السبت ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم هند فايز أبوالعينين

أنصتوا إلى أبنائكم ...

تحت سقفٍ واحد ... وعلى كواكبَ مختلفة.

يـُقال هذا في أهل بيتٍ تقطعت بينهم خطوط الاتصال. تجد في مثل هذه البيوت غربة ً تعزل كل ذاتٍ في ملهياتها، وتجعل كل فردٍ يدور في مداره متوخيا الحذر لئلا يتقاطع مع غيره، وهذا يخلق بين أهل البيت الواحد وحدة ً لا تظهر للمراقب أو الزائر العابر. فليس معقولا أن يستوحد فردٌ يعيش وسط أهله، وتجمعه بهم روابط الدم والعيش الواحد.

خشية ُ الفرد من هؤلاء من أن يتقاطع مع غيره عادة ً ما تعكس اختلافا في الطباع أدى إلى أعوام ٍ من الاحتدامات الكفيلة ببناء أسوار عالية، يحيط الأبناء أنفسهم بها، ويتظاهر الآباء بأنها غير موجودة. لأنهم إن اعترفوا بوجودها فهم يعترفون بأحد أمرين: إما أنهم عاجزون عن إزالتها، أو أنهم فشلوا في تأسيس أسرة تخرج أفرادا أسوياء للمجتمع، أو الاثنين معا. وفي كل الاحتمالات فالفشل عنوان هذا الاعتراف. وبطبيعة الحال فالحديث هنا عن الآباء الأسوياء، المهتمين بحال أبنائهم، والقادرين على استشعار الفرح من الحزن.

قد يبدو الموضوع إلى الآن مبهما بعض الشيء، لكن التأمل في الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية المتعلقة بسلوكيات شبابنا يعيدُنا إلى هذا .. السقوفُ المبنية ُ على كواكبَ متباعدة.

يقول علماء التربية أن الطفل السعيد هوالطفل الذي يعبر عن مشاعره عندما يشعر بها، ولا يتركها تتراكم بحيث تظهر بعد حين في تعابيرَ مدمرة. ويقولون أيضا أن على الوالدين أن يصادقا ابنهما المراهق حتى يضمنوا له ولأنفسهم المرور الآمن بتلك المرحلة العمرية الحرجة. ومؤكـَدٌ أن البحث في علوم التربية بشكل أعمق سيرسخ لضرورة وجود قنوات عميقة للاتصال بين أفراد الأسرة الواحدة، باعتبارها المنظومة الاجتماعية البؤرية. وهذا يعني أن المشاكل السلوكية الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع يمكن أن تـُردّ بشكل أو بآخر إلى ظاهرة الصمت والعزلة داخل البيوت. علما بأن هذه الظاهرة هي بحد ذاتها عرض لأمراض كثيرة. فجنوح الأبناء المراهقين يعرض له انعزالهم عن الأبوين لشعورهم بالاختلاف التام وعدم القدرة على الانتماء لكيان الأسرة، فتظهر عليهم عوارض الصمت والانغلاق عن الآخرين وعدم الاستجابة لأية مؤثراتٍٍ قد يحاول الأبوان بثـّها فيهم. والبحث في أسباب الوصول إلى هذه الحالة يجدها لا تبدأ مع سن المراهقة ، بل تبدأ في طفولة ذلك المنعزل. السنواتُ السبع الأولى التي تؤسس لقدرات الاتصال عند هذا الإنسان القادم يجب أن تكون حرثَ الأبوين في بناء شخصيةٍ تتقبل الأخذ وتقابله بالتعبير عمّا فيها، وهذا لايمكن في أسرةٍ يتـّبع مؤسسوها القمعَ والصراخَ والتحقير كأساليب للتربية وتقويم الفعل. وحتى يستطيع المراهق أن يتقبل أباه صديقا فعلى هذه الصداقة أن يؤسَّس لها في مراحل تسبق مرحلة حاجة المراهق لها، وذلك من باب ترسيخ الثقة بين الأب وابنه.

الأهمية الكبيرة التي تقع على الاتصال الأسري بكل طرقه، صداقة أو غيرها، تكمن في وجود آليات لتوجيه سلوكيات المراهق دون تغليفها بصبغة الأمر والنهي. فالمراهق يرغب في تلك المرحلة بإثبات ذاته لذاته أولا، أي أنه يرغب في أن يفعل ما يعتقده صحيحا لرغبته فيه وليس طاعة لأية توجيهات. وبذلك فإن على الأبوين أن يتدخلا بشكل خفي في بناء معتقداته بعيدا عن التوجيه والتلقين المباشرين، لأن هذين لا يساهمان إلا في خلق رفض ورغبة في العصيان عند الابن، وبذلك تخلق فجوة بين الأهل وابنهما. فهو يرفض الإذعان، وهما لن يستطيعا استيعاب تصرفاته العصيانية. عندها تبدأ الاحتدامات ويغزل الأبناءُ شرانقهم لينعزلوا فيها.

تبعات قصور الاتصال الأسري على المجتمع تتراوح في طيفٍ عريض من الظواهر السلبية، تبدأ من خلق أجيال غاضبة وثائرة على كل ما هو تقليدي دون الوقوف على صحة التقاليد أو عدمها، وينتهي عند الجنوح والتطرف الفكري والسلوكي. وكل هذه الحالات يمكن أن يتفاداها المجتمع إذا ما أخلى كلُّ أبٍ وأم لابنهما بضع دقائق من الحديث والانصات يوميا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى