الأربعاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٧
ناشطة نسوية منذ الخمسينيات
بقلم عبد الباسط محمد خلف

أم وفا مرعي: الرحلة لم تتنه بعد..

يُعد الوصول إلى بيت السيدة لبنى عبد السلام برقاوي، في قلب جنين العتيقة، مسألة سهلة، بالرغم من الممرات الضيقة والأبنية المتلاصقة. فأم وفا مرعي، التي تطوعت وانخرطت في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية منذ عقود، معروفة بالنسبة للصغار أيضاً.

سيقولون لك ولمن يسألهم عن العنوان: هناك قرب سينما الهاشمي، أو في بداية حي المراح، أو عند ذلك البيت القديم، بجانب السور الذي هدمه جيش الاحتلال، أو يجيبون بسؤال: تقصد السيدة الكبيرة التي تسكن وحيدة؟
هي من مواليد جنين، وبالتحديد في الرابع والعشرين من أيار من العام 1931. والدها عمل "مأمور نفوس" إبان الحكم العثماني، واستقال بعد الاحتلال البريطاني، وأدخل شبكة المياه إلى جنين، وأسس فيها أول صيدلية، وأيضا منً مؤسسي مدرسة النجاح في نابلس، التي تحولت إلى جامعة فيما بعد.

17 تلميذة

تلقت أم وفا تعليمها في جنين، دخلت إلى المدرسة العام 1936، وأنهت الصف السابع، ثم لم تعد الصفوف العليا متوفرة في مدينتها.

تقول: كنا 17 تلميذة ، لا زلت أتذكرهن جميعاً، وفي الصفوف الأخرى كان العدد أقل 12 أو 13 بنتاً. تعلّمنا وقرأنا، و حلمنا بالسفر إلى القدس وبيروت والقاهرة لإكمال الدراسة، لكن الظروف الاقتصادية السيئة جعلتنا نغير أحلامنا، فيما اتجهت أخريات نحو زواج مبكر.

تُفصّل: كانت الأولية في التعليم تذهب إلى الأولاد، أما نحن فكنا نتأخر في دخول المدرسة، إذ كان يُقبل الطلبة من سن الخامسة فما فوق، ومن يتأخر في الدخول إلى السابعة أو الثامنة لا يستطيع اللحاق بجيله.
تستذكر، والشيب يشتعل في رأسها: تعلمت أنا إلى الصف السابع، ومثلي شقيقتي دعد، أما أخوتي فتعلموا في مصر والنمسا، وكان والدي يُعلم من جيبه الخاص الشبان، إلا أن رحيله حرمنا من إكمال التعليم.
تستذكر والدها الذي تصفه بـ"أول ضحايا الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني" العام 1937، فهو الذي أراد أن يشتري أراضي مرج بن عامر من الإقطاعي اللبناني سرسك باشا، خوفاً من تسربه لليهود، لكن آخرون فضلوا خيارات أخرى، كما تقول.

لا زال عالقاً في ذهنها، كيف صادر الجيش الإنجليزي كل وثائق والدها المهمة من شهادات وصكوك وسندات للأراضي، أياما بعد اغتياله بنيران رفيقة، كما تقول.

تجمع السيدة لبنى الكثير من الميزات في شخصيتها العائلية، فوالدتها مصرية، وخال أمها محمد حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية، ووالدها جمعته علاقة بالناشطة المصرية المعروفة في قضايا تحرر المرأة هدى شعراوي، وخالها المهندس حسن حلمي هو الذي صمم طرقات كثيرة في الناصرة ونابلس وغيرها.
انتزعت لبنى الحجاب الذي كانت قد أرتده اثنتي عشرة سنة، وقُوبل فعلها باستهجان الناس، لكنها جابهتهم بتبريراتها. فهي التي دافعت عن الاختلاط المنضبط كما تصفه، وقرأت مكتبة والدها الثرية، إلى أن استعصى عليها فهم موسوعة(صبح الأعشى)، فاستعانت بالأستاذ صالح جرار كي يبسطها لها.

تزوجت وهي في الثالثة والعشرين من العمر، أما في الريف فقد كانوا يزوجون البنت في الرابعة عشرة، كما تورد.
ملامح
تؤمن أم وفا بالكثير من المبادئ، وتطرح نفسها كناشطة نسوية من الحرس القديم، ومتطوعة، ومستقلة عن الأطر السياسية المختلفة، رغم أنها خرجت أولاداً انتموا إلى اليسار، والتقت مراراً بالأمين العام المؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش، وتقضي معظم وقتها بين قراءة السياسية أو سمعها أو التحدث بها، وتتمسك بشعار"عامل الناس، كما تحب أن يعاملوك".

شكلت الحاجة عدالت طوقان، مثلاً بالنسبة للصبية لبنى، إبان سنة النكسة 1967، فكانت بالنسبة لها المثل الأعلى، لمناضلة ولاجئة وناشطة نسوية، وتأثرت بتجربة أمها زهرية حلمي المهندس التي أمينة سر الاتحاد النسائي في جنين، الذي انفرط بعد سنة ونصف، ولم يكن في صندوقه سوى أربعين ديناراً.
تسرد ذكرياتها فتقول: شاهدنا العام 1954 تجربة تأسيس جمعية الهلال الأحمر في جنين، وتابعنا فشل التجربة، وكيف انفرط عقد الجمعية، وبدأت سلفتي هيام جرار القادمة من الجامعة الأمريكية بلبنان بمساعي تشكيل اتحاد نسوي، غير أن رفض النساء لفكرة الانتخابات، جعلها تتنحى.

تقول:عام 1967 التقت بإلهام أبو غزالة، واقترحت علينا أن نشكل جمعيات نسوية، ونبدأ بالعمل، وحاولنا.
مناضلات الصوف

تضيف: التقيت بعصام عبد الهادي التي كانت توفر لنا الصوف لنقوم بحياكته للأسرى في سجون الاحتلال، كان ذلك يومها عملاً سرياً، كنا نوزع الخيوط في الليل، على الرفيقات، ونُخفي ما نحيكه، ثم نعيده من دون أن نشعر أحداً من الغرباء.

تتابع: ظل الحال على هذا النحو كثيراً، إلى أن اعتقلت وأبعدت عصام عبد الهادي، وأخبرتنا لاحقاً، بأن محققي الاحتلال سألوها عن الصوف ورفيقاتها فيه.

سبق للبنى برقاوي، أن تعلمت خلال فترة أبعاد زوجها سعيد مرعي لثلاث سنوات أن تعلمت الخياطة لأغراض الاكتفاء الذاتي، لتوفر لبناتها وولدها ما يحتاجونه من ملبوسات، في ظروف اقتصادية سيئة، مع غياب الزوج القسري.
بدأت أم وفا بالعمل السري في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، كانت ترتب لقاءات وتحضر اجتماعات مركزية، وترشد اليتامى لجمعية إنعاش الأسرة.
مما لا زال عالقاً في ذاكرتها، كيف بدأت هي وزميلاتها يعتصمن علناً في بيت لحم احتجاجاً على تفجيرات في مخيمات اللاجئين قبل العام 67، وما كان يعترضها من عقبات، فمسألة إيجاد نساء يقبلن بالعمل التطوعي كان صعباً لدرجة أن تأمين حمولة سيارة واحدة كان معقداً.

تقول: الفارق بين الحركات والاتحادات النسوية هذه الأيام وسابقاتها، دخول التأطير السياسي الذي وسع من نشاطها، وتحولها إلى العمل العني، والتراجع في العمل التطوعي.
تروي: قاطعت الانتخابات البلدية عام 1976، ولم أقبل بالترشح في الانتخابات التشريعية، لاعتقادي بأن هناك دماء جديدة يجب أن تدخل إلى الساحة.

خرجت لبنى برقاوي المهندس وفا وتبعته المهندسة مي في مصر، ثم سلمى وليلى في فرع علم الاجتماع بجامعة بيرزيت، وتعرض الأربعة للاعتقال، وكانت سلمى أول طالبة ثانوية تدخل السجون الإسرائيلية العام 1980.
تفاصيل
تقضي أو وفا، اليوم وقتها في القراءة، فتتابع بشكل دائم مجلة"الهلال" و"وجهات نظر"، وتعنى بقراءة الصحف اليومية، مثلما قرأت لسحر خليفة وعائشة عودة وغادة السمان ونوال السعداوي وسعاد العامري، وتتولى أمانة سر جمعية جنين الخيرية، وهي عضو في جمعية أصدقاء المريض الخيرية.

تخصص شطراً من وقتها للشؤون العامة، وتسافر أحياناً لأولادها في رام الله ونابلس، أو هم يأتون لزيارتها، وتخصص يوم السبت، من كل أسبوع لتنظيف منزلها، وتستغل الليل كله أحياناً في متابعة برامج سياسية وإخبارية، وتعتني صباحاً بحديقة منزلها، وتعيد ذكرياتها بين الفينة والفينةً بمكتبة والدها التي لا زالت على حالها، ولا تشعر بأن الوحدة تطوقها.
تنتقد التمويل الأجنبي الذي أفسد على التطوع طعمه وأهميته، مثلما تتنقل في متاهات السياسة ومتاعبها.
تنهي: قررت إفساح المجال في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية لدماء جديدة وشابة، فلن أظل أشغل مكاناً، كي نخرج عن القاعدة في البقاء على الكرسي نفسه حتى الموت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى