الثلاثاء ٩ آذار (مارس) ٢٠٢١

«معزوفة الولد الشريد» لمحمد عبدالرحمن شحاتة

منال عبد الفتاح

هو ديوان من سبعة عشر قصيدة، تتنقل بينهم وكأنك تجلس بجانب نافذة في قطار يسير بخفة ولا تنتبه لوقوفه في محطة إلا حينما تصل لآخر صفحة فيه، لا وجود لملل أو رتابة على الإطلاق، فهو مقتطفات سريعة لحياة سريعة بداية من الطفولة وما بها من فقد أحبة في لمحة سريعة مختصرة، وكغالبية الشعراء يعشقون البنفسج أو لونه، يمكن لأنه اللون الخاص بالحزن الدفين الذي لا يخلو من الجمال، حقيقة لا أعرف لماذا!

هنا قصيدة بعنوان "طوفان" أحيانا تشعر أنه قد غرق فيه الشاعر وأحيانًا أخرى تشعر أن الطوفان بداخله هو، وهنا قصيدة بعنوان "غربة الناي" أيضًا فيها الوجع هو البطل والضحايا هما العاشقان، وقد صاغ هنا الشاعر الوجع أشد حنوًا من المحبوبة حيث أنه قد لازم الشريد لسنوات.

يعرض لنا هنا أيضًا تعذيب المحب والبقاء في شرنقة الكآبة والألم مع عدم شعور المحبوبة بمعاناته، فبات الشريد يغدو ويجيء على أوجاعه آملًا في شيء يروي عطشه.

ولم ينس الشاعر أن ينثر بعضًا من ألم الوطن فصاغه بنزف حروفه فأدمى السطور بما فعلته الحروب بالوطن من جراح وآلام تستعرضها الذكريات، وماحف بفلسطين خاصة من خطر جثيم.

ننتقل إلى قصيدة "مسٌّ من عيونِك" وهي في رأيي الأروع على الإطلاق، سأدع لكم الحكم.

وفي قصيدة "الكرسي" يروي لنا الشاعر حقيقة ما، وهي أن الحياة لا ترحم القلب المتعفف عن أحلامه، نعم هي حقيقة كامنة يشعر بها كل من حمل بين ضلوعه قلبًا ينبض.

ستشعر أيها القارئ المتذوق لجمال اللغة وأصالة الشعر أن باقي القصائد تشبه السرد، أي أنها مكملة لبعضها بشكل أو بآخر، فالشاعر في كل قصيدة يروي تفصيلة ما، فقد شبّه نفسه بالقنديل ومحبوبته بالزيت، ولك أيها القارئ العزيز أن تتخيل حياة قنديل بلا زيته! هل تخيلت؟

إنه أصبح في ظلام دامس فأحاطت به أشباح الفراق وتجسدت له أشخاص وقصص وروايات،
ولك أيضًا أن تتخيل ألم وعمق التجربة.

لا يخلو أبدًا أسلوب الشاعر من التناص القرآني، فقد استعان بالألفاظ والتشبيهات بقوة في بعض القصائد لكي يستطيع أن يجعل الفكرة تصلنا بسهولة في طرح قصته التي تربّت على تعفف القلب في المطالبة بأبسط أحلامه.

ولربما أحبَّ الصحراء بهدوئها ووحدتها وتعذيبها، فهنا يصوغ الشاعر مشاعرَ دفينة وصادقة، لا تستطيع أن تقاوم إعادة قراءتها مرات ومرات، حتمًا ستشعر أن هناك حدثًا ما عظيمًا قد يجلب المشاعر المتناقضة، سوف تسافر من الصحراء إلى الأخضر وتحلّق مع النجوم وتهبط فوق التلال، حتمًا ستشعر بحالة هذيان لا بأس بها.

إنه لشيء رائع أن يجمع الشاعر بين جمال التعبير والنظم والألغاز والدقة في وصف الحالة الشعورية، وهنا يمكن أن نقول حقًا، إن الإبداع وليد الألم.

منال عبد الفتاح

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى