الاثنين ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم علي دهيني

من المتآمر على الأمة.!؟

أذهلني ما تناهى لي سماعاً وقراءة، عن المخططات والأبحاث التي تجري في الكواليس الأميركية بخاصة والغربية عموماً، حول كيفية التخلص من ثقافة المسلمين عموماً والعرب خصوصاً، وكان التركيز في هذا الجانب وفقاً لمقتضيات المصالح، على منطقة الشرق الأوسط كونها تساعد أكثر على الاختراق لهذا الدين لما تشتمله هذه المنطقة على قوة في عناصر الخلاف خاصة بين الطائفة الإسلامية السُّنية والطائفة الإسلامية الشيعية. وبالتالي رسمت المخططات لهذا بما يكفل لها النجاح من خلال ضرب كل فئة من داخلها أولا وفي ذات الوقت بينهما مجتمعتين.

المعلن من هذه المخططات أمر مهول، فكيف بغير المعلن.؟

وتساءلت مع نفسي، هل نحن فعلاً نملك ثقافة موضوعية تؤهلنا للدفاع عن أنفسنا.؟ وهل نملك من الوعي الثقافي ما يفوّت على أعدائنا الفرصة بتمزيقنا وشرذمتنا والقضاء علينا.؟

وهنا ينبري دائما السؤال عن التاريخ، إن أي أمة وأي شعب وأي مجتمع، حين يتعرض للمحن يستعيد تاريخه ليستفيد من تجاربه الناجحة، إلا أننا نحن نعود لتاريخنا لنستلهم منه مكامن الفشل ونستمد منه عناصر الضغينة والكراهية.

وتساءلت:

هل نقف عند حدود التاريخ ونبكي أيام مضت وأسماء توارت.؟

طبعاً..لا.

هل نتخلَّ عن كل التاريخ ونتنكّر لكل ما أبدعه الرجال من فكر وما بنوه من أمجاد وما ضحوا به من الأنفس والأموال في سبيل الدين.؟

طبعاً.. لا.

هل نؤمن بأننا أمة توحدت تحت ظلالها شعوب وأعراق وألوان مختلفة مؤمنة برسالة وبمرجعية دينية واحدة: القرآن الكريم والسّنة النبوية الشريفة.؟

طبعاً.. نعم.

حسنا..

هل نؤمن بأننا شعوب وقبائل تستحق الحياة..؟

إذا كان نعم أم لا.. يبقى: كيف.؟

كي لا نعود إلى كل ذلك التاريخ وننوء بأثقاله وأحماله، علينا أن نجيد قراءة مراحله ونحدّد نقاط النجاح وكوامن الضعف، وهذا لا يكون إذا تركنا لعواطفنا أن تقرأ ولأفئدتنا أن تستلهم، بل أن نفتح الباب أمام المنطق وأمام صيغ العقل، وأن نبتعد عن الأهواء لأن فيها، كما في كل شيء في حياتنا، الجيّد وغير الجيّد، وهنا يأتي دور العقل ليحدد لنا أين نجحنا وأين أخطأنا.

"كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".

هذا بيان القرآن لنا، وهذه طريق الإرشاد، بل هذه هي صرخة الوعي والانتباه لنصحو من كبوات آخذة بوعينا ورَشادنا، بأنباهنا ومداركنا، آخذة بكل ما نملك من مقومات الفكر. وها نحن نصفّق لها لبراعتها في هذا.

كبوات تحولت إلى نوم عميق يسوغ لنا أحلام مجسّدة بأطياف الحقائق لكنها مسكونة بكل ألوان التكاذب فيما بيننا، والزيف، والمداهنة، في وقت تُحيك فيه عقولنا المؤامرات وتدبّر المكائد ليوقع كل واحد منّا بالآخر ويقف مزهواً يضرب بكلتا يديه على صدره مطلقاً صرخة الانتصار.. الاتنصار على من.؟ على الذات أولاً وآخراً.

إن أي انتصار اذا لم يُصب جسم الأمة بكامله هو انتصار منقوص، انتصار موبوء، فكيف اذا كان هذا المسمّى انتصاراً هو انتصار جزء من هذا الجسم على جزء آخر.؟

ما معنى أن نتباعد باسم العقيدة والدين وكلانا يعلم أنهما يوحّدان ولا يفرقان؟

ما معنى أن نجد سبيلاً لتبرير ذلك بأن يكفّر بعضنا بعضاً بل أن ينصّب أحدنا نفسه قيّما على قرار الفصل فيه هو من اختصاص العزّة جلاّ وعلا.؟

لا أتوجه إلى أهل السياسة، فطبيعة هؤلاء البرغماتية تمنعهم أن يسعوا في سبيل إصلاح، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وبحسب ولاداتهم السياسية في أسرّة الأعداء المتآمرين تفيدنا أن لا أمل يرتجى منهم. على العكس نراهم أدوات لترجمة المؤامرة وتصريفها. بل المُعوّل عليه في هذا هم أهل الفكر ورجال الدين وأصحاب المنابر. المعوّل عليه في هذا هم شباب هذه الأمة وشيبها بان يعوا مسؤولياتهم، ويحوّلوا كل مهاتراتهم عبر النوافذ الالكترونية وغيرها وقد ملأوها سباً وشتماً فيما بينهم، حتى تعرّوا أمام أنفسهم قبل أن يُعرّوا غيرهم من الأخلاق والفضائل الحميدة التي يتغنون بأنهم يدافعون عنها. وهم من حيث لا يدرون يُعتبرون وقوداً لمؤامرة سوف تأكلهم نيرانها قبل أن ينتبهوا من غفلتهم.

اذا كان كل منّا يمدح روافد ومناهل ثقافته ومدرسته الفقهية ويتغنى بأصولها العائدة للدين والعقيدة، وهو في الوقت ذاته يمارس الطغيان والتسيّد على باقي المدارس والتوجهات فقط لأنها تخالفه الرأي، فما معنى الثقافة حينذاك إذا لم تكن لفعل الخير وصالح المجتمع بكامله وإذا لم تكن لتوحّد وليس لتفرّق.؟

الخيبة كل الخيبة أن نتلهّى ونصرف الوقت والمال على نشاطات تزيد من التفرقة، ونملأ الشاشات والمنابر والصفحات بالاستشهادات على أفعال هذا أو ذاك دون أي سبب حقيقي يؤثر في طبيعة الإنسان كإنسان، ولا نجد منها مسوغاً منطقياً تحتاج إليه الحياة سوى تربية الحقد والكراهية في النفوس.

وفوق كل هذا تعشش في أروقتنا وبعض مناطقنا وبيئاتنا عناصر الجهل والتقوقع على الذات والانصراف الكامل للوقوف خلف منابر الجهل والتخلف.

وما أبرعنا في تحوير الكلام.؟!

ما معنى أن نخرج على الناس ونقول لهم ما طاب من معسول الكلام وعبارات التجلي من الخواطر وندعوهم للألفة والمحبة ونستنكر الشوائب والخلافات، وحين نعود إلى بيتنا وأهلنا نشدد بالأيمان المغلّظة والتنبهيات الزاجرة، أن لا يسمعوا صوت فلان أو يصغوا لأقوال علاّن وأن يلعنوا فلانا أو فلانا أو يحرّموا مد يد العون لهذا أو ذاك من أبناء الأمة في أي محنة أو أي موقف.. بل الطامة الكبرى في بدع التكفير والخروج والمروق على الدين، هذه الفئة تكفّر تلك، تلك تكفّر هذه، فقط لأن فريق يجتهد في أمرٍ خلاف ما يجتهده فريق آخر. ومن قال أن الاجتهاد مرفوض. الكل يتفق على المنابر وفي المدوّنات القلمية أن إعمال العقل في أي فكر والاجتهاد فيه هو إحياء لمبادئه، لأنه في المحصلة يُظهر قوته التي تحمل الانفتاح على الآخر، أياً كان هذا الآخر، ليتحوّل إلى صديق أو ندّ بدل أن يكون عدواً وأيضاً تيسّر الأمور وتظهر عناصر الخير.؟

كل المناهج الفكرية في العالم في كل الثقافات، تدعو للالتقاء والتوحُّد، فكيف بنا نحن أهل العقيدة الأممية ندعو للتمزّق والشرذمة. " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" و" جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" وكثير من الآيات التي تنبّهنا لخطر التفريق وتدعونا الى اللحمة والالتقاء.

ما قيمة الإنسان إذا كان يعتنق في عقله ثقافة يؤمن بها، وحين الممارسة يترجمها على عكس ما تقوم عليه؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى