينها بدأت القوى الطبقية والقومية في التأثير كالعادة ونشأت اجتهادات كثيرة لاستيعاب تلك القوى. وظهر ما نعرف بالتراث الإسلامي المتنوع جدا والمختلف كثيرا بخصوص الكثير من المفاهيم المتعلقة بنظام الحكم أو النواحي الشخصية. وقد حافظ الإسلام على تقديره الكبير لفكرة الدولة كأساس لنجاح الدين.

وبذلك نرى تفاوتا كبيرا بين الأديان الثلاثة رغم الأساس الواحد في النظرة للدولة ودورها الديني والسياسي.

ظهور الشيوعية في روسيا والصين وأفولها:

مثل الاتحاد السوفيتي مجتمعا متعدد القوميات والأديان ومرتفع المستوى الفكري ودولة توسعية من الطراز الأول ومجتمعا مكتفيا بمعظم المقاييس. وتمكنت ماديا وعسكريا من تاطير نصف العالم ضمن مسارها الماركسي اللينيني لمدة 70 عاما ثم انهارت مرة واحدة- لماذا.

مثل المجتمع القيصري قبل الشيوعية مجتمعا إمبراطوريا طبقيا متعدد القوميات ومكتف وقليل التعرض للغزو الخارجي وبمستوى متوسط من النمو الحضاري. وعليه فقد تمثلت عوامل عدم الاستقرار فيه بالطبقية والصراع القومي داخل الدولة وهي عوامل داخلية نموذجية حسب النموذج المطروح. وهذا المجتمع غير مستقر وقابل للتغيير والثورة وقد تم ذلك بسرعة في نهايات الحرب العالمية حين تم تحييد الدور الخارجي واستطاعت الماركسية النجاح بسبب دعوتها تحرير الفقراء مهما كانت قومياتهم.

وقد تناغمت الطروحات تماما مع متطلبات المجتمع في روسيا القيصرية. فالقضاء على الأرستقراطية كان مطلبا جماهيريا واسعا. وتم كبت العنصرية الروسية ولو نظريا كعامل استقرار مؤقت لضمان ولاء القوميات الأخرى.

وقد ساعدت ظروف الصراع الغربي في العالم وتمزق أوروبا على تألق الفكرة أكثر وظهرت الماركسية بديلا ناجحا للرأسمالية المندحرة. وتبنت الماركسية نموذج الثورة العالمية (ونجحت في الصين وتم تحرر العالم الثالث من الاستعمار الغربي ولو مؤقتا) وشعارات لا تميز بين الشعوب وتحتقر التمييز العنصري وتحارب الطبقية والاستغلال. وقد بدا أن الأمور تسير بشكل حتمي نحو سقوط الرأسمالية.

ولكن لم يحصل شيء من ذلك. وظهرت الرأسمالية أكثر نجاحا في إدارة المجتمعات الغربية منذ بداية السبعينات. وبدأت الشيوعية الروسية تظهر شيخوخة مبكرة (لم يظهر الأمر بنفس السرعة لتجربة شيوعية الصين بسبب انعزالية الصين وكبر حجمها). وفشلت تجارب الاشتراكية في العالم الثالث إلا ما ندر من حالات مثل كوبا. الأسباب كثيرة ولا نريد الخوض في تحليل تاريخي ولكن هناك معالم رئيسة:

أول مظاهر الشيخوخة كانت في نظام الحكم نفسه اقتصاديا أو إداريا: فمركزة الإدارة للاقتصاد دمرت الدورة الاقتصادية النشطة. وعانت روسيا من مشاكل إيجاد الطعام والملبس لأهلها وبدأت مظاهر نقص السلع الأساسية متناقضة مع وعد الرفاهية الشيوعية.

والمظهر الآخر للفشل تمثل في شخصيات الحكم التي تكلست بسبب طول فترة البقاء في الحكم. وبدا النظام منغلقا وغير قادر على تجديد نفسه. وتميز النظام بدكتاتورية حكومية وبدت الدولة على شفا الاختناق السياسي. وطبعا أثرت عوامل الحرب الباردة في تأجيج وتضخيم العاملين السابقين.

ولم تنجح محاولات القضاء على العامل القومي داخل الاتحاد السوفييتي وبدأت مظاهر التمايز العرقي واضحة لكل من ينظر. ونشأت طبقة حكم تملك الدولة والقرار السياسي والمال وحرية السفر للخارج مقابل بقية الشعب طبقة محرومة من الحرية وتعيش مستويات اقتصادية مكتفية بالحد الادني مع مظاهر النقص المتزايدة.

وظهر مجتمع الاتحاد السوفييتي في الثمانينات مجتمعا طبقيا من نوع جديد ( بيروقراطية الحكم مقابل الشعب) متعدد القوميات وبعنصرية مركزية للعنصر السلافي ومعرض للهجوم الخارجي المستمر لإسقاطه وخلل فكري ومنهجي في تفسير الظواهر وترجمة التطورات وخواء روحي بسبب مادية التفسير بحيث بدا الدين التململ في محاولة إعادة تعريف لدوره.

كان مجتمع السوفييت مجتمعا اقل استقرارا من مجتمع القياصرة قبل 70 عاما. مضافا لذلك تململ ديني ودعم دولي للثورة والتغيير.

فسقط النظام السوفيتي سريعا وانهار دون حرب. لقد أعلنت النظرية فشلها بشكل مفجع. ولكنها لم تفشل بنفس الدرجة أو السقوط في الصين أو كوبا لماذا؟.

الصين لا تعاني جديا من مشكلة تعدد القوميات ولان الطبقية الشيوعية فيها اقل حدة من الطبقية السوفييتية لان الصين لم تتقدم بنفس درجة الاتحاد السوفييتي وفوق هذا لم تنهر الصين لان الضغط الدولي كان اقل بكثير. أهم الأسباب للصمود في حالة الصين تكمن في ضعف الصراع القومي وقلة التدخل الخارجي. أما كوبا فهي حالة مميزة حقا ولها علاقة بشخصية كاسترو ومن الصعب الحكم على التجربة من خلال تقييم عهد واحد.

انتصار الرأسمالية على الشيوعية ونشوء العولمة: تدهور الرأسمالية في دورتها الجديدة

هزيمة الشيوعية وسقوطها في روسيا لا يمثل انتصارا للرأسمالية الاميركية كما يحلو لأميركا أن تكرر دائما. هزيمة الشيوعية هي تعبير عن فشل الأساس النظري لفكرة الشيوعية التي تشترك فيه مع الرأسمالية كما أوضحنا سابقا.

سقوط الشيوعية يعبر ويتنبأ بسقوط مقابل للرأسمالية بمظهر آخر وبأسباب أخرى وبزمن آخر. ويرتبط ذلك التفاوت بعوامل التأثير الخارجي غير الذاتية مع الاعتبار أن الرأسمالية تمثل اتجاها عكسيا في مسيرة المجتمع مقارنة بالشيوعية مع أنها تقوم على نفس الفرضية.

سقوط الرأسمالية يتمثل في معاناة الملايين في العالم وفي انتشار العنف الاجتماعي والدولي وفي انهيار مفهوم القومية ومفهوم الأخلاق والعودة للحروب الاستعمارية. لن تكون هناك شيوعية هذه المرة لتكشف عيب الرأسمالية قبل أوان سقوطها. وليس هناك قوة تستطيع الوقوف ضد الرأسمالية إلا سقوطها الطبيعي. الرأسمالية تسرع الخطى نحو النهاية لأنها الطريق الوحيد لاستمرار الرأسمالية الآني والبديل مجتمع ما بعد الرأسمالية.

سقوط الرأسمالية سوف يحصل بحروب عنصرية وبصراعات الفقراء مع الأغنياء وبعولمة الاقتصاد لخدمة الأغنياء وبهدم الدولة القومية بل هدم مفهوم الدولة المستقلة من خلال هيمنة المؤسسات متعددة الجنسية والذي يتأطر الآن ضمن هجمة عنصرية غربية. لكنه في النهاية محاولة لتوحيد النظام البشري لخدمة الأغنياء مهما كان أصلهم ضد الفقراء مهما كان منشأهم وبهيمنة أغنياء الغرب ومفاهيمه المنطقية.

انتصار الرأسمالية سوف يكون بداية تحولها لنظام آخر لا علاقة لها به:
كيف نفسر ما يبدو بعيدا عن الواقع. الرأسمالية القائمة على إنكار القومية والأخلاق الذاتية والتي تعتمد الاقتصاد أساسا وحيدا سوف تصل للعولمة وتهيمن على العالم وتهدم الدول القومية وهذا نراه في كل خطوة منذ انهيار السوفييت.

انهدام الدول القومية لا يعني سقوط التمايز القومي بل هو ترسيخ لهزيمة عرق وعنصر مقابل آخر وعندما يتفاقم ذلك بهزيمة أخرى للفقراء من القومية المهزومة لصالح الأغنياء التابعين من نفس جلدتهم فان عمق الكراهية للطبقة الغنية سيكون عظيما جدا. وهذا يشبه ظاهريا العالم قي نهاية القرن التاسع عشر ولكن مع فرق جوهري وهو تجربة الشيوعية وفروق أخرى نذكرها لاحقا. لم يعرف العالم الشيوعية حينذاك فقبلها بديلا مع اشتراكها بالفهم الأساس مع الرأسمالية. البديل الآن لا يمكن أن يكون ما اثبت فشله.

في بداية القرن العشرين كانت الرأسمالية متألقة وشرسة وكانت القومية في أوجها أيضا. وقد تضامن أغنياء وفقراء كل قومية ضد القوميات الأخرى أكثر من تضامن الأغنياء ضد الفقراء. وهذا يعني أن ثنائية الصراع بقيت قائمة على مفهومي البقاء والنوع مع تأثيرات غير واضحة للقوة الشمولية.

الآن تبدو القومية مسحوقة أمام العولمة والطبقة الغنية موحدة في رغبتها السيطرة على العالم ويبدو أن أغنياء قومية معينة يفضلون أغنياء قومية أخرى على فقراء قوميتهم. وهذا يعني أن الانقسام الآن لا ينطبق على الخطوط القومية وإنما على الخطوط الطبقية أكثر. مع أن هذا لا ينفي استمرار العامل القومي فعالا كما حصل في الاتحاد السوفييتي خلال حكمه.

ثورة الفقراء الآن لا يمكن حصرها جغرافيا لان كل أغنياء العالم سوف يتضامنون لسحقها وليس أمام الفقراء إلا الثورة في كل مكان وبوسائل مختلفة. ثورة الفقراء سوف تأخذ مظهرا "إرهابيا" أكثر وحركات سلم وعصيان مدني ومنظمات ضد العولمة مع احتفاظ العامل القومي بدورة التحريضي لصالح الأغنياء من خلال عنصرية الغرب ضد فقراء الشعوب الأخرى.

وعندما تصل الهيمنة الرأسمالية لتوحيد اقتصاد العالم لن تكون هناك قوميات قادرة على القتال إلا إذا اتخذت بعدا فكريا أو طبقيا مع أنها ستكون فعالة بتأطير القوميات ضمن هذه المعركة. والمعركة لن تكون جبهة محددة في الجغرافيا ولكن في كل مكان.

وبسبب الوعي الناتج عن التعليم وتقدم وسائط الاتصال لم يبق في العالم جغرافيا معزولة وأصبح سهلا نشر الأفكار بحيث يمكن للبشرية إيجاد فكر مشترك للجماهير الموزعة جغرافيا.

مجموعة العوامل سوف تصنع الإنسان الفقير الجديد الذي يعيش جارا للغني وبأفكار تحمل العكس. هذا الإنسان الذي يتعلم بسرعة لن يقبل استمرار الأغنياء بهدر قوميته وماله ودينة( القوى الثلاث) وستبدأ أفكار ما بعد الرأسمالية بالتبلور.

خامسا: مجتمع ما بعد الرأسمالية والشيوعية

يمكن للبعض اعتبار تاريخ 11-9-2001 بداية نشوء مجتمع ما بعد الرأسمالية والشيوعية. ويمكن للبعض الآخر اعتبار احتلال العراق نقطة التحول الفعلية. وبشكل عام يمكن اعتبار عهد بوش الابن نقطة تحول المجتمع الإنساني لما بعد الشيوعية والرأسمالية مع أن كل ما يعمل له هو تكريس عهد الرأسمالية للأبد.

طبعا ليست عبقرية بوش ولا إبداع القاعدة ما وفر اللحظة التاريخية ولكنه سقوط الشيوعية قبل 15 عاما وانقضاض الرأسمالية المحموم بعد فترة التردد الطويلة أيام كلينتون وظهور الإسلام كعدو للغرب وبقاء الصين خارج اللعبة. هذه الأسباب الأربعة فرضت اعتبار اللحظة التاريخية نقطة تحول.

أهم مظاهر التحول تأخذ تعبيرها في التوجهات التالية:

1- تاطير دور الأمم المتحدة إلى مؤسسة حكم لصالح أغنياء العولمة وتحول مجلس الأمن إلى حكومة تشرع وتشرف على تنفيذ برامج الأغنياء. ودور الأمم المتحدة في حرب احتلال العراق منذ 15 عاما والدور الجديد في حصار سوريا وإيران تمثل مظاهر لآلية عمل الحكم الجديد. كل دولة تتحدى مصالح طبقة الأغنياء العالمية سوف تدفع الثمن من استقلالها وكرامتها وإذا لم تلتزم يتم احتلالها. وهذا يقضي على عدد الدول المتمردة سريعا ويصبح العالم أكثر طواعية لحكومة المركز.

2- وبسبب هذا التوجه القمعي لمجلس الأمن والأمم المتحدة تفقد القوميات والحركات الشعبية المناهضة القدرة على الصمود المستقل. وتبدأ بالعمل من خارج القانون الدولي لحماية وجودها وبالانتشار على مستوي العالم. ومفهوم "الحرب على الإرهاب" هو كود لتعبير "الحرب على كل متمردي الأرض على النظام الجديد".

3- وبسبب صعوبة نجاح هذه الحرب العالمية فسوف تزداد ضراوة الصراع والعمليات العنيفة بحيث يصبح العالم أشبه بمعركة مفتوحة الزمان والمكان وبدون جدوى للحسم لان العدو للنظام القائم غير محصور جغرافيا أو عرقيا وفي أحيان غير محصور طبقيا وهذا يعني تاطير الصراع على مستوى العالم بوسائل مختلفة.

4- وبسبب هذه العوامل سوف تفقد الدول المنضوية تحت مظلة حكم العالم السيطرة على الموارد الحساسة وتبدأ الدولة في الانهيار أمام موجات العنف الداخلي.

5- ولكن النظام الجديد لن يقبل الهزيمة وسيستمر بوضع القوانين القمعية تحت شعار محاربة الإرهاب إلى درجة حصار الحريات المألوفة في المجتمعات الغربية وتحولها لمجتمعات شبيهة بأنظمة العالم الثالث القمعية ولكن مع فارق جوهري وهو أن تلك المجتمعات متقدمة وأنظمتها السياسية تسمح بالتغيير القانوني إذا وصل الشعب للنفور من النظام القائم.

6- وعندما تحاول الأنظمة منع إمكانية توفير البديل الديموقراطي وتقدم البدائل المتشابهة في موقفها الطبقي والقانوني كخيارات وحيدة للشعب ستبدأ الحركات الشعبية محاولة تاطير نفسها خارج المؤسسات الحزبية التقليدية وإنشاء أحزاب تحمل مفاهيم جديدة تعالج الخلل في النظام الديموقراطي وأسبابه.

7- سوف تواجه تلك الأحزاب خيارات صعبة. ولن تجد إمكانية لتبني مفاهيم الثورة المسلحة مثلا لان تلك الثورة سوف تحارب بقوانين محاربة الإرهاب. وعندها ستحاول طرح مفاهيم جديدة تتناسب مع البنية الاجتماعية القائمة على ثورة الاتصالات. وسوف تستطيع نشر مفاهيمها بتلك الوسائل بشكل أكثر فعالية من الوسائل الحزبية التقليدية وسوف تظهر أحزاب عالمية متعددة القوميات ( تجربة الماركسية الأولي مثال على فكرة الحزب الاممي لكن بدأت بثورة مسلحة) بأجندة تغيير تقوم على توفير أغلبية داعمة. وعندما تكون الاطروحات متناسبة فعلا مع متطلبات الأغلبية الشعبية ولا تدعو لوسائل تغيير عنيفة فسوف يتم استيعابها شعبيا وكلما كان الفكر المطروح أكثر تعبيرا عن الواقع للأغلبية سوف تصبح الفرصة أفضل للنجاح بالوسائل الديموقراطية.

8- لتجد الأنظمة الممثلة للأغنياء نفسها مضطرة لقبول حكم الأحزاب الجديدة وما تحمل من سياسات مقيدة لدورها على أمل إفشال تلك التجارب من خلال إفشال برامج التطوير بسبب نفوذ الطبقة المالية وتحكمها بالأسلحة على مستوى الصناعات. ولكن تدفق الفكر والإعلام سوف يسهل انكشاف الدور السلبي لتلك القوى مما يجعلها محاصرة أكثر.

9- وستجد القوى الممثلة للأغنياء نفسها مخيرة بين قبول الأمر الواقع الجديد وما يعنيه من نهاية للنظام الرأسمالي أو أن تبادر بالانقلاب العنيف. وعندها أما أنها ستقع ضحية قوانين منع الإرهاب التي وضعتها سابقا أو أن تنجح بالعنف في قلب النظام والتحول للدكتاتورية. وتصبح عند تلك النقطة أشبه ما تكون بالنظام السوفييتي الذي سقط لوحده. السقوط الجديد سيكون أسرع لان الإنسانية وصلت لمرحلة كشف الوهم الجديد. وإذا تمادت الدكتاتورية الجديدة في القمع فربما تستخدم العنف بشكل هستيري مدمر للبشرية أو تسقط مرة أخرى للعودة للنظام الديموقراطي المطور والقائم على المفاهيم الجديدة لما بعد الرأسمالية.

10- طبعا هذا التسلسل التاريخي لا يفترض الحتمية ولكنه مسار محتمل وقابل للنجاح واهم أسس نجاحه تبني مفاهيم تتناسب مع متطلبات الطبيعة البشرية السوية وتراعي القوى الذاتية الفاعلة. وإذا استطاعت وضع القوانين التي تستوعب قوة التمايز الطبقي وتحتويها ايجابيا وتسمح باستيعاب الفروق القومية كظاهرة قابلة للجسر من خلال التناسل المختلط وتبنت مفاهيم إنسانية شمولية تراعي رغبة الإنسان في التكامل الوجودي فربما تنجح أخيرا في بناء نظام جديد يوحد الإنسانية ويسمح بظهور كيانات ديموقراطية شمولية تستوعب القوميات وتحترم التعدد وتتحرك بالأخلاق الإنسانية.

سادسا: متطلبات النظام الجديد

نظريا من المفروض وجود أنظمة حكم تسمح باحترام الجميع وتشبه النظام الديموقراطي الغربي شكلا لتداول السلطة ولكن بمحتوى إنساني واقتصادي وفكري جديد.

في الاقتصاد:

1. أهم تجديد على المستوى الاقتصادي يتم بقوانين تشجع تقسيم الثروة للجمهور من خلال إنشاء المؤسسات الاقتصادية القائمة على ملكية شعبية حقيقية بحيث يكون مالكو الشركات فعلا مهتمين بدور تلك الشركات وليسوا مجرد تجار أسهم. واهم مظاهر ذلك التغيير إضعاف النظام البنكي الربوي وترسيخ النظام الاقتصادي الإنتاجي الموزع وليس الممركز وإضعاف دور الشركات العمومية الكبيرة واستبدالها بتوحدات لمؤسسات اصغر. بحيث تدار تلك المؤسسات بمستويات مختلفة لا تسمح بتغول الإدارات العليا المتخصصة وتتحول الإدارات الفرعية لإدارات تخصص مرتبطة بنوع النشاطات المتعلقة بحيث يزاد دور منتجي السلع الفكرية أو المادية الفعلي على حساب الإدارات العليا ويتم وضع قوانين تشجع الانقلاب.

2. وضع ضوابط على حجم أي توحدات مؤسسية( أو تكتلات ذات هدف محدد) ممركزة الإدارة بحيث لا تتجاوز مهما كانت الأسباب نسبة محددة من الدخل القومي الإجمالي. وبحيث لا تستطيع تلك التوحدات التأثير بشكل مفصلي على مسار التطور الاقتصادي الشامل.

3. منع تكون تحالفات بحكم القانون بين أية توحدات بحجم الحد الأقصى المسموح لتكوين مصالح خاصة لأي اتجاه إنتاج أو تمويل.

4. ضبط التوسع المادي للإفراد في تملك المشاريع المتعددة بحيث لا يمكن لأي فرد مهما كانت الأسباب تملك أكثر من نسبة محددة من الدخل القومي العام. ومنع تكون تحالفات بين مجموعات مالكين من تجاوز الحجم المسموح للتوحدات ويتم وضع القوانين التي تضبط ذلك.

5. منع الدولة من التدخل في ملكية وإدارة الإنتاج أو التحكم به تحت أية شعارات. وتحديد تخصص الدولة في الإشراف على ضبط القوانين ووضع الحدود مع توفير الدخل الكافي للدولة لتقديم الخدمات العامة من خلال نظام ضريبي مناسب شريطة إلا تتحكم الدولة مهما كانت الأسباب بأكثر من نسبة محددة من الدخل القومي.

6. ضبط إدارة الاقتصاد وسياسة الحكومة من خلال مؤسسات فرعية هيكلية لا تسمح لأي كيان إداري حكومي من تجاوز التحكم لنسبة من الحجم العام للحكومة. وتاطير قوانين اتخاذ القرارات تصاعديا بحيث لا يجوز للأطر العليا القيادية اتخاذ القرارات دون الرجوع للمتطلبات الفرعية وبشكل يحدد سقفا أعلى لحجم تأثير القرارات العليا.

في السياسة والعلاقات الدولية:

1. تطبيق النظام الديموقراطي السياسي وتداول السلطة قدر الامكان في المؤسسات الإدارية الفرعية والتوحدية وإضعاف دور الإدارات العامة وتقليل هيمنتها على محتوي وحجم القرارات العمومية. مقابل تقوية دور الإدارات الفرعية المعبرة عن طبيعة عمل تلك الكيانات.

2. ضبط القوانين المتعلقة باتخاذ قرارات شن الحروب وتعقيد شروط شن الحرب بشكل لا يسمح للإدارات العليا وحدها اتخاذ قرار الحرب وإنما تصاعد وتدرج صدور القرارات بمستويات تمثيل الشعب المختلفة وبشكل يعبر عن توفر أغلبية شعبية حقيقية مطلقة تقبل شن الحرب.

3. إصلاح أنظمة إدارة قوانين الانتخابات لمستويات الحكم بشروط حصول توفر دعم أغلبية حقيقية لمؤسسة الحكم وتوفر تلك الأغلبية عند تشكيل الحكومات أو انتخاب الرئيس وفي حالة عدم مشاركة نسبة محددة من الشعب في العملية الانتخابية يعتبر النظام فاشلا.

4. تقوية الدول والتجمعات الإقليمية: بقصد الوصول إلى تجمعات إقليمية متجانسة قدر الامكان قوميا وثقافيا وذلك لضبط عمل هيئة الأمم المتحدة بعدد قليل من المواقف الدولية ذات الوزن الحقيقي ودون تهميش أية تجمعات إقليمية. مع ضمان حماية حقوق الأقليات في تلك التجمعات.

5. هيكلة عمل الأمم المتحدة لتعبر بشكل موضوعي عن توازن القوة والتمثيل السكاني والتقدم.

في الاجتماع والأخلاق:

1. معالجة وتشجيع الاختلاط العرقي لخلق عرق موحد قدر الامكان ودمج القوميات من خلال الاختلاط البيولوجى الشرعي لتوفير أسس جديدة لبنى اجتماعية جديدة.

2. تشجيع تكوين التجمعات السكانية من خلال تشجيع الزواج التقليدي ودعم الأسرة.

3. قوانين منع التمييز العنصري والطبقي.

4. محاربة الجريمة والعبودية وتحريم البغاء.

في التعاون الدولي:

1. تجديد وتحديث القوانين.

2. وضع موانع التلاعب والالتفاف على القانون وتخفيض دور الخدع القانونية.

3. وضع الأسس والمعايير لمشاريع قوانين حماية البيئة وتجديد مصادر الطاقة وحل المشاكل المتعلقة بالاقتصاد والإنتاج الدولي والتنمية وبشكل يخفف من مشاكل البشرية.

4. ضبط الأمن الدولي بقوانين تشبه ضبط الأمن على مستوى الدولة الواحدة وبدون هيمنة عرق أو تجمع إقليمي أو دولة مركزية.

5. وضع ضوابط وقوانين تحدد العدوان وحق المقاومة.

ملحق رقم 1

نموذج التركيب الفيزيائي للكون والية وجود عناصر التفاعل والقوى:

يتكون اساس المادة من طاقة الفوتونات الضخمة عند بداية نشوء الكون وكلما انخفضت درجة الحرارة تبدأ مكونات المادة الأولية بالتكون ومن ثم تتجمع بالتوحيد الى تكوين البروتونات والنيوترونات التي تكون النويات بالاندماج النووي و التي بتعددها تتكون العناصر بعد اسر العدد المناسب من الاليكترونات وتتجمع الى عناصر ومركبات كيماوية. وتنشا التكتلات المادية من مجرات ونجوم وفي حالة توفر ظروف مناسبة تنشأ الجزيئات الحيوية. وهكذا يتدرج تطور التركيب الطبيعي.

مكونات المادة الأساسية:

الفيرميونات:

الفيرميون جسيم يحمل عزم مغزلي ذاتي بقيمة نصف ثابت بلانك أو مضاعفها الفردي وتخضع لقوانين دوران محددة وتجمعها تراكمي بحيث لا يمكن احتلال أي اثنين منهما حالة مكان وزمان وصفات واحدة وبالتالي فهي تعبئ المكان وتحجز الفراغ بطريقة تجعل وجودها ملحوظا. وتحمل شحنات صفرية أو جزئية من شحنة البروتون أو موجبة أو سالبة لشحنة الإليكترون والأساسيات منها عائلتان:

1. عائلة الكواركات: وهي ستة ونقائضها بإجمالي 12 جسيما( فوق وتحت وغريب وساحر واخفض وأعلى) وكلها غير مستقرة ما عدا اثنين ونظائرهما وهما فوق وتحت. وتتدرج كتلة الكوارك الحر من نصف كتلة البروتون تقريبا الى 40 ضعف تلك الكتلة. وهي جسيمات تحمل عزم مغزلي ذاتي بقيمة نصف ثابت بلانك. وتحمل شحنات جزئية من شحنة البروتون. وتتفاعل بالقوى الأربعة القوية والضعيفة والكهرومغناطيسية والجاذبية.

2. عائلة اللبتونات وهي ستة ونقائضها بإجمالي 12 جسيما ( إليكترون وميون وتاو - ونيوترينو كل منها) وهي غير مستقرة ما عدا الإليكترون ونقيضه وكل النيوترينونات مستقرة ما عدا إمكانية تحول صغيرة فيما بينها. اللبتونات الأساس تحمل شحنات موجبة وسالبة لوحدة الإليكترون وكل النيوترينونات شحنتها متعادلة. وتتفاعل اللبتونات بالقوة الجاذبية والكهرومغناطيسية والضعيفة لكنها لا تدرك القوية.

البوزونات:

وهي جسيمات تحمل عزم مغزلي بقيمة ثابت بلانك أو مضاعفه وقوانين دورانها مختلفة عن الفيرميونات وتجمعها إدماجي بحيث تميل الى احتلال نفس حالة المكان والزمان والصفات ولا تعبئ بالتالي حيزا مشهودا وهي جسيمات اتصال وتبادل ولا تمثل كيانات مستقلة عن وجود الفيرميونات وتمثل رسل القوى المختلفة ومعبرا عن قوتها. البوزونات الأساسية هي:

1. بوزونات القوة الكهرومغناطيسية: الفوتون وهو مستقر وعديم الكتلة وطويل المدى ورسول القوة الكهرومغناطيسية

2. بوزونات القوة الضعيفة: الميزونات دبليو الموجب والسالب والزي المتعادل. وهي غير مستقرة وكبيرة الكتلة وتمثل رسل القوة الضعيفة قصيرة المدى ومسئولة عن جزء من التحلل المادي.

3. بوزونات القوة النووية القوية: الجليونات وهي مفترضة الوجود لكنها لم تقس منفردة وكتلتها غير معروفة وتمثل رسول القوة النووية وهي قصيرة المدى وتأتي ب 8 أصناف من 3 ألوان.

4. بوزون الجاذبية: الجرافيتون وهو رسول الجاذبية وضعيف الطاقة مقارنة بالفوتون وطويل المدى وكتلته صفر ولكن لم يتم العثور على أي آثار وجودة الحقيقي.

وتخضع الفيرميونات للقوى الأربعة الأساسية وتتراسل بالبوزونات حسب قوانين ميكانيكا الكم التي تعرف أسس التعامل. بحيث يمكن وصف حالة أي جسيم أو تجمع جسيمات باقتران حالة مطلق الوصف حقيقي التأثير مربعه يعبر عن احتمالات التواجد المكاني وتكامله حول أي صفة من صفات الجسيم يعطي قياسها.

والصفة الاولى لميكانيكا الكم أن اقتران الحالة وصف رياضي يحمل جزءا تخيليا مربعه حقيقي ويمكن الادعاء انه وصف ذاتي للجسيم الحر ومترابط في وصف أجسام متفاعلة ويبقى الترابط شاملا كاملا طالما بقي الكيان الموصوف معزولا عن أية تفاعلات أو تبادل للطاقة خارجه.

والترابط الشامل الكامل مفتوح الزمان والمكان وأي تغير لجزء من الكيان المعزول يؤدي الى تغير لحظي في جزء مقابل بطريقة تضمن بقاء الوصف الإجمالي للكيان ثابتا مهما كانت الأبعاد والمسافات بحيث يتجاوز السلوك قوانين نقل المعلومات المسقوفة بسرعة الضوء. وتلك المعلومات ليست مادية ولا تحمل طاقة وهي غير قابلة للقياس ولكن نتائجها قابلة للقياس المحكوم بقوانين الميكانيكا الكمية بشكل خضوع مطلق.

ومثل هذا الوصف يوحي بوجود كيان غيبي مؤثر في المكان والزمان ومرتبط بالكيان المشهود ويؤثر به وعلية. فميكانيكا الكم يمكنها مبدايا أن تصف عالم الغيب والشهادة رياضيا وفيزيائيا وبقوانين مضبوطة.

والصفة الأخرى المثيرة لقوانين ميكانيكا الكم هي قانون هايسنبيرغ المتعلق بدقة الكميات القابلة للقياس بحيث لا يمكن قياس كميتين مترابطتين بقانون هايسنبيرغ بدقة مطلقة لكل منهما معا.

وكلما ازدادت دقة واحد ساءت دقة الأخرى بطريقة تكفل ان مضروب الخلل في الدقة يساوي أو اكبر من ثابت بلانك الطبيعي. والكميات المترابطة بهذه العلاقة هي المكان - والعزم الخطي والطاقة - والزمن والزاوية الدورانية - والعزم الزاوي وكميات أخري تصف المادة.

وتأثير قانون هايسنبيرغ مطلق ولا يتعلق بالقياس فقط وإنما يمكن استخدامه كقاعدة شاملة لتحديد دقة أية كمية في أي موقف حتى قبل القياس وبحيث تسمح بتجاوزات غير قابلة للقياس في قوانين حفظ الطاقة أو العزم بشكل محصور ضمن فترات زمنية مناسبة أو مسافات محددة.

وهذا يؤكد ان قوانين الحفظ مصانة عند القياس لأي كيان مادي معزول ولكنه يوحي بقابلة لعدم الحفظ ضمن فترات الزمان أو المكان المسموح بقانون هايسنبيرغ مما يسمح باشتقاق علاقات الحركة للمادة ويكفي مبدايا لاشتقاق كافة قوانين ومعادلات ميكانيكا الكم. ويبدو المبدأ علاقة تربط عالم الغيب بالشهادة.

والصفة الثالثة المثيرة ان اقتران الحالة يستمر موصوفا بمعادلات دقيقة ويتطور بناءا عليها. لكن انتقال القفزة من حالة الى أخرى قابلة للقياس يتطلب تفاعلا بكمية تزيد عن حدود التجاوز المسموحة حسب هايسنبيرغ. بمعنى ان استمرار التجاوز ضمن علاقات هايسنبيرغ لا يمكن اعتباره حالة قابلة للقياس بوصف منفصل.

وإذا توفر تفاعل اكبر من حدود علاقة هايسنبيرغ يتم الانتقال الى حالة أخرى قابلة للقياس. والانتقال فجائي ويمثل انقطاعا عن التطور الموصوف بالمعادلة الأصلية ويمكن اعتباره تفاعل طارئ.

والصفات الثلاث أعلاه تسمح بنسبة من عدم القدرة على الوصف الصارم لتطور الأشياء وتبقي درجة من الحرية في تطور المسار. و هذه النسبة الصغيرة من الحرية هي التي تسمح بنشوء حالات غير متوقعة أو ما يسمى بالخلق الإبداعي في الوجود المادي أو حتى المعنوي. وهي التي تسمح بنشوء ظواهر غير ممكنة الحدوث إطلاقا لو تابعت الالتزام بدقة صارمة لمعادلة اقتران الحالة.

ومن الملفت للنظر ان الكيان العقلي للكائنات الواعية والتي لها أجهزة عصبية هو قدرتها على امتلاك حالات عقلية يمكن وصفها بصفات ومميزات قوانين الكم. وكأن العقل أو الكيان العصبي جهاز متطور يضخم بقاء الظواهر الكمية واستمرار صفاتها على مستويات مادية لا تسمح ببقاء ظواهر الكم قائمة بسبب ضخامة الحجم واستحالة العزلة لضمان استمرا اقتران الحالة المرتبط.

وهذا يوحي ان قوانين الكم التي تحكم سلوك الكيانات المادية الصغيرة جدا وتسمح لها بدرجة من حرية السلوك وكأنها تعي ما تفعل بشكل ضئيل جدا إلا انه يمكن تكبيرها بجهاز معقد كالدماغ لتعبر عن نفسها على مستوى كيان ضخم وعن مستويات معقدة من الوعي.

وبهذا الشكل نجد ان قوانين الكم التي تصف الوجود الكوني الشامل تسمح بفرضية وجود وعي أصيل مرتبط بالأشياء وهذا الوعي بدائي يتطور ويصبح وعيا مميزا ومشهودا بمستويات الوعي البشري إذا توفرت تركيبة تحفظ القوانين الشاملة للكم.

وإذا صح هذا الوصف نكون قد وصلنا الى حلقة رئيسة تربط المادي بالغيبي ضمن وحدة واحدة ويسمح بالوصف العلمي للظواهر ما قبل القياس أو ما لا يسمح بالقياس مع ان ذلك لن يكون ذا فوائد كبيرة ما دمنا لا تستطيع القياس. لكن يمكن الاعتماد عليها للتنبؤ بقياس كميات خاضعة لها.

وهذا التحليل يطرح إمكانية ان مجمل التطور الذي نراه في التركيب المادي أو الاجتماعي يمكن وصفه بقوانين متشابهة الأساس. ويمكن ان يتم اختزال الظواهر المعقدة الى أسسها البسيطة المحكومة بالقوانين الأساسية. وربما يسمح هذا الاستعانة بتلك القوانين والنماذج للتطبيق على المستويات الأكثر تعقيدا.

القانون الشامل للسلوك المادي: هو الميل العام لأي كيان مهما صغر أو كبر ان يحقق أقصى درجات الحرية (الفيزياء العشوائية أو الاعتلاج) مع الميل المصاحب الى الحصول على اقل درجة من صرف الطاقة أو الجهد أو الفعل. بمعنى الميل الشامل لتحقيق أفضل المكاسب في الحرية بأقل التكاليف من الطاقة. ويمكن تحقق درجة اقل من الحرية لكيان يوفر الطاقة شريطة ان تكون الحرية الإجمالية للكيان ومحيطه اكبر من الحالة الأصلية. والكائن الحي مثال قوي لحالة تكون كيان اقل حرية على مستوى التركيب الذري مقابل نشوء واستهلاك لمصادر الطاقة تؤدي الى حركة عشوائية إجمالية اكبر.

هذه الصفة شاملة تنطبق على كل شيء. والتعبير المكافئ لها على مستوى الكيانات الإنسانية هو ميل الإنسان فردا أو حتى مجموعة الى الحصول على الحد الأقصى من الحرية بأقل صرف للجهد. طبعا إذا توفرت طاقة أكثر فان الحرية تميل للزيادة وكلما نقصت الطاقة المتوفرة فان الحرية تتحدد. وإذا نقصت الطاقة عن خدمة الحد الادني من درجات الحرية لاقتران حالة فان الكيان ينتقل الى اقتران حالة حرية اقل.

ودرجة الحرارة تعبير عن كمية الطاقة المتوفرة وحالة الحرية المصاحبة والوصف يتباين حسب تركيب الكيانات. والعلاقة تكون بأفضل ترابطها عند وصف كيانات حرة لا تتفاعل ذاتيا بينها وكلما ازدادت درجة التفاعل البيني يصبح توفير الطاقة الزائدة قليل التأثير.

ويمكن مقارنة ذلك لحالة أفراد لا يتفاعلون مقارنة بمجتمع مترابط. فالمجتمع المترابط يستطيع الاستمرار في حالته المستقرة حتى لو توفرت درجات من التحريض والضغط. لكن المجتمع الفردي الذي لا يجمع كيانه أية روابط يتأثر بشكل اكبر حين حصول أي تحريض داخله أو تأثير خارجي عليه. والوصف طويل والأمثلة كثيرة.

المقابلة هنا محاولة لتجميع الظواهر والأفكار الناجحة والصحيحة من التراث الإنساني للوصول إلى نظرية منسجمة ومتكاملة تسمح بتفسير الظواهر بنموذج يشبه التركيب الفيزيائي للكون وبالية وجود عناصر التفاعل والقوى. ومحاكاة ذلك على مستوى الوعي الفردي كوحدة التفاعل الأساسية التي تقابل الجسيم الأولي لنموذج التركيب النووي والتدرج للتركيب الجسيمي للذرة والكيماوي للجزيء والفيزيائي لمكونات الأرض والكواكب والنظام الكوني التي تخضع في الأساس للقوى الأساسية التي تتفاعل على مستوى الجسيمات الأولية وتأخذ مظاهر أخرى على مستوى القوى المتحكمة بالكون بإجماله.

مقابلات التمثيل الإنساني للنموذج المادي: المقابلة للتوضيح وليس هناك ضرورة علمية للتقابل ويمكن ان لا تكون دقيقة أو معبرة في بعض الحالات ونتمنى اقتراحات لنموذج أكثر دقة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى