الجمعة ٨ آب (أغسطس) ٢٠١٤
بقلم رينا ميني

مسيحيو(ن)

"بلادنا لا تريدنا..."

هذا لسان حال مسيحيو العراق اليوم، بعد أن هُجّروا من بيوتهم ومدنهم قسراً، وارتحلوا عن ديارٍ تخبئ لهم الموت
والتعذيب عند كل زاوية وركن.

هم أصحاب الأرض طُردوا منها بعد أن خُيّروا بين الموت أو التحوّل عن معتقدهم أو دفع الجزية للغرباء. وكم منهم
حاول التشبث بأرضه دون الإذعان للشروط المجحفة، فقُتلوا وبعدها تمّ رميهم في الأنهار كالقمامة التي نلقيها عنّا، وكم
منهن اغتُصبن واستُبيحت أعراضهن كالجواري يعبثون بهن كأي مادة بلا قيمة.

جاءوا من بعيد، بربر وتتر هذا العصر، دخلوا البلاد واستفحلوا بها خراباً ودماراً، لا راعوا سلطةً ولا حرمة بيتٍ ولا
آدمية إنسان. جاءوا عمياناً يقودهم أعمى تخبطّوا بكل حيّ، إلى أن باتت مدن العراق صحراء خالية حتى من الرمال.

وإن كان هذا يحدث أمام مرأى ومسمع العالم كلّه، فالعالم صمّ أذانه وأشاح بوجهه، ودخل في صمتٍ تهتزّ لثقله أركان
الكون أجمعها. وبغضّ النظر عن الإستنكارات والتنديدات التي تضع وزرها على الأفئدة فتصبّ ناراً فوق نارٍ، وبغضّ
النظر عن القرارات السافلة التي تحث أهل العراق على مغادرة بلادهم، وبرغم المساعدات الآتية من الخيّرين، فإن كل
ذلك يبقى محاولاتٍ خجولة أمام الحلول الجذرية التي يجب أن يتخذها صاحب كل سلطةٍ ونفوذٍ كأن يثبت أقدام المسيحيين
في أرضهم ويمدّ لهم يد العون ويهبّ لنجدتهم وإنقاذهم من هذا الجور والبؤس.

كم رجلٌ سيسقط بعد، وكم أمٌّ ستثكل بعد، وكم من فتاة سيُنتهك عرضها وكم من طفلِ سيجوع حتى يعي الإنسان أننا ضحايا
مهاتراتٍ سياسية ولعبةٌ في سبيل المصالح.

أما آن الأوان أن يعود هذا الضمير الغائب الغابر عن زمننا، وأن تنتفض في داخلنا كرامةً تآكلها الغبار والعفن عبر
السنين؟ أما من نخوةٍ ترتعش فينا كالزلزال يقطّع الأوصال ويقلب الموازين، أما من مروءةٍ تثور في أعماقنا وتوقظ فينا
الرجولة والبطولة بعد الثبات العميق؟

مسيحيون نحن ونبقى، لا موتٌ ولا قهرٌ يفصلنا عن محبة إلهنا، لا ندفع الجزية لأحد، ولا نتفاوض على أرواحنا مع أحد،
وإن كان ضمير العالم مات، فنحن قائمون مع المسيح، لا نموت...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى