الجمعة ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم أحمد الخميسي

ألكسندر سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي

يؤكد الكاتب الروسي العظيم ألكسندر سولجينتسين وهو يقترب من التسعين أنه آخر حلقة في سلسلة كتاب روسيا الكبار الذين كان لكل منهم مشروعه الاجتماعي والإنساني لتغيير وجه العالم . فقد أدلى سولجينتسين مؤخرا بحديث إلي صحيفة " موسكوفسكي نوفستي " أثار ضجة وتناولته بالتعليق مختلف صحف الغرب، ومنها " هيرالد تريبيون" في عدد 4 مايو الحالي . وقبل التطرق إلي حديث سولجينتسين أقول إنه سبق للكاتب عام 1996 أن رفض في عيد ميلاده الثمانين أرفع وسام قدمه إليه الرئيس الروسي " بوريس يلتسين " وجاء في اعتذاره :
" لا يمكنني أن أقبل وساما من سلطة قادت روسيا إلي الكارثة " . وفي حينه علقت صحيفة إزفستيا على موقفه بقولها " إنه الكاتب الذي هزم الدولة " ، وكتبت صحيفة " سيفودنيا " : " إنه آخر المعلمين الذين أشعلت كلماتهم النار في قلب البشر " . وقد قضى سولجينتسين الذي ولد في 11 ديسمبر 1918 ثمانية أعوام كاملة في معتقل بإحدى ضواحي موسكو ثم في آخر في كازاخستان ، وهي المعتقلات التي أطلق عليها الكاتب فيما بعد " أرخيل جولاج " ، أي جزر المعتقلات ، وكان اعتقاله بسبب رسائله المعادية للشمولية ، التي كان يرسلها إلى أحد أصدقائه من الجبهة أثناء الحرب حيث كان يحارب ضابطا في المدفعية وكان ينتقد فيها الأوضاع في الجيش والدولة وتعرض فيها بالانتقاد لستالين . وفيما بعد أسقط عنه اتحاد الكتاب السوفيت عضوية الاتحاد عام 1969 ، لكنه حصل عام 1970 على جائزة نوبل في الأدب ، وفي فبراير 1974 أسقطت الدولة الجنسية عنه وقامت بترحيله إلي ألمانيا الغربية . وفي عام 1976 كتب ملحمته الشهيرة " العجلة الحمراء " وفي أغسطس 1990 وقع جورباتشوف مرسوما أعاد به الجنسية إلي ثلاثة وعشرين كاتبا كان من بينهم سولجينتسين ، وبعدها بعام رفعت عنه تهمة " الخيانة العظمى " .

وفي سبتمبر من نفس العام نشر سولجينتسين كتيبا سياسيا صغيرا بعنوان " كيف نعيد بناء روسيا ؟ " بيعت منه سبع وعشرون مليون نسخة داخل روسيا . وفي يوليو 1994 عاد الكاتب إلي وطنه في رحلة بالقطار عبر قرى روسيا كلها استمرت نحو شهر. وأثبت الكاتب بمواقفه ورؤاه داخل روسيا الحديثة أنه إذا كانت الشمولية لم تستطع تحطيم قلمه ، فإن الرأسمالية الروسية الجديدة لم تتمكن من شراء ذلك القلم . في حديثه الأخير لصحيفة " موسكوفسكي نوفستي " يقول :
" إن عملية إنقاذ الدولة المنهارة في عهد جورباتشوف لم تتضمن سوى إسقاط لمفهوم الدولة ذاتها " ، أما في عهد بوريس يلتسين فإن الإصلاحات على حد قوله لم تتجاوز : " الفوضى ونهب ثروات روسيا بلا حدود " . إلا أن موقف الكاتب من أمريكا كان المحرك الأساسي لتلك الضجة التي أثارها الحديث في الغرب . فقد أجاب الكاتب عن سؤال بشأن تطور الحضارة الأوربية قائلا : " إن حلف الناتو ينمي بشكل حثيث قواه العسكرية في شرق أوروبا ، ويفتح في الجنوب الطريق للثورات الملونة ، ويمد اهتماماته إلي وسط آسيا ، كل ذلك بهدف محاصرة روسيا . ولا يدع كل هذا مجالا للشك في أنهم يعدون لحصار روسيا بالكامل ، لكي يسلبوها سيادتها " .

واعتبر الصحفي ويليام بفاف محرر " هيرالد تريبيون" أن لسولجينتسين " كل الحق في ذلك التفسير لنوايا الغرب وأمريكا تجاه روسيا " مشيرا إلي أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تدعو لتغيير العلاقات الدولية لصالح أمريكا " ويختتم بقوله : " ولذلك من المنطقي أن يقول سولجينتسين ما قاله " . ويقول فيكتور كريمونسكي نائب مدير معهد أمريكا وكندا على ضوء تصريحات قادة أمريكيين إن العلاقة بين روسيا وأمريكا لا تشهد تغيرات جادة ، لكن إذا لم تتوفر للبلدين الإرادة السياسية الكافية لتجاوز لحظات الخلافات ، فإن علامات المواجهة قد تتجمع في الأفق " . العجيب في الأمر أن موقف سولجينتسين ، وخشيته على بلاده من الهيمنة الأمريكية وجد داخل روسيا إلي جانب التأييد من ينددون به مثل الصحفية فاليريا نودوفورسكايا التي اعتبرت أن موقف الكاتب الكبير " خيانة .. وعودة للنغمة السوفيتية القديمة " ! . وهكذا يجد سولجينتسين نفسه متهما بما عاش طيلة حياته يحاربه ! لمجرد دفاعه عن استقلال روسيا في مواجهة حصار الإمبراطورية الأمريكية لروسيا والعالم . يقول الكاتب الكبير : " إن نسبة الوفيات في روسيا فاقت منذ عام 1993 نسبة المواليد بنحو مليون نسمة تقريبا . ترى هل كنا نخسر مليون نسمة سنويا لو أننا اشتبكنا في حرب أهلية ؟ .

إن روسيا الجديدة لم تطرح نفسها كوطن لشعبها " . ويؤكد سولجينتسين مرة أخرى أن الكاتب الحقيقي لا يمكن أن يحيا بمعزل عن هموم بلاده ، ولا عن الأخطار التي تهددها . وقد عاش سولجينتسين يحتضن تلك الهموم بطريقته التي جعلته غريبا داخل الشيوعية ، وغريبا داخل الرأسمالية . ولعل سر ذلك الكاتب الكبير يكمن في العبارة التي أطلقها الشاعر الروسي نيكراسوف ذات يوم حين قال :
" لست ملزما بأن تكون شاعرا عظيما ، لكنك ملزم بأن تكون مواطنا عظيما " .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى