السبت ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم بسام الطعان

أقوى غبي في العالم

جحافل الملل دقت طبول المجيء، فدخل في شرفات الصمت، ولم يعرف ماذا يفعل، أيذهب إلى الفراش ويصـطنع النوم، أم يخرج ويتسكع في الشوارع، أم يدخل إلى المطبخ، أم الحمام، أم يصعد إلى السطح ويتسلى بالنظر إلى المدينة، أم يحلق ذقنه، أم يلعب بـ...

كبيكار في برزخ ملتهب ظل يدور في الصالة، فزوجه مشــــغولة في المطبخ، وهو لا عمل له منذ أن تخرج من الجامعة، شـعر بشيء من التعب فجلس على كرسي قديم أمام النافذة، أشعل لفافة، ســــحب نفســـــا أعمق من ملله، ثم مدّ يده إلى جـــــهاز الراديو القابع فـــوق الطاولة، وبعد لحظات تأفف وبصق وشتم حين سمع:

"الرئيس الأمريكي يرفض الانســــــحاب من العراق ويمتنع عن الضغط على "إسرائيل"".

بعصبية أخرست كفه الراديو، تغيّرت ملامـــــحه كلياً، وفجأة قال بغضب:

"هل ستخرب الدنيا لو كنت رئيسا لأمريكا".

بغتة أشرقت نفسه بالفرح، نهــــــض بحيوية، اقترب من النافذة، ذهب بخياله إلى البعيد وهو ينظر إلى الشـــــارع الخالي من المارة، فرأى أمامـــــه جماهير غفيرة تلوح له، لكنه لم يرد على التلويحات، وإنما اكتفى بالابتسام، فهو الآن الرئيس الأقوى في العالم، ارتسـمت على محياه علامات الزهو والخيلاء وهو يستقل طائرة "الهليكوبتر" ويعود برفقة (عبلة) إلى البيت الأبيض، وفي مكتبه الوثير، أصــدر أوامر صريحة وواضحة، فأذعن الكل لها, ثم راح يوزع المناصـب المهمة على أقاربه وأصدقائه:" منصب نائب الرئيس لأخي (عباس) وزارة الخارجية لابنة عمي (نجود) صـحيح هي قبيحة جدا ولكن شــــــخصيتها قوية, وزارة الدفاع لابن عمي ( حميد) وزارة التجارة لصـديقي (صطيف) وزارة الخزانة لابن خالي (عبيد) لا.. لا إنه حرامي وسينهبها في اليوم الأول.. إذا لتكن من نصيب عبود... ". انتهى من توزيع الناصـــــب ونظراته ما زالت تذهب إلى البعـــــيد، وهناك رســـــم سياسته الخارجية وهو يحرك يديه بحركات لا معنى لها, وبصوت هادر وغاضب قال:
بني صهيون.. أمامكم عشــــرة أيام فقط للانســـــــــحاب من كل الأراضي العربية، وكي نكــون عادلين معكم لن نبيدكم، فليذهب كل منكم إلى البلد الذي جاء منه، فبلاد العرب ليســـــت ولن تكون لكم.. هذا قراري وقد اعذر من انذر، أسمعتم يا بني صهيون؟

العرب.. أنا على يقين من أنكم لن تتفقوا فيما بينكم ولن تتوحدوا أبدا, ولكن هذا ليس شـــــأننا.. وبعد الآن لن نجعلكم تابعين لنا، وإذا أردتم أن توقفوا شــحنات نفطكم فأنتم أحرار في ذلك، فالنفط نفطكم، أما إذا رغبتم ببيعه لنا من جديد فنحن على اســــــتعداد لأن ندفع لكم السعر الذي تريدونه، وإذا كنتم ترغبون بشراء الأســــلحة المتطورة فالأفضـــــــلية لكم ونحن مســــتعدون لتلبية طلباتكم فورا وبأرخص الأسعار، أما " إســرائيل" فالويل لها من غضبي بعد الآن، وطز في اللوبي الصهيوني.
الشعب العراقي.. ماذا أقول لا أعرف.. لعشر سنوات بقيتم تحت الحصار, قتلنا آلاف الأطفال، ثم دمـــرنا وشريكنا الآخر بلدكم، قتلنا منكم مئات الآلاف، نهبنا أمــــــوالكم وتراثكم واعدناكم إلى العصور الوسطى خدمة لابنتنا "إسـرائيل".. أرجوكم سامحوني وغدا أنا قادم إليكم وســــأحضر معي كل من شـــــــارك في تدمير بلدكم، وعندها اعدموننا في (ساحة الفردوس) أو افعلوا بنا ما تشاؤون.

أصحاب النفط.. ليســـــت لنا مطامع في منطقتكم بعد الآن، ومن الآن فصاعدا لن تكونوا عبيدا لأحد.

إيران.. افعلوا ما تريدون، ومن حقكم أن تكون لكم طــــاقة ذرية سلمية وأسلحة نووية أيضا، فالصهاينة والهند وباكســتان وكل الدول الأخرى ليست أحق منكم في ذلك.. نقدم لكم اعتذارنا الشديد ونرغب بإقامة علاقات طيبة بيننا وبينكم.

المقاومون العرب.. قتالكم وهجــــــــماتكم ضد جنودنا في العراق وضد"إسرائيل" مشروعة، فهذا ليس إرهابا وإنما نضالا مشــروعا، ومن يقول غير ذلك فهو ابن حرام كائنا من كان.

فيتنام.. كل أموال أمريكا لا تكفي لتعويضكم، ولكن لا بأس اطلبوا ما تشاؤون.

سكان "هيروشيما وناكازاكي".. ليت تلك القنابل اللعينة ســقطت على واشنطن ونيويورك.

الشعب الأفغاني.. سأجعل من بلدكم جنة على الأرض.

جميع القوات الأمريكية المنتشـــــرة كالجرذان في العالم.. عليكم العودة إلى قواعدكم في أمريكا فورا، ومن الآن فصاعدا سنملأ الدنيا عدلا وسلاما بعد أن ملأناها ظلما وبهتانا.

الحكومة الأمريكية.. يمنع منعا باتا استعمال حق النقض( الفيتو) إلا من أجل الحق والعدل.

الشــــركات الأمريكية.. يمــنع منعا باتا إتلاف المواد الغذائية أو إلقائها في البحر من اجل رفع أسعارها, بل توزيعا على الشـــــعوب الفقيرة في العالم مجانا.

الليل لأول نجومـه كان يبوح بعتمته , وملامحة كانت تتغير ويداه ترسمان إشارات مبهمة حين رن جرس الباب، لكنه لم يسـمع ولم ير زوجه تمر من أمـــــامه وتفتح الباب, لأنه كان مشــــــغولا بإصدار الأوامر ويبدو مثل حوت غاضب.
نعم؟ قالها بعصبية حين لكزته زوجه في خاصرته وقالت:

عبد.. عبد.. يا عبد..

صاحب البيت جاء يطلب الأجرة وهو يهدد ويتوعد.

ردّ بسرعة دون أن يلتفت إليها:

ليذهب إلى وزير الخزانة.

خزانة!.. وزير!.. ماذا بك يا عبد هل جننت؟

انتبه إلى نفسه, وبحركة ســـــــــريعة انفتل إلى الخلف, تطلع إلى زوجه التي تنظر إليه باندهاش:

ماذا تريدين يا (عبلة)؟

قلت لك صاحب البيت يطلب الأجرة ألا تفهم؟

تأفف وردّ بغضب:

قولي له "عبد الزفت" غير موجود.

لا تكن جبانا واذهب إليه.

تأفف مرة أخرى وشتم وهدد وتوعد، ثم أسرع باتجاه الباب، وقف أمام الرجل وراح يسدد إليه نظرات نووية:

نعم يا" لوبي".. يا" إيباك".. يا" بني صهيون"، ماذا تريد؟

ثم أغلق الباب بعنف وترك الرجل يطرقه من جديد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى