الجمعة ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم باسل محمد البزراوي

وما سكتت لِعَيٍّ

على الأطلالِ قفْ وابكِ الرّجال
وقبِّل تربَها واروِ المقالا
مكثنا ليلةً أو بعضَ ليلٍ
نسائلُها فما ردّت سؤالا
وما سكتتْ لعَيّ بل لحزن
على مَن شرّفوا الموتى عجالى
على مَن قد روَوْا بالدم أرضاً
تعاني البؤسَ والداءَ العضالا
سألتُ النؤيَ والآثاف أنّى
يكون لنا لقاؤهمُ منالا
بكتْ دمعاً سخيّاً واشرأبت
تعانقُ وهجَهم روحاً تعالى
فيكشفُ دمعُها حزناً قديماً
وتهذي روحُها الألمَ ابتهالا
ويشجو شجوُها قلباً جريحا
تغنّى في مآسيها وقالا
قرأنا في محيّاها كلاماً
تسامى في خمائلها اختيالا
أنا ما كنتُ في الأيام أشكو
لغير الله أو أبدي الكلالا
ولم أكُ في رحاب الأرض إلا
عروساً قد تقلّدتِ الجَمالا
ملكتُ القلبَ والأحلامَ دوماً
وملَّكتُ الحنانَ بنيَّ مالا
وآلت لي الرياحُ وكنتُ أهوى
إذا ما المسكُ في الأرياحِ آلا
لبستُ الفرحة الحمراءَ برداً
وقلّدت الهوى العربيّ شالا
وقد شقيت بنعمايَ الليالي
وأوشكت الظلاماتُ الزوالا
ولاح الفجرُ بعد العتم حتى
تجلّى البؤسُ والإظلام زالا
إخالُ الآن أنّ بنيَّ كانوا
هنا في ساحة الموتى رجالا
ولكني رأيتُهُمُ سراباً
تلاشى حين قد ألِفَ الرمالا
فأيقظني الصباحُ وقد تلاشى
بقلبي ما إخالُ وما توالى
رأيتُ الريحَ قد جاءت عليهم
وشدُّوا يومَ نكبتنا الرّحالا
وشمّلت الظعائنُ يومَ شَرْدٍ
كأطياف البروق إذا تلالا
وقد خلّوا فؤادي بين وَهْنٍ
وأحلام المنام إذا تتالى
فقدّدتُ الثياب ولم تبالي
بِيَ الأظعانُ فانطلقت شمالا
وصرتُ غريبةً من غير أهلٍ
ولم أر في الربوعِ لِيَ العيالا
مكثتُ سنيّ عمري والصبايا
كئيباتٍ يحرِّمنَ الحلالا
وينهلْن الأسى والبؤسَ حتى
شحَبنَ وما عرفْنَ الابتذالا
وما عرفت جوانحهنَّ حبّاً
برغم جراحهنّ ولا خيالا
فما "ميعارُ" إلاّ ما عهدتم
فلسطينيةً أبَتِ المِحالا
وما "حطينُ" إلا فجرُ مجدٍ
روَت تاريخَنا الماضي ارتجالا
وما يافا سوى رسمٍ قديمٍ
أبت إلا ليعرُبنا وصالا
بنيّ أحِبّتي إني أراكم
جهابذة الزمان ولا جدالا
فلا تنسوا الرسومَ وإن محتها
سنون المحل ظلماً أو ضلالا
ستبقى كالجراح بصدر شعبٍ
عظيم النفس تضطرمُ اشتعالا
أراكم والجراحُ تشقُّ صدري
وحادي الظّعن قد وصل التلالا
فغنّاها قصائدَه اللواتي
بكت من لحنها الدنيا جلالا
أراكم والطفولةُ قد تناءت
ولم أعلمْ لها من بعدُ حالا
تقطّعت الدروبُ بنا فصرتُم
بأرض الغربة العمياء آلا
وغاب السبعُ في الغاباتِ جورا
وطلَّ برأسه فرخُ الثعالى
وصار الزورُ والبهتانُ حقّاً
وصال الوغدُ في الدنيا وجالا
وصار الصبحُ في عيني ظلاماً
وصار العتمُ في الدنيا هلالا
بغاث الطير قد صارت نسوراً
هنا، واستأسدَ الواوي فصالا
أخي إنّ الزمان غداً سيصفو
وننزعُ عن مآقيه الوحالا
وتنبتُ أرضنا الخضراءُ زهراً
يظلُّ على جبينِ الدهر خالا
سنكسرُ قيدَنا لتعودَ يوماً
ظعونُ بني فلسطينَ الثكالى
ولن يبقى الشتاتُ يلفُّ شعباً
تطاولَ بؤسهُ الدامي فطالا

من ديوان (نفحات من مرج ابن عامر)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى