الأربعاء ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
كلاب الغاب وقانون الارهاب

مستوحاة من كتاب كليلة ودمنة

زاهد عِزَّت حرش

يُحكى أنه كان هناك غابة واسعة الأطراف.. استوطنتها مجموعات من قبائل مختلفة، من الذئاب والضباع والحمير والكلاب، أضافة لمن كان فيها من قبائل أصلية من الخراف البرية والخراف المدجنة التي كانت تعيش فيها. فازدهرت الحياة في الغابة وعمها التقدم والرقي، فأقيمت في ربوعها الحدائق الغناء والبحيرات والنوافير، وبدت كأنها من أجمل غابات الدنيا، حتى أطلق عليها سادتها الجدد اسم غابة الحليب والعسل.

وحدث أنه فى إحدى الأيام المشمسة، خرجت مجموعة من الخراف من حظائرهاا، بغية التنزه في ربوع الغابة وحدائقها، فانسل خمسة خراف مبتعدين عن القطيع، ودخلوا إلى حديقة لا تبعد عن حظيرتهم سوى أميال قليلة، حيث أنهم لم يرغبوا في تحمل عناء المسير لمسافات بعيدة. تجول الخراف الخمسة في ربوع الحديقة، ومروا بمحاذاة روضة غنية بالأزهار والورود الجميلة.. كما استمتعوا برؤية النوافير والبحيرات فيها، إلى أن وصلوا إلى بقعة مظللة باشجار كبيرة خضراء، تمتد تحتها مساحة مليئة بالعشب اليانع الأخطر، فطاب لهم المكان فلعبوا وضحكوا وغنوا وبرطعوا فرحين.

وفيما الخراف الخمسة جالسون على بساط العشب الأخضر، يتجاذبون أطراف الحديث فرحين سعداء.. وإذ بكلب أسود يتقلد سلسلة وضعت فيها نجمة زرقاء لامعة، تتراقص بانعكاس أشعة الشمس عليها.. يقترب منهم، فظنوا أنه عابر سبيل، إلا أنه حين أصبح بمحاذاتهم، نبح بصوت مبحوح وسألهم: - ماذا تفعلون هنا؟ فاجابه أحدهم، وكان خروف أسمر اللون تُكلل رقبته فروة سوداء تدل على هيبته وجديته.. قال: نتنزه في الحديقة لبعض الوقت. فرد عليه الكلب الأسود قائلاً: - ألم تعلموا بالقانون الجديد الذي يحرم عليكم الخروج من حظائركم؟ فاجابه الخروف: لم يُحَرم القانون علينا التجول في الحدائق.. فهي بلادنا أيضًا. فقال له الكلب: لو أنكم تحترمون ما وهبنا لكم من رغد عيش وسعة حال، ولم تتطاولوا وتتصرفوا بوحشية، لما اعترضنا عليكم، ولا قام سيدنا الحمار الكبير بسن ذلك القانون الذي يحد من حقوقكم. فسأله الخروف مستغرباً: وماذا فعلنا حتى توجه لنا مثل هذا الكلام؟ فقال له الكلب: لماذا تحرشتم بتلك الكلبة الشقراء التي مرت من هنا قبل نصف ساعة من الآن؟ ذُهل الخراف الخمسة وارتعدت فرائسهم.. وبدأوا ينفون أية علاقة لهم بالأمر.. محاولين اقناعه بكل الطرق أنهم لم يعترضوا كلبته الشقراء ولم يتحرشوا بها. لكن الكلب الأسود نبح وزمجر وقال لهم: انتظروني هنا وسآتيكم بالدليل القاطع على فعلتكم.

عاد الكلب الاسود من حيث جاء وهو يتلفت يمنة ويساراً.. يزمجر تارة وينبح أخرى إلى أن توارى عن عيون الخراف.. أما الخراف الخمسة فبدأوا يتساءلون فيما بينهم، أي اثبات سيجلب لنا؟ وكيف عرف بما حدث مع الكلبة الشقراء؟ هل أخبرته بقصتها معنا؟ فتارة يقنعون أنفسهم بانه كلب عنصري كاذب، وتارة يتوجسون من ردة فعله.. إلا أنهم أصروا على البقاء في مكانهم، حتى لا يقال أنهم خراف جبناء.

لم يمضي على ذهاب الكلب الأسود وقت طويل، فما مضى من الوقت سوى عشر دقائق أو أكثر بقليل.. وإذ بمجموعة من الكلاب، يتقدمهم ذلك الكلب الأسود.. يتجهون نجو الخراف، وكل منهم يكشر عن أنيابه وينبح والزبد يتطاير من فمه.. ارتعبت الخراف، وهمَت مسرعة تبحث عن طريق ووسيلة للهرب.. لكنه كان قد فات الآوان. فان الكلاب أحاطت بهم وبدأت تنهش في صوفهم وتمزق ما تصل إليه من أطرافهم. فعلا صراخ الخراف تستغيث طالبة للنجدة.. وهي تحاول بكل ما لديها من قوة أن تدافع عن نفسها.. مرة بواسطة قرونها وعدة مرات أخرى تحاول أن تهدء من روع الكلاب وهجومها، بأن تشرح لهم أن علاقات وثيقة تربط قبيلتهم بقبيلة الكلاب وأسيادها.. فلم تنفع محاولاتهم ولا استغاثتهم.. إلى أن مر بالقرب من المكان كلب بني اللون ضخم البنية ينتمي إلى قبيلة أخرى، فهجم على الكلب الأسود وجماعته، ففروا هاربين. عندها قام الكلب البني بمساعدة الخراف للعودة إلى حظيرتهم.

وما أن شاع وذاع خبر الاعتداء على الخراف في الغابة، حتى بدأت وفود التضامن معهم تأتي من كل أطراف الغابة.. فتضامن معهم كبير قبيلة الذئاب الشرقية، معرباً بذلك عن دعوته لقوى حفظ النظام بتحمل مسؤليتها ومعاقبة المعتدين.. وتوافدت مجموعات من عدة قبائل أخرى من الذئاب الرمادية والذئاب السوداء والذئاب القطبية الحمراء، لتقديم واجب التضامن والاستنكار. كما حضر بعض من أبناء قبائل الضباع والكلاب متعددة الانتماءات، تعبيراً عن تضامنها مع الخراف.. فعُقدت الاجتماعات وصدرت البيانات المنددة بالاعتداء الآثم. ووقف الخطباء ينددون، يستنكرون ويعبرون عن رفضهم لما ارتكبه الكلب الأسود وجماعته من الكلاب الفاشية.
فلم يبقى بعد كل هذا الاحترام أيها السادة الكرام، سوى ان تعتاد الخراف المدجنة على الخنوع، وان تواظب على دعمها لكل خروف عميل، يستميت في خدمة أسياده من الذئاب والكلاب.. خاصة وأن الغابة على أبواب انتخاب روأساء جدد لحظائر الخراف وغيرها من قبائل الغابة.

وهكذا ايها السادة الأنجاب تم تنفيذ قانون الغاب بواسطة كلاب الارهاب ضد خراف لها اذناب.. والى اللقاء مع قصة ومَثَل من غابة الحليب والعسل.

زاهد عِزَّت حرش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى