الخميس ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

أيها البلبل 

علمني كيف ينساب سحر جمال الحياة أنغاما شجية رائعة الأداء..على أوتار قلبك العذب النقي... علمني كيف تأسر الطبيعة بمجملها، فتسكب في جنباتها ألحـانا ملائكية توقـظ في آذان الجماد حب الحياة..ناهيك عن تصفيق الجداول، وتراقص أوراق الخمائل..

 علمني كيف تستيقظ أجفاني على شمس الصباح؟ وكيف تغفو عيناي على ضوء القمر؟ 
 

إنك عاشق ومعلم العاشقين..
إنك جواد ومدرسة في الجود..
إنك ساحروسحرفي الوجود..
لقد علمت الأشجار كيف تعشق النسمات..
وأيقظت عيون الورد على أرق الهمسات.. 
وحركت مشاعر الطبيعة بألطف اللمسات..
فهبني من كتاب حبك دروسا تعلمني كيف أعشق!
وهبني من فؤادك الواسع عطاء يعلمني كيف أجــود!
دع جداول أنغامك تنهمر على أنهاري التي شحت مياهها.. وذبلت أفياؤها !

أيها المعلم!!

 إنك فلسفة في الحب، ومدرسة في الفن، ولوحة خالدة في الجمال... فما قيمة الغابات الوارفة الظلال، إذا لم تعانق أوتار أناشيدك خدود أوراقها الغضة؟ وما فائدة الفضاء إذا كانت لوحة سماوية بلا أجنحة تعانق النسمات؛ فتوقظ فيها حركة وحياة؟! وما سحر الجداول، إذا كانت عذبة لم تقبلها شفاهك عبا وأنغامك شدوا؟!
 

أيها العاشق الأصيل

 علم العاشقين أن الحب ليس سحابات دخان فــي المقـاهي! وليس صخــبا ودبيبــا فـــي الملاهي! وليس سكرا وخلاعة ومجونا في الحانات..!

علمهم أن الحب بلا طبيعة.. بلا صقصقات جداول.. بلا همسات النسائم في ليال مقمرة.. بلا ألحان عذبة من أوتارك الساحرة.. بلا مناجاة لكل عناصر الجمال في الوجـــود.. بلا روح عطشى إلى الخير والجمـال.. بلا جسد طاهر ورع فـي لمساته.. بلا عينين تنبثق منهما شعاعات صاعقة.. بلا أنفاس معطرة بأريج احتراق نبضات القلوب.. إنه دونها سحابة صيف عابرة، سرعان ما تنقشع أمام شمس الحب والأمل والحرية. 
 

أيها المتهم

 إنــك تعطي ولا حدود لعطائك، وتغني وتطرب البشر دون أن ينظــروا إليك نظــرة ود أو تقدير أو احترام.. 

إنك تعشق الحرية في الأرض والسماء، وتأبى أن تكون أسيرا في قفص ولو كان مــن حرير أو ذهب.. .
إنك تجود على البشر بألحانك العذبة، فيكافئونك طردا بالبنادق..

إنك تعلمهم معنى الحرية، فيريدون أسرك في معاجمهم الضيـقة..

وتعلمهم معاني الحب، فينظرون إليك نظــرة استهجان واحتقار ؛ لأنك فـي شرائعهم مخلوق للطعام والمتعة..!

إنك تشدو، فتشجي كل الأرواح العطشى إلى الحب والجمال.. لكنهم يتغنون فيشوهون جمال الحياة بأصواتهم الحمقى الخالية من النغم والسحر، المليئة بالحقد والضغينة..!
 

أيها الملك

 إنك رمز السلام والمحبة.. فكل ربوة تغفو على ألحان حبك العذبة.. وكل نسمات الليل تعذب على أنغامك الملائكية.. وكل مـا في الطبيعة بات ينعم بالراحة والسكينة.. أما الشعوب، فمــا عادت أرواحهم تنتشي إلا على أنغـــام سلا سل الدبابــات، وهدير الطائرات، ورعود القاذفات.
وما عادت عيونهم تغفو إلا على بساط من أجساد الأبرياء.. و ما عادت آذانهم ترتــاح إلا على انسياب دماء المسحوقين الضعفاء....

قتل... تشريد... تدمير... !!

سحق... قصف... رعد...!!

آلاف الضحايا تستغيث..فلا مجيب لاستغاثتهم..أطفال العالم في خطر..جوع..عطش..قتل..إجهاض ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ أنهار العالم ملوثة..فضاء الكون مشحون بدخان الحقد والأنانية والظلم..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ذهبت رحمة البشر عن الأرض.. فحلت عليهم لعنة الســماء.. سيـول خانقــة، براكين حــارقة.. زلازل مدمرة.. شمس جحيم.. أعاصير غاضبة.. و كل ما في الكون يدعو إلى سحق البشر؛ لأنهم لم يعودوا بشرا‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍..
فالوحوش تهرب منهم، والطيور ترحل عنهم، وخيرات الله تمتنع عنهم.. فزالت رحمة الله والسماء عنهم؛ لأن قلوبهم خلت من رحمة من في الأرض.
 

أيها الرسول

 انتهى عهد النبوة والرسل..ذهبت ملائكة الرحمة..غابت شمس الحق.. إنني بريء مثلك أيها البلبل.. إنني أحمـــل رسالة مثلك، ولكن ليس ثمة مــن يسمعني..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

فخذ كلماتي أيها الرسول إلى الملأ الأعلى.. واحمل مناجاتي ودعواتي إلى قلب الرحمن...
وخذ صرخات أطفال العالم، وجراح قـلـوب الأمهات.. وشكاوى الأبــرياء، وأنيــن الضعفاء، وآلام جميع المخلوقات.. وصغها رســـالة استعطاف واستـغاثة واستنجاد، لعل الله يسمعها من قلبك الطاهر وصوتك الملائكي أكثر مما يسمعها من أي مخلوق آخر.

 كن رسولي إلى الله أيها المخلوق من لحن الملائكة، وخذني معك إلى المـــلأ الأعلـى، لعله يصب جام غضبه علي لينقذ أرواح الشعوب البريئة..
خـذ عنقي وقدمه قربانا لله لعله يخلص رقاب المظلومين مــن سيوف الظالمين وأعـواد المشانق الآثمة...

خذ جسدي وارمه في جحيم الآخرة، لعله يحترق، فينقذ أجساد الملايين وأرواحهم من جحيم الحروب...

خذ نور بصري، وامنحه شعاعا في عيون المحرومين من نعمة البصر..

خذ كل ما أملك من نعم واسكبها في أفواه الجائعين..

خذ حبي كله وأمطره سحابات على قلــوب البشر..

خذ وجودي بأسره وجمل به وجود العالم...
 

يا رسول العشاق

 
 كن رسولي إلى حبيبتي.. وخذ قلبي إليها لعلها تستريح.. وهبها روحي لتكون فداء لها.. فأنا إن أحببت الحياة، فمن أجلها.. وإن عشقت روحي المغامرة فمــن أجــل عينيـــها.. وإن ارتاحت نفسي في غربتي البعيدة، فمن أجل سعادتها...

إنني أقتحم كل أبواب الحياة دون تردد، وأواجه مرارة الغربة دون تذمــر.. وأسلك كل دروب الصعاب بلا خوف ؛ لأنني أستمد مــن حبها كل ألـــوان الشجاعـــة والعزيمــة والإصرار.. وأستضيء من نوره ليل نهار..

 قل لحبيبتي ومليكتي: إنني أعشقها ؛ لأنها ملكت فؤادي..إ نني اخترتها حبيبة وشريكة كما شاءت إرادة القدر.. إنها سكنت روحي وباتت في عروقي.. لقد أطلقت قريحتي من أسر الجمود.. وأيقظــت في أنفاسي عبق الورود.. وحركت أوتار قلبي على حب الطبيعة والوجود.. وأزالت عن فكري كل ركام، وسالت قطرات ير اعتي حبرا وتبرا بعــد زكام.. 
وألهبت روحي وأوصالي بهيام الغـرام.. وباتت مقلتاي تنـام ولا تنـام.. وهاجـت مخيلتي بأجمل الأحلام.. وسالت كلمات غرامي على أوراقي البيض بأبهى الكلام.. وامتلأت كل جوارحي بأثير المحبة والسلام..
 

أيها المبشر الأمين

 اذهب إلى حبيبتي..واهمس إلى روحـها وعقلها بأنني إنسان..إنسان..إنسان، وأنا نهـــر من الإنسانية، فنبعي فجر ولادة الإنسانية، ومسيري هو تاريخ الإنسانية بكل ما فيـه من أحداث، ومصبي هو كل طموحات وآمال الإنسانية من الأرض إلى السمـاء..

 إنني لست صيادا يصطاد البلابل والطيور والأسماك ويخطف حياتهـا ويسلبها حريتها..
ولست جزارا يعبث برقاب الضحايا ويستمتع بدمائها التي تسيل دون رحمة أو شفقة.. ولست تاجرا يتاجر بأموال الناس وأرواحهم وأعراضهم وشرفهم.. ولســت سيافا تحــت إمرة الفتاكين، لأنتزع حياة الأبرياء بضربات السيوف..

ولست شاعرا متملقا يستميل القـلوب بالكــذب والنفاق.. ولست مطــربا صاعــدا يرقص جمهوره الأبله السكران بالخبط على الأرض و اللبط على الحيطان..

ولست عصا بيد الرعاة ليهشوا بها على الأغـنام.. ولست كرة قدم يتقاذفها المجانين على الأقدام.. ولست من المتخلفين الذين ينظرون إلى المرأة على أنها وليمة كالطعام..

ولست برقا ولا زلزالا ولا بركانــا ولا عاصفة ولا فيضانــا ولا نـارا تتــلاعب بأرواح الأنام.. ولست أكذوبة تاريخية تخطها أنامل الأقوياء العظام ممن صنعوا بطولاتهم على ريش النعام..
 إنني صياد غزالتي التي جئت بها إلى حديقة حبي؛ لترعى مطمئنة في ربـوع روحي؛ كي تعيش في سعادة غامرة، فتسعد وتسعدني..

 إنني جزار أ زرع الجزر وأقدمه طعاما لأرانب الغابات.. إنني تاجر أشتري من قلوب البشر الحقد والكراهية والضغينة، وأمنحهم رسائل الحـب والإنسانية والرحمة دونما مقابل..

 إنني سياف أدافع عن الحق، وأنصف المظلومين، وأضرب على أيــدي الظالمين.. إنني شاعر أسكب كلماتي غراما، وحبي هياما، وإنسانيتي شعرا ونثرا.. إنني مطرب ومطرب، أطرب نفسي بألحان حبي في ساعات وجـدي.. وأطـــرب لكل همسة ساحرة، ولكل نغمة عذبة...

 إنني قضيب من الريحان أجتذب الأرواح العاشقة إلـــى ظلـــي المنتشي بأريـج الحب والحنان.. 
 إنني لاعب ماهر أعرف كيف أداعب أوراق الورد، وكيف أحرك مشاعر الحـــب في أعماق البشر..!
 إنني متخلف عن العصريين الذين يرون المرأة وسيلة دعــاية وتجــارة، ولعبة يلهون بها كلما ثارت همجيتهم الغريزية.. ومتقدم على المتخلفين الذين يحبسون المـــرأة بين القدور والصحون، ويقيدونها بحبال تمتد بها بين المطبخ والسرير...

فأنا لست من هؤلاء.. ولا من هؤلاء.. إنني مع ذاتي الإنسانية التــي ترى مـن حبيبتي وشريكتي روحا إنسانية.. وأنا مــع فكـــري المبدع الذي يحاور فكر حبيبتي وينتقده، ويستمع إلى نقده ؛ لأنني مؤمن بأن وراء كل عظيم امرأة...

 إنني شعاع من الحب، و طيف من الأمل والذكرى.. إنني ربيع هادئ هائم بحب الخير والسلام لكل كائنات الوجود...

إنني بحر هادئ الأمواج على الكائنات الحية الطيبة، وثائر على الحيتان الضاريــــة.. إنني نسيم ساحر أرسم ابتسامات الحب على شفاه الزهور.. وأرسم علامات الأمل على جباه الأطفال.. وأغازل الطيور والعصافير والفراشات..

 إنني جدول عذب رقراق، تتغنى به الطيور، وتنهل من معينه سلسبيل الحياة.. وأروي حقول الفقراء، وأطفئ غليل الظامئين إلى الماء..

 إنني ثلج ناعم بيد الأطفال والعشاق.. ألبس الطبيعة فروا ناعما يبشر بالخير والعطاء..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى