السبت ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢
بقلم جميلة شحادة

«أدنى من سماء» مختارات شعرية جميلة، تفيض بالشجن

308 صفحاتٍ عدد صفحات كتاب، "أدنى من سماء". وهذا، بالنسبة لي عدد كبير نسبيًا. وبالذات، لمَن مثلي لا جَلَد لها على قراءة الأعمال الأدبية الكبيرة حجمًا، مهما كان نوع هذه الأعمال؛ رواية، قصة قصيرة، قصيدة... وبخاصة أن التزاماتي اليومية والمهنية، كآخرين غيري، كثيرة، وإيقاع حياتنا سريع جدًا في هذا العصر. أما السبب الأهم، فهو تجربتي مع قراءة قصص قصيرة وقصائد ورواياتٍ، استهلكت الكثير من وقتي ومن أعصابي لكثرة التكرار فيها لذات الفكرة، وكثرة اللف والدوران حولها لمطِّ العمل وفقط؛ ليخرج أكبر حجمًا. لكن هذا لا ينطبق في الحقيقة على كل ما قرأته من كتب؛ فلقد قرأت كتبًا علمية، وتاريخية، وأدبية لمفكرين ومؤرخين وروائيين عرب وعالميين، قد تعدّى عدد صفحات كل كتاب منها ال 300 أو 400، أو 500 صفحة، بل إن بعضها قد امتدّ الى أكثر من جزء. هذه الكتب قرأتها بمتعة، وبذهن متيقظ، حيث أثارت بي الفضول لأعرف أكثر، وحثّتني على الاستزادة، وتحدتني لأتابع قراءتها حتى نهايتها. هذه الكتب منحتني العلم، والمعرفة والثقافة والمتعة، ومنها ما أشبع عندي الحسّ الجمالي والإبداعي.

"أدنى من سماء"؛ هو أيضًا عنوان كتابٍ أثار الفضول عندي، فحثّني على كشف باطنه، حتى وإن كان يتألف من 308 صفحات. حيث وعدت نفسي بأن أقصيه بعيدًا ولا أكمل قراءته، إن لم أكتشف اللؤلؤ في جوفه. وبدأتُ برحلة القراءة؛ وإذ بي أكتشف أن " أدنى من سماء" هو مختارات شعرية اختارها مؤلف الكتاب، عبدلله عيسى، من تسعة دواوين شعرية له كان قد أخرجها للنور في الفترة ما بين سنة 1987 و2017. هنا، أريد أن أشير وقبل أن أتابع الكتابة عن "أدنى من السماء"، الى أنني لست بدارسة لنظريات النقد الأدبي، لا القديم منها ولا الحديث، ولا أملك أدواته. لذا، فقراءتي لكتاب "أدنى من سماء" هي قراءة انطباعية، وأتناوله بحسب ذائقة قارئ يهوى قراءة الكلمة الجميلة، وتبهره الفكرة العميقة لا أكثر.

لقد أختار الدكتور عبدلله عيسى أن ينتقي بعض القصائد من تسعة دواوين له، كما أسلفت سابقًا، ليحويها منجز واحد، هو "أدنى من السماء". وهنا يُسأل السؤال؟ ما الهدف من ذلك ما دامت القصائد موجودة في الدواوين الأصل؟ هل أراد عبد الله عيسى أن يسلّط الضوء على هذه القصائد أكثر من غيرها؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ هل لأنها الأحب الى قلبه؟ أم لأنها الأجمل بنظره؟ أم لأنها الأقرب الى وجدانه؟ أم لأنها أعمق فكرةً؟ وإذا كانت الإجابة عن كل هذه التساؤلات بنعم، فلماذا يفرض عبد الله عيسى ذوقه على قرّائه؟ أسأل سؤالي هذا بالرغم من أنني مع الرأي القائل بأن العمل الأدبي هو ابن شرعي لمؤلفه، وانعكاس لحياته وثقافته ونفسيته، ولا تروق لي مسألة "موت المؤلف". على أي حال، إن المختارات الشعرية التي ضمنّها عبد الله عيسى كتابه" أدنى من سماء" مختارات قيّمة، جميلة ولو أنها تفيض شجنًا، وتفوح منها رائحة الموت. هذه المختارات عبّر فيها الكاتب عن خلجاته ومكنوناته ومشاعره تجاه ما تكابده فلسطين، وطنه الأم، وتجاه ما تكابده النفس من ألم وأمل وتوْق الى العيش بسلام ومحبة وكرامة.

لم يختر الدكتور عبدا لله عيسى ذات العدد من القصائد من كل ديوان من دواوينه التسعة؛ فقد اختار من ديوانه "موتى يعدون الجنازة" 5 قصائد، ومن ديوانه "آلاء" قصيدتين، ومن ديوانه "حبر سماء أولى" 5 قصائد، ومن ديوانه "قيامة الأسوار" 10 قصائد، ومن ديوانه رعاة السماء رعاة الدفلى (5) قصائد، ومن ديوانه "إخوتي يا أبي لا الذئب" (12) قصيدة، ومن ديوانه "هناك، حيث ظلال تئن" (7) قصائد، ومن ديوانه "جدار من الماء" قصيدة واحدة، ومن ديوانه "من وصايا فوزية الحسن العشرة" (9) قصائد. وأشير هنا بأنني للوهلةِ الأولى أردت مقارنة وصايا فوزية بقصيدة درويش" تعاليم حورية" من ديوانه: "لماذا تركت الحصان وحيدًا؟"، لكنني عدلت عن ذلك. لقد أعجبتني الوصية السادسة من وصايا فوزية العشرة:

قل لهم:
مَن رمى حجرًا كي يعدَّ الدوائر في النهر
آذى الحصى والطحالب والسمكَ المطمئن
فلا تأذنوا للعصاةِ بأن يردموا بئركم مرتين
ويختلسوا جمرةً تركت في مواقدكم ظلّها
كي ترَوا في المياه تعابير نجم هوى في مخيلةِ الغرباءِ؛
ولا تنظروا من وراء الهضاب إليَّ
فلا تبصروني
وَمَن لم يكن ذا خطايا،
وعينين قانطتين من اليأسِ،
فليأتِ خلفي، ويدخل كوخي
أنا مَن ينادي، فآتي

ووجب التنويه بأنني هنا، لست بصدد تناول القصائد التي تضمنها كتاب "أدنى من سماء" بالنقد والتحليل، ولو أن كل قصيدة جديرة بالقراءة الناقدة والتحليلية وافية. كذلك لست بصدد تناول دواوين الشاعر عبد الله عيسى بالنقد، أو المقارنة بينها؛ حيث ليس من العدل أن أقوم بذلك وأنا لم أقرأها جميعًا. وإنما أكتفي بكتابة انطباعي عن كتاب " أدنى من سماء بعد أن قرأته، وأعجبت بالمختارات الشعرية التي تضمّنها. برأيي إن فكرة إخراج كتاب بمختارات من أعمال سابقة، لا شكّ أنها تنم عن ذكاء. فها أنا سأبحث عن الديوان الأصل لكل قصيدة أعجبتني في المؤلَف "أدنى من سماء"، والأصح، القصيدة التي تفاعلت معها وجدانيًا أكثر من غيرها، ولعل مثلي كثُر.

"أدنى من سماء" صدر عام 2021 ضمن منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية. فألف مبارك للشاعر، الدكتور عبد الله عيسى منجزه الجديد هذا، ومبارك له تكريمه المستحق، بمنحه وسام الشرف الذهبي من قِبل منتدى أورو آسيا الحكومي لعام 2021، راجية له دوام الإبداع، والمزيد من العطاء الأدبي والثقافي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى