السبت ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد نادر زعيتر

مطلوب رأيكم، دام فضلكم

ذات يوم تبلغ الشاب خالد وأبوه طلب استدعاء أمام قاضي التحقيق العسكري بتهمة التزوير في بيان ولادة خالد للتهرب من خدمة العلم بدعوى أنه وحيد لأمه.

...........

منذ ربع قرن ولد خالد في مشفى خاص، وأقيمت بهذه المناسبة وليمة عامرة شاركت فيها زوجتا أبي خالد معاً، وسجل الجنين حسب الولادة الفعلية لأبيه أبي خالد وأمه التي ولدته فعلياً.

............

أبو خالد كان له زوجة أولى لم تنجب على الرغم من المعالجات داخل وخارج القطر، وانتظر لذلك عشر سنوات دون جدوى، وشخصت الحالة بأنها ضعف في الإخصاب من جهة المرأة بسبب قناة فالوب، ولا تجدي المعالجة في هذه الحالة.

كان أبو خالد يحب زوجه حباً جماً، ولاسترضائها سجل جميع ممتلكاته باسمها.
وبسبب شخصي و ضغط أهله ونصائح أصحابه عرض موضوع زواجه الثاني على زوجته التي قبلت بعد تردد، واشترطت لرضاها شرطاً محرجاَ، وبيتت أمراً، ولكن أهلها مانعوها بإصرار في هذا القبول، ولم ترد عليهم.

قالت الزوجة لأبي خالد: لقد سألت الأطباء المختصين، أجابوا: إنه يمكن أن ألد ولداً من بييضة ملقحة من امرأة أخرى تحـقن في رحمي ، بمعرفة طبيب مختص تعهد بنجاح العملية، وبشرط أن توافق تلك المرأة الخصيبة.

حاور أبو خالد أطباء أعلنوا له إمكانية العملية ونجاحها، واستشار أحد رجال الدين الذي قال له: لا يوجد حتى الآن من بحث في هذه الحالة أو حرمها, وطالما أن البييضة هي من صلبك وتلقيحها حلال أصلاً, فلا مانع من إجرائها بحذر وضمان، بشرط رضاء الزوجة الثانية مانحة البييضة. لم يأبه أبو خالد لآراء من رأى غير ذلك.

"بلا طول سيرة" كما يقال، تزوج أبو خالد امرأة قبلت بالشرط المذكور ولكن لمرة واحدة فقط.
و "بلا طول سيرة" أيضاً نفذت عملية حقن الزوجة الأولى من بويضة مصدرها الزوجة الثانية ملقحة طبعاً من الزوج، زوج الزوجتين، بعد مدة حبلت الزوجتان في آن واحد، وبعد تسعة أشهر ولدت كلتا الزوجتين، الأولى ولدت ذكراً سمي خالد وولدت الثانية أنثى، سجل خالد باسم أبيه وأمه التي ولدته فعلاً (الزوجة الأولى) وندعوها في هذه القصة " الوالدة الرحمية" أما الزوجة الثانية فندعوها "االأم البائضة" التي رزقت فيما بعد بعدة أولاد ذكور وإناث، بينما بقي خالد وحيداً بالنسبة لوالدته الحاضنة.

بقي موضوع الإنجاب وظروفه في أضيق نطاق كَسِــرٍّ بين دائرة ضيقة من الأهل.

الوالدة الفعلية كانت تسر في نفسها أن خالداً هو لها الإبن الذي كان بطنها له وعاءً، المرأة مانحة البييضة كانت تطمِّن نفسها بأن خالداً هو من كيانها أساساً وهو الإبن الصميمي لها، وكانت المرأتان زوجتا أبي خالد تتشاركان في حب وتدليل خالد وهو جنين ثم وهو طفل ثم وهو يافع ولا إشكال حيث البيت واحد.

أما خالد فقد أدرك لاحقاً ظروف ولادته ولكنه لم يلق بالاً لحيثيات الموضوع.

بعد عشرين سنة توفيت الزوجة الأولى "الأم االرحمية"، وكان خالد ٌقد أعـفي من خدمة العـلم بسبب وحدانيته لأمه، حسب القانون، وذلك بناء على الوثيقة الرسمية الصادرة عن دائرة الأحوال المدنية.

ولما كانت المتوفية ذات مال وفير معظمه من زوجها الذي استرضاها به من أجل الزواج الثاني، فإن ميراثها ينصرف حسب قانون الأحوال الشخصية لزوجها وللولد خالد الوحيد، لكن إخوة المتوفية ــ الذين يكرهون خالداً وأباه ـــ أثاروا مشكلة خطيرة وهي إنكار نسبة خالد لأختهم المتوفاة كونه من بييضة الزوجة الثانية وفي هذه الحالة فإنهم يستحقون نصف الميراث لأنه ـــ حسب دعواهم ـــ لا يوجد للمتوفية أولاد ، وذلك حسب القانون.

ـــ الأخت المتوفاة لا تمت بصلة جنسيىة بخالد، إنها مجرد حاوية له في رحمها وحاضنة ومرضعة له فرضته الظروف.

ـــ بل إن الأم الحقيقية هي التي نسلته ابتداءً, ويجب أن يلحق خالد بها نسباً.

ـــ لا علاقة للجهة المدعية (وهم أخوال خالد) بشأن من خصوصيات خالد ووالديه، ويذلك تنتفي مخاصمتهم ويقتضى رد ادعائهم.

ـــ بل إن لنا الحق في الميراث الذي نستحقه شرعاً بينما لا يستحقه خالد الابن المزعوم لمورثتنا أختنا المتوفاة .

ـــ الروح أصل للروحِ * تتناقل عبر الأرحامِ

ـــ امرأة فرعون ربت موسى * هل كان إلا هُ نبياً؟

ـــ وهل مريم إلا أما * مذ عيسى كان صبيا؟

ـــ وحليمة هل صارت أماً * بعد إرضاع محمد؟

عارض كل من خالد وأبيه تلك الدعوى، ودفعوا بالحجج والأمثال، وحصلت مجادلات ومخاصمات والتجأ المدعون إلى القضاء الذي أجرى خبرة شرعية وطبية لم تصل إلى رأي قاطع، وطلب المدعون إجراء فحص على جينات خالد وزوجتي أبيه، كانت النتيجة تماثل جينات خالد مع جينات الزوجة الثانية التي دعيت ب "الأم البائضة" ومخالفة لجينات المدعوة ب "الوالدةالرحمية ". ولكن محامي الجهة المدعى عليها رفض هذه البينة لعدم اعتمادها قانوناً ولعدم وجود موافقة مسبقة مِـن الذين أخضعوا لهذا الإجراء.

وحين تبلغت دائرة الأحوال المدنية لائحة الدعوى لبيان ما لديها، أعلمت إدارة التجنيد مباشرة بصورة عن الدعوى والتي أحالتها بدورها للقضاء العسكري الذي باشر التحقيـق كما ذكرنا في مطلع هذه القصة.

لا تزال هذه القضية أمام المحكمتين (المختصة بالنسب والعسكرية)، لم يبت بها بعد على الرغم من مرور سنتين بسبب تضارب الآراء.
ورأى خالد أن يساهم في حل المشكلة فالتحق بخدمة العلم وأداها، وهكذا طويت القضية أمام المحكمة العسكرية. وبقي الإشكال فيما يتعلق بالميراث، بانتظار حسم الدعوى أمام المحكمة المختصة في قضايا النسب.

وأنا القاص هنا بصفتي باحثاً، قد تقصّيت الموضوع من الشابكة الإلكترونية و وجدت في ما يسمى (غوغل) بعنوان "بييضة امرأة في رحم امرأة" / كتاب الفقه والمسائل الطبية ص81 ـــ 99/ أن ثمة قولين في الموضوع وفيما يلي الاقتباس حرفياً:

((القول الاول : إن اُم الولد هي صاحبة البييضة ، فإن أصل الولد منها وسوف يرث خصائص البييضة ، وصاحبة الرحم لا تعطيه إلا غذاء كالمرضعة ولا تعطيه أي توريث لأي صفة وراثية .
القول الثاني : لا دليل قاطع على عدم تأثير الرحم في حال الجنين وإيراث الخصائص ، فربما يقف الطب غداً أو بعد غد عليه ، بل يقول بعض الأطباء (1) : إن الولد في الحقيقة بصرف النظر عن أصل البييضة ليس فقط نتاج الكروموزمات الوراثية فقد ثبت طبياً الآن ـ وهو الاتجاه الطبي الجديد ـ أن الإنسان نتاج العوامل الوراثية وتفاعلها مع البيئة المحيطة ، وأشد هذه البيئات التصاقاً به هو رحم أمه ، فبصرف النظر عن الكروموزومات التي تحمل الشفرة الوراثية ، إلا أن هذا السلوك الوراثي يتأثر بالبيئة . . . ، فيمكن أن يكون الطفل يحمل كروموزومات المبيض الأصل الذي استنبط منه، ولكن وجوده وتكونه وتغيره صحياً وجسمياً ـ وقد يكون والله أعلم ــ نفسياً متأثراً بالرحم الذي حمل فيه . . .

أقول (أي صاحب المقال) : لا بعد ذلك في صحة القول الثاني، وأن الأم هي الحامل الوالدة استناداً إلى ظاهر آيات قرآنية كقوله تعالى : وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم (2) ، وقوله تعالى : حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً (3) وقوله تعالى : والله أخرجكم من بطون أمهاتكم (4) وقوله تعالى : إن أمهاتكم إلا اللائي ولدنهم 5) )، هذه الآية الأخيرة لمكان حصرها أوضح دلالة من غيرها على المطلوب((.


(1) ص321 وص232 الإنجاب في ضوء الإسلام .

(2) النجم آية 32 .

(3) الأحقاف آية 15 .

(4) النحل آية 78

(5 ) المجادلة آية 2

وهناك رأي ثالث ورد في الشابكة بعنوان: "أطفال الأنابيب" أقتبسه كما يلي:

((ونظرًا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصور الجائزة شرعًا ومن احتمال اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الاختبار ولا سيما إذا كثرت ممارسته وشاعت، ينصح الفقهاء ألا يلجأ إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى وبمنتهى الاحتياط والحذر((.

أما عن ثبوت نسب الولد لأي من المرأتين ( الأم البائضة والوالدة الرحمية), فإن المجال يضيق عن ذكر الآراء المختلفة في ذلك، وأحيل المتلقي إلى الشابكة / غوغل بعنوان: "أحكام مولود الرحم البديل ", وعناوين أخرى بنفس السياق.

وفي المآل، أترك لكم، القراء الكرام، الرأي في هذا الإشكال الذي يتداخل فيه الطب والشرع والمنطق والحداثة في شأن أطفال الأنابيب.

مطلوب رأيكم؟

(لقد اختصرت أبجدية القصة ـــ وهي واقعية ـــ لإفساح المجال للنقاش المفتوح).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى