الأحد ١٥ آذار (مارس) ٢٠٢٠
في حوار مع الباحث سالم الفائدة

يهبنا المستقبل دائما ما لا نتوقع

يعتبر سالم الفائدة أحد الباحثين والنقاد الجدد بالمغرب والذي يشتغل ضمن فريق مختبر السرديات بالدار البيضاء. دكتور في الأدب الحديث ونشر مؤخرا كتابه النقدي الاول بعنوان"الثقافة والرقابة" بالاضافة إلى عدد من المقالات والدراسات في مجلات وكتب جماعية بالمغرب وخارجه. وهو عضو فريق التحرير المساعد لمجلة سرود.

في ما يلي حوار معه من إعداد أمنة برواضي:

سؤال: من هو سالم الفائدة؟

جواب: رأيت النور في السادس من دجنبر من1981 في قرية بالجنوب الشرقي تدعى “أولاد ادريس” بجماعة المحاميد الغزلان إقليم زاكورة، وهي قرية تُعانق فيها واحة النخيل رمال الصجراء وحجارة الجبل، تلقيت تعليمي الابتدائي بمدرسة القرية وفيها كانت خطواتي الأولى على الكلمات، حيث تعرفت على قصص أحمد عبد السلام البقالي، ومجلة العربي، وبعض ملامح تاريخ المغرب القديم، قبل أن أنتقل لإكمال دراستي الإعدادية والثانوية بمدينة تاكونيت المجاورة، لتبدأ حكاية أخرى مع المعرفة واللغة عبر ما طالعناه في السيرة والرواية والفكر وخاصة كتب، طه حسين ويحيى حقي، والعروي، والمرحوم الجابري، أيضا ما يتصل بالقضية الفلسطينية التي كانت وما زالت جرحنا النازف الذي لم يندمل. بعد نيل البكالوريا كانت وجهتي آنذاك خلال سنة2001، كلية الآداب ابن زهر بأكادير، والتي شكلت محطة هامة في تشكيل وعيي وثقافتي الأدبية والفكرية والسياسية، فالنضال في الساحة الطلابية كان أهم ما ميّز تلك المرحلة، حيث أدركنا في خضم الصراع الفصائلي، ومن خلال قمع السلطة للتظاهرات الطلابية وما راكمنا من قراءات سياسية وفلسفية، ما ينتظرنا في ساحات المجتمع بعد الجامعة من تحديات. المحطة اللاحقة كانت ابتداءً من سنة 2006 في أروقة كلية الآداب بنمسيك طالبا في “ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب”، حيث بدأت رحلة معرفية جديدة أكثر عمقا وشغفا، وقد انصبّ اهتمامي على الاغتراف من معين النقد والثقافة والسرد والفكر، في وحدة منصهرة، وقد كنا أكثر حظا لأننا حظينا بأساتذة أكفاء كان همهم الأول هو مدّنا بالعدة والعتاد المعرفي اللازم للممارسة البحثية والعلمية الرصينة (اشعيب حليفي، عبد الفتاح الحجمري،إدريس قصوري، عبد اللطيف محفوظ، حكيم الفضيل الإدريسي…)، كان ذلك قبل أن أتوّج هذا المسار الأكاديمي بشهادة الدكتوراه في الأدب الحديث في يناير 2017، تحت إشراف علمي وإنساني للدكتور القدير شعيب حليفي، وما زالت رحلتنا العلمية مستمرة متجددة تبحث عن أفق جديد رفقة فريق علمي أعتز به، ثلة من الزملاء والأصدقاء الأصفياء بمختبر السرديات ونادي القلم المغربي بالدار البيضاء، وذلك جنبا إلى جنب مع تجربتنا التربوية في مجال التدريس.

سؤال: من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟

جواب: من موقعي كمتابع لما يصدر في الساحة الأدبية، أرى أن حجم الكتابة وزخمها في الوطن العربي لا يستجيب بعد على مستوى التراكم لما هو مأمول مقارنة بالبلدان الغربية؛ فالنقد هو العربة التي تأتي بعد الحصان وكلما كان الحصان قويا استطاع أن يجدُب العربة خلفه بنفس القوة، فمستقبل النقد يرتبط بمؤثرات مختلفة بعضها لا يتصل بالإصدارات وكمّها على أهمية الكم، إذ ثمة ما يرتبط بالسياق الثقافي الحاضن والتعليم والأمية ومستوى القراءة والتكوين الجامعي، والحاجات المجتمعية التي تفرضها اللحظة التاريخية وإرغاماتها. لكن بالنظر إلى ما نراه في واقعنا الثقافي المتحوّل بشكل مستمر بسبب تأثير الوسائط الجديدة المرتبطة بعصر الصورة، صارت دائرة الاهتمام بالنقد الأدبي قراءة وإنتاجا تضيق أكثر، ولعل ذلك ما يخلق الانطباع أحيانا بغياب الناقد؛ فالنقاد صاروا يشعرون بالضيق من ضعف قراءة منجزهم القرائي, وربّما دفع ذلك البعض إلى الابتعاد عن ساحة النقد والاتجاه نحو الكتابة السردية لما تتيحه من إمكانات للانتشار والمقروئية، وحرية التعبير عن الرؤى والتصورات بخصوص القضايا التي تؤرق المثقف في فضائه المجتمعي. هذه ربّما رؤية المتشائم للقضية، أما إذا أردت أن أكون متفائلا فإنني أعتقد أن النقد العربي قادر على مواكبة حركية الإبداع وتحولاته بمفاهيم متجددة ولعل من يتابع ما يستجد في الترجمة والنقد سيجد دراسات تسعى جادة إلى تقليب تربة الأدب وتحليل خطاباته للكشف عن ما يظهره وما يضمره من تعبيرات وأشكال وأسئلة.

سؤال: ما هي الصعاب والعراقيل التي يواجهها الناقد؟

جواب: أغلب النظريات والمرجعيات النقدية التي ينطلق منها النقاد في مقارباتهم وتحليلاتهم للنصوص، ذات خلفيات فلسفية وإيديولوجية واضحة، فملامح النقد والقراءة الأدبية تأسست زمن الإيديولوجيات المتصارعة، واليوم أغلب الكتاب يكتبون في زمن تراجعت أو تبخرت فيه الإيديولوجيا بمفهومها القديم، فكيف يمكن أن تسعف أدوات النقد العتيق في قراءة ما يستجد في الساحة؟ هذا إذا لم ينتبه الناقد إلى مرجعيات قراءته أو لم تكن له قدرة على تطوير مهاراته القرائية بالمواكبة والملاءمة، أما إذا كان الناقد حصيفا يقظا، فلا شك يتجاوز هذه الصعوبات ليساهم بمجهوده القرائي في إنتاج المعرفة. ذلك أن وظيفة النقد المعاصر، لم تعد تتمثل في التنقيب داخل النص عن الإيديولوجيا أو الموقف السياسي للمؤلف كما كان الأمر بالأمس؛ بل تتبع مدى قدرة النص على اختراق الحجب والأبنية التقليدية، و ما يختزنه من جماليات ورؤى تساهم في التنوير والفهم والرقي بالذوق الفني والجمالي الجمعي.

سؤال: ما هي المواصفات التي يجب توفرها في العمل الإبداعي ليجد صداه عند النقاد؟

جواب:لا بد من الإقرار في البدء أن الإبداع لا يمكن أن نرسم له حدودا أو مواصفات أو نضعه في قالب محدّد، فالمبدع لا يكون مبدعا إلا إذا تمرّد على الجاهز والقيود لخلق المغايرة والتميّز، فالإبداع يقتضي خرق ما هو مألوف وإلا كفّ عن أن يكون إبداعا، إن الكثير من الإصدارات في زمننا تفتقد الإبداعية والأصالة. لماذا نعود إلى أعمال أدبية محددة دون غيرها لتجديد قراءتها مثل شعر المتنبي، أبو حيان، والجاحظ؟ لما ننفتح على روايات دان براون، وديستوفسكي وديكنز وتشيكوف، همنغواي؟ لما نقرأ روايات يوسف زيدان وإلياس خوري ورضوى عاشور وعبد الرحمن منيف وواسيني الأعرج…؟ ببساطة إنها أعمال حاملة للفكر، أعمال ممتعة حكائيا ومفيدة معرفيا، أعمال تفكّر في الواقع والتاريخ والقضايا الوجود بلغة الأدب، لا شك أن ثمة محاولات جادة لكتاب يشتغلون بصمت وعمق كبيرين، غير أن الكثير من النصوص الصادرة التي نطالعها لا تجد صدى في الواقع لأنها لا تنتج المعرفة، وناذرا ما يجتهد كتابها في البحث شكلا ومضمونا، أعمال يهيمن عليها اللعب اللغوي والتعبير الإنشائي، منشغلة بالجوائز أكثر من انشغالها بقضايا المجتمع والوجود. ومتى كفّ المبدعون عن التفكير في الحياة عبر لغة الأدب كفّ الأدب عن التأثير في محيطه.

سؤال: كيف ترون مستقبل الحركة الثقافية في المغرب مقارنة مع باقي الدول العربية الأخرى؟

جواب:وهل يمكن أن نصفها بالحياة ؟ أعتقد أن شروط تحقيق حياة ثقافية سليمة في المغرب تتعلق بمستويات أخرى، منسوب الديمقراطية، والعدالة والعيش الكريم، الشرط التاريخي الذي تجتازه الأمة العربية دقيق في ظل أزمات مصطنعة، فالإمبريالية وأطماعها المستمرة في منطقتنا وممارساتها العدوانية من خلال أذيالها وخدّامها، تعقّد ممارسة حياة ثقافية طبيعية، إذ في ظل واقع الحروب الأهلية والصراعات الطائفية التي تعيشها بعض البلدان العربية(العراق، سوريا، اليمن، ليبيا…) تتعذر المقارنة، لكن ما هو أكيد أن الحياة الثقافية في المغرب، على الرغم من كل المعيقات التي تواجهنا تسير في تقدّم مستمر نحو الأحسن، بفعل مثابرة نخبة من المثقفين والباحثين المؤمنين بدور التراكم والمعرفة في التغيير المجتمعي وصناعة الأمل، ولعل من يتابع المسابقات المختلفة في العالم العربي وكذا ما يستجد في حقل النشر لا شك يتفاءل بالمستقبل، غير أنه من الواجب أن ننبّه إلى أن الاختيارات والتوجهات التي صارت تظهر في الساحة السياسية والثقافية الرسمية، تجعلنا نشعر بالقلق، فتحويل الجامعات والمؤسسات التربوية إلى مجرّد مؤسسات لتهييء اليد العاملة للرأسمال، وإضعاف الشّعب الأدبية والفلسفية والفنية واللغويات في الجامعة من شأنه أن ينمّي عقلية القطيع، إن مستقبل ثقافتنا يرتبط بإعداد العقول القادرة على التفكير والإبداع والخلق.

سؤال: أصدرت كتابا في النقد، كما لك عدة دراسات حول السرد العربي إلى ماذا يعزو الناقد هذا التنوع؟

جواب:أقول بداية، أنا في مستهل مشواري النقدي فتجربتي القرائية ما تزال متواضعة، ولا ترقى إلى مستوى الطموح الفردي، انشغلت في كتابي الجديد “الثقافة والرقابة دراسة تاريخية معرفية” بالتفكير في إشكالية الثقافة والسلطة عبر التاريخ الغربي والعربي، وخاصة الرقابة على الأدب، وساهمت في إعداد وتنسيق كتاب “ثقافات الهامش والهويات العليا” مع الصديق الباحث إبراهيم أزوغ، وقد ساهمت أيضا في عدد من الكتب الجماعية في النقد الروائي والرحلي، “الرواية والخيال العلمي” سرديات الخيال الاجتماعي” “جماليات السرد العربي”، كما صدرت لي دراسات مختلفة حول الرواية العربية والنقد الأدبي في مجلات عربية ومغربية المحكمة من قبيل: مجلة فصول، مجلة الرقيم، مجلة الدوحة، مجلة الإمارات الثقافية، مجلة الكلمة، مجلة الجديد، مجلة دفاتر الدكتوراه وفي عدد من المواقع الإلكترونية المتخصصة. أما كتبي الأساسية في النقد فهي مكتملة تنتظر النشر ” الرواية العربية والمحرم الدين والجنس والسياسة” ثم كتاب ” السرد البصري الماكر”. أعتقد أن فهم الأدب يقتضي الموسوعية والتعدد فالأدب هو الحياة كما نتخيلها عبر اللغة. إن انفتاح الناقد على حقول معرفية مختلفة ينمي قدرته على القراءة والتحليل، خاصة في ظل العصر الذي تعددت منابع المعرفة فيه وصارت الممارسة الأدبية والسردية تتم من طرف الطبيب والمهندس والمحامي والمؤرخ والفيلسوف وغيرهم، فاتساع ثقافة النص الروائي تفترض الموسوعية والتعدد، علما أن الانفتاح على حقول مختلفة قد يكون مكلّفا للجهد والزمن في ظل عصر التخصص.

سؤال: باعتباركم تزاولون مهنة التدريس كيف ترون مستقبل الجامعة والتعليم العمومي بالمغرب؟

جواب: علمتني الحياة أن لا أكون متشائما إلا بمقدار، ذلك أن المستقبل قد يهبنا ما لا نتوقع، وجعلتني التجربة أدرك أيضا أن المستقبل يتأسس على التخطيط الاستراتيجي، وأعتقد أنه ما دام ملف التعليم بالبلد خاضعا لمنظور أمني ومرتهنا إلى عقل سياسي فاسد، يدبّر من غير أهل الاختصاص، فمن الواجب أن نخشى على مستقبلنا؛ فالتعليم هو حجر الزاوية في بناء المجتمعات المعاصرة، وعليه من الواجب على القائمين على البلد التفكير في مستقبل الأجيال القادمة، بإشراك الفاعلين الحقيقيين و فتح المجال لبناء نموذج تربوي يشبهنا منفتح على القيم الكونية، سواء تعلّق الأمر بالمدرسة أو الجامعة، لكن إجمالا فالتعليم العمومي في المغرب رغم ما يواجهه من تحديات يظل أفضل من غيره في بلدان مجاورة، بفضل تضحيات الأطر التربوية التي تقاوم التردي بما تبدله من جهود جبارة في الأندية المدرسية والجمعيات الثقافية والأنشطة الموازية وعيا منها بدورها التاريخي ورسالتها النبيلة.

سؤال: لو لم تكن أستاذا للغة العربية ماهي الوظيفة التي كنتم ستختارونها؟
جواب: كان والدي رحمه الله فلاحا قرويا بسيطا وكنت منذ الصغر أرافقه إلى حقولنا الصغيرة أيام الزراعة والحرث والحصاد، وخلال موسم تلقيح النخيل، وقد عدت إلى شغفي هذا أيام دراستي الجامعية بأكادير إذ كنا نشتغل خلال العطل الصيفية في الضيعات الفلاحية المجاورة لنحصّل ما نساعد به أنفسنا، لقد رضعت عشق الأرض والفلاحة منذ ذلك الحين ربما لأنني، أجد في ذلك حريتي فالارتماء في أحضان الطبيعة الأم دون حسيب أو رقيب متعة لا تضاهى، لذلك أفترض أنني كنت سأختار أن أكون فلاحا. أو ربما ميكانيكيا وتلك حكاية مهنة أخرى زرع حبّها فينا المرحوم جدي لأمي.

سؤال: ما هي النصيحة التي تقدمها للمبدعين الشباب؟

جواب: إذا كان من نصيحة أقدمها للمبدعين الشباب اليوم، فهي النصيحة ذاتها التي قدّمها شيخ القصة القصيرة بالمغرب الكبير أحمد بوزفور لما سألته طالبة تخطو خطواتها الأولى في مضمار الكتابة القصصية، ما نصيحتك لكاتبة مبتدئة في كتابة القصة، فكان جوابه أنذاك نصيحتي إليك أن لا تستمعي للنصائح. إلا أن هذا لا يمنع من القول، إن الكاتب الجيد في تصوري هو القارئ الجيد، ذلك أنني لا أتصور بلوغ الجودة والإبداع في الكتابة دون تكوين أدبي وفكري وسياسي، فالبحث يطرد السذاجة عن الكتابة ويجعلها قادرة على التغلغل إلى أعماق المجتمع وروحه، إن الأديب في تصوري مثل الفيلسوف يتجاوز السطح ليلتقط ما هو أكثر ديمومة وعمقا وفرادة.

سؤال: ما هي مشاريعك المستقبلية في حقل النقد الأدبي؟

جواب:يبدو لي أن السرد العربي المعاصر قد بدأ ينفتح في السنوات الأخيرة على الفلسفة والتاريخ والثقافة الشعبية والفكر الصوفي بمنطق جديد، دون أن يغادر قضايا الواقع والمجتمع، ولعل المشترك الذي تكشفه السرديات العربية المعاصرة في علاقتها بالواقع هو تيمة العطب والانكسار بفعل اللحظة التاريخية والشرط الحضاري، فقضية الحرية تكاد تكون الخيط الناظم بين هذه النصوص رغم اختلافها. من هذا المنطلق أحاول أن أتلمس طريقي لمواصلة ما بدأت في سياق الانشغال بقضايا الرقابة على الأدب والرواية والمحرّم، بتوسيع نطاق الاشتغال ضمن إشكالية كبرى تتصل بالسرد والحرية في الوطن العربي. إنّما عبر تطوير أدوات قراءة النص، بالانفتاح على المرجعيات المعاصرة التي تغذي ثقافة السرد، إيمانا منّا أن توسيع دائرة النظر إلى النص من شأنها تطوير ورفد مفاهيم النقد المعاصر، خاصة بعد أن صارت الكثير من المناهج والمفاهيم التقليدية تشيخ وتتخلّف عن إيقاع السرد المعاصر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى