الأربعاء ٤ أيار (مايو) ٢٠٢٢
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

«إقامة مؤقتة لا أكثر» مسرحية قصيرة

الشخصيات:

مسافر حزين ضجر – رجل

زوجة متعبة من الهدوء – امرأة

زوجها – الزوج

الإعداد: بيت على حافة الصحراء. ليل حتى الصباح الباكر، وقت الليل. البيت كله يكتنفه الظلام، عدا ضوء القمر الذى يدخل عبر النوافذ و شقوق العتبات. فترة طويلة من الصمت الهادىء. وقع خطوات خارج الباب، شخص ما على الجانب الآخر من الباب يطرقهبرفق فى البداية ثم بقوة، عدة طرقات سريعة. ضجة صغيرة فى الكواليس. ضوء حاد يأتى من ناحية الضجة. تدخل امرأة فى عباءة النوم. تحمل فانوسا فى مستوى النظر و تمسك بحذر نصلا حادا.

المراة: من الطارق؟
(يواصل الطرق)
المرأة: (بصوت أعلى) من الطارق؟ أجب.
الرجل: (من الكواليس) أنا (وقفة) إنه... (وقفة) مسافر. مسافر مرهق و يبحث عن مأوى حتى الفجر. على الأقل.
(المرأة هادئة تماماً للحظة)
المرأة: أنا.. (وقفة) لا نريد مشاكل هنا يا سيدى.
الرجل: (من الكواليس) إن البرد. إنه الليل و البرد. أتوسل إليك (وقفة) افتحى الباب، اسمحى لى بالدخول و سأكون بمثابة الأخ الأصغرلك.. رجاء.
(صمت. تفتح المرأة الباب، على العتبة يقف المسافر وقد تغطى بالتراب و الطمى. هذا رجل. يجب أن تكون العباءة تغطيه من الرأس حتى أخمص القدمين، و كذلك تغطى معظم الوجه و تخفى الذراعين)
المرأة: سأحذرك لمرة واحدة فقط: لقد قطعت حصة وافرة من اللحم بهذا السكين. ميتة و غير ميتة. و لن أتردد فى ذبحك من الذقن حتى البطن. ضربة واحدة بعد ذلك سأطردك ثم أترك الحيوانات تجعل من أحشاءك وليمة. فهمت.
(يومىء الرجل بالانصياع)
المرأة: هل ستقف هناك طوال الليل بعد أن تسولت الدخول؟
الرجل: إذا تم منحى الدخول بإذن صريح منك، نعم، سأقف هنا لتنقرنى الطيور و تلقم جسدى الحشرات فلا يبقى شىء منى.
المرأة: يمكنك أن تدخل.
الرجل: أسعى للحصول على الإذن من رجل المنزل.
المرأة: رجل المنزل بعيد فى مهمة عمل و لن يعود إلى المنزل حتى يبزغ الفجر برأسه القبيح. كلمتى نافذة. الآن ادخل قبل أن يلقفك صقيع الليل.
(بعد فترة صمت قصيرة، يدخل الرجل. تغلق المرأة الباب. يفحص كل منهما الآخر. يبدأ الرجل بالتجول فى المنزل)
المرأة: لا تغامر أكثر من هذا. أنت تجلب التراب إلى هنا وتحضر الموت. وضوء القمر و هواء الليل البارد ذلك الذى يستاصل عظامى العجوز.
الرجل: عفواً.
المرأة: قف عند الباب. لن أسمح لك بأن تلوث المنزل كله.
الرجل: نعم.
(ينفذ الرجل ما تقول، و يظل فى مكانه عند الباب)
المرأة: رجاء، خذ راحتك فى المنزل.
(صمت)
الرجل: (يسلك زوره) إذن.
(تشير عليه أن يخلع الثوب. ينزل الرجل ذراعه إلى أسفل العباءة لأول مرة. و يكشف عن أول طبقة من ملابسه القذرة، و حقيبة ظهر و جهاز تنفس و نظارات واقية)
المرأة: و مع ذلك قذرة.
الرجل: عفواً.
المرأة: كف عن الاعتذار. الآن تعال.
(يخلع الرجل حقيبة الظهر وينزلها على الأرض،ثم ببطء جهاز التنفس. ثم ببطء شديد النظارات الواقية. تسقط السكين من يد المرأة. تذهب لأخذها لكنها تواجه بنظرة حادة من الرجل فى الظلام، تتلعثم. يركل الرجل السكين بقدمه فى الظلام).
الرجل: يكفى ذلك.
المرأة: أعتقد ذلك.
الرجل: قفى.
(تقف المرأة. يلمس وجهها فى رفق)
المرأة: لا أرغب فى الاتساخ.
(يهدئ من روعها. يمر بظهر يده على خدها)
المرأة: إذن (وقفة) لقد رأيت العالم؟
الرجل: نعم.
المراة: لقد رأيت اشياء عظيمة؟ عجائب؟
الرجل: عجائب لا توصف أشياء رهيبة، ورائعة أيضا، ملوك و فلاحون. بلهاء و شياطين.موت، لكن أكثر بكثير من الحياة. أكثر من ذلك بكثير نعم. أشياء عظيمة كثيرة.
المرأة: و الآن وصلت رحلاتك إلى النهاية؟
الرجل: نعم.
المرأة: حسناً، إذن.. (وقفة) مرحباً بك فى البيت.
(يمسك الرجل يدها، يقبلها)
المرأة: هل...؟هل أحضرت لى أى شىء؟
الرجل: نعم. فى حقيبتى. لكن يجب أن عتدينى بالبقاء هناك. فى تلك البقعة دون أن تهددينى بالعنف.
المرأة: كان ذلك قبل...
الرجل: عدينى.
المرأة: أعدك. أرنى.
(ينزل الرجل على ركبتيه، يفتش فى حقيبته و يخرج كوفة من الصور مربوطة بقطعتين من الخيط. تأخذ المرأة الصور و تقلب فيها، و التساؤل فى عينيها)
الرجل: مائة صورة من أجل عينيك و لكل صورة قصة. أعدك أن أسمعك إياها كلها فى وقت مناسب بعد أن أحصل على الماء و الخبز
المرأة: و ماذا أيضا؟
الرجل: هل صار مثل هذا الجمال شرها للغاية؟
المرأة: إلى حد كبير، نعم.
(يضحك الرجل فى لطف و يمسك بشىء ملفوف بقطعة قماش صغيرة. يزيل الملابس، و يزيل قطعة القماش كاشفا عن لوح من الشيكولاته القاتمة. تفتسع عينا المرأة من الدهشة تاخذ الشيكولاتة و تبدأ فى قضمها)
المرأة: أوه يا ربى.
الرجل: احتفظى بالبعض منها.
المرأة: لأجل ماذا؟
الرجل: لوقت لاحق.
المرأة: رجل أحمق.
الرجل: هذا هو كل ما لدى.
(تخرج المرأة لسانها، ثم على مضض تقدم له ما تبقى الشيكولاتة)
الرجل: و....
(يخرج الرجل صندوقاً صغيراً. يفتح الصندوق و يقترب به من وجه المرأة. تستنشق المرأة ما بداخله بعمق. تمد يدها و تمسك بقطعة من الصابون. تمرر بيدها الصابونة على خدها، ثم تنزل بها إلى أسفل ذراعيها من الخلف وعلى جانبى عنقها. يقف الرجل، ثم يقترب منها، يتأ مل كل منهما الآخر)
المرأة: أنت قذر.
الرجل: نعم. أنا كذلك.

 2 –

(فى جزء آخر من المنزل. تسلط إضاءة خافتة على الرجل و المرأة، كلاهما عاريان، يقفان تحت شلال من الماء يتساقط من السقف. يستحمان معا. تقوم المرأة بتحميمه، تضع الصابون على ظهره و أطرافه. يدخل الرجل فى حالة من الاسترخاء العميق،تغسل المراة صدره بالصابون. يمسك الرجل بيدها، (فترة طويلة من الصمت) يستدير الرجل ليواجه المرأة. يحدق كل منها فى الآخر، يتدففق الماء بينهما. يحاول الرجل أن يقبلها. تبتعد المرأة عنه)

المرأة: لا يبنغى علينا أن تفعل..
(يقترب الرجل مرة أخرى. يمسك بالصابونة و يبدأ فى تحميها الآن. بعناية يمر بالصابونة تحت كتفيها، وعبر الترقوة، وبين ثدييها و صولا إلى السرة. تمسك المرأة يده)
المرأة: أنا...
(يمرر الرجل يده خلال شعرها، يمسده ثم يجذبه. فتتأوة المرأة، يحاول أن يقبلها)
المرأة: أنا متزوجة.
(صمت)
الرجل: من من؟
(صمت)
المرأة: من أخوك.
(صمت)
الرجل: يا إلهى.
(يتراجع الرجل. يبتعد و يستكمل الاستحمام، تراقبه المرأة، تقف مبتعدة عن الماء،وهى ترتجف قليلاً)

 3–

(فى جزء آخر من البيت، الرجل و المرأة معاً يلتقان فى البطاطين و يقلبان فى الصور القديمة)

المرأة: هذه الصورة؟
الرجل: و جدتها مع صورتين أخريين فى مزرعة مهجورة، انظرى، تلك هى المزرعة.
المرأة: إنها رمادية.
الرجل: حمراء، حسناً، كانت حمراء، والآن سوداء تقريباً. من النار.
المرأة: لذلك هى رمادية.
(يقرصا الرجل برفق. تضحك المرأة و تمسك بصورة أخرى)
المرأة: و هذه الصورة؟
الرجل: أوه! هذه ا! نعم. أحب هذه الصورة.
المرأة: لماذا؟
الرجل: حسناً، انظرى إليها.
المرأة: انا أنظر.
الرجل: ماذا ترين؟
المرأة: فتاة صغيرة. إنها تبكى. هديتها ساقطة على الأرض. تتطلع مباشرة نحو العدسة...
الرجل: و تحمل روحها (صمت)"الظلم"ذلك ما أدعوه بها. لدى أسماء لكل تلك الصور. كما تعرفين. هيا، اختبرينى.
المرأة: حسنا.
(يمسك الرجل بعدد من الصور. يميز كل واحدة منها تلو الأخرى)
الرجل:"موت الجيتار""الفحولة""الدفء و الابتسام"آخر الكلاب المنبوذين"(وقفة)"الدعارة تهزم البراءة"
(تنظر المرأة إلى صورة"الدعارة تهزم البراءة"و تضحك فى خفوت)
المرأة: أين وجدت هذه الصورة؟
الرجل: فى المبرد، بين شريحتين باردتين، ملقاة بعيداً بحيث لا يراها أحد. متشابكة فى خيوط العنكبوت. تخفى سرا شقيا وعظيما.
المرأة: و أنت اكتشفتها.
(يومئ الرجل بالإيجاب - صمت)
المرأة: ماذا وجدت أيضا غير هذا؟
الرجل: الوحدة (وقفة) اليأس (وقفة) الضحك البهيج. (وقفة طويلة) الله.
(صمت)
المرأة: أنت... رأيت الله؟
الرجل: نعم.
المرأة: أين؟
(يأخذ الرجل الصور ويقلب فيها حتى يجد الصورة المطلوبة)
الرجل: فى نفس المكان وجدت هذه.
المرأة: قضبان القطار.
الرجل: القضبان التى لم أرها أبداً، لكن الصورة كانت قد استقرت حجر صغير، عظيم أسود مع كتل ثلجية بين الرمادى والأبيض وبقع صفراء، استقرت هناك كما لو أنها مرت بملايين السنوات من التغيير وعوامل التعرية، لتستقر هناك وكأن الهدف الوحيد الحفاظ على هذه الصورة الصغيرة (وقفة) و ذلك حيث رأيت الله.
المرأة: و كيف كان شكله؟
الرجل: لا أعرف إذا كانت له أو لها. لذلك أقول ذلك (وقفة) إنه يشبه الحصان.
المرأة: الحصان.
الرجل: نعم.
المرأة: وكان إله..؟
الرجل: أربعة أرجل بأربعة حوافر، و خطم طويل و عينان سوداوان و ذيل متميز و شعر فى لون القمح.
المرأة: (تضحك) رأيت حصاناً. مجرد حصان. عادى و بسيط. أنت أحمق.
الرجل: لا.
المرأة: أنت ساذج كبير.
(تدغدغه المرأة. فيشعر الرجل بالضيق)
الرجل: لا! لقد كان الله!
المرأة: هل أطعمته تفاحة؟
(تنفجر المرأة فى الضحك دون أن تسيطر على نفسها)
الرجل: تسخرين منى...
المرأة: بالطبع أسخر.
(يعبس الرجل و يأخذ الصور بعيداً)
المرأة: أوه... (وقفة) آسفة، لقد أغضبتك؟
(لا يجيب)
المرأة: ابتسم.
(تحاول المرأة مداعبة وجهه، لتجبره على الضحك، يبعد الرجل وجهه، و يضعه بين راحة يديها. إنها لحظة لطيفة بينهما)
المرأة: أنت حقاً رأيت الله فى ذلك الحيوان؟
الرجل: نعم.
المرأة: و هو... ماذا فعل؟
الرجل: تحدث إلى.
المرأة: و ماذا قال؟
الرجل: تغير إلى الأحسن.

 4 –

(صباحاً. مدخل البيت. يعبأ الرجل أشياءه فى هدوء، تدخل المرأة وتراقبه)
المرأة: لا ينبغى عليك أن ترحل أبداً.
(صمت)
الرجل: لكننى قررت. و لا يمكن التراجع عن ذلك أبداً.
المرأة: و ماذا الآن؟ إلى أين ترحل الآن؟،ما هو الجزء مع العالم الذى مازال مظلماً فى عينيك أيها الرحالة؟
(صمت)
المرأة: عندما ترحل تأخذ جزءاً منى معك،ذلك أننى لن أستطيع أن أعوضه بكلمات الشفقة من الآخرين أو الضحك من بين شفتى أو الأفكار التى فى كتب الفلاسفة. لن أستيطع غسل هذا الجزء أو طمسه أو حتى مسحه. لقد أخذت قطعة عظيمة ورحلت و تركتنى و حيدة مع كل ذلك، و ماذا يفترض على أن أفعل؟ هل أنتظرك؟
الرجل: نعم. كان يفترض أن تنتظرى.
المرأة: و قد فعلت ذلك ولفترة طويلة جداً. حتى لم يعد هناك شىء بالنسبة لنا جميعاً. و حتى بعد أن انتظرت أكثر من ذلك. حتى أعلنت الحداد.
الرجل: ووجدت الراحة فى أحضان دمى.
المرأة: نعم.
(صمت)
المرأة: انطلق،عد إلى حصانك الرب. يجب أن تسافرا معاً و تريا العالم. المغفل الكبير و إلهه الذى يمكن أن يركبه و يطعمه مكعبات السكر.
(يفتش الرجل فى حقيبته و يقذفها بكمية وفيرة من قطع الشيكولاتة. تأكل المرأة قطع الشيكولاتة بينما الرجل يرتدى ملابسه، وذلك ف ترتييب عكسى بحيث يتم إزالتها، يرتد ثيابه بالكامل، يفتح الباب، الزوج مرتدياً زياً واقيا شبيها تماما بزى الرجل، يقف عند عتبة الباب)
الزوج: سمعت أصواتاً.
المرأة: لدينا زائر يا عزيزى. يبحث عن مأوى من البرد، لكن الآن الجو حار و هو فى طريقه للخروج.
الزوج: هراء (إلى الرجل) ابق معنا أيها الصديق. العاصفة فى الطريق و مثل هذه الخرق التى تلبسها لن تجدى.
الرجل: يجب أن أستكمل رحلتى.
الزوج: هذه الأرض رائعة، تلك المحيطة بنا، ينبغى عليك البقاءهنا والعيش فيها، و. إنها أفضل من اى مكان آخر. نستطيع دائماً أن نجد المزيد من الجيران و الأزواج لبناتنا الصغار.
المرأة: إنه يرغب فى الرحيل. دعه يذهب.
الزوج: (متجاهلاً كلامها) إقامة مؤقتة يا صديقى.
(صمت)
الرجل: لقد كانت تلك إقامتى المؤقتة. هذه الليلة وهذا الصباح وقد انتهت.
(يخرج الرجل، و يغلق الباب خلفه)
الزوج: ما الذى يقصده بقوله هذا؟
المرأة: لن تجد أى معنى فى كلماته. إنه.... أحمق.
الزوج: آه..
(يخلع الزوج عباءته. و جهاز التنفس و نظاراته الواقية. يرى الشيكولاته)
الزوج: هل تلك...؟
المرأة: تريد قليلاً؟
الزوج: لا. أنا أبحث عن حلوى أخرى.
(يقترب الرجل من المرأة، يمسك بهاو يقبلها يقوة)
الزوج: ما تلك الرائحة؟
المرأة: صابون.
الزوج: أمن ضيفنا؟
المرأة: (تومىء بالإجابة) مقابل إقامته.
الزوج: رجل لطيف. رجل كريم.
المرأة: أحمق.
الزوج: زوجتى ترى فقط الأسوأ فى الجميع.
المرأة: إلا أنت.
(يربت الزوج على وجهها)
الزوج: عفوا، دقيقة انقض التراب من على جسدى و أغسل الموت عن وجهى.
(يقبلها الزوج من جديد و يخرج إلى القسم الآخر من المنزل. تحدق المرأة نحو الباب، و هى غير قادرة على أكل الشيكولاتة بعد ذلك)
المرأة: (تهمس) تغير (وقفة) لقد تغير.
النهاية
المؤلف: مجهول. النص من شبكة الانترنت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى