السبت ١٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم عادل الأسطة

يرحل عنا.. ترحل عنا ابتسامته

في الشهر قبل الماضي، أيار، رحل الكاتب والمربي يعقوب الأطرش صاحب الابتسامة الدائمة، الابتسامة التي لم تفارقه على ما أرى، فما من مرة رأيته إلا وكانت الابتسامة تعلو شفتيه وتسم ملامح وجهه، حتى لتعتقد أن هذا الرجل لا يعرف الحزن أبداً، وقد تضفي هذه الابتسامة عليه سمة الوداعة أيضاً. هل هو وديع وداعة طفل؟ أظن ذلك، ولا أظن أنه كان يعرف الحقد والضغينة، فلم يغتب أحداً من الكتاب، ولم يعرف – فيما أعرفه من خلال لقاءاتي العديدة به – لم يعرف النميمة.

أظن أنني التقيت به أول مرة في العام 1978. كنت زرت مدينة بيت لحم، ومدينة بيت ساحور، وعرفنا عليه الشاعر معين جبر والقاص جمال بنورة، وقد توالت لقاءاتنا بعد ذلك، وأخذت أنشر له ما يرسله إلي من مواد، وأنا أحرر صفحة " الشعب الثقافي " في جريدة " الشعب " المقدسية، هو الذي كان بدأ، منذ صدرت هذه الجريدة، ينشر ما يترجمه، من قصص قصيرة عن الإنجليزية، على صفحاتها، فقد كان يكتب القصة القصيرة ويترجمها، وكما حرص على ألا تضيع قصصه فجمعها في غير مجموعة، فقد حرص أيضاً على أن يجمع بعض ترجماته في مجموعة أهداني نسخة منها في العام 2007، حين التقيت به في مؤتمر عقدته جامعة بيت لحم. وما من مرة شاركت فيها في مؤتمر في بيت لحم أو في ندوة أيضاً في بيت لحم إلا كان أحد الحضور، وكانت ابتسامته ووداعته تحضران معه، وكانت إصداراته، على قلتها، فلم يصدر هو الذي بدأ الكتابة مبكراً، ومنذ الستينيات من ق20، كانت إصداراته تحضر معه ليهدينا نسخاً منها، آملاً أن نكتب عنها، ومع أننا لم نكتب إلا قليلاً جداً، إلا أنه لم يغضب ولم يحزن ولم يلح علينا لنكتب، وأظن أنه في هذا يشكل حالة استثنائية. يهديك الكتاب، ولا يسألك كثيراً عنه حين تلتقي به مرة ثانية. قد يأمل بأن تكتب عنه، لكنه لا يكرر السؤال: هل قرأت ما كتبت؟ وهل أعجبك؟

يرحل عنا يعقوب الأطرش، وترحل عنا ابتسامته ووداعته أيضاً، وترحل أيضاً جلساته ومسامراته وحديثه الفرح عن أبنائه وبناته وأحفاده، فقد كان رجلاً عائلياً بامتياز، يحب العائلة وبفخر بإنجازات الأبناء والأحفاد، وحين يحدثنا يحدثنا كأننا من أبناء العائلة، العائلة المتآلفة الودودة التي لا يعرف أفرادها الغيرة والحسد والتشفي و... و...

ربما لم يكن يعقوب الأطرش كاتباً إشكالياً. بل إنه لم يكن كذلك. وربما لهذا لم يلتفت إليه أيضاً، بل لهذا لم يلتفت إليه، ويبدو أن القراء والنقاد يهتمون بالكاتب الإشكالي، وبالكتاب الإشكالي. وسيرحل يعقوب بهدوء وبصمت، وسيكون رحيله، مثل حياته، رحيلاً هادئاً بلا ضجيج وبلا اختلاف، وليس أمامنا إلا أن نترجم عليه.. لقد رحل عنا يعقوب، ورحلت معه ابتسامته ووداعته، في عالم جهم قاس غير وديع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى