الجمعة ٢٢ آذار (مارس) ٢٠١٣
تقديم أول
بقلم زهور كرام

نجيب محفوظ بعين النقد المغربي

نظم مختبر "اللغة والإبداع والوسائط الجديدة" التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل - القنيطرة المغرب يوم الخميس 29 دجنبر 2011 لقاء ثقافيا تحت عنوان: "كيف يقرأ النقد المغربي"نجيب محفوظ" بالشراكة مع المركز الثقافي المصري بالرباط، وذلك بمناسبة حلول الذكرى المئوية للروائي الكبير "نجيب محفوظ".

لم يكن اللقاء مجرد احتفاء مناسباتي بحلول المئوية، بقدر ما كان وقفة علمية نقدية في إبداعية "نجيب محفوظ" الروائية والقصصية من خلال عين النقد المغربي، وكذا التساؤل حول مستقبل جنس الرواية في الثقافة العربية مع القرن الحادي والعشرين، بعد أن أصلها نجيب محفوظ في التربة العربية. كما كان الهدف من هذا اللقاء تجديد علاقة الطلبة مع أعمال المبدع الكبير نجيب محفوظ بمناهج حديثة وأدوات علمية، تجعل أعماله مادة للأبحاث، الأدبية ومحورا للأطروحات العلمية.

وتميز اللقاء بكلمات كل من رئيس الجامعة وعميد الكلية ومدير المركز الثقافي المصري بالرباط ورئيسة المختبر.

ففي كلمته العميقة المركزة، اعتبر الدكتور عبد الرحمان طنكول رئيس جامعة ابن طفيل، أن ما حققته أعمال نجيب محفوظ يوازي ما حققته ألف ليلة وليلة، مشددا على أن الأمر ليس فيه أدنى مبالغة، وأن أعمال نجيب محفوظ أرخت / دونت لجغرافية المخيال العربي، كما أنها تشعر المتلقي بأن الواقع يتجاوز الخيال، إلى جانب تغليبها اللامرئي على المرئي بفضل قدرة نجيب محفوظ على تكبير الأشياء المجهرية.

كما طرح الدكتور عبد الرحمان طنكول مجموعة من الأسئلة الجوهرية بخصوص علاقة النقد المغربي بأعمال نجيب محفوظ، متسائلا عن سر عدم انكباب النقد ذي الطابع الإيديولوجي، الذي كان سائدا خلال عقدي الستينيات والسبعينيات على دراسة أعمال نجيب محفوظ. وأشار عبد الرحمان طنكول إلى أن النقد المغربي اهتم بأعمال نجيب محفوظ باعتماد العديد من المناهج مثل البنيوية والشكلانية والبويطيقا. ويخلص طنكول في نهاية كلمته إلى أنه حان الوقت لنضع موطئا جيدا للأدب العربي، إذ في العالم العربي يتحدث الكثيرون بانبهار عن أعمال غارسيا ماركيز على سبيل المثال، عكس ما نصنعه مع أعمال نجيب محفوظ.

أما كلمة الدكتور عبد الحنين بلحاج عميد الكلية، فقد ذهب فيها إلى أن الاحتفاء بالروائي العربي المصري الكبير نجيب محفوظ، هو احتفاء بقيمة ونوعية العطاء الإبداعي الذي منحه هذا المبدع منذ أربعينيات القرن الماضي للإبداع العربي بشكل عام. كما هو احتفاء بمسار وتاريخ الرواية العربية التي عرفت على يديه تطورا فنيا وجماليا، حين جعل منها نجيب محفوظ رواية بخصوصيات المجتمع المصري والعربي، وحين جعل شخصياتها أكبر معبّر عن مجمل التحولات التي عرفها المجتمع المصري، وأحداثها تشخيصا فنيا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي تمكن نجيب محفوظ بقدرته العالية في الكتابة على التعبير عنها، وجعلها أحداثا حيّة داخل رواياته وقصصه.

ونوه الدكتور عبد الحنين بلحاج بمختبر اللغة والإبداع والوسائط الجديدة الذي تمكن في فترة وجيزة من عمره العلمي، من المساهمة إلى جانب بقية مختبرات كلية الآداب الأخرى، في إغناء النشاط العلمي والثقافي بالكلية عن طريق عقد الندوات وتنظيم المؤتمرات وإقامة المحاضرات واللقاءات العلمية والثقافية، التي شملت الإبداع والفن والفكر والفلسفة والحوار والصورة.

معتبرا الأنشطة العلمية والثقافية التي تقوم بها المختبرات بكليتنا، دعما تكوينيا وعلميا وثقافيا لطلبتنا، كما أن مثل هذه الأنشطة هي فرصة لتطوير أسئلة الأدب والثقافة والفكر، وفرصة كذلك لجعلنا جميعا أساتذة وطلبة وإداريين نلتقي بكتاب ونقاد وباحثين متخصصين في شتى المجالات العلمية والثقافية.

ونحن في مختبر " اللغة والإبداع والوسائط الجديدة"، ندرك بأن أديبنا الكبير "نجيب محفوظ" قد استطاع ببلاغة تعبيره الروائي والقصصي، وبقدرته الاستثنائية في حكي المجتمع العربي والارتقاء به إلى حالة سردية تشخص خصوصياته الاجتماعية والنفسية والثقافية، أن يجعل كل مواطن عربي يشعر بأنه ينتمي إلى أدب محفوظ، أو بتعبير آخر، أن يشعر بأن نجيب محفوظ يحكي نفسيته وجغرافيته وتاريخ روحه أو واقعه. ولهذا، عند الحديث عن محفوظ يصبح الحديث عن أديب أبدع ببلاغة استثنائية، حين جعل الحكي عنه حكيا عن الحالة الإبداعية العربية.
لهذا، يخرج نجيب محفوظ عن مساحة الانتماء المحلي، ليمتد في الانتماء العروبي، ويصبح بذلك ملتقى الانتماءات والسياقات العربية التي تعطي لكل واحد منا الحق في قراءته والحكي عنه وتأمل تاريخ سرده، وفق أسئلة كل واحد منا.

حلت الذكرى المائوية لنجيب محفوظ هذه السنة قبل شهر بداية زمن عربي جديد جعل/ يجعل العالم العربي يعيش لحظة تاريخية وحاسمة من مساره الحضاري، وصفت بزمن الربيع العربي ومشتقاته من صحو وانتفاضة وثورة وحراك واحتجاج. وإن تعددت الأوصاف وتنوعت، فقد اشتركت في تفكيك رتابة الخط الأفقي وتكسيره، من خلال خروج الشعوب عن المنطق المألوف.

ترى لو كان نجيب محفوظ ما يزال حيا حتى اللحظة الراهنة، كيف كان سيعيش هذه اللحظة؟ وكيف سيكتبها تخييلا؟ وكيف سيكون شكل حضورها في تفكيره وعقله ووعيه وحكيه الروائي والقصصي؟

نقول دائما: إن الإبداع لا يخطط لثورة، ولا يدفع باتجاه حركة احتجاجية، ولا يقلب طاولة على حاكم، ولكنه يستشرف الزمن الممكن والمحتمل من خلال تشخيص زمن الخلل، وإكراهات الصحو، وإعاقات اليقظة من خلال سلوكات الشخصيات النصية وكلامها ومنظوراتها.
ألا يشكل تاريخ نجيب محفوظ الروائي والقصصي تشخيصا إبداعيا للحالة الحضارية العربية في تجلياتها الملتبسة والمتناقضة والمأزومة والمزدوجة ؟ ألم تشكل كتابات نجيب محفوظ إثارة لأسئلة جوهرية تحدد وضعية المجتمع العربي في إطار شروط تربك نموه الحضاري الطبيعي، وتلقي به في زمن العبث أو التشرذم الفكري أو التمزق الإيديولوجي؟

من أجل تجديد قراءة "نجيب محفوظ" وفق الأسئلة الجديدة، ارتأينا أن نطور أشغال اللقاء الثقافي، إلى كتاب نقدي نضيف فيه إلى جانب أبحاث النقاد المشاركين باللقاء (سعيد يقطين، عبد اللطيف محفوظ، عبد المالك أشهبون) دراسات نقدية لنقاد أكاديميين مغاربة آخرين (رشيد بنحدو، مصطفى يعلى، عبد الحميد عقار، نور الدين محقق، حسن المودن، عبد العالي بوطيب، عبد الرحمن التمارة) ليكون الكتاب تعبيرا نقديا عن "نجيب محفوظ والنقد المغربي".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى