الثلاثاء ٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٣

موسى حوامدة.. شاعر التحم بالمكان الأردني والفلسطيني

ابراهيم السواعير*

تبرع بقطعة أرض في بلدته السموع لبناء مركز صحي باسم الشهيد الهباهبة

أهمّ صفة للمثقف، أيًّا كان، أنّه إنسانيُّ النظرة والتطلّع، ملتحمٌ بالكينونة ومتمسّكٌ بالجذور، فكيف به حين يكون شاعرًا عجن قصائده بطين الأرض وتضاريسها، لتبقى ترافقه في كلّ سماء يحلّق فيها، ذلك هو الشاعر الزميل موسى حوامدة الذي آثر أن يحتفظ بأرضه أيضًا كلّ مريضٍ وزائرٍ لمركز صحّي قيد التصميم والإنشاء في قريته بالسّموع، إحدى أعمال مدينة الخليل بفلسطين، فهي أشبه بالوقف النبيل من شاعر نبيل، آثر أن يبقى أثره الإنسانيّ في دعوات الناس ووفائهم لشاعر لا يكتب من فراغ، وإنّما يغمّس من صحن الناس ويتنفّس مآسيهم ويثبتُ ثباتهم على أرضهم، ولهذا، فقد كانت صورة التنازل عن أرض المركز الصحي المأمول مثالًا في الإحساس العالي الذي تكلل أيضًا بكرم إضافي، حين أطلق حوامدة اسم الشهيد الأردني محمد ضيف الله الهباهبة أحد شهداء الجيش العربي في السموع اسمًا للمركز يتداوله الناس ويبقى في الذاكرة، وفي ذلك وفاءٌ ودلالات ومُعانقة عمليّة أردنيّة فلسطينيّة لشعبين شقيقين يتبادلان رسائل المحبّة والعهد والوفاء على ضفّتي النهر المقدّس، على الدوام.

ويكتمل هذا التلاحم الإنساني النبيل أيضًا حين تتأثّر بهذا الإحساس المصصمة الأردنيّة د.رنا مطارنة، فتعلن عن استعدادها تصميم المبنى هديّةً مجّانيّةً نابعةً من الذّات، ويمكن أن تتكرر أيضًا في أيّ عملٍ خيري يقام في فلسطين.

سخاء الأديب حوامدة، بما جادت به إمكانيّاته، حتمًا سيفتح المجال لتبرعات تؤكّد أنّ الشعراء فئة من الناس يحملون قلوبًا دافئة وحزينة تتقطّع ألمًا وعذابًا في الغربة، ولعلّ الشاعر حوامدة أحد هؤلاء الذين تعلّقوا بالمكان، حتى قيل إنّه لا ينفكّ عنه في كلّ شعره، إذ واظب على أن "يتجغرف" شعره بكلّ الجغرافيا الفلسطينية الأردنيّة، وأن يحملها في كلّ أشعاره ودواوينه، فقد "آن أن يحمله النهر"، كما يقول في إحدى قصائده ذات لقاء قديم، وفي كلّ لقاء حديث ما يزال يبعث في نفسه الأسى على ما ضاع وفات من فرص كان يمكن الاحتفاء بها في رحاب هذا المكان.

دراسة موسى حوامدة في السّموع التي ولد فيها نهاية خمسينات القرن الماضي، واشتغاله في الصحافة وذهابه إلى منطقة يحبّها في كلّ نصوصه، عوامل جعلته يتقاطع مع كلّ من يحبّون المكان من الشعراء وغير الشعراء، فهو يستمع إلى سردهم وقصصهم عنه، فأشجانه حول الكرك ظلّت تقابل آلامه حول الخليل، وهو إلى ذلك دائم الاستذكار واستعادة ما يتوافر عليه من قراءات ذكيّة في الأديان والنبوءات والميثولوجيا، بما يخدم أشعاره ويعزز أفكاره التي لا بدّ وأن تعود مهما ذهبت لتتوهّج بالمكان.

بين القاهرة وعمان وفلسطين تتزايد مساحة الوفاء عند حوامدة، الذي عمل في الزميلة الدستور مديرًا لملحقها الثقافيّ، وتحصّل على بكالوريوس آداب اللغة العربيّة، وارتبط بصداقات ورؤى ثقافيّة تأسست على شعره الذي دائمًا ما يشدّه الحنين فيه شدًّا نحو المكان، حتى وإن كان مكانًا افتراضيًّا أو منفىً ثقافيًّا في ذهنه ووجدانه، ولذلك فقد أرسل حوامدة مع تبرّعه الرائع هذا رسائل عديدة، في كونه مثقفًا عضويًّا صاحب موقف وإنسانًا عربيًّا يعيش بين الناس.

*أديب وكاتب أردني.

ابراهيم السواعير*

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى