الأربعاء ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

أسجينٌ أم شهيد

عليك العينُ كم تكفُ
اليك القلبُ كم يجفُ
وفيك الشوق برّحني
بحبك إنني كَلِفُ
فيامن غاب عن نظري
فغاب السعدُ والترفُ
وصارت روحيَ العطشى
اليه يبيرها الأسفُ
ألا هل ليليَ الداجي
بنور لُقاك منكشفُ
ألا هل غُصنيَ الذاوي
بغيث الملتقى يهفُ
ألا هل عنك مبعوثُ
من الآهات ينتصفُ
فيا خالاه أنىّ لي
ومالي عنك منصرفُ
ويا خالاه أنىّ لي
وبينُك بعده التلفُ
صبرتُ النفسَ أياماً
اُعلّلها وأزدلفُ
فكيف وقد مضى دهر
به الأعوام تختلف
اذا ما أغمضت عيني
أراك بجفنها تقفُ
تمدّ يديك لي أيكاً
وظلّك باردٌ يرفُ
وأسمع صوتك الحاني
كأني الشهدَ أرتشفُ
فليت العين ما فُتحت
اذا ماكنت تنصرفُ
وليت الطيف أعوامٌ
اذا ما أنت مُختطَفُ
براك الحزنُ يا قلبي
وحلَّ شغافكِ اللّهفُ
متى ينجاب عنك الهمُّ والآلامُ والدنفُ
بعودة صاحب أضحى
يزيد ببعده الشغفُ
أغالبُ أين قد أُلقى
بك الأنذالُ والجيفُ
ومن فسقوا فلا دينٌ
ولا عهدٌ ولا شرفُ
أفي زنزانةٍ ظلماءَ ما في جوفها ألفُ
سِوى ظِلٍ على الجدران بان برسمه القَضَفُ
يحاكي منك أفعالاً
بصمتٍ فيه يعتكفُ
وطاؤكَ قدَّ من حجرٍ
وبالأحجار تُكتَنَفُ
أذا ما طال ليلُ القرّ
والتاعت به السُّدَفُ
ونام الناسُ في دفءٍ
على الأصواف والتحفوا
فتحتك باردُ الأحجار مثل الثلج مرتصف
اذا ما مسّه عضوٌ
يفزّ وعنه ينحرفُ
تبيت القرفصى وعلى
يديك الصدرُ منعطفُ
تقاسي الليلَ في سهرٍ
ومنك الجسم يرتجفُ
وإن في القيظ قال الناس في بردٍ به النشفُ
ففي زنزانة الأوغاد جسمك موقدٌ يكفُ
وصدرُك ينفث الانفاس حَرّى دونها الذعُفُ
أتلك حوتك أم سجنٌ
أقام بساحه الشظفُ
تراه يضيق عن عشرٍ
وفيه بضعفهم قذفوا
فلا رِجل سباها النوم إلا وهي تنقصفُ
وماذا عنهم أروي
وما من حالهم أصفُ
قليلٌ زادهم جَشبُ
وكم عن زادهم عزفوا
أصاب الضعف أعظمَهم
وبان عليهم العَجَفُ
عليهم حرّم الطاغون مسّ الماء إن قَشِفوا
فعادوا مرتعاً للقملِ يدمى تحته الحَصَف
وبدَّل ريحهم دهرٌ
تقضّى فيه ما نظفوا
وقد بليت ثيابهمُ
ومنها قُطّعت نتفُ
وغطى الشعرُ عاليَهم
فغاب الوجهُ والكتفُ
تراهم في شعورهمُ
كما الغيلان قد رسفوا
بتلك الحال لو زاروا
أهاليَهم لما عُرفوا
وكيف وما زيارتهم
سوى حُلمٍ به شغفوا
بهم قد حاقت الأحجار واستعلى بها الصدف
فلا شمسٌ ولا قمر
ولا صبحٌ ولا سدَفُ
ولا طيرُ ولا شجرٌ
ولا نسُمٌ لها رففُ
ولا قلمٌ ولا ورقٌ
ولا كتبٌ ولا صُحُفُ
فكلُّ دونه جُدُرٌ
وكلٌّ دونه سُقفُ
وعند الباب جلاّدٌ
علاه الكبرُ والصَلَفُ
شديدُ اللؤم سبّابٌ
نماه الحقد والجَنَفُ
يسبُّ وليس من ذنبٍ
به قد جاء مقترفُ
سوى أنّ الاُلى صَلُّوا
بذكر الله قد هتفوا
فيا طاغوت ما فعلوا
اولاءِ القومُ ما اقترفوا
أذاك لأنهم دانوا
لربّ الكون واعترفوا
وقالوا اللهُ حاكمُنا
الى مرضاته الهدف
فقمت تسومهم ظلماً
وفيهم دينُك السَرَفُ
فما حادوا ولا نكَبوا
وما لانوا ولاضعفوا
أغالب هل حواك السجن أم قد ضمّك الجدف
أحيٌ أنت أم قتلوك في آلاف من سلفوا
فروحك في جنان الله للرحمن تزدلف
حباك الله آلاءً
فمنها الحور والغرف
وجنات من الأعناب فيها أنت تقتطف
وتجري حولك الأنهار منها أنت تغترف
ويوم الدين ميعاد
يرى الظلاّم ما اعتسفوا
تقاضيهم لرب العرش منه العدل والنصَف
فأنكالٌ وأغلالٌ
ونارٌ ما بها رأَف
ولا منجى من القهار
يوم تنشّر الصحف


الأعلى