الثلاثاء ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم بلقاسم بن عبد الله

أديب مفمور..من ينقذ مخطوطاته؟

.. وما ذنب الأديب الجزائري إذا خلف مخطوطاته المغمورة، لتتجاوز خمسة أضعاف مؤلفاته المطبوعة ؟.. تساؤل مثير للجدل، واجهني هذه الأيام وأنا بصدد الكتابة عن أديب تلمساني مشهور ومغمور، ومصافحة إنتاجاته وكتاباته العديدة.. تحمل بطاقته التعريفية إسم: علال عثمان.. المعلومات المتوفرة عنه قليلة شحيحة، لذا سأعتمد بالدرجة الأولى على ما ورد على لسانه في الحوار الهام الذي أجريته معه ونشرته بالعدد 380 من ملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية بتاريخ 17 جوان 1985 الموافق 20 رمضان 1405

في بداية الحوار يشير صاحبنا علال عثمان إلى بلوغه 63 سنة، أي أنه من مواليد 1922 بمدينة تلمسان، من أسرة عريقة متواضعة الحال، حينما بلغ الخامسة من العمر أدخله والده إلى الجامع أو الكتاب، فأكمل تلاوة القرآن الكريم وحفظ منه الكثير خلال ست سنوات.
ثم اضطرت الظروف والده لأن يساعده في المخبزة، ويسهر الليل قرب الفرن رغم صغر سنه. وفي تلك الفترة شغف بالقراءة، وشيئا فشيئا تعلم مبادئ اللغة العربية من نحو وصرف وعروض، وقد كان لوجود الشيخ محمد البشير الإبراهيمي منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم بتلمسان أثره العميق في تنمية شوقه الكبير لدراسة الأدب والفقه الإسلامي.

وفي أواخر الأربعينات من القرن الماضي، بدأ علال عثمان يجرب حظه مع الكتابة، وجاءت باكورة أعماله الأدبية من خلال محاولة روائية بعنوان: حواء وإبليس، صدرت له سنة 1953 عن مطبعة خاصة بتلمسان، في حدود تسعين صفحة من الحجم الصغير.

غير أنه بعد الإستقلال، أصيب بمرض خطير، كما يضيف، ربما بسبب الهموم الكبيرة التي كان يعانيها من جراء المآسي التي عاشها أبناء الوطن، فتوقف عن العمل بدون أن يهمل الدراسة والإهتمام بالأدب والفكر، وظل يواصل الكتابة الأدبية في أحلك الظروف..

ومن خلال الحوارات الهامة التي أجريتها معه عبر برنامج دنيا الأدب بالإذاعة الوطنية، ثم في حصة نادي الإبداع بإذاعة تلمسان الجهوية، أثناء الفترة ما بين 1993 و 1999 ظل أديبنا علال عثمان يشكو كثيرا من عراقيل النشر، رغم تزايد إنتاجاته المخطوطة، حيث تجاوزت رقم العشرين، كما يبرزها بعناوينها ومضامينها في الحوارات المذكورة. في حين لا تزيد كتبه المطبوعة عن العدد الثالث، ظهرت خلال المدة ما بين 1953 و 1996 أي طوال 43 سنة، يا للعجب!.. وجاءت هذه الكتب المطبوعة المحظوظة بعناوينها المتميزة:
حواء وإبليس: محاولة روائية صدرت سنة 1953 عن مطبعة خاصة بتلمسان في حدود تسعين صفحة من الحجم الصغير.

الإنتفاضة الكبرى: رواية أكثر أحداثها واقعية، ظهرت سنة 1985 عن منشورات المؤسسة الوطنية للكتاب، وتقع في 120 صفحة من الحجم المتوسط.

يا سيدي العفريت: مسرحية في ثلاثة فصول، صدرت سنة 1996 ضمن مطبوعات جمعية الجاحظية، وتمتد عبر 72 صفحة من الحجم الصغير، مع كلمة تقديمية للروائي الشهير الطاهر وطار، ومما ورد فيها:

الأستاذ علال عثمان، صديقي التلمساني الذي لا أعرفه إلا من خلال صورته، من أوائل المنتمين إلى الجاحظية، ومن الذين يواصلون السؤال على أحوالها ويتذكرونها بخير. يكتب باستمرار عن إمكانية النشر، وإنشاء فرقة مسرحية، كتب في ملف الإنتماء وفي خانة المهنة: خباز متقاعد، فأوحت إلي هذه الصفة بحب كبير وإجلال لعثمان، الذي تقاعد عن متاعب الحياة إلا عن جانبها الروحي، التأليف والكتابة ومواصلة الإهتمام بالأدب وقضاياه.

أما عن إنتاجاته المخطوطة و المغمورة، فحدث و لا حرج؟.. حيث تتجاوز رقم العشرين، كما يبرزها حرفيا في الحوار المذكور بالنادي الأدبي، بتاريخ 17 جوان 1985 و يورد عناوينها على النحو الموالي:

درة البدور، الساحة المصورة، دنيا إبنة شهرمان، جابر الكرام، دجاجة الشيخ، مامه، القديس، إلهي يتعبد إليه، إبن الرشد، أبو العلاء المعري، الروحانية، يوسف وإخوته، الإنتفاضة الكبرى، يا سيدي العفريت، آخر رحلة السندباد، القافلة الصغيرة، معجزة الفنيقة، صادق حكيم بابل، أمير الأندلس، العروسة المقلقة، لابد من عقاب الله، نعيم وعهد الجواري..بالإضافة طبعا إلى كتاباته المغمورة بعد سنة 1985وطوال عقد ونصف من الزمان.

و قد ظل صاحبنا علال عثمان مداوما على الكتابة إلى غاية الشهور الأخيرة من حياته، قبل وفاته في 2 ماي 2002 وكثيرا ما كان يطلعني على بعض الكتابات التي يرسلها إلى صحافتنا الوطنية، لكن دون جدوى.. و من أواخرها مقالة نقدية تتناول مسرحية "هملت" للأديب العالمي المعروف شكسبير، و قد ذيل هذه المقالة التي تتوفر نسخة منها ضمن ملفاتي الخاصة بتاريخ 14 فيفري 2000، حيث إستهلها بقوله:

بعد أن كتبت عشرات المسرحيات ، رأيت أن أراجع مسرحية "هملت" لعلي أجد بها مهارات تفوق مهارتي، و إذا بأشياء تناطحني غير لائقة، أول ما أثار إستنكاري في المشهد الأول حيث أجرى المؤلف أحداثه في شرفة قصر، حينئذ تساءلت كيف جاز للمؤلف أن يجرى أحداث ذلك المشهد في شرفة قصر؟..

و لأديبنا علال مع النشر في الصحافة الوطنية حكاية طويلة عريضة عميقة، فقد بعث بكتاباته الأدبية المختلفة إلى معظم الصحف في تلك الفترة، وقليلة هي المقالات التي نشرت له، وكان لملحق النادي الأدبي حصة الأسد من تلك المقالات المنشورة سنوات الثمانينات، وقد سجل وقتئذ رأيه في كيفية التعامل مع لغة الإبداع، بالملحق المذكور بتاريخ 11 جانفي 1987 ومما قاله: حينما أكتب يكون حافزي النص الأدبي لكي أكتب شيئا جميلا، ثم تتجه كتاباتي لتنمية ذوق الإنسان الجزائري أولا ثم الإنسان العربي ثانيا..

وظلت غصة أو أزمة النشر تلازمه وتلاحقه إلى أن وافاه الأجل بمدينة تلمسان يوم 2ماي2002عن عمر يزيد عن الثمانين سنة،مخلفا وراءه مجموعة من الأبناء والأحفاد،إلى جانب حقيبة ثقيلة غليظة، تحتوي على كمية معتبرة من الإنتاجات المخطوطة التي تظل في حاجة ماسة إلى الأيادي البيضاء الكريمة ،لتنتشلها من الإهمال والضياع،ولتخرجها إلى النور خدمة لثقافتنا الوطنية.

وقد برزت عودة الإهتمام مؤخرا بأديبنا المرحوم علال عثمان بعد نشر مقالة مطولة عنه بالعدد الأخير من مجلة الجوهرة المخصصة لفعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية..حيث ستبادر دائرة المسرح بالمناسبة لإقامة يوم تخليدي لهذا الكاتب المنسي بأعماله المغمورة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى