الأحد ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم بلقاسم بن عبد الله

واسيني بين الرواية والتاريخ

.. وإلى أي حد تستطيع الرواية أن تجسد أحداث الزمن الغابر؟..وكيف يتمكن الأديب من الكتابة عن تلك الوقائع بشكل أدبي متميز؟..وما نصيب الحقيقة والأسطورة في الرواية التاريخية؟.. تساؤلات مثيرة للجدل، واجهتني من جديد بعد مصافحة أديبنا المرموق:

واسيني الأعرج من خلال الحوار القيم الذي أجراه معه الكاتب الصحفي المتميز: حميد عبد القادر و نشر يوم 9 فيفري الجاري بجريدة الخبر الرائجة عبر ربوع الجزائر.

ولعل أهم ما استوقفني فيه أساسا رأيه في صلة الأديب المعاصر بسلطة التاريخ الغابر حيث يقول: للتاريخ شروطه العلمية طبعا وطريقته في استيعاب الحقائق، ولكن للرواية وسائطها في استعمال التاريخ، فهي لا تعيد إنتاجه و إن استأنست به، الاستئناس يعني بالضرورة أنك تشتغل في أفق مؤسس على العلم والتدقيق، والرواية أحيانا أقوى من التاريخ ويجب أن تخرج من سيطرته..

وقد وجد أديبنا واسيني ضالته المنشودة والمرغوبة و ميدانه الخصب الشاسع في مرافقة ومؤانسة عدد من الشخصيات الوطنية العظيمة، في لحظات تأمل و قراءة واعية متأنية للجوانب الإنسانية المنسية لبعض الأحداث والمواقف التي أهملتها أو أغفلتها الكتابات التاريخية، فاستلهم منها مادته الثرية لأعماله الروائية الكبرى خاصة: كتاب الأمير، البيت الأندلسي، جملكية أرابيا، أصابع لوليتا..

و ظل صاحبنا واسيني الأعرج شغوفا برواية التاريخ،أسيرا داخل بنايته الشاهقة بجدرانها السميكة و أعمدتها الرخامية المتينة. هكذا عرفته بعد أن جمعتنا ولا تزال صداقة معمقة معتقة عبر أزيد من ثلاثين سنة، منذ أن كان طالبا طموحا صحبة رفيقة العمر الشاعرة: زينب الأعوج بجامعتي وهران ودمشق، قبل أن تلتقي نشاطاتنا وكتاباتنا على صدر الصحافة الوطنية، وخاصة من خلال ملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية الذي يفتخر بكتاباته الأدبية والنقدية.

ومازلت أعتـز بأول إنتاج أدبي لصديقي واسيني أحتفظ به في مكتبتي الخاصة، عبارة عن أول محاولة روائية أطلق عليها وقتئذ اسم: جغرافية الأجسام المحروقة، انتهى من كتابتها في تلمسان بتاريخ أول جانفي 1978 ولم يبلغ بعد 25 سنة، ويبدو أن هذه النسخة نفيسة ونادرة، وقد أهملها الكاتب ضمن قائمة مؤلفاته التي تبدأ برواية وقائع من أوجاع رجل..

(1980) لتتواصل أعماله الصادرة داخل وخارج الوطن إلى غاية رواية: أصابع لوليتا الصادرة في مارس 2012. وقد ترجمت بعض أعماله الروائية إلى عدة لغات أجنبية، من بينها الفرنسية والألمانية والإنجليزية.

و يتجلى شغفه بينابيع التاريخ من خلال روايته: البيت الأندلسي. حيث اشتغل حول موضوع الموروث والذاكرة وإشكالية التراث المعماري الذي أبدعه عرب الأندلس في الفردوس المفقود. غير أن أهم رواية في هذا المجال هي كتاب الأمير، وتقع في 554 صفحة من الحجم الصغير، وتعتبر أول تجربة روائية عن بطل المقاومة الجزائرية الأمير عبد القادر، تستند إلى المادة التاريخية، وتدفع بها إلى قول مالا يستطيع التاريخ قوله، من خلال الإستماع إلى أنين الناس وأفراحهم وانكساراتهم.

ويشتمل كتاب الأمير على دروس وعبر في حوار الحضارات ومحاورة عميقة بين المسيحية والإسلام،وغرس بذور التسامح و المصالحة تفضي إلى إعادة تشكيل وعي كل الذين انغمسوا في حروب، وجد الأمير فيها نفسه على حافة قرن ينسحب بكل أشواقه وهزائمه، وقرن جديد كانت فيه الآلة والبارود سيدتا الحروب والتطور. وهذا العمل الروائي المتميز، حافل بالعديد من التساؤلات والدلالات، ويستحق بالفعل أن يتوج كتجربة جزائرية جديدة رائدة في كتابة الرواية التاريخية.

وجاءت روايته الأخيرة: أصابع لوليتا التي تمتد عبر 468 صفحة من الحجم الصغير، لتلتفت إلى شخصية الرئيس المرحوم أحمد بن بلة و معاناته القاسية داخل السجن بدون محاكمة، حيث يقول واسيني في الحوار المذكور: كان يهمني في الجانب الإنساني، وجود بن بلة يجب أن يقرأ في هذه الرواية من زاوية الظلم، إذ بأي حق ترمي إنسانا منح حياته للبلاد في سجن جهنمي..

وفي انتظار جديد أديبنا واسيني في كتابة روايته المنتظرة من وحي الحركة الوطنية وثورة التحرير، يعود التساؤل الجوهري ليطرح نفسه من جديد:..وإلى أي حد تستطيع الرواية المعاصرة أن تجسد معاني ودلالات الأحداث التاريخية؟..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى