الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

نظام الحكم العسكري الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ـ الحلقة الخامسة

كتب المدعي العام إلى وزير الدفاع يقول أن ضرب المشتبه فيهم بغرض عقابهم أو إذلالهم غير قانوني وان من واجب الجنود ان يعصوا أي أمر بفعل ذلك وقد أعقب هذا أن رئيس هيئة الأركان العام وقتئذ – الفريق دان شمرون – اصدر في 24 شباط/فبراير خطابا إلى جميع قادة قوات جيش الدفاع الإسرائيلي لكي " يؤكد ويوضح الأوامر القائمة " بشان استخدام القوة .

التعذيب وسوء المعاملة في أثناء القبض والاستجواب

استخدمت القوة المفرطة وعمليات اضرب التنكيلي على نطاق واسع في السنوات الأخيرة على أيدي القوات الإسرائيلية أثناء عملية القبض على المشتبه فيهم واثناء اقتيادهم إلى مراكز الاعتقال وبمجرد إحضار المعتقلين إلى داخل مراكز الاعتقال لاستجوابهم فانهم يخضعون بصورة منهجية لأشكال من التعذيب أو سوء المعاملة بغرض الحصول منهم على معلومات وحملهم على الإدلاء باعترافات .

وفي عدد من الحالات اتخذت تدابير جنائية أو تأديبية ضد المسؤولين عن ذلك ولكن يبدو أن التعذيب أو سوء المعاملة اتخذا شكل نظم تكاد مقننه خلال إجراءات القبض والاستجواب التي تسبق مثول المعتقل أمام المحكمة العسكرية فالممارسات التي تتعلق على وجه الخصوص بإجراءات الاستجواب قد أقرتها السلطات رسميا او تغاضت عنها بصفة عامة ومن ثم فهي في حكم من شجع عليها ومن الجلي أنها تؤثر تأثيرا مباشرا على إمكانية الحصول على محاكمة عادلة وعلى الأخص عن طريق ما تؤدي إليه من اعترافات بالإكراه يكون من العسير الطعن فيها في ساحة المحكمة .

أ – المعاملة وقت إلقاء القبض

وصف معتقلون وسجناء سابقون ومحامون ينوبون عن فلسطينيين يمثلون أمام المحاكم العسكرية ومراقبون مستقلون – وصفوا لمنظمة العفو الدولية كيف كان المشتبه فيهم على مدى السنوات القليلة الماضية يخضعون بصفة روتينية وقت القبض عليهم – بالهراوات واعقاب البنادق عادة – وكذلك أثناء ترحيلهم إلى مواقع الاعتقال وعند وصولهم إليها وكانت مثل هذه الاعتداءات تحدث دون أن يبدي الشخص أي مقاومة للقبض عليه ودون أي قدر من المقاومة مما قد يبررها .

القواعد الرسمية بشان استخدام القوة والممارسة

خلال الشهور الأولى من الانتفاضة استخدمت القوات الإسرائيلية العنف التنكيلي استخداما ضد المشبوهين الفلسطينيين المقبوض عليهم أثناء أعمال شغب او مظاهرات وظهر هذا أيضا في تنفيذ ما وصف بأنه " سياسة الضرب " التي نسبت إلى إسحاق رابين وزير الدفاع عندئذ فكان الضحايا يضربون بأدوات مثل الهراوات واعقاب البنادق فيعاني كثير منهم من كسور مضاعفة إلى جانب إصابات أخرى . وحتى نهاية شباط/فبراير 1988 وكان ستة أشخاص قد توفوا من جراء ذلك حسبما ورد، وكان من بينهم اياد عقل وخضر طرزي وكلاهما قتل في غزة .

وتوفي اياد عقل وعمره 17 سنة بالمستشفى بعد ان ضرب ضربا تنكيليا في 7 شباط/فبراير 1988 مع أخيه على أيدي أعضاء لواء غيفاتي التابع لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي وفي تشرين الأول/أكتوبر 1989 حكم على أحد الجنود بالحبس شهرين بينما تلقى ثلاثة جنود أحكاما مع وقف التنفيذ بالحبس لمدة تصل إلى خمسة اشهر بسبب وفاته .

وطبقا لشهود العيان توفي خضر طرزي وعمره 19 سنة بعد أن ضرب ضربا عنيفا في 9 شباط/فبراير 1988 على أيدي أربعة جنود أثناء احتجازه في أحد المنازل وقد سيق إلى مركز للاعتقال حيث ترك دون عناية عدة ساعات طبقا لما ذكره بعض زملائه المعتقلين واخيرا نقل إلى مستشفى سوروكا حيث توفي في ساعة متأخرة من تلك الليلة وقال طبيب فحص الجثة أنها كانت كسور في العمود الفقري وكسر جبهي ايمن الجمجمة وكسور في كلا الذراعين وفي اليد اليمنى وتهتكات متعددة بالظهر والبطن والوجه والأطراف وليس لدى منظمة العفو الدولية علم بنتائج أي تحقيق بشان وفاته .

وفي الشهر نفسه كتب المدعي العام إلى وزير الدفاع يقول أن ضرب المشتبه فيهم بغرض عقابهم أو إذلالهم غير قانوني وان من واجب الجنود ان يعصوا أي أمر بفعل ذلك وقد أعقب هذا أن رئيس هيئة الأركان العام وقتئذ – الفريق دان شمرون – اصدر في 24 شباط/فبراير خطابا إلى جميع قادة قوات جيش الدفاع الإسرائيلي لكي " يؤكد ويوضح الأوامر القائمة " بشان استخدام القوة .

وقد بين خطاب رئيس هيئة الأركان العامة انه " من الضروري – مهما كان الأمر صعبا – الحفاظ على مبادئ القانون والأخلاق والنظام التي تشربناها جميعا . وركز الخطاب على أن استخدام القوة سمح ب لإنجاز مهام مشروعة كالتغلب على مقاومة القبض إلا أن استخدامها يجب أن يكون معقولا وان يتوقف بمجرد بلوغ الهدف وقد حظر الخطاب بصفة محددة استخدام القوة، تحت أية ظروف كوسيلة للعقاب كما حث الجنود على أن يمتنعوا قد الإمكان عن ضرب أي شخص على الرأس أو أي جزء حساسة أخرى من الجسم "

وبالرغم من مثل هذه الأوامر الواضحة فما برحت القوات الإسرائيلية تنزل بالفلسطينيين القوة المفرطة وسوء المعاملة البدني بما في ذلك التعذيب مما أفضى إلى مزيد من الإصابات القاتلة ففي آب/أغسطس في قطاع غزة أيضا توفي هاني الشامي أثناء احتجازه لدى قوات الدفاع الإسرائيلي وقد أدين في أيار/مايو 1989 أربعة جنود ينتمون إلى لواء غيفاتي بتهمة ضربه وقت القبض عليه . وقد تلقوا أحكاما تصل إلى الحبس لمدة تسعة اشهر خففت فيما بعد مما أدى إلى إخلاء سبيلهم جميعا بحلول شهر أيلول/سبتمبر والظاهر أن هاني الشامي ضرب مرة أخرى عندما كان قيد الاحتجاز على أيدي جنود آخرين إلا أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي قررت عدم المضي في التحقيق في الحالة وقد تضمنت إصاباته – فيما ورد – كسرا شقيا في عظم القص وتهشم بضعة ضلوع وثقوبا في الرئتين .

وقد اقر رئيس هيئة أركان جيش الدفاع الإسرائيلي باستمرار دواعي القلق بعد رسائله الأولى بحوالي 19 شهرا عندما اصدر خطابا آخر إلى قادة جيش الدفاع في 12 أيلول/سبتمبر 1989 فقد أعاد التأكيد على انه يجب الا تستخدم سوى القوة المعقولة وان القوة ينبغي عدم استخدامها بعد بلوغ الهدف أي على سبيل المثال " بعد ان يكون المشتبه فيه قد القي القبض عليه وكف عن المقاومة " وقال انه لا بد من تجنب الضربات الموجهة إلى الرأس والأجزاء الحساسة الأخرى في الجسم قدر المستطاع وانه لا يجوز تحت أية ظروف استخدام القوة على نحو متعمد لإحداث إصابات مثل تهشيم العظام .

وفي خطاب إلى منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/يناير 1990 أشارت السلطات الإسرائيلية إلى استخدام القوات الإسرائيلية للقوة في بداية الانتفاضة مقررة ما يلي :

" في مستهل أحداث الشغب دفعت أعداد كبيرة من أعضاء قوات جيش الدفاع إلى وضع اضطروا فيه إلى مجابهة دهماء من المشاغبين بالأحجار ولم يكن ما تلقاه الجنود من تدريب على مجالات الحرب التقليدية يؤهلهم لهذا التحدي وبدون استخدام الجنود لبنادقهم وكانت وسيلتهم الرئيسية لحماية حياتهم ولاستعادة النظام في الشوارع هي هراوتهم الليلية ( القصيرة الغليظة ) وقد اعتقدت قيادة قوات جيش الدفاع مهاجمة المشاغبين بالهراوات الليلية وان كانت اكثر خطورة على الجنود المشتركين فمن شانها أن تؤدي في النهاية إلى عدد اقل من الإصابات القاتلة وهذا هو ما حدث بالفعل إذ انخفض عدد الإصابات القاتلة وفي نفس الوقت أدخلت أساليب أخرى لمكافحة الشغب كاستخدام الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية والبلاستيكية .

" وقد صدر شفويا الأمر الأول باستخدام الهراوات الليلية – متى أمكن ذلك - كبديل لاطلاق النار وفي غيبة قواعد مكتوبة بوضوح فقد فسرت وحدات جيش الدفاع المختلفة في الميدان ذلك الأمر تفسيرات مختلفة وبنما كانت القوات على الإجمال تتحفظ في تصرفاتها وتلزم بضبط النفس فان بعض التفسيرات للتوجيهات الشفوية لم تتطابق مع المقصد الأصلي فللأسف فهم بعض الجنود بل وحتى بعض الضباط الأوامر الصادرة لهم على أنها تخول استخدام القوة المفرطة بما في ذلك استخدام القوة كتدبير تنكيلي أو ردعي "

ثم أشار خطاب السلطات الإسرائيلية إلى تعليمات رئيس هيئة الأركان العامة الصادرة في شباط/فبراير 1988 ورأت أن تدابير مناسبة منها المحاكم العسكرية قد اتخذت لتقويم تلك الانتهاكات كما أكدت انه " بالنظر إلى شدة العنف والتحرش اللذين يواجه بهما جنود قوات جيش الدفاع كل يوم " في الأراضي المحتلة فان عدد الانتهاكات كان ضئيلا جدا "

ومع ذلك فلا تزال تتردد ادعاءات متواصلة ومطردة بالشطط باستخدام القوة وغيرها من أشكال المضايقة والعنف بلا مبرر ضد فلسطينيين ممن يجري القبض عليهم وتوحي بأنه في حالات كثيرة لا يلقي الجنود بال للمعايير الرسمية لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي في الميدان وقد تمت محاكمات عسكرية في بعض من أسوأ الحالات ولكن يبدو أن اكثر أشكال سوء المعاملة " اعتيادا " أثناء القبض يفلت مرتكبوها من العقاب في الأغلب والأعم وهي تحدث فيما يعتقد على نحو من الانتشار جعل المحامين والضحايا يوطنون أنفسهم على اعتبارها أمرا مفروغا منه ولا يرون معنى للتقدم بشكاوى رسمية حتى في حالات التعذيب أحيانا .

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1990 لمس مبعوث منظمة العفو الدولية بنفسه مع هذا الموقف في المحاكمة التي عقدت في جنين والتي سبقت الإشارة إليها والمتعلقة بثمانية شبان قبض عليهم في منزل حداد فبينما لم يتم في النهاية إدانة أحد من الشبان الثمانية بتهمة قذف الحجارة – وهي الجريمة المزعومة التي قبض عليهم بسببها – فقد كانت هناك شهادة مفادها انهم ضربوا بأعقاب أسلحة الجنود وقت القبض عليهم واثناء اقتيادهم إلى أحد مراكز الاعتقال ولم يطعن في تلك البينة وقد أكد الجنود الذين أدوا شهادتهم في المحاكمة أن اثنين من الثمانية نقلا إلى المستشفى في العفولة للعلاج من الإصابات التي تكبدوها . وفي خلال إجراءات المحاكمة لم يقدم أي تعليق مضاد فيما يختص بهذه الاعتداءات سواء من الادعاء او القاضي او حتى من المحامي الذي ينوب عن المدعى عليهم . وعلى قدر علم منظمة العفو الدولية، لم يطلب إجراء أي تحقيق في الواقعة ولم يجر بالفعل أي تحقيق فقد بدا ان جميع الذين لهم صلة بالأمر تقبلوا أمثال هذه الاعتداءات وقت القبض عليهم باعتبارها العرف السائد .

المعايير الدولية ذات الصلة

تحظر المعايير الدولية جميع أشكال التعذيب وسوء المعاملة وتضع قواعد صارمة بشان استخدام القوة فالمادة 3 من مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين الصادرة من الأمم المتحدة عام 1979 تنص على انه " لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لاداء واجبهم "

ويوضح شرح هذه المادة في المدونة ان استخدام الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين للقوة ينبغي أن يكون " أمرا استثنائيا " وان الموظفين لا يجوز تفويضهم باستخدام القوة الا بقدر ما تجعله الظروف معقول الضرورة من اجل تفادي وقوع الجرائم او في تنفيذ الاعتقال القانوني للمجرمين او المشتبه بأنهم مجرمون " ويمضي قائلا " لا يجوز استخدام القوة بشكل يتعدى هذا الحد "

توصيات منظمة العفو الدولية

توصي منظمة العفو الدولية بان تتخذ الحكومة الإسرائيلية جميع الخطوات الضرورية لتضمن ألا تستخدم القوة إلا في اشد حالات الضرورة للقبض على المشتبه فيهم، وعندئذ إلى الحد الذي يتطلبه القيام بعملية القبض فحسب . ويجب إنشاء نظام فعال للتحقيقات للتعامل مع المسؤولين عن القبض الذين يدعى انهم خرقوا مثل هذه المعايير، مما يؤدي إلى اتخاذ تدابير فعالة جنائية او تأديبية، ضد أي شخص تثبت مسئوليته وينبغي وضع نتائج التحقيقات بأكملها في متناول الجمهور .

ب – المعاملة أثناء الاستجواب

إن التعذيب أو سوء المعاملة الواقعين على الأشخاص الذين يواجهون تهما أمام المحاكم العسكرية لا ينتهيان عادة بعد القبض عليهم بل تشتد وطأتهما خلال فترة الاستجواب بغرض الحصول على معلومات منهم بشان الجرائم المزعومة، وحملهم على الاعتراف أيضا .

وتعتقد منظمة العفو الدولية – استنادا إلى خبرتها – أن إخطار العائلات بصورة عاجلة وتيسير الاتصال الفوري بالمحامين والأقارب والأطباء والقضاة هي أمور جوهرية للحماية من التعذيب وسوء المعاملة ولضمان محاكمة عادلة، فالتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة المتسمة بالخطورة تقع في اغلب الأحيان خلال الساعات والأيام الأولى من الاعتقال حينما يكون الضحية تحت السيطرة الكاملة لمستجوبيه دون أي اتصال بالعالم الخارجي وحرمان المعتقلين وهم رهائن الاستجواب في الأراضي المحتلة من هذه الضمانات الواقية بصورة منهجية هو أمر يزيد بالضرورة من مصداقية ما يتردد من ادعاءات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها سلطات الاستجواب ويجب ان يظل مدعاة للقلق البالغ .

والادعاءات المتعلقة بالتعذيب أو سوء المعاملة في الأراضي المحتلة في وثيقة الصلة بأي تقييم لعدالة محاكمات المحاكم العسكرية ولا سيما بسبب الدور الكبير الذي تلعبه الاعترافات وإحجام القضاة – فيما يبدو - عن التحقيق في مزاعم انتزاع الأقوال بالإكراه ولم تكن ثمة معلومات إحصائية متاحة لمنظمة العفو الدولية عن نسبة القضايا التي يعول المدعي فيها على اعتراف أدلى به المدعى عليه، إلا أن معظم المصادر تتفق على ان الاعترافات هي البينة الرئيسية في الغالبية العظمى من القضايا .

 التشريع : حظر التعذيب

يمنع القانون الإسرائيلي – الذي يسري على جميع الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين في إسرائيل والأراضي المحتلة – استخدام العنف أو التهديدات لانتزاع الاعترافات فالمادة 277 من قانون العقوبات لعام 1977 توجب السجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات لأي موظف من موظفي الدولة يأتي أيا من الأفعال الآتية :

(1) يستخدم أو يأمر باستخدام القوة أو العنف ضد شخص ما بغرض أن ينتزع منه أو من أي شخص يهمه أمره اعترافا بجريمة ما أو معلومات تتعلق بجريمة ما .

(2) يهدد أو يأمر بتهديد أي فرد بإحداث أذى لشخصه أو ممتلكاته أو لشخص أو ممتلكات أي إنسان يهمه أمره بغرض أن ينتزع منه اعترافا بارتكاب جريمة ما أو أية معلومات تتعلق بجريمة ما ":

ومما له صلة بالأمر أيضا المواد 378 إلى 382 التي تنص على عقوبات الاعتداء البدني أقصاها السجن ثلاث سنوات إذا ما تسبب في إيذاء جسماني فعلي وتنص المادة 415 على نفس هذا الحد الأقصى من العقوبة لمن " يحصل على شيء بالخداع " وتجيز المادة 416 الحكم على الشخص الذي " يحصل على شيء عن طريق حيلة من الحيل او عن طريق الاستغلال المتعمد لخطأ شخص آخر " بالسجن لمدة عامين وتعاقب المادة 428 على الابتزاز عن طريق التهديدات بالسجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات .

وتنص المادة 65 من قانون الحكم العسكري لعام 1955 على السجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات عقابا لأي جندي يضرب شخصا مودعا تحت حراسته او يسيء معاملته على أي نحو آخر وتنص المادة 130 على أن أي أفعال من قبيل السلوك غير اللائق من جانب الجنود ذوي رتبة الرقيب او ما فوق ذلك واجبة العقاب بتخفيض الرتبة .

وتؤكد الحكومة الإسرائيلية أن هذه المعايير واجبة الاحترام . ومع ذلك فان السياسة الرسمية الإسرائيلية بشان أساليب الاستجواب كما يبينها تقرير لجنة لانداو تجيز درجة من الضغط النفسي والبدني أثناء الاستجواب وطبيعة هذا الضغط على وجه الدقة هي امر في طي الكتمان ومثل هذه السياسة تبعث على القلق البالغ .

2 – تقرير لجنة لانداو

في 31 أيار/مايو 1987 أنشأت الحكومة " لجنة التحقيق في أساليب تحقيقات جهاز الأمن العام بشان النشاط الإرهابي المعادي " برئاسة المستشار السابق بالمحكمة العليا موشيه لانداو إلى جانب عضوين آخرين وجهاز الأمن العام - المعروف أيضا باسم شين بيت او شاباك – هو الجهاز الأمني المسؤول عن استجواب كثير من أولئك الذين يحاكمون في نهاية الأمر أمام المحاكمة العسكرية وعلى الأخص أولئك المشتبه في ارتكابهم جرائم اشد خطورة وقد طلب من اللجنة النظر في أساليب وإجراءات تحقيقات جهاز الأمن العام بشان النشاط الإرهابي المعادي والإدلاء بالشهادة في المحكمة فيما يتصل بهذه التحقيقات " ( الفقرة 1-6 من تقرير اللجنة ) .

وقد دفع إلى إنشاء تلك اللجنة قضية عزت نفسو، وهو ضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي قبض عليه في عام 1980 وسجن عقابا على جرائم تتضمن الخيانة العظمى مبنية في المقام الأول على أساس اعتراف زعم انه اكره عليه بواسطة جهاز الأمن العام وقد أنكر مستجوبو جهاز الأمن مزاعمه في محاكمته العسكرية ولكنهم عادوا فاقروا بصحة معظم مزاعمه، في أثناء تحقيق داخلي في عام 1987 مما أدى إلى إدانته بتهم أخف واطلاق سراحه غير انهم ذكروا ان الأساليب التي استخدمت وكذلك إدلاءهم بشهادة كاذبة في المحكمة كانت جزءا من ممارسة مقبولة داخل جهاز الأمن العام .

ومما أدلى أيضا إلى زعزعة الثقة في أساليب جهاز الأمن العام على نحو شديد " واقعة الحافلة رقم 300 " كما اعترفت بذلك لجنة لانداو نفسها . ففي هذه الواقعة حدث ان اثنين من الفلسطينيين اختطفا حافلة في نيسان/أبريل 1984 وتوفيا من اثر التعذيب حينما كانا مودعين في حراسة القوات الإسرائيلية . وقد تواطأ بعض رجال جهاز الأمن للتستر على عمليتي القتل بطرق منها تضليل التحقيقات الرسمية في الواقعة وانتهت تلك " القضية " عندما اصدر رئيس إسرائيل في عام 1986 عفوا عن 11 عضوا من أعضاء جهاز الأمن العام متورطين فيها .

ونشر تقرير اللجنة النهائي في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1987 واعتمده مجلس الوزراء الإسرائيلي في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1987 وقد استند إلى أدلة جمعت في جلسات قضائية وزيارات إلى مقار الاعتقال وأدلة أخرى كما أن اللجنة كانت قد طلبت معلومات مكتوبة من الجمهور وقد قدمت منظمة العفو الدولية ضمن آخرين أدلة وتوصيات مكتوبة .

توصيات لجنة لانداو

وجدت لجنة لاندوا انه في العقدين الأخيرين أفضى حوالي 50 في المائة من استجوابات جهاز الأمن العام إلى محاكمات وان " الغالبية العظمى ممن حوكموا أدينوا استنادا إلى اعترافهم في المحكمة " ( الفقرة 2-20 ) وخلال هذه الفترة سمح للمستجوبين من وقت إلى آخر باستعمال وسائل للضغط، منها الضغط البدني وهو تدبير اعتبره معظمهم " لا مفر منه " ( الفقرة 21-2 ) كما اعتبروه " أداة استجواب ذات أهمية قصوى بدونها لا يمكن تصور إجراء استجواب فعال " (الفقرة 2-37 ) .

وحتى عام 1971 لم يكن يطلب من أعضاء جهاز الأمن العام أن يشهدوا في المحكمة عن كيفية اخذ الاعترافات فقد جرت العادة بان يدون ضباط الشرطة الاعترافات – بعد أن يكون استجواب الأمن العام قد اكتمل – فكان بمقدورهم عندئذ أن يشهدوا بسلامة نية – بان الاعترافات أدلى بها بحرية وطواعية. ومع ذلك فقد أدى الضغط من جانب محامي الدفاع إلى أن اصبح مستجوبو جهاز الأمن يستدعون لاعتلاء منبر الشهود من عام 1971 .

وقد ذكرت اللجنة في تقريرها أن مستجوبي جهاز الأمن العام – واجهوا " ورطة الاختيار " بين الكشف عن أساليب للاستجواب " من المتوقع أن ترى المحكمة انتهاكا لمبدأ الإرادة الحرة للشخص مما يتسبب في رفض الاعتراف ( الفقرة 2 - 26) وبين الكذب لضمان إدانة مشبوهين اعتقد المستجوبون – فيما يظهر – انهم مذنبون استنادا إلى أدلة أخرى سرية فما كان من هؤلاء المستجوبين إلا أن عمدوا إلى الكذب مرتكبين بذلك جريمة شهادة الزور " (الفقرة 2- 27 ) وهي جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة أقصاها سبع سنوات " وسرعان ما أصبحت الشهادة الكاذبة في المحكمة عرفا لا يمكن الطعن فيه وقدر له أن يكون " القاعدة السارية لمدة 16 سنة " (الفقرة 2 – 30) وفي عام 1982 أصدرت أعلى سلطات جهاز الأمن العام أيضا " قاعدة إرشادية كتابية " بشان طبيعة الكذب الذي يدلى به " فيما يتعلق بأسلوب معين من أساليب الضغط البدني " ( الفقرة 2 – 31 ) وتلاحظ اللجنة انه " لا شك أن ذلك الأسلوب ظل سنوات يستمد التشجيع واسباب البقاء من ثقة المحاكم في المستجوبين الذين كانوا يمثلون أمامها شهودا " ( الفقرة 2 – 36 ) وقد حظر الإدلاء بشهادة الزور أخيرا في حزيران/يونيو 1987 أي بعد حوالي أسبوعين من اختتام قضية نفسو وأعربت اللجنة عن اعتقادها أن تلك العادة في الحقيقة قد انتهت تماما .(الفقرة 2-33)

وفي سبيل إيجاد حل مختلف في المستقبل لكيفية الموازنة بين احتياجات الاستجواب وحقوق المشتبه فيهم تطبق لجنة لانداو على أفعال مستجوبي جهاز الأمن العام أحكام المادة 22 من قانون العقوبات التي تعفي من المسؤولية الجنائية صاحب فعل ارتكب في ظروف الضرورة فتقرر المادة 22 انه :

" يجوز إعفاء شخص ما من المسؤولية الجنائية عن أي فعل او امتناع اذا كان بمقدوره أن يبين انه لم يفعل الا لتجنب عواقب لم يكن ممكنا تجنبها بغير ذلك وكان من شانها ان توقع أذى او إصابة جسيمة بشخصه او بشرفه او بممتلكاته او بشخص او بشرف آخرين كان عليه ان يحميهم او بممتلكات مودعة في عهدته "

وذلك بشرط ألا يكون قد تجاوز ما تقتضيه الضرورة المعقولة لتحقيق ذلك الغرض وألا يكون الأذى الذي تسبب هو فيه غير متناسب مع الأذى الذي تم تجنبه .

ورأت اللجنة أن مستجوبي جهاز الأمن العام يوفون بمتطلبات المادة 22 حيث انهم في رأيها يسعون لحماية أمن الدولة مما يتضمن الحيلولة دون وقوع الأذى او الإصابة الجسيمة بمواطنيها وهذه كانت الحالة بالنظر إلى أن اعتراف المشتبه فيه هو المصدر الوحيد للمعلومات عن مثل هذه الأنشطة الضارة كما انه بالنسبة لما تقتضيه الضرورة المعقولة " وعلى ضوء مفهوم أهون الضررين " فان استخدام التعذيب الفعلي ربما من الممكن تبريره (اذا كان) من اجل الكشف عن قنبلة على وشك الانفجار في مبنى يعج بالناس بصرف النظر عما إذا كان من المؤكد أن الشحنة سوف يتم تفجيرها في غضون خمس دقائق او خمسة أيام " ( الفقرة 3 –15 ) وطبقا لما جاء في عبارات اللجنة نفسها في ذات الفقرة :

" وبعبارة صريحة فان البديل هو : هل نتقبل جريمة الاعتداء التي ينطوي عليها صفع وجه المشتبه فيه او تهديده لكي نحمله على أن يتكلم ويكشف عن مخبأ للمواد المتفجرة معد لاستخدامه في القيام بعمل من أعمال الإرهاب الجماعي ضد السكان المدنيين وبهذا نمنع الضرر الأعظم الذي هو على وشك الحدوث ؟ والإجابة بديهية "

ومع ذلك فان اللجنة نفسها تمضي لتؤكد ( الفقرة 3 – 16 ) : " صحيح انه لا بد من توخي الحذر الشديد لئلا يؤدي أي انتهاك للمحظورات التي يتضمنها القانون الجنائي إلى إطلاق العنان للمستجوبين فيأخذ كل منهم الأمور في يده من خلال الاستخدام المطلق والمتعسف لأسلوب الإكراه مع المشتبه فيه فعلى هذا النحو تكون صورة الدولة من حيث كونها كيانا ملتزما بالقانون يحفظ حقوق المواطن عرضة للتشويه على نحو لا يمكن إصلاحه إذ تنتهي إلى أن تشبه تلك الأنظمة التي تمنح لأجهزتها الأمنية سلطة غير محدودة ومن اجل مواجهة هذا الخطر لا بد من اتخاذ عدة تدابير .

أولا : لا يسمح بممارسة ضغط غير مناسب على المشتبه فيه، ويجب الا يصل الضغط مطلقا إلى مستوى التعذيب او سوء المعاملة البدنية للمشتبه فيه، او الضرر الجسيم بشرفه مما يجرده من كرامته الإنسانية .

ثانيا : ينبغي تقدير الاستخدام الممكن لتدابير اقل خطورة على ضوء درجة الخطر المتوقع وفقا للمعلومات التي في حوزة المستجوب .

ثالثا : وسيلة الضغط البدني والنفسي المسموح بان يستخدمها المستجوب لا بد من تعريفها وتحديدها مقدما بإصدار توجيهات ملزمة .

رابعا : لا بد من وجود رقابة صارمة على التنفيذ الفعلي للتوجيهات المعطاة لمستجوبي جهاز الأمن العام .

خامسا : جيب ان يتصرف رؤساء المستجوب بحزم ودون تردد ازاء أي انحراف عما يسمح به بفرض عقاب تأديبي وفي الحالات الخطيرة بالعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية الجنائية ضد المستجوب المرتكب للخطأ "

 وتوجز اللجنة آراءها على النحو التالي :

" 4 – 6 : نحن مقتنعون بان النشاط الفعال لجهاز الأمن العام لإحباط الأعمال الإرهابية مستحيل دون استخدام وسيلة استجواب المشتبه فيهم لكي تنتزع منهم معلومات حيوية غير معروفة لاحد سواهم ومن غير الممكن الحصول عليها بأساليب أخرى .

" الاستجواب من هذا النوع مسموح به بمقتضى القانون حسبما فسرناه انفا ونحن نعتقد ان الاعتراف الذي يحصل عليه بهذه الطريقة يكون مقبولا في محاكمة جنائية بموجب القرارات الحالية للمحكمة العليا "

4 – 7 ينبغي لوسيلة الضغط ان تأخذ بصفة رئيسية شكل الضغط النفسي غير العنيف من خلال استجواب صارم مستفيض من استخدام الحيل بما فيها أعمال الخداع ومع ذلك فعندما لا تحقق هذه الوسائل الغرض منها فان ممارسة قدر معتدل من الضغط البدني لا يمكن تجنبها ويجب توجيه مستجوبي جهاز الأمن العام عن طريق وضع حدود واضحة في هذا الصدد لمنع استخدام الضغط البدني المفرط الذي يقوم به المستجوب على نحو متعسف "

ووسائل الضغط التي تراها اللجنة مباحة واردة في مدونة بالقواعد الإرشادية لمستجوبي جهاز الأمن العام تضع تعريفا – على أساس الخبرة الماضية، وبأكبر قدر ممكن من الدقة – لحدود ما هو مباح للمستجوب وبصفة أساسية لما هو محظور عليه وتعرب اللجنة عن اقتناعها بأنه إذا كانت هذه الحدود تراعى بدقة نصا وروحا فان ذلك يكفل للاستجواب فعاليته بينما يكون في نفس الوقت بعيدا عن استخدام التعذيب او سوء المعاملة البدنية او النفسية للشخص الجاري استجوابه أو الحط من كرامته الإنسانية وتؤكد اللجنة انه لا يجوز إجراء تحقيق ضد شخص من الأشخاص ما لم توجد معلومات توفر أساسا معقولا للاشتباه في انه متورط على نحو ما في (نشاط إرهابي معاد) او في تخريب سياسي يمنعه القانون في إسرائيل او الأراضي المحتلة (الفقرة 4 – 8 ) .

والقواعد الإرشادية للجنة لانداو واردة في الجزء الثاني من تقريرها الذي ما يزال سرا حتى يومنا هذا لاسباب مفهومة ( الفقرة 4 – 8 ) وتعتقد اللجنة ان هذا القواعد الإرشادية من شانها أن تثبت على محك المحظورات الواردة في المعايير الدولية وترى انه من المؤكد أن جوهر وسائل الضغط المباحة بموجب القواعد الإرشادية اقل قسوة من الأساليب المستخدمة من جانب القوات البريطانية في ايرلندا الشمالية ( الفقرة 4 – 13 ) .

وقد تضمنت مثل هذه الأساليب وضع الغمامات على الرأس والتوقيف أمام الحائط ( في أوضاع مؤلمة ) والحرمان من النوم والطعام واحتجاز الشخص في غرفة معرضة لضوضاء من الصفير العالي . وهذه الأساليب الخمسة اعتبرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1978 ليست من قبيل التعذيب بمفهوم الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إلا أنها بممارستها مجتمعة تبلغ حد المعاملة اللاإنسانية والمهينة وقد نقض قرار المحكمة الأوروبية قرارا اسبقا بوجود التعذيب كانت قد أصدرته اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1976 .

وتوصي لجنة لانداو بان تراجع مثل هذه المدونة سنويا من قبل لجنة وزارية صغيرة مخولة لإجراء ما تراه مناسبا من تعديلات تبعا للظروف المتغيرة وبان تعلم بها اللجنة الفرعية للخدمات المنبثقة عن لجنة الدفاع والشؤون الخارجية التابعة للكنيست ( الفقرة 4 – 8 )


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى