الأحد ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

أميرة القصر

هي الآمرة والناهية في قصرها الفخم، البديع، طلباتها كلها أوامر مستجابة، الجاريات يحسدنها على جمالها الآسر، الأخاذ، يتنهدن من أعماق أعماقهن متحسرات على حالهن البائس لا جمال ولا مال، ينتظرن بفارغ صبرهن ما تجود به يداها السخيتان عليهن من أثواب حريرية، ناعمة، ملساء، ومن مال محبب إلى النفوس العطشى يرفع من شأنهن بعض الشيء. إن أحلامهن المزركشة كالفراش المتطاير تنصب كلها في هدفين اثنين لا ثالث لهما: المال والجمال.

عيبها الوحيد أنها متعالية جدا، مغرورة النفس، تتسامق بقامتها الفارعة إلى أعلى ناسية العالم وما يزخر به.
هي هكذا، لا تحبذ جمالا آخر ينافس جمالها، ولا ثراء ينافس ثراءها الفاحش. إنها أثرى أميرة فوق وجه الأرض.

تتبختر في ثيابها الفاخرة كالطاووس، تأمر هذا وذاك، ومن تجرأ على عصيانها يطرد من دون شك، الكل يبجلها، ويظهر لها الطاعة العمياء، والانصياع الكامل.
تقدم منها خادمها(رفيق)، مد لها باقة ورد جميلة، منسقة، وقال بصوت يموج بالحماسة، والدفء، والانبهار: لا ترديني خائبا، مكسور الخاطر، خذي هذه الباقة الفواحة من السيد(رفيق).

اكتسحتها موجة عارمة من الدهشة، صاحت في وجهه كلبؤة جزعة معنفة إياه: ماذا تقول أيها الأحمق الضال؟ من تظن نفسك أيها الحقير؟ أنت مجرد خادم بسيط تناضل من أجل لقمة عيشك، لست سيدا كما تتوهم.

معذرة سيدتي الكريمة، كنت أود أن أعبر لك عن إعجابي الشديد بك فقط.
إعجابك الشديد بي!؟ أنسيت نفسك؟ أنا سيدتك المبجلة، وأنت خادمي، خادمي ليس إلا، أتفهم؟

وطردته من قصرها الفخم شر طردة وهي تصيح بأعلى صوت: لا رجعة إلى هنا، لا رجعة إلى هنا.

منذ أن دلف(رفيق) إلى هذا القصر الشامخ وهو متعلق بأميرته إلى حد الهذيان، مبهور بجمالها النفيس الذي يحاكي تحفة أثرية خالدة.

ها هو الأمير(أمجد) يدخل القصر وفي نيته مفاتحة الأميرة في موضوع شخصي ذي أهمية بالغة، ألقى عليها التحية المسائية بكل أدب، ثم ابتسم ابتسامة دافئة في دفء الأحاسيس وقال: أتقبلين بي زوجا صالحا، وأنيسا وفيا، وعاشقا ولهان يعبر معك أشواطا لا حصر لها في الحياة؟

هزت رأسها المتعالي علامة الإيجاب .

مسكها من يدها الناعمة والحبور يغمره من رأسه إلى أخمص قدميه، ثم قال في صوت يفيض حماسة: غدا سنقيم حفلا صاخبا تشهده المدينة كلها.

وبينما هي غارقة في خيالاتها المتراقصات إذ ترامى إلى سمعها صراخ سيدتها يصم أذنيها: ماذا تفعلين أيتها الشاردة؟ أتممي إنجاز الأشغال المتبقية، الملقاة على عاتقك.
صدمها واقعها المتكسر، النابض بالآهات، والأنات، واقع مر كالحنظل لا يطاق.
توسلت إليها والندم يمزقها تمزيقا: لا، لا يا سيدتي، أرجوك، لا تزجي بي إلى الشارع ليكون مأواي الأخير، أنا يتيمة الأبوين، أرجوك سيدتي، ترفقي بي.

إنها أحلام سندسية عجيبة سرعان ما تبخرت من حولها كالفقاقيع، واستحالت في حينها إلى أوهام زائفة، إلى سراب لا جدوى منه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى