الخميس ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم علي أبو مريحيل

وتقول لي .. جديد الشاعر علي ابو مريحيل

وتقول لي
قصيدة حوارية للشاعر علي أبو مريحيل
من إصدارات النادي الأدبي للشعراء الأحرار
الناشر / دارة المنارة ـ فلسطين
لوحة الغلاف / فاطمة الزهراء
تقديم الأستاذ / نبيل خالد أبو علي

تمرد أم هروب ؟

لطالما تمرد الإنسان على واقعه ، وحاول أن يغير هذا الواقع ليصبح أكثر راحة وملائمة للواقع الذي يتمنى العيش في كنفه، أما الفلاسفة والشعراء فإن محاولاتهم لم تتوقف منذ غابر الأزمان، فأفلاطون مثلاً ـ في القرن الخامس قبل الميلاد ـ رفض صراعات الآلهة وأنصاف الآلهة وحاول أن يُخلص واقعه من الشرور فحلق في فضاءات الخيال ليبدع جمهورية لا يعيش فيها إلا الخيرين الذين يؤمنون بقيم الحق والخير والجمال.

وكذلك حلم الفيلسوف الإسلامي أبو نصر محمد بن محمد الفارابي قبل ألف ومائة عام تقريباً بالمدينة الفاضلة التي تكفل للبشر حياة كريمة ... وتوالت آمال الفلاسفة والشعراء عبر العصور، وقد رأينا الشعراء يرفضون الصفات الخسيسة ويهجون أصحابها، ويتغنون بقيم الحق والخير والجمال ويمتدحون مَن يتصفون بها، وهم بذلك ينفّرون من الصفات السلبية ويغرون بالصفات الايجابية في محاولة منهم للتغيير.

أما العصر الحديث فقد شهد العديد من صور التمرد السلبي على الواقع، ورفض التعاطي مع حدثانه، ليس ذلك وحسب بل تجاهله والهروب منه، من ذلك مثلاً ما لاحظناه من هروب جبران خليل جبران إلى الطبيعة تعبيراً عن رفضه الظلم الإنساني الذي تشهده البشرية، يقول:

والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا به ويستضحك الأمــوات لـــو نظـــروا
فالسجن والموت للجــانين إن صــغروا والمجد والفخر والإثــراء إن كبـــروا
فـــسارق الزهـــر مذمــوم ومحتقــــــر وسارق الحقل يدعى الباســـل الخطــر
وقاتـــــل الجسم مقتـــــــول بفعلتـــــه وقاتل الـــروح لا تـــدري بـــه البـــشر

ومثله لجوء إيليا أبو ماضي للطبيعة بحثا عن بلسم يداوي به آلام نفسه وعذابات روحه، ويأس نسيب عريضة من شعبه الذي استكان للذل والهوان، وعانى الفقر والحرمان ــ إبان الحرب الكونية الأولى ــ دون رفض أو مقاومة، حتى وجدناه يعلن موت هذا الشعب :

كفنوه
وادفنوه
أسكنوه
هوة اللحد العميق
واذهبوا لا تندبوه
فهو شعب ميت ليس يفيق

ومن صور هذا التمرد السلبي على الواقع _ أيضاً _ تجاهل نزار قباني الاحتلال الفرنسي الجاثم على صدر بلده سوريا، وهروبه إلى حضن المرأة والاستغراق في مفاتن جسدها وأدوات زينتها، فكتب طفولة نهد وقالت لي السمراء ...

ولا يكاد يختلف حال شاعرنا علي أبو مريحيل عن هؤلاء الشعراء وغيرهم من شعراء العصر الحديث إلا في التفاصيل، فهو ولد في شتات القهر جراء نكبة فلسطين، وعاش ما يفترض من أيام لهوه وطفولته في غربة مخيم البداوي بلبنان، وتفجرت ينابيع صبوته وشبابه مع وعود أوسلو البراقة، وعاد إلى ربوع الوطن ليجده مكلوماً مازال يحلم بقدر من الراحة والحرية المسلوبة ...
وإذا كان نزار وقرناؤه من شعراء التمرد السلبي والهروب من الواقع قد عادوا للانغماس في هموم الأمة بعد أن ازداد الليل حلكة إثر نكسة حزيران، فكانت أشعارهم السياسية سياطا تلهب ظهر الاستكانة للذل والتخاذل العربي، فإن شاعرنا يمعن في هروبه من الواقع، ويزداد رفض هذا الواقع مع اشتعال أحداث انتفاضة الأقصى وازدياد الهجمة الصهيونية شراسة ، معلناً تجاهله لواقع الأمة عامة، والمثالب التي تسري في أوصال المجتمع الفلسطيني وقياداته ...

ويظهر التناقض جليا بين ظروف حياته ــ سواء ظروف نشأته في مخيم البداوي بلبنان أو الظروف التي تفتق الشعر فيها على لسانه في ربوع الوطن ــ واعتزاله في محراب الجمال منذ أصدر ديوانه الأول، ولكي يتبين القارئ حجم هذا التناقض يكفي أن يعرف أسماء دواوينه الشعرية وسنوات إصدارها، فديوانه الأول موسوم باسم "مذكرات عاشق" وقد صدر في غزة سنة 2004م، وديوانه الثاني الذي صدر سنة 2005م وسمه باسم "عاشق لكل النساء"، ووسم الديوانين الذين أصدرهما سنة 2006م باسمي: "قراءة في عيون حبيبتي " و "وقصائد حارقة "، وها هو يتخير لديوانه الخامس عنوان "وتقول لي" والأهل يعيشون حالة من الفرقة لم يعرفها تاريخهم الحديث، وأيدي الخراب والقتل الصهيونية تتغلغل في أرجاء الوطن الفلسطيني، وتضيق الخناق على قطاع غزة وأهله بطريقة غير مسبوقة .

ولأن العنوان هو العتبة الأولى التي يدخل منها القارئ إلى عالم النص، وهو المكثف للدلالات والأحاسيس التي تعتمل في عقل الشاعر ووجدانه، رأينا أن نتوقف عند دلالاته المربكة التي تدلل صراحة على تجاهل شاعرنا للواقع الفلسطيني، وكأن لسان حاله يقول:" أي وطن هذا الذي كنا نحلم أن نموت من أجله، فإذا بنا نموت على يديه "!.

وقد نراها في قراءة ثانية تدلل على شدة وعيه بهذا الواقع، وتعبر بصورة أو بأخرى عن رفض هذا الواقع ، والهروب منه إلى عالم يخلو من الشرور، عالم يحبه وبشعر بالسكينة في ربوعه، عالم المرأة، أو كمان يراه عالم الجمال، لأن الجمال في عُرفه امرأة، والمرأة هي الجمال، ولا جمال أو جميل خارج حدود هذا العالم .

إلى غير ذلك من الدلالات والمعاني التي تحتملها عنوانات دواوينه ، والتي أراها تحتاج إلى دراسة متأنية لا تتوقف عند العتبات بل تلج عوالم النصوص لتستكنه دلالاتها ، وتفض الاشتباك بين النصوص والظروف التي أبدعتها .

ــــــــــــــــــــــــــ

ـ أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية
ـ نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني

ـ صدر له العديد من الكتب، منها :

* نزار قباني شاعر المرأة والسياسة
* نقد النثر في تراث العرب النقدي
* قطوف من الأدب العربي
* في نقد الأدب الفلسطيني
* البوصيري شاهد على العصر المملوكي
* اتجاهات القصة القصيرة في فلسطين بعد اتفاقية أسلو

ـ نشر العديد من البحوث في المجلات الأكاديمية المختصة، العربية والمحلية
ـ شارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات العلمية المحلية والعربية والدولية
ـ أشرف على الكثير من البحوث العلمي، ورسائل الماجست، وأطروحات الدكتوراه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى