الاثنين ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم محمد مهدي الجواهري

أبو العلاء المعري

قِفْ بِالْمَعَـرَّةِ وَامْسَحْ خَدَّهَا التَّرِبَـا - وَاسْتَوْحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنْيَا بِمَا وَهَبَـا

وَاسْتَوْحِ مَنْ طَبَّـبَ الدُّنْيَا بِحِكْمَتِـهِ - وَمَنْ عَلَى جُرْحِهَا مِنْ رُوحِهِ سكبا

وَسَائِلِ الحُفْـرَةَ الْمَرْمُـوقَ جَانِبهُـا - هَلْ تَبْتَغِي مَطْمَعاً أَوْ تَرْتَجِـي طلبا

يَا بُرْجَ مَفْخَـرَةِ الأَجْدَاثِ لا تَهِنِـي - إنْ لَمْ تَكُونِي لأَبْرَاجِ السَّمَـا قُطُبَـا

فَكُـلُّ نَجْـمٍ تَمَنَّـى فِي قَرَارَتِـهِ - لَوْ أنَّـهُ بِشُعَـاعٍ مِنْـكِ قَدْ جُذِبَـا

والمُلْهَمَ الحَائِـرَ الجبَّـارَ، هَلْ وَصَلَتْ - كَفُّ الرَّدَى بِحَيَـاةٍ بَعْـدَه سَبَبـا؟

وَهَلْ تَبَدَّلْـتَ رُوحَاً غَيْـرَ لاَغِبَـةٍ - أَمْ مَا تَزَالُ كَأَمْسٍ تَشْتَكِـي اللَّغَبـا

وَهَـلْ تَخَبَّـرْتَ أَنْ لَمْ يَأْلُ مُنْطَلِـقٌ - مِنْ حُرِّ رَأْيِكَ يَطْوِي بَعْـدَكَ الحِقَبـَا

أَمْ أَنْـتَ لا حِقَبَاً تَدْرِي، وَلا مِقَـةً - وَلا اجْتِوَاءً، وَلا بُـرْءَاً، وَلا وَصَبَـا

وَهَلْ تَصَحَّـحَ فِي عُقْبَاكَ مُقْتَـرَحٌ - مِمَّا تَفَكَّرْتَ أَوْ حَدَّثْـتَ أو كُتِبَـا؟

نَـوِّر لَنَـا، إنَّـنَا فِي أَيِّ مُدَّلَـجٍ - مِمَّا تَشَكَّكْتَ، إِنْ صِدْقَاً وَإِنْ كَذِبَـا

أَبَا العَـلاءِ وَحَتَّـى اليَوْمِ مَا بَرِحَتْ - صَنَّاجَةُ الشِّعْرِ تُهْدِي الْمُتْرَفَ الطَّرَبَا

يَسْتَـنْزِلُ الفِكْـرَ مِنْ عَلْيَا مَنَازِلِـهِ - رَأْسٌ لِيَمْسَـحَ مِنْ ذِي نِعْمَـةٍ ذَنَبَـا

وَزُمْـرَةُ الأَدَبِ الكَابِـي بِزُمْرَتِـهِ - تَفَرَّقَتْ فِي ضَلالاتِ الهَـوَى عُصَبَـا

تَصَيَّـدُ الجَـاهَ وَالأَلْقَـابَ نَاسِيَـةً - بِـأَنَّ فِـي فِكْـرَةٍ قُدَسِيَّـةٍ لَقَبَـا

وَأَنَّ لِلْعَبْقَـرِيّ الفَـذِّ وَاحِـدَةً - إمَّـا الخُلُـودَ وَإمَّا المَـالَ والنَّشَبَـا

مِنْ قَبْلِ أَلْفٍ لَوَ أنَّـا نَبْتَغِـي عِظَـةً - وَعَظْتَنَا أَنْ نَصُـونَ العِلْـمَ وَالأَدَبَـا

عَلَى الحَصِيرِ.. وَكُـوزُ الماءِ يَرْفُـدُهُ - وَذِهْنُهُ.. وَرُفُـوفٌ تَحْمِـلُ الكُتُبَـا

أَقَـامَ بِالضَّجَّـةِ الدُّنْيَـا وَأَقْعَـدَهَا - شَيْـخٌ أَطَـلَّ عَلَيْهَا مُشْفِقَاً حَدِبَـا

بَكَى لأَوْجَـاعِ مَاضِيهَا وَحَاضِـرِهَا - وَشَـامَ مُسْتَقْبَـلاً مِنْهَـا وَمُرْتَقَبَـا

وَلِلْكَآبَـةِ أَلْـوَانٌ، وَأَفْجَعُــهَا - أَنْ تُبْصِرَ الفَيْلَسُوفَ الحُـرَّ مُكْتَئِبَـا

تَنَـاوَلَ الرَّثَّ مِنْ طَبْـعٍ وَمُصْطَلَـحٍ - بِالنَّقْـدِ لاَ يَتَأبَّـى أَيَّـةً شَجَبَـا

وَأَلْهَـمَ النَّاسَ كَيْ يَرضَوا مَغَبَّـتَهُم - أَنْ يُوسِعُوا العَقْلَ مَيْدَانَاً وَمُضْطَرَبَـا

وَأَنْ يَمُـدُّوا بِـهِ فِي كُلِّ مُطَّـرَحٍ - وَإِنْ سُقُوا مِنْ جَنَاهُ الوَيْـلَ وَالحَرَبَـا

لِثَـوْرَةِ الفِكْـرِ تَأْرِيـخٌ يُحَدِّثُنَـا - بِأَنَّ أَلْفَ مَسِيـحٍ دُونـهَا صُلِبَـا

إنَّ الذِي أَلْهَـبَ الأَفْـلاكَ مِقْوَلُـهُ - وَالدَّهْرَ.. لاَ رَغَبَا يَرْجُـو وَلاَ رَهَبَـا

لَمْ يَنْسَ أَنْ تَشْمَلَ الأَنْعَـامَ رَحْمَتُـهُ - وَلاَ الطُّيُورَ .. وَلاَ أَفْرَاخَـهَا الزُّغُبَـا

حَنَا عَلَى كُلِّ مَغْصُـوبٍ فَضَمَّـدَهُ - وَشَـجَّ مَنْ كَانَ، أَيَّا كَانَ، مُغْتَصِبَـا

سَلِ المَقَادِيـرَ، هَلْ لاَ زِلْتِ سَـادِرَةً - أَمْ أَنْتِ خَجْلَى لِمَا أَرْهَقْتِـهِ نَصَبَـا

وَهَلْ تَعَمَّدْتِ أَنْ أَعْطَيْـتِ سَائِبَـةً - هَذَا الذِي مِنْ عَظِيـمٍ مِثْلِـهِ سُلِبَـا

هَذَا الضِّيَاءُ اَلذِي يَهْدِي لـمَكْمَنـه - لِصَّاً وَيُرْشِدُ أَفْعَـى تَنْفُـثُ العَطَبَـا

فَإِنْ فَخَـرْتِ بِمَا عَوَّضْتِ مِنْ هِبَـةٍ - فَقَدْ جَنَيْـتِ بِمَا حَمَّلْتِـهِ العَصَبَـا

تَلَمَّسَ الحُسْنَ لَمْ يَمْـدُدْ بِمُبْصِـرَةٍ - وَلاَ امْتَـرَى دَرَّةً مِنْهَـا وَلاَ حَلَبَـا

وَلاَ تَنَـاوَلَ مِـنْ أَلْوَانِـهَا صُـوَرَاً - يَصُـدُّ مُبْتَعِـدٌ مِنْهُـنَّ مُقْتَرِبَـا

لَكِنْ بِأَوْسَـعَ مِـنْ آفَاقِـهَا أَمَـدَاً - رَحْبَاً، وَأَرْهَـفَ مِنْهَا جَانِبَا وَشَبَـا

بِعَاطِـفٍ يَتَبَنَّـى كُـلَّ مُعْتَلِـجٍ - خَفَّاقَـه وَيُزَكِّيـهِ إِذَا انْتَسَبَـا

وَحَاضِـنٍ فُـزَّعَ الأَطْيَافِ أَنْزَلَـهَاَ - شِعَافَـه وَحَبَـاهَا مَعْقِـلاً أَشِبَـا

رَأْسٌ مِنَ العَصَبِ السَّامِي عَلَى قَفَصٍ - مِنَ العِظَـامِ إِلَى مَهْزُولَـةٍ عُصِبَـا

أَهْوَى عَلَى كُوَّةٍ فِي وَجْهِـهِ قَـدَرٌ - فَسَدَّ بِالظُلْمَـةِ الثُقْبَيْـنِ فَاحْتَجَبَـا

وَقَالَ لِلْعَاطِفَـاتِ العَاصِفَـاتِ بِـهِ - الآنَ فَالْتَمِسِـي مِنْ حُكْمِـهِ هَرَبَـا

الآنَ يَشْرَبُ مَا عَتَّقْـتِ لاَ طَفَـحَاً - يُخْشَى عَلَى خَاطِرٍ مِنْـهُ وَلاَ حَبَبَـا

الآنَ قُولِي إِذَا اسْتَوْحَشْـتِ خَافِقَـةً - هَـذَا البَصِيـرُ يُرِينَـا آيَـةً عَجَبَـا

هَذَا البَصِيرُ يُرِينَـا بَيْـنَ مُنْـدَرِسٍ - رَثِّ الْمَعَالِمِ، هَذَا الْمَرْتَـعَ الخَصِبَـا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى