الاثنين ٤ تموز (يوليو) ٢٠٢٢

واستقبل الكاتبُ مندوبٌ

فازع دراوشة

قد يكون هذا العنوان من أغرب العناوين التي اخترتها لكتابة من كتاباتي. الجمعة، الأول من تموز 2022 قضى عن ثمانين عاما العلّامة الدكتور نهاد ياسين الموسى أستاذ اللغة العربية ونحوها في الجامعة الأردنية فترة طويلة من الزمن ومن خيرة مختصي قواعد العربية المعاصرين- رحمه الله تعالى- والدكتور الموسى من مواليد بلدة العباسية في فلسطين الأسيرة من أعمال يافا.

ولا تربطني بالفقيد أيما علاقة مباشرة كوني تخصصت باللغة الإنجليزية وآدابها وكان الدكتور نهاد أستاذا بالقسم التوأم في مركز اللغات (قسم اللغة العربية) في الجامعة الأردنية فكنت أراه مرارا في النصف الأول من ثمانينيّات القرن الفارط. وكنت أرى فيه حماس العلماء وهيبتهم ودقتهم ورونقهم.

التحقت بالجامعة الأردنية ابتداء من آب 1981 قادما من فلسطين بعد دراستي الثانوية فيها وكان اسم نهاد الموسى- رحمه الله- مألوفا لديّ إذ كان (وما زال) من طباعي ألا أشرع بدراسة من كتاب أو دراسة كتاب أو مطالعته إلا بعد تمعني باسم المؤلف او المؤلفين وتقصّي أخبارهم ومراكمتها. وكان اسم نهاد الموسى محفورا بذاكرتي؛ ذاك أن اسمه كان محفورا على كتب قواعد اللغة العربية التي كنا ندرس في أكثر من صف وكانت الكتب المقررة علينا بفلسطين مطبوعة في وزارة التربية والتعليم الأردنية، وظل ذلك الأمر ساري المفعول إلى ما بعد انبثاق السلطة الوطنية الفلسطينية بقليل.

سألت عن الدكتور الموسى وعن غيره ممن ألفت أذناي وعيناي أسماءهم من خلال التلفزة أو المذياع أو الكتب المقررة أو الصحف والمجلات التي بالكاد كانت تعبر النهر غربا تهريبا في غالب الأحيان. ودلّوني عليه من بعيد.

ودارت الأيام. ودرست في السنة الأولى مساقين (متطلبي جامعة) في قسم اللغة العربية (تذوق النصوص الأدبية وفن الكتابة والتعبير)، ولم يكونا طبعا مع الدكتور نهاد الموسى رحمه الله.

ودارت السنون، وكنت لا أفوت محاضرات المواسم الثقافية السنوية لكلية الآداب ولا محاضرات المواسم الثقافية لمجمع اللغة العربية الأردني في الطرف الشمالي الغربي من حرم الجامعة الأردنية، وكان للدكتور الموسى مساهمات ومداخلات في الذروة.

ودارت السنون منذ تخرجي في حزيران 1985 وحتى 2008 حيث زرت الأردن مارا في طريقي لزيارة دولة سلوفينيا. وفي طريق العودة عرَجت على جامعتي وكانت تسودها أجواء العطلة الصيفية وانفراط عقد الفصل الصيفي ذلك الصيف. التقيت بعدد من الأساتذة مصادفة، وكان منهم العلامة الدكتور نهاد الموسى فسلّمت عليه سلاما حارا مخبرا إياه اني من طلبة الجامعة ولكن من قسم اللغة الإنجليزية وليس من قسمه (الذي غدا كليّة) وحدثني بلغة عربية فصيحة رقراقة مطواعة طالبا مني ان نقف بالظل إذ كان الوقت بعيد الضحى وكان الجو حارا أواخر آب من عام 2008

ودعته وانصرفت وكان لطيفا لطفه المعهود وابتسامته الحانية التي لا إخال أنها فارقته يوما رحمه الله.
وعلمت ان صحة الدكتور الموسى ساءت لاحقا . وقبل أشهر شاهدت كريمته الدكتورة جهينة الموسى المحترمة، وهي زميلتي بقسم اللغة الإنجليزية، تتسلم وسام التمير الذي ناله الدكتور نهاد مستحقا.
رحم الله العلاّمة الدكتور نهاد الموسى وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الأمة كل الخير وكذلك عن كل ما قدمه للغة القرآن الكريم من خدمة تعلما وتعليما وتيسيرا وتأليفا.

وبخصوص العنوان أعلاه، أشير إلى انها عبارة كانت تظهر بشكل مائل على غلاف كتاب القواعد للصف الثانوي الأول (العاشر الأساسي حاليا) وكذلك غلاف كتاب القواعد للصف الثانوي الثاني (الحادي عشر أو الثانوي الأول حاليا). وفي الصور المرافقة ترون غلاف كتاب الصف الثانوي الأول (الحادي عشر حاليا)، وترون على الغلاف شعار السلطة الوطنية الفلسطينية بداية انبثاقها سنة 1994، وقد وقعت الحكومة الفلسطينية وقتها اتفاقية مع الحكومة الأردنية كي تستخدم فلسطين المقررات الأردنية ريثما يتم تأليف مقررات فلسطينية وهذا ما جرى.

وكنت طالبا درس كتب القواعد والتي هي من تأليف الدكتور نهاد الموسى، وكثيرا ما كنت أتأمل العبارة الموضوعة بشكل مائل دون أي سياق ظاهر، ولم أستطع معرفة المقصود بها ولا دلالاتها ولا صلتها بمضمون الكتابين الموضوعة على غلافيهما.

وكثيرا ما كنت أسأل عن العبارة، ولكن لم أرتح لأيما إجابة تلقيتها.

والوم نفسي، ذاك أنه سنحت لي فرصة معرفة المدلول يوما ولم أستفد من تلك الفرصة.

كان ذلك ذات اصيل من شهر تشرين الأول من عام 1984 وكنت في السنة الرابعة. واستكمالا لمتطلبات التخرج سجلت مادة علم العروض في قسم اللغة العربية وآدابها متطلبا جامعيا مع الدكتور محمد حسن عواد والتي كنا نتلقاها في المبنى الجديد لكلية الآداب والذي كان قد افتتح ذلك العام شمال شرق مركز اللغات بمكان ليس ببعيد. وتصادف أن كانت المادة التي تقدم في القاعة ذاتها في الساعة السابقة لموعد مادة العروض، مادة نحو (لا أذكر أي مستوى) للدكتور نهاد الموسى رحمه الله. وكنت أحرص على الوصول مبكرا لمحاضراتي وأختار مقعدا في الصفوف الأمامية (كان ذلك نهجي بكل المواد التي درست).

وكما أسلفت، حصل ذات أصيل ذلك الفصل أن رأيت على السبورة الجملة (واستقبل الكاتبُ مندوبٌ) وثمة جمل تدور بفلكها ولم أهتم كثيرا ولا سيّما حين تطوع طالب لمسح ما على السبورة قبيل وصول أستاذ مادة العروض.

وألوم نفسي كوني لم أستفسر من الدكتور نهاد عن تلك العبارة ومكانها غير الطبيعي على غلافي ذينك الكتابين.

أكرر الترحم على العلّامة الدكتور نهاد ياسين الموسى داعيا الله أن يجزيه كل الخير ويجعل الجنة مأواه واتقدم بأصدق العزاء لكريمته الدكتورة جهينة، زميلتنا في قسم اللغة الإنجليزية ولأهلها جميعا ولمريدي الدكتور نهاد وطلبته كافة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال تعالى: "كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" صدق الله العظيم

فازع دراوشة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى