الأربعاء ٩ آذار (مارس) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

أمي والحاسوب

تصر أمي أثناء استعادة ذكرياتها القديمة أن يوم مولدي الذي صادف الأول من تموز، يوليو، 1957 كان يوم أحد، في حين يشير جهاز الحاسوب عندي أنه كان يوم اثنين.

لا أستطيع أن أكذب أمي رغم أنها أمية لم تلتحق بمدرسة قط، لكنها ولدتني وأنا بكرها لذلك لا بد أنها تذكر ذلك اليوم جيدا، ولا أستطيع أن أقول للجهاز أنت كاذب لأنه يعتمد على معلومات رياضية تمت برمجتها في برامجه وهو يتعامل معها على هذا الأساس. فإن صدقت ذكريات أمي فقد أكون ولدت في الثلاثين من حزيران وتم تسجيلي في اليوم الذي يليه وهذا كان عرفا منتشرا آنذاك لأن الأمهات كن في الغالب يلدن في بيوتهن عن طريق القابلة (الداية).

وأيا كان يوم مولدي فالأهم أنه كان يوما من أيام الصيف شديدة الحرارة، لهذا عشت طيلة حياتي أحب فصل الصيف، وأكره البرد والرياح والثلوج، حتى أنني كنت في صغري لا أحب تساقط المطر.

شهر تموز، يوليو أكثر الشهور حرارة في بلادنا فلسطين، حتى أن سكانها لا يزالون حتى اليوم يحفظون المثل الذي كانت جداتنا يضربنه بهذا الشهر:

في تموز بتسخن المية بالكوز

أي أن الماء في شهر تموز يسخن في الإبريق من شدة الحرارة، والكوز في بلادنا كان يقصد به إبريق الماء المصنوع عادة من الفخار بحيث كان من الصعب أن تجد في تلك الأيام بيتا، أو محلا، أو مزرعة لا تملك ولو كوزا واحدا منه، يملأ بالماء ويوضع في الظل أمام مجرى الريح، مثلا على شرفة المنزل أو تحت شجرة، إلخ وكان سعيد الحظ من يحصل على شربة ماء من ذلك الكوز الفخاري، فقد كان مثل ثلاجة هذه الأيام.

فصل الصيف منذ مولدي كان بالنسبة لي الفصل الأحب من كل السنة، ففيه كنت أتخلص من الملابس الثقيلة، والأحذية المطاطية الكبيرة التي كنا نلبسها في فصل الشتاء، لاتقاء سيول الماء التي تخرب الأحذية الجلدية، خلال الصيف كنا نلعب في الحارات كما تعودنا، وإلا فأين نلعب، خصوصا نحن أبناء العائلات الفقيرة المعدمة؟؟ كنا نقضي بقية السنة في البيوت حتى ملت أمهاتنا منا.

لكن هذا الملل لم يدم طويلا فسرعان ما خرجت لسوق العمل المأجور بعد حرب حزيران 1967 حيث كان عمري عشر سنوات، حينها ودعت الطفولة وصرت من عالم الرجال، وفي عالم الرجال المصطنع حكايات طويلة، سأتركها لحلقة أخرى.

فصل الصيف كان فصل الفقراء بامتياز، حتى أن الآباء كانوا يستريحون فيه من مطالب الأمهات والأولاد.

لم نكن نعرف التدفئة المركزية، ولا حتى المائية، كل ما كنا نعرفه كانون النار الذي كان أحيانا غير متوفر لقلة الخشب فكنا نلبس عدة قطع من الملابس لاتقاء شدة البرد ونكثر من شرب الشاي، وفي نفس الوقت نكره الذهاب للحمام، لأنه حمام خارجي، ولعدة عائلات، واستعماله على الدور، مثل طابور الجمعيات!!

أما مياه الأمطار فكانت تبلل ثيابنا أثناء عودتنا من المدرسة، أو ذهابنا إليها، حتى من كان يحمل شمسية من الطلاب المحظوظين الأغنياء فقد كانت الرياح أحيانا تسحبها منه، لتتركه يتساوى بنا تحت المطر.

لهذا كنت مع أبناء جيلي من الأطفال لا نحب الأمطار، لأنها كانت تلاحقنا حتى في بيوتنا، فقد كانت معظم بيوت البلدة القديمة في القدس حيث ولدت، تدلف، أي أن الماء ينزل من سقفها أثناء الشتاء من بعض الثقوب الصغيرة التي لم يوفق آباؤنا في إصلاحها، وإن نجحوا بذلك في سنة ما، نجحت مياه الأمطار في ثقب غيرها في العام الذي يليه، لهذا كان البيت يمتلئ بأدوات معدنية مثل الطشت أو تنكة، أو ما شابه، لوضعها في المكان الذي يتساقط الماء منه، وكان صوته أثناء الليل إن أمطرت تلك الليلة مزعجا ويسلب النوم من العيون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى