الثلاثاء ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
مالينا
بقلم رانية عقلة حداد

أخلاق المرحلة تشبهها

لم تكن مالينا (مونيكا بيلوشي) مجرد امرأة عابرة في حياة الطفل ريناتو (جوزبي سلفارو) رغم المسافة التي تفصلهما والتي لم يجرؤ ريناتو على تجاوزها، إنما هي المرأة التي نقلته إلى عتبة الرجولة والنضج والمعرفة... ومن جهة آخرى هو الشاهد الوحيد المطلع على حقيقية تجربتها ومعاناتها، فبقي وجود مالينا حي في ذاكرته والح عليه بعد سنوات طويلة أن يروي حكايتها، التي حمل الفيلم الايطالي اسمها "مالينا" انتاج عام 2000، اخراج جوزبي تورناتوري، والحائز على ثلاث جوائز عالمية ورشح حينها لنيل الاوسكار.

بداية الحرب وبداية السقوط

مع اعلان ايطاليا الاشتراك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب المانيا تبدأ احداث الفيلم، وزوج مالينا أحد الذين ذهبوا إلى الجبهة، أما مالينا فهي امرأة فاتنة واستثنائية، للحد الذي أوقدت معه الحياة في اجساد جميع رجال ومراهقي مدينة سيسيليا الايطالية، الامر الذي اثار من جهة غيرة النساء، ومن جهة آخرى حقد الرجال على اخلاص مالينا لزوجها وعدم اكتراثها بهم، وبعد أن ورد خبر استشهاد زوجها، لاحت الفرصة لسكان المدينة الاستفراد بها واستغلال غياب معيلها وحاميها، فلن يفتح لها رجال المدينة ابواب العمل او الحصول على قوتها اليومي الا مقابل امتلاك جسدها، أما غيرة النساء وعجزهن على منع ازواجهن من الاعجاب ب مالينا وملاحقتها، دفعهن إلى نعتها بالعاهرة ومحاصرتها نفسيا.

ريناتو العاشق ل مالينا كان يرصد كل تحركاتها ليلا نهارا، مما جعله شاهدا على الظلم الذي لحق بهذه المرأة الفتية، والاكاذيب التي احيكت ضدها، كما كان شاهدا على اخلاصها لزوجها.

أخلاقيات المرحلة

نملة تمشي لوحدها بسلام فجأة تتقلب حتى تموت، لنكتشف أن ريناتو ورفاقه المراهقين يتلهون بتركيز شعاع ضوء الشمس من خلال عدسة على النملة، إنه أحد المشاهد القاسية في الفيلم، وقسوته تكمن في تلذذهم بألم النملة الضعيفة وموتها وسط اصواتهم التي تشيعها بدعاء ديني، تشبه هذه النملة إلى حد كبير مالينا وما حدث لها، فمالينا الوحيدة والغريبة كما هذه النملة، قاومت كثيرا الضغوط الكبيرة التي سلطت عليها من سكان المدينة، حتى امعنوا في ايذائها وقتلها؛ المرة الاولى خلال الحرب بعدة موت زوجها عندما دفعهوها إلى أن تتحول إلى بائعة هوى، والمرة الثانية بعد الهزيمة في الحرب حين حاكموها على ما دفعوها اليه، فتم التنكيل بها في الساحة العامة على الملأ، وخرجت بعدها من المدينة وهي مهانة.

مالينا التي خرجت مثخنة بجراحها كانت بالنسبة لريناتو، ايضا شبيه بايطاليا المثخنة بجراحها جراء الحكم الفاشي والحرب، وما واجهته مالينا هو ذاته ما واجهته ايطاليا ابان الحكم الفاشي، واخلاقيات سكان المدينة المنهارة هي انعكاس لقيم واخلاقيات زرعها ذلك النظام حيث الظلم والقسوة والزيف الذي تجلى في اشتراك اهالي المدينة جميعهم في القتل العلني لمالينا، لان ما من أحد منهم يجرؤ على مواجهة حقيقية زيف ذاته، فالرجال كانوا يمقتون عجزهم عن امتلاك مالينا، ونساؤهم يردن انكار الخيانة، بالتالي الحل الافضل للجميع هو التخلص من مالينا التي تشبه مرآة تفضح عيوبهم جميعا وتشوهاتهم.

مالينا... الوطن

إذن الاحداث تروى من وجهة نظر الطفل ريناتو... وما حفظته الذاكرة عن تلك المرحلة، حيث كان شاهدا لا على مالينا الضحية فحسب، انما على زيف وانهيار اخلاق الناس والمرحلة بأسرها، التي بدت اكثر وضوحا مع انتهاء الحرب وسقوط كل من النظام الفاشي والنازي، وكان المشهد الافتتاحي للفيلم ينذر بذلك عندما كانت الكاميرا تهبط إلى الاسفل مع صوت الذي يدعو الناس إلى الاستماع إلى خطبة موسوليني الذي سيعلن فيها دخول الحرب.

مالينا بالنسبة لريناتو كانت اكثر من امرأة فاتنة... كانت صورة للوطن المنتهك والمباح، والذي تم اقتياده عنوة إلى الانهيار، لذلك لم يحتمل أن يتخيل مالينا في حضن الجنود الالمان، وحين كان يتخيلها في حضنهم وفي الخلفية العلم النازي، هذه الصورة كانت تتكرر كأنها تنعكس عن مرآة متكسرة بزوايا حادة، لكن هذا لا يشكل ادانة في ذاكرة الطفل لمالينا انما للناس الذين دفعوها لهذا، وللنظام الذي شكل اخلاقياتهم.

بعد أن انتهت الحرب تبين أن زوج مالينا لم يمت، فكان ريناتو الوحيد الذي قام برد الاعتبار إلى مالينا عبر رسالة مررها لزوجها تظهر حقيقية ما حدث، بعكس الصورة التي اراد الناس أن يظهروها لزوجها، وبعد عام يعود الزوج ومالينا إلى المدينة وحينها ذات الناس الذين رجموها الان يرحبوا بها كأنهم لم يقتلوها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى