الأحد ٨ آذار (مارس) ٢٠٢٠
بقلم عبد الحق ميفراني

نظرية سوداوية ووعي بتقنيات المسرح وحضور لافت للشباب

أيام الشارقة المسرحية، في ثلاثينيتها من 29 فبراير الى 6 مارس، تقدم خلاصات أساسية لما وصل إليه المسرح الاماراتي اليوم. في ظل هذا التراكم الذي تحقق، إن على مستوى العروض والتجربة، أو على مستوى المكتسبات التقنية والجمالية للظاهرة المسرحية ومحاولة تبني أسلوب مسرحي، يعبر في العمق على التجربة المسرحية بالامارات. و في الوقت الذي تم فيه الافتتاح، الأيام بالعرض المسرحي المتوج بجائزة القاسمي "جي بي إس" لمحمد شرشال، المسرح الوطني الجزائري، فإن باقي الايام خصصت لتقديم العروض المسرحية الاماراتية، سواء داخل المسابقة الرسمية، والتي يترأسها جبار جودي من العراق تتكون من السادة أعضاء: وليد الزعابي من الامارات، وأمين الناسور من المغرب، وزهيرة بن عمار من تونس، ومحمد الضمور من الاردن. هذا الى جانب العروض الموازية، والتي تقدم بتزامن، يوميا، مع باقي الفعاليات.

والى حدود اليوم الاربعاء، 4 مارس، قدم مسرح دبي الاهلي مسرحية صبح ومسا تأليف وإخراج حافظ أمان، جمعية الشارقة للفنون المسرح الحديث بالشارقة مسرحية أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي، تأليف علي جمال وإخراج حسن رجب، لير ملك النحاتين من المسرحيات القصيرة، إعداد حسن يوسف وإخراج سعيد الهرش، جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح مسرحية أين عقلي ياقلب تأليف عثمان الشطي وإخراج أحمد الانصاري، مسرح دبي الوطني حارس النور تأليف عبدالله صالح وإخراج علي جمال، لمس المواجع لمسرح رأس الخيمة الوطني تأليف حميد فارس وإخراج مبارك خميس. وليلة مقتل العنكبوت تأليف اسماعيل عبدالله وإخراج إلهام محمد.

فيما تتواصل باقي الفعاليات اليوم وغدا الخميس 5 مارس، بتقديم عروض الرحمة لمسرح الفجيرة وسمرة لمسرح ياس ومأساة الحجاج لرامي مجد، وبكاء العربي لجمعية دبا الحصن وسمفونية الموت والحياة لمسرح الشارقة الوطني. ويلاحظ مزيد من الانفتاح للأيام على تقديم العروض المسرحية، بمنأى على معايير دقيقة للجودة. بحيث تتحول الأيام المسرحية للشارقة، لفضاء مفتوح لتفاعل المسرحيين فيما بينهم، واستغلال حضور هذا الكم، من الفنانين العرب والمسرحيين المتمرسين. وهو ما يغذي النقاش والاستفادة. لكن، عموما لوحظ هذا التطور اللافت في مستويات المعرفة المسرحية، وإن بتفاوتات بين التجارب المسرحية، كما أن تزايد هذا الجيل الشبابي المتعاطي للفن المسرحي، أمسى يشكل أفقا للتجربة المسرحية الاماراتية.

سوداوية وتقنيات مسرحية:

يتحدث المخرج حسن رجب عن سينوغرافيا مكثفة ومختزلة، صاحب مسرحية أشياء لا تصلح للاستعمال الأدمي، والى جانب باقي المسرحيين في الأيام راهنوا جميعا على هذا الحس الإخراجي، في تقديم عروضهم، لكن بحفاظ دائم على الوفاء لهذه الخلفية القوية للنص الدرامي. علما أن افتتاح الأيام كان بعرض جي بي اس، العرض الجزائري، والذي لم يحتاج أساسا إلا لفكرة همهمات فقط. يقول حافظ أمان، صاحب مسر حية صبح ومسا، أنه يراهن على المنطوق اللفظي، فللكلمة مكانتها في "أسلوبه الإخراجي"، وهو ليس ميالا للتجارب التي تلجأ للتعبير عبر الصور والرؤى البصرية. المسرحي علي جمال، يتحدث عن الكوميديا السوداء، فصاحب حارس النور، هذا العرض الذي راهن فعلا على كتابة إخراجية ركحية بصرية، وسينوغرافية تستغل فضاء الخشبة، أكد بقوة هذا التطور الملموس للتجارب المسرحية المقدمة، خلال الايام ال30. عبدالرحمان الملا، مساعد مخرج مسرحية أين عقلي ياقلب لمسرح كلباء، يتجه الى التعبير عن ما يسمه بالفنتازيا والمسرح التجريبي. في لمس المواجع لمبارك خميس، نكون أمام خطوة أولى لمخرج شاب، راهن على الموسيقى والاضاءة للتعبير عن شحنات العمل المسرحي، الذي يحتاج للكثير.

واختارت المخرجة الامارتية، أحد أهم مكاسب هذه الايام واكتشافاتها، إلهام محمد الفضاء الشبه فارغ للخشبة، لتعطي مساحة للتجريب وآلياته، من خلال الرهان على جسد الممثل وأداءه، وتشكيل عمق بصري يؤدي الى خلق فرجة خاصة للعين. لقد تكررت الفضاءات السوداء، ولغة الاحتجاج وصلت للتباكي أحيانا، والانهيارات والانكسارات، بشكل هيمن على جل العروض. سوداوية لافتة، واعتناء واستدعاء لسلطة النص الدرامي، ولو بسوء فهم مسرحي أحيانا، والتي أحيانا ما تعيق المخرج على التعبير بأسلوبه وكتابته الخاصة، الى جانب حضور تقنيات مسرحية، لا توظف بشكل مسرحي داخل تركيبة العمل المسرحي وعمق فضاءات الخشبة وتوزيعها. يبقى اللافت، خلال العروض المقدمة، هذا الحضور والصعود القوي، لجيل من شباب المسرح الاماراتي، الى جانب رواد المسرح، قوة جسدية ومخيال إبداعي على الخشبة، وامتثال كلي ومحاولة استغلال طاقات الممثل الداخلية. ولعل هذه الايام كشفت نتائجها الأولية، في فتح أفاق استشرافية للمسرح الامارتي.

إلهام محمد، المخرجة المسرحية الاماراتية، في تجربة ليلة مقتل العنكبوت، وهي رؤية نسائية لكتابة ذكورية احتجاجية (اسماعيل عبدالله). قدم مسرح خورفكان للفنون، فرجة مسرحية تنبني على ثنائية الصراع، ومحاولة تجسيده على الخشبة. قد يكون رهان التجريب، لافتا في محاولة تقديم عرض مسرحي، بحس تقني ولغة بصرية تستغل أمكانات الفضاء، وما يفتحه جسد الممثل من قدرات جمالية ضافية للعمل المسرحي. العناكب، الفراشتان سارة وسناء، هتان الصغيرتان والكبيرتان في الأداء، استطعتا أن تخلقا فسحة خاصة لهذا العرض. محاولة جعل فضاء الخشبة، سجن ومعتقل داخلي، لإدخال المتفرج وأحاسيسه الى هذا المنفى، احتاجت ربما لجرأة إخراج أكثر وأوسع وأشمل، وهي متاحة لمخرجة تمرست كفاية على العرض المسرحي، وراكمت تجربة مهمة. المخرجة إلهام محمد، استطاعت تحقيق تلك المعادلة الصعبة، بين فرجة مسرحية تقدم لنا جرأة بجرعة زائدة، لصوت احتجاجي قوي للراهن وللسلطة، وبين لغة إخراجية تكشف عن أسلوبها الخاص.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى